تحرير وتأمين شبوة وانعكاساته المختلفة

تحرير وتأمين شبوة وانعكاساته المختلفة

التحليلات

السبت, 29-01-2022 الساعة 02:48 مساءً بتوقيت عدن

سوث24 | فريدة أحمد 

خلال  عشرة أيام فقط منذ مطلع يناير 2022، حسمت قوات "العمالقة الجنوبية" إلى جانب قوات "دفاع شبوة"، معركة تحرير مديريات شبوة الثلاث "بيحان وعسيلان وعين" جنوب اليمن، بدعم من التحالف العربي وفي مقدمته دولة الإمارات. هذه المديريات سيطر عليها الحوثيون في سبتمبر من العام الماضي عندما كان يتولى قيادة السلطة المحلية "محمد صالح بن عديو" العضو في حزب الإصلاح اليمني، والذي تم تغييره أواخر ديسمبر العام الماضي، وتعيين بدلاً عنه لزعيم القبلي البارز "عوض بن الوزير العولقي"، كمحافظ جديدً لشبوة.

كان على السلطة المحلية السابقة ممثلة بحزب الإصلاح المنتمي أيديولوجياً للإخوان المسلمين، أن تتوقع انتهاء دورها بعد سيطرة الحوثيين على بعض مديريات شبوة. لا سيما وأن قيادات عسكرية عليا في الجيش[1]، قد سبق وأن وجهت اتهامات علنية لقوات "الجيش الوطني" و "قوات الأمن الخاصة" التي تُدين بالولاء للجماعة في المحافظة، بتسليم مديريات شبوة للحوثيين بدون مقاومة تذكر. الأمر الذي فُسر على أن هناك تعاون مسبق بين الحوثيين المدعومين من إيران وبين حزب الإصلاح، وهو تعاون لم يكن مقتصراً على شبوة فقط، بل شمل مديريات في مأرب والبيضاء، وقد أثبتته وقائع سابقة على الأرض، وأكده بالمثل مصدر سياسي في مأرب[2].

ينبغي القول، أن تحقيق انتصار عسكري في وقت قياسي خلال معركة شبوة، له علاقة بفكرتين أساسيتين: الأولى، الرغبة والإرادة الحقيقية لدى القوات العسكرية الجنوبية في تحرير مديريات المحافظة من السيطرة الحوثية، خاصة في ظل تراجع وسوء إدارة المعارك من قبل السلطة المحلية السابقة. والثانية، جودة التنظيم والتنفيذ والكفاءة العسكرية التي تتمتع بها قوات "العمالقة الجنوبية"، مقارنة بقوات "الجيش الوطني" الذي يواجه مشكلة تسرّب في قوام أفراده، فضلاً عن تفشي الفساد المالي والإداري في منظومته، حسب تقارير سابقة قُدمت للتحالف العربي[3].

حالياً، قد يؤدي إعادة تصحيح المسار على الجانبين السياسي والعسكري في محافظة شبوة إلى تشجيع باقي المحافظات الشمالية إلى الحذو حذوها، لا سيما في محافظة مأرب آخر معقل لحكومة هادي المعترف بها دولياً في الشمال، والتي تواجه مديرياتها باتجاه المدينة تهديدات ماثلة من الحوثيين. غير أنه من الممكن في هذه الجزئية طرح سؤال، عمّا إذا كانت هناك رغبة جادة من حكومة هادي وجيشها في إنهاء الحرب عسكرياً ضد الحوثيين، عدا عن الحفاظ على ما تبقى من مناطق بحوزتها، وعن مدى مشاركتها فعلياً في المعركة التي أطلق عليها "حرية اليمن السعيد"[4].

تأثير ديناميكي 

إن من شأن تغيّر الديناميكيات السياسية والعسكرية في شبوة أن تؤثر على جوانب عدة، منها أمنية واقتصادية واجتماعية. ويمكن الاستناد فيها سياسياً؛ إلى تغيير المحافظ وفقاً لما جاء في بنود الشق السياسي لاتفاق الرياض، الذي تأخّر تنفيذه لوقت طويل. وعسكرياً، بدخول قوات "العمالقة الجنوبية" لشبوة وترجيحها ميزان القوة العسكرية لصالح القوى الجنوبية، ثم امتداد مهام عملياتها لخارج حدود المحافظة. وكلا الحالتين السياسية والعسكرية ترتبط ارتباطاً مباشراً بالجوانب الأخرى. ففي السابق، كانت الحالة العامة مضطربة وأثّر ذلك على التواصل المجتمعي ومتانة العلاقات الاجتماعية، وسادت حالة من الاحتقان بين السكان المحليين الذي انقسموا ما بين مؤيد ومعارض لسياسات السلطة المحلية التي أدارها "بن عديو" لأكثر من ثلاث سنوات منذ أحداث أغسطس 2019، وعزل فيها محافظة شبوة عن العاصمة عدن وحضرموت، وباتت مرتبطة كلياً بمأرب، على مختلف الأصعدة.

عملياً، مع انتهاء حالة الفوضى السياسية والعسكرية في شبوة، ستنتفي معه حالة التوتر المجتمعي تدريجياً. وهذه التقديرات في مجملها يمكن أن تنعكس على حرية العمل التنظيمي المرتبط بكل طرف سياسي، وفقاً للبرامج وليس وفقاً للصراع السياسي. إذ من المتوقع أن يتعزز دور المجلس الانتقالي الجنوبي في شبوة بشكل كبير، لكونه الطرف السياسي الأكثر نشاطاً وتنظيماً والأكثر قدرة على التواصل مع المجتمعات المحلية في جنوب اليمن، لا سيما في ظل انحسار دور الأحزاب السياسية الأخرى. لذا، على الأرجح أن قاعدة الانتقالي الجنوبي ستتسع في شبوة بعد أن واجه عداءً من السلطة المحلية لوقت طويل، وتضييق صارم على أنشطته، وملاحقة لناشطيه، زاد على ذلك الانتهاكات التي ارتُكِبت بحق قوات "النخبة الشبوانية" التابعة له، رغم دورها الكبير في الحفاظ على أمن واستقرار المحافظة، وتمتعها بسمعة جيدة في أوساط المجتمع الشبواني.  بات من الواضح أن السلطة المحلية الجديدة أكثر حكمة في التعامل مع التعقيدات في شبوة، لذلك فهي تتجه إلى النأي بنفسها عن التدخل في حالة الاستقطابات أو استخدام سلطتها للتأثير السياسي، مع ترك الحرية للقوى السياسية التحرك على الأرض، بدون أن تكون السلطة المحلية أداة قمعية بيد هذا الطرف أو ذاك. وحتى لا تكرر أخطاء ما ارتكبته السلطة السابقة، التي اعتمدت في تعزيز وجودها على الاستثمار في حالة الصراع والاحتقان السياسي والعسكري والاجتماعي.

أما من الناحية الأمنية، كان من اللافت بدء عودة الاستقرار الأمني في شبوة بعد تغيير المحافظ ودخول قوات العمالقة وقوات دفاع شبوة "النخبة الشبوانية سابقا" إليها. غير أن "قوات الأمن الخاصة" المتهمة بموالاتها لحزب الإصلاح، يمكن أن تشكل بؤرة توتر أمني وعسكري، لاسيما وأنها لا تخضع مباشرة لسلطة المحافظ الجديد، وتتلقى أوامرها العملياتية من خارج المحافظة. وهذه إشكالية قد تتطلب التعامل معها وفقاً لعدد من السيناريوهات المحتملة[5]: إما تغيير قيادتها وإعادة تشكيلها حسب ما يتوافق مع أهداف السلطة المحلية الجديدة ومساعيها في تأمين شبوة، على أن تكون عملياتياً تحت سلطة المحافظ "العولقي"، لكونه يتولى منصب رئيس اللجنة الأمنية والعسكرية أيضا. وإما العمل على تفكيكها من خلال تجفيف مواردها ومصروفاتها المعتمدة من خزينة المحافظة منذ عهد "بن عديو"، أو هيكلتها ضمن شرطة شبوة. وأخيراً وهو أسوأ الاحتمالات؛ حلها عسكرياً وتفتيتها بشكل كامل، لضمان عدم إرباكها للمشهدين العسكري والسياسي في المحافظة.

في مقابل ذلك، ستؤدي هذه التصحيحات إلى تفعيل البنية الأمنية التي غاب عنها عدد كبير من أبناء شبوة، لا سيّما المعارضين للسلطة المحلية السابقة المنتمين للنخبة الشبوانية. وهو ما يعني استعادة دورهم الأمني بشكل أوسع، لما أثبتوه سابقاً من إنجازات وموثوقية في جهود تأمين المحافظة، مثل مكافحة الإرهاب[6] والحد من انتشار الأسلحة وعمليات التهريب وغيرها.

أما الجانب الاقتصادي، بشكل عام، لم تقدم السلطة المحلية الجديدة خطة لمشاريعها التنموية والاقتصادية التي يمكن العمل عليها خلال الفترة المقبلة[7]. لكن من الممكن القول، أن الحالة الاقتصادية يمكن أن تتحسن إذا ما استطاع المحافظ "العولقي" إجراء إصلاحات وتغييرات داخل المكاتب التنفيذية للمحافظة، وربما تعيين مدراء عموم وفقاً للكفاءة والخبرة وإحلالهم محل الشخصيات التي جاءت إما بناءً على المحسوبية أو حالة الصراع السياسي. فالتقسيم الإداري وإجراء إصلاحات عليه ومكافحة الفساد يمكن له أن يوظف الموارد المتاحة لشبوة بشكل أفضل.

إضافة إلى أن تخفيف "النفقات العسكرية" التي كانت تصرف من موارد المحافظة أثناء سلطة "بن عديو"، على القوات العسكرية من خارج وزارة الدفاع، يمكن توفيرها وتوجيهها نحو أنشطة اقتصادية ومشروعات تنموية تخدم مختلف القطاعات في شبوة. خاصة النفقات التي كانت موجهة للقوات العسكرية المرابطة في شقرة بأبين، وتتماهى مع السلطة المحلية السابقة في مشروع التصعيد تجاه العاصمة عدن.

استغلال الفرص 

لابد من فهم أعمق لأهمية جنوب اليمن الاستراتيجية ومواصلة دعم قادته الموثوقين، وشبوة كانت درساً قريباً مستفاداً. إذ يبدو أن التحالف العربي بقيادة السعودية بات لديه تصوّر أعمق وإن كان متأخراً نوعاً ما، عن هذه الأهمية، ومدى تأثيرها في توازنات الحرب. فقد أدى تصحيح المسار السياسي في شبوة المبني على اتفاق الرياض، إلى خلق نهج جديد لإدارة المحافظة سياسياً وعسكرياً، وتدارك الوقوع في أخطاء جديدة إضافة للسابقة. ومن مصلحة التحالف العربي والمجتمع المحلي في شبوة الحفاظ على هذه المكاسب الاستراتيجية.

هذه المعادلات تتعلق بالتهديد الحوثي الذي يتطلب منظوراً استراتيجياً مختلفاً من قبل التحالف العربي، خاصة بعد الانتصارات العسكرية التي حققتها قوات "العمالقة الجنوبية" في شبوة وحريب في مأرب. إذ من الممكن أن يتعرض التحالف العربي وقوات "العمالقة الجنوبية" للاختبار في بعض الجبهات التي تدار من قبل "الجيش الوطني". وهو ما يمكن أن يتيح استراتيجية فاحصة وحذرة من قبل القوى العسكرية الجنوبية المشاركة في تحرير مديريات مأرب، والتأكد جيداً أن بقية القوى الأخرى ستجيد استغلال الفرص التي أضاعتها سابقاً، في ظل تراجع القوة الحوثية نتيجة الضغط العسكري عليها من الجو والأرض في أكثر من مكان.

في نهاية المطاف، على الرغم من أن القوات العسكرية الجنوبية بما فيها "العمالقة الجنوبية"، قد لا تطمئن للمشاركة في القتال إلى جانب قوات "الجيش الوطني"، الذي يبدو أنه ينسب انتصارات العمالقة إليه في التناول الإعلامي[8]. إلا أن هذه المعارك تبدو الخيار العملي الوحيد للقوات الجنوبية من أجل تأمين حدودها. مع ذلك، من غير الواضح كيف ستتطور الأوضاع العسكرية على جبهات مأرب بعد طي صفحة شبوة.

المدير التنفيذي لمركز سوث24 للأخبار والدراسات  
- الصورة: محافظ شبوة العولقي يزور جرحى من قوات العمالقة، أصيبوا في هجوم للحوثيين في مرخة، أواخر ديسمبر 2021 (رسمي) 

المراجع:  

[2]           لقاء أجرته الكاتبة شهر يناير 2022، مع "شاجع هصام بحيبح"، محلل سياسي من مأرب. وأكد فيه تسليم الحوثيين لمواقع في مأرب بدون مقاومة تذكر، منها عزلة قانية الحدودية بين مأرب والبيضاء، وكذلك الانسحاب من مديرية ماهلية. فضلاً عن تسليم مواقع في فرضة نهم والجوف في وقت سابق.  

[5]      تصريح خاص من مصدر سياسي مسؤول في محافظة شبوة لسوث24، في شهر يناير 2022 

[7]      لقاء أجرته الكاتبة في شهر يناير 2022، مع د. حسين بن لقور, ناشط سياسي من محافظة شبوة.  


شبوة محافظة شبوة عوض الوزير ألوية العمالقة الجنوبية الحوثيون المجلس الانتقالي الجنوبي الإمارات العربية المتحدة هجوم أبوظبي اليمن حرب اليمن السعودية التحالف