التحليلات

تفاؤل حذر: هل تُصحّح شبوة مسار المعارك في اليمن؟

04-01-2022 الساعة 6 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

سوث24 | فريدة أحمد


في 1 يناير، أول أيام السنة الميلادية الجديدة، انطلقت أول عملية عسكرية في محافظة شبوة جنوب اليمن، والتي أعلنتها "قوات العمالقة" الجنوبية وحملت اسم "إعصار الجنوب". ونجحت "العمالقة" فيها باستعادة مديرية عسيلان بالمحافظة، وهي إحدى مديريات بيحان الثلاث التي استولى عليها الحوثيون المدعومون من إيران في سبتمبر العام الفائت، أثناء ما كانت السلطة المحلية السابقة تحُكم قبضتها على المحافظة بقيادة "محمد بن عديو". الشخصية التي أثارت جدلاً واسعاً خلال أكثر من ثلاث سنوات.


ظهرت تداعيات قرار الرئيس هادي بتعيين البرلماني والزعيم القبلي البارز "عوض محمد بن الوزير" محافظاً جديداً لشبوة على الفور، فقد أعاد قرار تعيينه مع قوات العمالقة الجنوبية وقوات دفاع شبوة، ضبط المعركة من جديد لصالح شبوة. فهو إلى جانب كونه محافظاً يترأس اللجنة العسكرية والأمنية في المحافظة. وقد واجه المحافظ السابق "بن عديو" الذي ينتمي لحزب الإصلاح اليمني (الإخوان المسلمين) اتهامات تشير لتواطؤ قوات "الجيش الوطني" و "قوات الأمن الخاصة" التي تسيطر عليها الجماعة، بتسليم مديريات شبوة الثلاث للحوثيين بدون أي مقاومة تذكر. إذ بدا أنَّ النظرية القائلة بأن هناك تخادم حوثي- إخواني، أكثر تصديقاً اليوم، في ضوء ما تشهده المحافظة من تغيرات عسكرية على نحو إيجابي.


لم تكن هذه الاتهامات الموجهة لسلطة المحافظ السابقة هي الوحيدة، فقد اتُهم بعزل شبوة عن العاصمة عدن وحضرموت، وأصبحت شبوة موالية لمأرب على كل المستويات السياسية والعسكرية. خاصة بعد أحداث أغسطس 2019، وإحكام السيطرة على المحافظة من قبل عدد من الألوية التابعة للجيش الوطني الذي يقوده عسكريون شماليون، بالإضافة لقادة كتائب ونقاط تفتيش شماليين في أكثر من مديرية. وهو الأمر الذي أثّر على متانة العلاقات الاجتماعية في شبوة، نظراً للخلاف بين من هو مؤيد أو معارض لوجود هذه القوات، لا سيما بعد ارتكاب السلطة المحلية عدداً من الانتهاكات بحق جزء كبير من المعارضين لها، وعلى رأسهم قوات "النخبة الشبوانية"، التي واجه أفرادها الاغتيالات والاعتقالات وتم إذابتها بشكل كبير في المحافظة، رغم دورها الكبير سابقاً في الحفاظ على أمن واستقرار شبوة.


من نواحٍ أساسية أخرى، عزّز الثراء الاقتصادي الذي تحظى به محافظة شبوة، من أهميتها الاستراتيجية. فهي تعتبر رمانة ميزان القوى المُتصارعة عليها، محلياً وإقليمياً. فمن يسيطر على شبوة يمتلك باقي مفاتيح المحافظات المتجهة نحو الشرق، فضلاً عن إدارته لعوائدها وصادراتها النفطية، التي ظلت لسنوات مُحتكرة بأيدي الفاسدين، حسب اتهامات من أبناء المحافظة. كما تُعتبر شبوة، حجر زاوية رئيسي ومهم بالنسبة لأبناء الجنوب. فقد حاولت سلطة المحافظ السابق، ترسيخ حكمها بتسويق حجة أساسية مختلفة عن واقع شبوة، من خلال مبالغتها بإظهار منجزات غير ذا تأثير. لكن، هل كانت هذه الحجة صحيحة؟ فمقارنةً بحجم الانتهاكات والانقسامات التي تم تعميقها بين أبناء المحافظة، إلى جانب الفساد الإداري والمالي وتهريب عائدات النفط إلى مراكز القوى الخاضعة لسلطة الإخوان المسلمين في محافظة مأرب، هي لا تُعَدُ شيئاً، حسب مراقبين.


