التقارير الخاصة

العقارات في ساحل حضرموت: بين هيمنة المتنفذين وصمت المسؤولين

03-02-2022 الساعة 11 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24| عبدالله الشادلي


يُهيمن النفوذ في ساحل محافظة حضرموت، جنوب اليمن، على قطاع العقار؛ حيث يُتهم مسؤولون حكوميون ونافذون بنهب أراضي المواطنين والدولة على حد سواء.


وتعتبر منطقة فوَّة، غرب مدينة المكلا، عاصمة حضرموت، من أكثر المناطق الخصبة لانتشار الفساد العقاري؛ في ظل غياب رقابة السلطات التي تحجبها أحياناُ الرشاوي المقدّمة من قبل المتنفّذين، وفقاً لمصادر عقاريّة لـ «سوث24».


وحول هذا، يقول أحمد بانقيطة، وهو مالك مكتب عقار بالمكلا لـ«سوث24» إنّ "مناطق فوة مثل: الخمر وغرير وحلّة، تشهد تنامياً كبيراً في البسط العشوائي والسطو على أراضي المواطنين".


وتجاوز سطو المتنفّذين أراضي المواطنين وطال بعض الشوارع والمصالح العامّة في المناطق النائية لا سيّما في غرب مدينة المكلا. 



منازل بُنيت في مساحات مخصصة للشوارع العامة بحي الدواجن غرب المكلا (عبد الله الشادلي)


وفقاً للمصادر العقارية، تلعب الصلاحيّات العامة لدى مسؤولين في السلطات دوراً كبيراً في تجريف الأراضي وتقاسمها، مقابل استخراج الوثائق للعصابات التي تمتهن السطو على الأراضي المملوكة للمواطنين والمغتربين.


وفي هذا الصدد، يقول عبدالله الكربي، تاجر عقار في المكلا، "البسط العشوائي مشكلة يُستعصى حلّها في ظل تواطؤ بعض الجهات المعنيّة"، في إشارة إلى صمت هيئة الأراضي والأشغال العامة والطرق بساحل حضرموت.


واعتبر الكربي أنَّ "النفوذ يقف خلف ذلك في نهاية المطاف".


واقعة "ربوة المهندسين"


في 27 ديسمبر/ كانون الأول 2020، سطا مجموعة متنفذين على نحو ست فلل سكنيّة، بحي ربوة المهندسين، وسط منطقة فوّة؛ غرب المكلا، مستغلين غياب المالكين.


وشرع المتنفذون في استكمال بناء وتجهيز المنازل بغية تأجيرها أو بيعها، قبل أن تستجيب السلطات الأمنية لنداءات المواطنين المُلاك، وتوقف الباسطين.


وقال فؤاد بامطرف، أحد وكلاء الفلل التي تم السطو عليها، لـ «سوث24» "تفاجأنا بقيام مجموعة من الأشخاص بالبناء والشروع في تجهيز المبنى دون وجه حق". وأضاف "لاحقاً؛ الشرطة تدخلت واحتجزت المتهمين حتى استكمال الإجراءات".


وتعليقاً على هذه الواقعة، قال الصحفي المهتم بشؤون العقار عبدالله باحارثة، لـ«سوث24»، إن هذه الحادثة "غريبة ودخيلة على مجتمعنا الحضرمي". وأضاف "الناس في حضرموت اعتادوا على سطو المتنفذين على مساحات وأراضي، لكن هذه الحادثة هي الأولى من نوعها حتى الآن".


وأشار باحارثة إلى أنّ "غياب القانون مكّن كثيراً من المتنفذين من نهب أراضي المواطنين؛ حتى أولئك الذين يمتلكون الوثائق".


وفي الوقت الذي يُفترض أنّ تُحل فيه قضايا العقار الخاصة بالمواطنين في هيئة الأراضي، قال عبدالله الكربي لـ«سوث24» "تصل بعض القضايا إلى القضاء ليفصل فيها"، معتبراً أن هيئة الأراضي "هي الأَولى بالفصل في ذلك من القضاء".


دور سلبي


انتقدت مصادر عقارية ما وصفته بـ "الدور السلبي لهيئة الأراضي بساحل حضرموت"، وسط اتهامات لها بالتواطؤ مع المتنفذين في العقار.


وقالت المصادر، لـ "سوث24"، إن "بعض مهندسي العقار شركاء في استقطاع استمارات للأراضي غير الموثّقة"، مشيرة إلى أنّ الأمر "يدخل المالك والمدّعي في صراع ينتهي بمن يدفع أكثر".


وحول البناء في المواقع العامّة، اتهمت المصادر هيئة الأراضي بالبناء فيها، وقالت إنَّ "هيئة الأراضي والأشغال العامة تتساهلان مع عصابات الأراضي".


وإلى جانب ذلك، اتهم علي سعيد علي، وهو عامل في المجال العقاري بفوة، هيئة الأراضي بأنَّها "تغطّي على كثير من صفقات الفساد".


وفي حديث لـ «سوث24»، أضاف سعيد "أحد المتنفذين اشترى مخططاً في حي الخَمِر - غرب المكلا - بمساحة واحد فدّان، وسيطر لاحقاً على خمسة فدادين إضافيّة"، متّهماً هيئة الأراضي بحماية من وصفهم بـ "هوامير العقار".


وحاول "سوث24" التواصل مع هيئة الأراضي في ساحل حضرموت للرد على هذه الاتهامات، لكنَّ الهيئة رفضت الإدلاء بأي تصريح.



 مساحات يدًّعي النافذون ملكيتهم لها في حي الدواجن غرب المكلا (عبد الله الشادلي)


أراضي المناضلين


لا يزال مصير الأراضي المقرر صرفها لـ "المناضلين" في ساحل حضرموت مُعلّقاً وغامضاً، رغم التوجيهات التي أصدرها رئيس محكمة استئناف حضرموت، القاضي هاشم الجفري، بشأن ذلك. [1]


ورداً على تجاوزات متنفذين بإسناد مؤسسة الأشغال العامة، نفذ مجموعة أبناء المناضلين في الـ 3 يناير/كانون الثاني المنصرم، وقفة احتجاجيّة في المخطط المقرر منحه لهم بحي الدواجن غرب المكلا، وفق ما بيّنه سالم الجبلي، أحد أبناء المناضلين لـ «سوث24».


وطبقاً للجبلي فإن الوقفة "طالبت بسرعة استكمال الاجراءات القانونية الخاصة بالأراضي المقرر منحها للمناضلين، وايقاف العراقيل والسطو على أراضيهم من قبل المتنفذين، بموجب توجيهات رئيس محكمة استئناف حضرموت".


وتحدّث عمر المحمدي، أحد أبناء المناضلين في المكلا لـ «سوث24» عن معاناته جراء ما وصفها بـ "الإجراءات التعسفيّة".


وقال المحمدي "تفاجأت بقيام الأشغال العامة بهدم ما بنيته أنا وغيري في الأراضي المخصصة لنا نحن أبناء المناضلين، رغم التوجيهات التي صدرت وكانت لصالحنا".


وحاول «سوث24» التواصل مع الأشغال العامة للتأكد من الاتهامات الموجهة إليهم، إلا أنّهم لم يدلوا بأي تصريحات حتى لحظة نشر هذا التقرير.


وعلى الرغم من وصول كثير من قضايا العقار إلى القضاء ليفصل فيها، إمّا على خلفيّة التزوير أو الادعاءات الباطلة، فإنّ القضايا يُحكم فيها لمن يمتلك الوثائق الأقدم، وفق ما بيّنه مختصون عقاريون لـ «سوث24».


تزوير الوثائق


أوضح بعض مختصي العقار في ساحل حضرموت لـ «سوث24» أنَّ "قضايا التزوير رغم صعوبتها إلا أنّها ليست مستحيلة عبر المتابعات غير القانونيّة والرشاوي".


ولفت المختصون إلى أنَّ "ذلك يتمّ عبر استخراج وثائق بدل الفاقد"، مشيرين إلى أنّ هذه الإجراءات "ينجم عنها ازدواجيّة في الصرف وتحال إلى القضاء".


وفي 10 فبراير/ شباط 2019 ؛أعلنت الهيئة العامة للأراضي بساحل حضرموت، إحالة ملفات عدد من الأشخاص إلى الأجهزة الأمنية، بينهم موظف بالهيئة، بتهمة ارتكاب مخالفات إدارية. [2]


 وأوضحت الهيئة إلى أنّه "تمّ إحالة القضيّة إلى مباحث الأموال العامة تمهيداً لرفعها إلى نيابة الأموال العامة".


وذكر بلاغ صحفي عن الهيئة أن تلك القضايا تنوعت ما بين "تزوير واستغلال وظيفة عامة"، مشيراً إلى أن الإدارة القانونية "سبق وأن أحالت ملف مواطن تحايل على الهيئة باستخراج وثيقة بدل فاقد مدعياً ضياع الأصل في حين أنه باع الأصل وتم تحويل الوثيقة باسم المشتري الجديد".


وأفاد مختصون أن هذه الوقائع "تكثر نظراً لعدم قيام المشترين بتحويل الوثائق بأسمائهم، وهذا الأمر يترك مجالاً للتلاعب".


وفي الثالث من مارس/ آذار 2019، أعلنت النيابة العامة البدء بالتحقيق في عدد من قضايا الفساد الإداري والمالي التي أحيلت إليها. وتورّط في هذه القضايا 19 شخصاً من المسؤولين بفروع ومكاتب هيئة الأراضي في مديريات ساحل حضرموت.


وفي الـ 24 من نوفمبر/ تشرين الأول من ذات العام، أحالت النيابة العامة 18 مسئولاً ومهندساً بإدارات العقار والزراعة والسجل العقاري في مديريات الساحل للتحقيق، فيما جرى إنهاء عقود 7 أشخاص آخرين.


يُشار إلى أن محافظة حضرموت تشهد زحفاً عمرانياً كبيراً، بعد عودة كثير من المغتربين من دول الجوار. وعلى إثر ذلك، ارتفعت أسعار العقار والإيجارات في مدن حضرموت؛ مُسببة أزمة أدت إلى عودة بعض المغتربين مرة أخرى إلى الدول التي قدموا منها.


عبد الله الشادلي 

صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات


- الصورة: منازل عشوائية قائمة على مساحات مخصصة للشوارع والمنتزهات والمرافق الصحية بحي الدواجن بالمكلا 14 أكتوبر 2019 (عبد الله الشادلي)


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا