13-01-2022 الساعة 10 صباحاً بتوقيت عدن
سوث24 | فريدة أحمد
شهدت التطورات السياسية والعسكرية الأخيرة في محافظة شبوة جنوب اليمن، اهتماماً غير مسبوق في منصات وسائل الإعلام المحلية والعربية والأجنبية. ومنذ بدء معركة تحرير مديريات شبوة "بيحان، عسيلان وعين"، التي سيطر عليها الحوثيون المدعومون من إيران في سبتمبر الماضي، توجّهت الأنظار إلى هذه المحافظة المهمّة اقتصادياً واستراتيجياً. سلطت وسائل الإعلام الضوء على سير عمليات الإصلاح السياسي بتغيير محافظ جديد حسب الشق السياسي من "اتفاق الرياض"، الذي تعطل تنفيذه لوقت طويل. كما تابعت الإصلاحات العسكرية التي انطلقت على أيدي "قوات العمالقة الجنوبية"، لتحرير مديريات شبوة من الحوثيين، قادمة من الساحل الغربي، في إطار استراتيجية جديدة للتحالف الذي تقوده السعودية.
لكن، في خضم هذه التغطية التي برزت فيها قنوات كبرى كـ "سكاي نيوز العربية"، لجأت وسائل إعلامية محلية بدرجة رئيسية، وإقليمية ودولية أخرى إلى حذف وتزييف وقائع هامة، وأضافت وقائع ومسميات أخرى غير دقيقة، في محاولة لحرف بعض الحقائق وتقديم أنصافها. كان ذلك منسجما مع جهد شبيه من قبل نخبة من السياسيين والإعلاميين القريبين من صنع القرار في الحكومة اليمنية.
يشتكي الجنوبيون من هيمنة النخبة الشمالية على وسائل الإعلام اليمنية ومكاتب بعض القنوات العربية أو وكالات الأنباء الدولية، الأمر الذي يعرّض هذه المنصات، لتجاوز المهنية في كثير من تغطياتها التي تخص الشأن في جنوب اليمن. وهذه الإشكالية عميقة وتمتد لسنوات منذ قيام "الوحدة اليمنية" عام 1990.
تحاول هذه الورقة تسليط الضوء على التغطية الإعلامية التي برزت خلال معركة العشرة الأيام في محافظة شبوة (إعصار الجنوب)، وتحليل الخطاب الإعلامي الذي تناول الحدث بصورة تضليلية، وربطه بأحداث أخرى مشابهة تكشف مدى حجم التناقض في السياسة الإعلامية لهذه الوسائل أو الخطاب العام لبعض النخب اليمنية.
بين الجيش اليمني والعمالقة الجنوبية
بدأت في الساعات الأولى من مطلع يناير الجاري، معركة تحرير مديريات بيحان. وكانت وسائل الإعلام تتناقل خبراً في الساعات الأولى منها؛ عن معركة يخوضها "الجيش اليمني" مع الحوثيين في مديرية بيحان[1]. في إشارة إلى "الجيش الوطني" الذي يتخذ من مأرب معقلا أخيرا له في الشمال، ويخضع لنائب الرئيس اليمني وحزب الإصلاح.
بيد أن للحقيقة وجه آخر، فالجيش اليمني، لم يكن له أي دور في معركة تحرير شبوة، كانت قوات "العمالقة الجنوبية"، هي من تتصدر المشهد العسكري بعد أرضية الخذلان الذي تعرض لها أبناء المحافظة من أداء السلطة المحلية السابق، وثيقة الصلة بالحزب الإسلامي. خاصة بعد تسليم مديرياتها للحوثيين دون مقاومة تذكر، حسب قيادات عسكرية في الميدان[2]. غير أن وسائل إعلام عربية، قطرية و سعودية على سبيل المثال، قنوات الجزيرة والعربية والحدث، تناولت الأخبار من منظور بعيد عن الدقة، بل ويحرّف الحقائق، وهي تضع قوات الجيش اليمني أو “الجيش الوطني” في واجهة معارك التحرير، وتهمّش من دور ألوية العمالقة الجنوبية، وهي تطلق عليها "العمالقة اليمنية". هذا الأداء سرعان ما تغيّر إلى حد ما بعد موجة حادة من الانتقادات على وسائل التواصل الاجتماعي، غير أنه بقي في الخطاب الموجه للوسائل الغربية باللغة الإنجليزية[3].