قوات العمالقة في الواجهة


في 27 ديسمبر، دفعت قوات ألوية العمالقة الجنوبية بقيادة العميد "أبو زرعة المحرمي"، والتي تعمل ضمن "القوات المشتركة" في الساحل الغربي لليمن، بقوات عسكرية ضخمة إلى محافظة شبوة. وأعلنت العمالقة في بيان مقتضب [1]، أنَّها ستتولى عملية تحرير مديريات شبوة الثلاث التي سيطر عليها الحوثيون. ويأتي انتشار قوات العمالقة الأخير ضمن ترتيبات عسكرية واسعة النطاق، قد تمتد فيما بعد للبيضاء ومأرب بعد تحرير مديريات شبوة بالكامل.


وتتكون ألوية العمالقة المتواجدة في شبوة من أربعة ألوية: اللواء أول عمالقة؛ يقوده العميد رائد الحبهي، واللواء الثاني عمالقة؛ يقوده العميد حمدي شكري، واللواء الثاني عشر عمالقة؛ يقوده العميد عمار علي محسن، المعروف بـ "أبوعلي الضالعي"، ولواء العميد النخعي. ويتُوقع أن تلعب قوات العمالقة دوراً كبيراً في تحرير وتأمين منافذ شبوة مع محافظتي البيضاء ومأرب، ومن المحتمل أن تتجه لاحقاً إلى مأرب لتخفيف الضغط والاندفاع الحوثي على المحافظة وتعزيز دفاعات المقاومة هناك.


من المهم الإشارة، إلى أنَّ غالبية المنتمين للعمالقة شباب جنوبيون ينتمي معظمهم إلى التيار السلفي، وقد برزوا كقوة مؤثرة من خلال معركة "الرمح الذهبي"، التي هدفت لاستعادة مدن الساحل الغربي من الحوثيين، في يناير 2017. وتولت دولة الإمارات الدور الأكبر في قيادة العملية العسكرية. وبعد أن استعادت ألوية العمالقة والألوية التهامية معظم المدن المطلة على الساحل الغربي، تم الإعلان عن "القوات المشتركة" [2]  في يوليو 2019، بعد أن انضمت لها بالتوازي قوات "حراس الجمهورية" أو ما تُعرف اليوم بـ "المقاومة الوطنية"؛ التي يقودها العميد "طارق صالح".


في المقابل، تبدو علاقة قيادة العمالقة بالمجلس الانتقالي الجنوبي وثيقة. كما يتوافق الطرفان حول طبيعة الصراع القائم مع الحوثي والإخوان المسلمين، المتعلقة بالتعاون والتخادم فيما بينهما حسب تأكيدات عسكرية في الميدان. لذا فقوات العمالقة تدرك في الوقت نفسه؛ أهمية أن يشكل الانتقالي الجنوبي غطاءً سياسياً لها، مثل بقية القوات الجنوبية الأخرى، كالدعم والإسناد والعاصفة والأحزمة الأمنية والنخبتين الشبوانية والحضرمية. ومن المرجّح، ألا تعود قوات العمالقة الجنوبية للساحل الغربي خلال الفترة القادمة، إذ يبدو أنَّ هناك ترتيبات عسكرية محتملة بتوزيع جبهات الساحل بين قوات المقاومة الوطنية والقوات التهامية، ضمن عمليات إعادة انتشار وتموضع القوات العسكرية هناك.


أمر آخر أكثر أهمية، فبوجود قوات العمالقة الجنوبية في شبوة ومعها قوات دفاع شبوة (النخبة الشبوانية)، قد يُشكل ذلك خطراً على بقاء القوات العسكرية التابعة للجيش الوطني في شقره بأبين، والتي رفضت في وقت سابق التوجه إلى مأرب بناءً على بنود الشق العسكري من اتفاق الرياض، ودخلت في مواجهات مع الانتقالي الجنوبي أكثر من مرة. لذا، فبعد سيطرة القوات الجنوبية وتوغل الانتقالي الجنوبي في شبوة، بات من السهل هزيمتها في حال عادت حالة التوتر العسكرية بينها وبين قوات الانتقالي الجنوبي، إذ تعتبر حالياً مُطوَّقة من الجانبين. ومن الممكن أن تنسحب في وقت قريب إذا استشعرت الخطورة، حتى لو لم تدخل مع القوات الجنوبية في مواجهات عملياتية مباشرة، لاسيما وأنَّ الدعم والحماية الذي كانت تحصل عليه من شبوة قد انتهى؛ ولم يعد لديها حامية خلفية من الناحية العملية.


