10-02-2022 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | ريم الفضلي
بعد مرور أكثر من أربع سنوات على افتتاح مزود الإنترنت الحكومي، شركة "عدن نت"، كان من المُفترض أن تكون المزود الأوحد للإنترنت على نطاق محافظات جنوب اليمن، ومناطق الشمال غير الخاضعة لسلطة الحوثيين، للحد من سيطرة الجماعة على قطاع الاتصال وشبكة الإنترنت. [1] إلا أنَّ الشركة لا تغطي سوى جزء محدود من المستخدمين في العاصمة عدن، في ظل تُهم تواجهها وزارة الاتصالات اليمنية وقيادة الشركة بالفساد.
وكانت الحكومة اليمنية السابقة قد دشنّت عمل الشركة، في يونيو 2018، بتكلفة بلغت 100 مليون دولار لتقديم خدمات الجيل الرابع من نقل البيانات.
ويتهم مواطنون ونشطاء إدارة "عدن نت" بوضع عراقيل تمنع السواد الأعظم من المستخدمين من الحصول على خدمة الإنترنت التي تُقدمها. ويقول هؤلاء إنّ شريحة "عدن نت" أصبحت حكراُ على الطبقة المٌترفة التي تدفع أموالاً باهظة في الأسواق السوداء.
سوق سوداء
مع تدشينها في العام 2018، باعت شركة "عدن نت" الشرائح بمبالغ بسيطة حظيت بقبول ورضى المستخدمين، لكن عمليات البيع ما لبثت أن توقفت بعد حصول نسبة بسيطة من المستخدمين على بعض الشرائح، وبدأ لاحقا ازدهار السوق السوداء، إذ وصل سعر شريحة عدن نت إلى 3000 ريال سعودي.
ودشنت الشركة على مدى الأعوام اللاحقة عمليات بيع أخرى محدودة لبعض المستخدمين، فيما لم يتمكن آخرون من الاستفادة من خدماتها.
وتواصل "سوث24" مع أحد باعة شرائح عدن نت في السوق السوداء، رفض الإفصاح عن هويته، قال إنَّه قادر على توفير شرائح عدن نت جديدة، خلال مدة وجيزة لا تتعدى الأسبوع، بأسعار السوق السوداء. وكشف البائع أنَّ هنالك أشخاص في الشركة بمقدورهم توفير الشرائح له كي يتمكن من بيعها في السوق السوداء بتلك الأسعار الخيالية.
كما تحدث "سوث24" مع أحد مُلّاك متاجر بيع الجوالات بعدن، الذي تتوفر لديه شرائح عدن نت لمعرفة طريقة حصوله عليها. أكّد الشاب، الذي فضل عدم الإفصاح عن اسمه، أنَّ هناك "سماسرة" من الموظفين العاملين في شركة عدن نت يقومون بتزويد متجره ومتاجر أخرى بالشرائح بشكل دوري منتظم، ويتقاضون نسبة من مبيعاتها.
لكنَّ المسؤول الإعلامي لشركة "عدن نت"، نوَّار أبكر، نفى كل الاتهامات الموجهة للشركة حول السوق السوداء.
وقال أبكر لـ "سوث24": "لا صلة لإدارة شركة عدن نت بكل هذا شكلاً أو مضموناً"، لافتاً إلى أنَّ الشركة "حرصت منذ اللحظة الأولى على محاربة السوق السوداء من خلال عدم السماح بنقل ملكية أرقام الشرائح من شخص لآخر."
وأضاف، "الشركة قامت بالتنبيه مراراً وتكراراً بهذا الأمر عبر القنوات الإعلامية الرسمية التابعة لها، وكذا تدشين عملية البيع عبر رابط التسجيل المسبق"، مُشيراً إلى أنَّ "أبرز أولويات معايير اختيار عملاء الجدد هم أولئك الذين لم يسبق لهم الحصول على شريحة عدن نت؛ حتى يتسنَّى توسعة شريحة المستفيدين لأكبر قدر ممكن."
وعزى أبكر انتشار السوق السوداء إلى "مستغلي الخدمة الذين يقومون بسرقة المواطنين من خلال بيع الشريحة بأسعار مبالغ بها وبشكل غير قانوني." مفيداً بأنَّ الشركة "شكلَّت فريق متخصص بمتابعة مستغلي الخدمة على مواقع التواصل الاجتماعي ومحاولة الوصول إليهم لإيقاف الشرائح عليهم، عملاً بشروط العقد الذي ينص على عدم السماح لمشترك الخدمة بالبيع أو التنازل بالرقم لشخص أخر."
وعلَّل مدير إدارة العلاقات العامة بوزارة الاتصالات اليمنية، المستشار الإعلامي للوزارة، وجدي السعدي، انتشار السوق السوداء بـ "ازدياد الطلب للحصول على شرائح عدن نت في ظل وجود شروط معينة لتقديم الخدمة لمزيد من المشتركين تلتزم بها شركة عدن نت، لا يمكن تجاوزها".
وزعم السعدي أنَّ الاتهامات الموجهة لـ "عدن نت" ما هي إلا "شائعات تحاول تشويه الشركة".
لكن مدير مؤسسة يافع نيوز للإعلام، ياسر اليافعي، اعتبر أنّ "الفساد في عدن نت هو فساد في هيكل إدارة الشرعية".
وأكد اليافعي، في حديثه مع سوث24، أنَّه "متى ما كان هناك نوايا من إدارة الدولة لتشغيل شركة عدن نت والقضاء على الفساد بداخلها سيكون ذلك." مشيراً إلى أنَّه "كانت هناك فرصة حقيقية لاستعادة مؤسسة الاتصالات وشركات الاتصالات المتنقلة الى العاصمة عدن، لكنَّ المؤسف أنَّ هناك قوى أرادت إفشال هذا المشروع وإجهاضه بمرحلة مبكرة حتَّى تظل جماعة الحوثي تتحكم بالاتصالات من صنعاء."
وعود لم تتحقَّق
رغم الوعود المُبكرة التي رافقت تدشين "عدن نت" قبل سنوات بتمديد خدمات الإنترنت إلى بقية المحافظات، إلا أنَّ خدمة الشركة حتَّى الآن لا تزال في نطاق عدن.
وقدمت وزارة الاتصالات اليمنية وإدارة الشركة وعوداً وإعلانات مستمرة بقرب توسيع خدمات "عدن نت" إلى خارج عدن؛ وهو ما اعتبره البعض خيالاُ بعيد التحقيق قياساً بوضع الخدمة نفسها في عدن.
وفي أواخر يناير الماضي، نشر موقع شركة "عدن نت" إعلاناً يتحدث عن توسيع خدمة الشركة لباقي المحافظات لإتاحة خدمة إنترنت مميزة لقطاع الأعمال والمصارف والمؤسسات. [2]
وأوضح المسؤول الإعلامي لـ "عدن نت"، أنَّ الشركة "واجهت صعوبات عدَّة خلال الفترة الماضية؛ لاسيَّما عدم استقرار الأوضاع نتيجة الحرب التي تعيشها البلد؛ وانعكاس ذلك على صعوبة استيراد المعدات اللازمة للتوسعة؛ وكذا تدني العملة المحلية الذي أثر على الموارد المالية اللازمة لتطوير الشركة بشكل فعال وبوتيرة أسرع."
وأفاد أبكر عن وجود "خطة أعدَّتها شركة عدن نت وفقاً لتوجيهات وزير الاتصالات وتقنية المعلومات، نجيب العوج، قضت بتوسعة شريحة المستفيدين في العاصمة عدن." وقال إنَّ الشركة لديها طموحات هذا العام "للتوجه لعدد من المحافظات المحررة حال توفر كافة العوامل المساعدة لتدشين خدمة الـ 4G للأفراد"، وأضاف "علماً أنَّ خدمات كبار العملاء المُخصصة لقطاع الأعمال جرى توفيرها منذ فترة بعموم المحافظات المحررة بواسطة كابلات الألياف الضوئية"، حد قوله.
من جهته، قال وجدي السعدي، إنَّ هناك "خطة واستراتيجية قادمة لإيصال خدمة عدن نت خلال العام الجاري إلى كافة المحافظات المتبقية. والعمل قام على توفير أكبر قدر من الشرائح في الفترة القادمة."
وحول أسباب تأخير توسعة خدمات "عدن نت" لبقية المحافظات كل هذه السنوات، قال السعدي لـ "سوث24" إنَّ "السبب الرئيسي هو عدم وجود التمويل المطلوب لتحقيق ذلك". وكشف المسؤول بوزارة الاتصالات عن "قرب وصول معدات وأبراج مُقدمة من دولة الإمارات لتوسعة خدمات عدن نت".
و تجاوز أعداد مشتركي عدن نت عشرين ألفاً، وفقا للسعدي، "وإذا ما توفرت لدينا إمكانيات بشكل أكبر يمكننا إضافة أعداد إضافية تغطي النقص والعجز الموجود وتلبي احتياجات السوق المحلية."
أشهر من الانتظار
في مطلع أكتوبر من العام الفائت، فتحت شركة "عدن نت" باب التسجيل أمام مزيد من العملاء الجدد للحصول على شرائح الإنترنت". وقالت الشركة إنَّها سوف تتواصل مع كل من تنطبق عليهم الشروط لاستلام شرائحهم، وهو ما لم يتحقَّق حتّى الآن سوى مع قلة من الأشخاص.
وبينما تتحجج الشركة بالتوسعة والاستيعاب التدريجي وتطمأن المٌسجلين بالتواصل معهم، يعتقد مواطنون أنَّ هذه الوعود المتكررة سراب في الصحراء، بعد أن يأسوا من الانتظار كل هذه الأشهر.
سامية أحمد، أحد المواطنين الذين تقدموا بطلب الحصول على شريحة عدن نت، عبّرت لـ "سوث24" عن حالة الإحباط واليأس من تواصل الشركة معها. وقالت: "إلى اللحظة لم أتمكن من الحصول على شيء؛ هناك من نصحني بالحصول على شريحة من السوق السوداء، لكنّي أشعر بأحقيتي بالحصول عليها بسعرها الرسمي وبطريقة رسمية."
وأضافت، "لا أعرف السبب الحقيقي وراء هذا الفشل في إدارة العملية من قبل الشركة وما سبب كل هذا التخاذل الذي يواجه فيه المواطن من قبلهم." وتمنت أحمد أن "يتم وضع حد لكل هذه التجاوزات التي يذهب ضحيتها دائماً المواطن البسيط."
وتعليقا على هذا، قال ياسر اليافعي إنَّ "كل ما يتمناه المواطن البسيط هو أن يجد شركة اتصالات آمنة غير مٌسيسة تواكب التطور الكبير الذي نشهده في هذا المجال بالدول المجاورة"، مضيفاً "لكن الخبث السياسي دائماً وفي كل الملفات يقف ضد أحلام المواطنين."
وتابع "علقت الناس آمال كبيرة أن تكون عدن نت بديل حقيقي يتحرر فيه المواطنون في المناطق المحررة من سيطرة جماعة الحوثي على هذا القطاع المهم، لكن خاب ظنهم، بسبب أطراف تسيطر على الشرعية كل همها عدم عودة مؤسسات الدولة الى عدن، حتى ولو كلف ذلك تسليم البلاد كلها للحوثي."
وأكَّد اليافعي، "لذلك ظلَّت عدن نت تعاني من فشل وعدم تطور واستغلال للحصة السوقية المتوفرة."
وتجدر الإشارة إلى أنَّ شركة عدن نت قد أعلنت، الثلاثاء الماضي، عن وصول المعدات والأبراج الخاصة بتطوير وتوسعة شبكتها لتغطية باقي أجزاء العاصمة عدن والمحافظات الأخرى. [3]
صحفية ومحررة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة: الرئيس اليمني هادي يدشن شركة "عدن نت" 14 يوليو 2918 (رسمي)