وعلى نحو مماثل، تعاملت وكالة رويترز مع الحدث بصورة شبيهة، عندما أشارت لقوات العمالقة ب "اليمنية"عوضاً عن الجنوبية[4]، في الوقت الذي كان يحتّم عليها الالتزام بالتسمية الرسمية لهذه القوات. وقد ظهرت أصوات سياسية تعارض التغطية المتكررة التي تتحاشى كتابة كلمة "جنوب" في أكثر من مكان[5]، خاصة من وكالات أنباء عالمية يفترض أنها تراقب معاييرها المهنية، وتستخدم أدوات التحقق لديها في ظل طفرة وسائل نقل المعلومات المتعددة. إلا أنّ هذه الوسائل الدولية لم تسلم هي الأخرى من النقد في إسناد مهام مكاتبها في اليمن لصحفيين من الشمال.
هذه الخلفية للتعامل الإعلامي والتضليل المعلوماتي للأحداث في جنوب اليمن، لم تكن الأولى من نوعها، فقد سبقها شواهد لأحداث أخرى. وقد ناقش مركز سوث24 ورقة بهذا الخصوص[6].
إمكانية حدوث هذا التضليل في معارك شبوة، كان أحد الأسباب، على ما يبدو، التي دفعت "قوات العمالقة" ل تغيير اسمها من "قوات العمالقة – الساحل الغربي"، إلى "قوات العمالقة الجنوبية"[7]. وهو ما فعلته قبل ذلك، عندما أطلقت على اسم معركة تحرير مديريات شبوة بـ "إعصار الجنوب". كما قام بعض أفرادها برفع الأعلام الجنوبية الوطنية على العربات العسكرية أثناء المعارك. وقد فُسر تغيير الاسم إلى جانب نسبة انتماء هذه القوات إلى جنوب اليمن، على أنه أيضاً يرتبط بمسرح عمليات عسكرية على نطاق جغرافي محدد.
تناقض الخطاب
على مدى أيام، ومنذ بدء معارك تحرير شبوة، كانت وسائل الإعلام التابعة لحزب الإصلاح اليمني، ونخب شمالية أخرى، تطالب قوات "العمالقة الجنوبية" بالتدخل لتحرير مناطق في شمال اليمن من قبضة الحوثيين. على الرغم من أن ذات الوسائل كانت إلى وقت قريب؛ تحرّض في إعلامها ضد ألوية العمالقة، التي تصفها بصورة متكررة بـ "مدعومة إماراتياً". وتأتي الإشارة الدائمة للدعم الإماراتي مقروناً باسم العمالقة في مجمل تغطياتهم المنشورة، لتتخطى التلميح إلى الدعم الإماراتي المعترف به ضمن التحالف العربي إلى الإحالة للحملات الكيدية، ضمن سياقات اللغة الممنهجة التي تحرض على ألوية العمالقة بوصفهم "مقاتلين مرتزقة". وتواصلت هذه المنهجية بين التبديل باستخدام التعريفين؛ التعريف المعترف به والتعريف المزعوم ليشكلا في ذهنية المتلقين تعريفا واحداً.
لا يعدّ الدعم الإماراتي أو السعودي سراً، لكن الأكثر غرابة أن "الجيش الوطني" الذي أُسس بالكامل بدعم من التحالف العربي وأُنشئ بالمثل تحت غطاءه لنفس الهدف، ومثله باقي القوات التي تقاتل الحوثيين بلا استثناء، لا تلقى نفس الهجوم أو التشكيك الذي تلقاه القوات العسكرية الجنوبية بكامل مسمياتها. بل تُتهم أحياناً؛ وخاصة القوات التابعة للانتقالي الجنوبي في العاصمة عدن بـ "الانقلابية"، لكنها مطالبة في ذات الوقت باستكمال تحرير مناطق في شمال اليمن لإثبات مدى جديتها في القتال.
يشير ميزان الأدلة لشواهد أخرى سابقة في التضليل، قادها ناشطون يمنيون، لاستغلال وإثارة خلافات سابقة في الساحل الغربي. منها على سبيل المثال: الاتهامات التي وجهت للقائد العام لألوية العمالقة "أبو زرعه المحرمي"، عندما أقال قائد اللواء الثالث عمالقة الملقب بـ "أبو عيشه" في مايو من العام الفائت، بسبب تورط الأخير في قضايا فساد[8].
في المقابل، يلاحظ أن الخطاب الموّجه لقوات "العمالقة الجنوبية" بعد الانتصارات التي حققتها في معارك شبوة، يبدو جيداً إلى حدٍ ما من معظم الأطراف، غير أنه سيحظى بالثناء الحذر في شمال اليمن، في حال شاركت هذه الألوية في القتال داخل عمق أراضي الشمال بعيدا عن الشعارات المرتبطة بالمساعي "الانفصالية" في الجنوب[9].
إن المتتبع للخطاب الإعلامي في اليمن، سيلحظ جملة كبيرة من المتناقضات التي قد لا تظهر في جزء واحد من الخطاب، ولكن تظهر بمجموع المحتوى الإعلامي. وهو ما يمكن تسميته إما بالتخبط أو بالحرب النفسية في تغطية الأزمات. غير أن فائض التزييف والتضليل المعلوماتي، لا سيما من وسائل إعلام دولية كبرى تستند في معلوماتها على وسائل إعلام محلية موجّهة، دائماً ما يسبب استياء متنامٍ لدى قطاع واسع من اليمنيين، خاصة المنتمين للجنوب.
جانب آخر من التغطية
حظيت التغطية الإعلامية الإيجابية لمعارك تحرير مديريات شبوة الأخيرة، على حيّز كبير في وسائل الإعلام. إذ بعثت عدد من القنوات الفضائية موفديها في أكثر من جبهة لنقل الحدث، خاصة وأن بعضها كانت يعتمد على مراسلين من جنوب اليمن. وهو ما يدل على وجود اهتمام إعلامي بما يجري على الميدان من تطورات عسكرية قبل التماس نجاح العملية، سواء من الإعلام المقرّب من التحالف أو غير ذلك.
وعلناً، أشار عدد من المسؤولين الخليجيين[10] واليمنيين للعمليات العسكرية التي قامت بها "العمالقة الجنوبية" في شبوة. الأمر الذي يمكن أن يكون في حد ذاته مؤشراً على التناغم بين تأثير التغطية الإعلامية المحايدة، وتفاعل النخب السياسية والفكرية معها، دون اجتزاء الحقيقة او تحويرها.
ينبغي القول، أن الاعتماد على مراسلين أو موفدين يلتزمون بالمعايير المهنية في نقل المعلومات، أمر مهم للمتابع أو المهتم بالشأن اليمني. وعلى وسائل الإعلام الإقليمية أو الأجنبية على وجه الخصوص، والتي يعتبرها كثير من المهتمين راسخة وموثوقة في نقل معلوماتها، أن تركّز بشكل كبير على شبكة مراسلين وموفدين، ينقلون الصورة كما هي وبمسمياتها الحقيقية.
إن السبيل الوحيد لمثل هذه التغييرات، يأتي من داخل المؤسسات الإعلامية نفسها، بوضع الأشخاص المناسبين في الأماكن المناسبة، لا سيّما لو كان هؤلاء الأشخاص من أصحاب الأرض لتكون المعلومة المنقولة أكثر دقة وأعمق وصولاً للمهتمين. أو على الأقل، صحفيون مستقلون لا يغلب عليهم طابع الانتماء لجهات بعينها، لتحاشي الوقوع في التضليل الإعلامي. مع عدم إغفال أن وسائل الإعلام، العربية منها بالذات، تخضع لضغوطات سياسات الدول التي تمثلّها أو تعكس صورتها.
باحثة مقيمة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة: مقتطعة من نشرة أخبار لقناة سكاي نيوز، 07 يناير 2022
قبل 3 أشهر