استراتيجية التحالف العربي في شبوة


بدا جلياً، أن الرياض أعادت حساباتها الخاطئة في شبوة، بعد الخسائر الفادحة التي تحملتها بسبب السلطة المحلية السابقة، التي ساهمت بتقدم الحوثيين في مديريات مأرب وشبوة. ومن المعروف أنَّ دور السعودية كان محورياً في معادلة أحداث أغسطس 2019، إذ دعمت الجيش الحكومي بقوات وتعزيزات من مأرب، كما قدَّمت الدعم السياسي والمالي اللامحدود بعد ذلك للإخوان المسلمين في المحافظة، وهو ما كان واضحاً من خلال نوعية الأسلحة والمعدات التي كانت تستخدمها القوات الخاصة وبقية الوحدات المحسوبة على الجيش هناك.


وفي إطار اتفاق الرياض يمكن القول، أنَّه وبالنظر للتهديد العسكري على مأرب من قبل الحوثيين، وعدم إسناد القوات هناك من المنطقة العسكرية الأولى أو عودة القوات من شقرة إلى مأرب لتعزيز دفاعاتها، لا يبدو أنَّ مقاربة تنفيذ الشق العسكري قابلة للتطبيق على المدى القصير، خاصة وأنَّ التحالف العربي استعان بقوات العمالقة الجنوبية في شبوة لإكمال مهام التحرير، ومن الممكن أن يعتمد عليها في جبهات شمالية أخرى، في ظل أنباء متواترة عن تواطؤ الجيش الوطني الذي يقوده "علي محسن الأحمر" بتسليم أكثر من جبهة هناك للحوثيين.


علاوة على ذلك، يبدو من الواضح أنَّ هناك مساعٍ لتحجيم دور الإخوان المسلمين في مؤسستي الجيش والأمن، مقابل الاعتماد على قوات عسكرية بديلة أكثر تعاوناً وثقة لدعم عمليات التحالف العربي في اليمن. ومن الملاحظ أنَّ أبوظبي استعادت دورها في شبوة بالتنسيق مع الرياض بشكل واسع، من خلال التغييرات الأخيرة في المحافظة، سواء بدعم تغيير المحافظ أو دعم قوات العمالقة الجنوبية وكذا تفعيل دور النخبة الشبوانية (قوات دفاع شبوة) في تحرير مديرياتها، لا سيَّما وأن الإمارات هي من تدعم هذه القوات منذ سنوات.


في المقابل، يمكن أن تُشكّل "قوات الأمن الخاصة" المتّهمة بموالاتها لحزب الإصلاح، بؤرة توتر أمني وعسكري في شبوة، ويمكن أن تتعامل معها سلطة المحافظة بدعم من التحالف حسب مصدر مسؤول لسوث24، وفقاً لعدد من السيناريوهات المحتملة: إما تغيير قيادتها وإعادة تشكيلها حسب ما يتوافق مع أهداف السلطة المحلية الجديدة ومساعيها في تأمين شبوة، أو العمل على تفكيكها من خلال تجفيف مواردها ومصروفاتها المعتمدة من خزينة المحافظة منذ عهد "بن عديو"، أو هيكلتها ضمن شرطة شبوة، وأخيراً وهو أسوأ الاحتمالات؛ ضربها عسكرياً وتفتيتها بشكل كامل، لضمان عدم إرباكها للمشهدين العسكري والسياسي في المحافظة.


تفعيل دور مكافحة الإرهاب


كان لقوات النخبة الشبوانية دوراً كبيراً في القضاء على عناصر تنظيم القاعدة في شبوة، بعد إطلاق عمليتي "السهم الذهبي في حضرموت، والفيصل في شبوة" بدعم من التحالف العربي بين عامي 2017 و2018. وبعد سيطرة قوات الجيش الوطني على شبوة في أغسطس 2019، استعاد تنظيم القاعدة نشاطه في بعض المديريات، ونفذ بعض العمليات ضد نقاط تفتيش ومراكز أمنية تديرها النخبة الشبوانية، قبل أن يتم إنهاء وجود الأخيرة بشكل شبه كامل بالمحافظة. وقد أكدت مصادر مقربة من سوث24، أن التنظيم كان يتحرك بكل أريحية في المحافظة السنتين الأخيرة، غير أنَّه لم يكن من مصلحة السلطة المحلية السابقة أو إعلام حكومة هادي الإعلان عن ذلك.


كان من الممكن أن تتحول شبوة بعد سيطرة الحوثيين على ثلاث مديريات فيها، إلى بؤرة صراع جديدة بين القوى الدينية الثلاث "تنظيم القاعدة، والحوثيين، والإخوان المسلمين". وإن اتفقت مؤقتاً فيما بينها البين، غير أنَّ بقائها سيشكل خطراً كبيراً في المستقبل على محافظات الجنوب، وعلى دول التحالف العربي ومنطقة خليج عدن والبحر الأحمر. من المهم اليوم، أن تستعيد قوات النخبة دورها في شبوة، فقد سبق وأثبتت موثوقية في مكافحة الإرهاب، لا سيما وهي قوة مدربة على ذلك. كما عملت على عدة إصلاحات في مجال الأمن وحدّت من انتشار الأسلحة وعمليات التهريب في المحافظة.


وقد أشادت وزارة الخارجية الامريكية في أحد تقاريرها السنوية، بالدور المحوري الذي تلعبه قوات الحزام الأمني المدعومة من التحالف العربي في مجال مكافحة الإرهاب في جنوب اليمن. وأضافت الوزارة أن قوات الحزام الأمني ووحدات المكافحة التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي لعبت دوراً مهماً في جهود مكافحة الإرهاب، حيث سيطرت على أجزاء كبيرة من عدن وأبين وشبوة وبفضل الضربات القاتلة التي شنتها في عدد من المحافظات جنوب اليمن ظل تنظيم داعش في اليمن أصغر حجمًا ونفوذًا إلى حد كبير مقارنة بالقاعدة في جزيرة العرب.


في المحصّلة، يمكن القول أنَّه بات من الضرورة إعطاء القوات الجنوبية العسكرية الأولوية في تأمين مناطقها وتحييدها عن الصراع العسكري، في الوقت الذي خذلت فيه القوات الأخرى غير الجنوبية المناطق التي تمركزت قواتها فيها وهي مناطق اقتصادية ذات موارد هائلة في جنوب اليمن مثل شبوة أو حضرموت.


ومن المرجّح إلى حدٍ كبير، أن ينجم عن التغييرات في الديناميكيات السياسية والعسكرية الأخيرة في شبوة، خمس نتائج رئيسية:


أولاً: تصحيح البنية الإدارية للمحافظة كهيئة تنفيذية ومدراء مديريات، وإلغاء تعيينات سابقة كان المحافظ "بن عديو" يتخذها كمعيار لتنصيب أقرباء أو أفراد ينتمون لحزب الإصلاح اليمني.


ثانياً: إعادة الاعتبار لمؤسسة الأمن ومؤسسة القضاء، بإلغاء السجون السرية وإطلاق سراح المعتقلين الذين لم تثبت إدانتهم، وإحالة من توجه لهم تهم إلى النيابة العامة.


ثالثاً: لم شمل أبناء المحافظة وإعادة تمتين العلاقات الاجتماعية والسياسية فيما بينهم، بعد ما أحدثه أداء السلطة السابقة التي يصفها كثير من المراقبين بالكارثي؛ وإعادة ترميم علاقة شبوة كمحافظة جنوبية بالعاصمة عدن وحضرموت، خلافاً للنهج السابق المعادي لهاتين المحافظتين تحديداً.


رابعاً: خلق علاقة جيدة بين التحالف العربي والمجلس الانتقالي الجنوبي والسلطة المحلية والقبائل، مما ينعكس بشكل إيجابي على شبوة للحفاظ على مكتسبات المرحلة القادمة.


خامساً: الاستمرار في جهود مكافحة الإرهاب، بالتعاون مع دول التحالف العربي والمجتمع الدولي.


فريدة أحمد  

باحثة مقيمة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات


الصورة: قوات العمالقة الجنوبية في طريقها إلى عتق، عاصمة شبوة، 30 ديسمبر 2021 (إعلام العمالقة)


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا