16-02-2022 الساعة 5 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| عبد الله الشادلي
في محافظة حضرموت، جنوب اليمن، تلعبُ بعض العوامل الاجتماعية، مثل شيوع زواج الأقارب، لا سيّما في المناطق النائية والأرياف، دوراً في نشوء وانتشار الأمراض الوراثية؛ مع تدني الوعي المجتمعي في هذه المناطق، والأعراف القبلية والأسرية المشجعة لمثل هذا النوع من الزواج.
وبشكل عام، تُشكل الأمراض الوراثية عبئاً ثقيلاً على المجتمعات العربيّة، ومنها مجتمع جنوب اليمن. وترتبط كثير من حالات الإصابة بهذه الأمراض بزواج الأقارب، الذي أثبتت دراسات علمية أنَّ احتمالات حدوث عيوب خلقيّة تتزايد معه. [1]
ووفقاً لدراسات طبية، فإنَّ إهمال وعدم إجراء فحوصات ما قبل الزواج يُضاعف احتمالات حدوث الأمراض الوراثية؛ حتى وإن لم يكن هناك تاريخ لهذا النوع من الأمراض في العائلة. [2]وعلى الرغم من ذلك، فإنّ انتقال الصفة الوراثية المتنحية قد يستمر من جيل إلى جيل دون التقاء زوجين يحملان نفس الجين المسبب للمرض. [3]
وتشير الدراسات أيضاً إلى أنّه إذا تزوج شخص من ابنة عمه، وكان لهما عم مصاب بمرض وراثي متنحٍّ نادر مثل مرض "الفينيل كيتونيوريا" - أحد أمراض التخلف العقلي - فإن نسبة ظهور المرض في الأبناء تكون 1/36. وعلى عكس ذلك، فإذا كان الزوجان من غير الأقارب، فإنَّ تلك النسبة تقل إلى 1/10000. [4]
ارتفاع الإصابات
"لقد لعبت بعض العادات والتقاليد دورها في ارتفاع معدّلات الإصابة بأمراض الدم الوراثية في حضرموت وبعض محافظات المجاورة مثل: شبوة والمهرة"؛ وفقاً، للدكتورة إيمان عوض حاتم، مسؤولة الثلاسيميا وأمراض الدّم الوراثية في محافظة حضرموت، ورئيسة مؤسسة سدن.
وقالت حاتم لـ «سوث24» "هذه الأمراض تنتشر بشكل مهول لاسيّما في مناطق وادي حضرموت؛ وذلك لأنّ مجتمعنا تحكمه العادات والتقاليد ويتفشى فيه زواج الأقارب".
طفلة مُصابة بمرض وراثي عبر الدم تستعد لأخذ عينات للفحص في مؤسسة سدن بحضرموت 14 فبراير 2022 (سوث24، عبد الله الشادلي)
وأشارت اختصاصية طبّ الأطفال بمؤسسة سدن، الدكتورة سميّة باغريب، إلى إنّ "معظم الحالات التي ترتاد مؤسسة سدن تجمعهم صلة قرابة".
لتجنب المخاطر المُحتملة الناجمة عن هذا الزواج، قالت باغريب لـ «سوث24» "عندما نتحدث عن زواج الأقارب، فإنَّ ذلك لا يعني بالضرورة أن يتجنّب الشخص الزواج من قبيلته بشكل كُلي، لكن عليه أن يبعد عن محيط عائلته فقط".
وتشير إحصائيات مستشفى المكلا للأمومة والطفولة، بحضرموت، إلى أنّ عدد الحالات المصابة بأمراض وراثيّة مختلفة خلال العام 2017، بلغ (128).
فيما سجّلت مؤسسة سدن للثلاسيميا في آخر إحصائية لها (614) حالة مقسّمة على: ثلاسيميا Thalassemia، أنيميا منجلية Sickle cell Anemia، وهيموفيليا Hemophilia، بالإضافة إلى أمراض دم أخرى ثانوية.
وتنحدر أغلب الحالات المرضيّة التي ترتاد المؤسسة - المتخصصة في أمراض نقل الدم الوراثية - إلى مديرية حجر بساحل حضرموت ومديريات دوعن والقطن وسيئون بوادي المحافظة بشكل رئيسي، بحسب رئيسة المؤسسة.
ولفتت رئيسة المؤسسة إلى إنّ "العامل الوراثي سبب أولي وأساسي في انتشار الأمراض الوراثية المزمنة (Hereditary blood diseases)". وأرجعت أسباب انتشار هذه الأمراض إلى "غياب الوعي وعدم تقبّل المجتمع لفكرة فحص ما قبل الزواج".
وعن دور مؤسسة سدن، قالت إيمان حاتم "لم يقتصر عملها على استقبال الحالات فقط، بل نفّذت نزولات ميدانيّة إلى الكليات والمدارس قبل جائحة كورونا للتوعية بالأمراض وأهمية الخضوع لفحص ما قبل الزواج؛ للحد من انتشار الأمراض الوراثية وانعكاساتها على الأبناء".
الأمراض الوراثيّة المنتشرة
وطبقاً لمؤسسة سدن للثلاسيميا وأمراض الدم الوراثية، تحتل الثلاسيميا - أحد أمراض تكسّر الدّم (Hemolytic anemia) - صدارة الأمراض الوراثية في حضرموت.
وعن هذا المرض، قالت رئيسة المؤسسة إنَّه "يُحدث خللا جينيّا في كريات الدم الحمراء؛ ويعمل على إضعافها وتقليصها وتكسيرها؛ مسبّباً عوزاً للمريض في الدّم".
ولفتت إلى أنَّ مريض الثلاسيميا "يحتاج إلى نقل دم كل 3 إلى 4 أسابيع"، مُشيرة إلى تلك العملية "ينتج عنها مضاعفات كثيرة من طبيعة المرض ومن نقل الدم".
طفل مصاب بمرض وراثي عبر الدم، في مؤسسة سدن بحضرموت 14 فبراير 2022 (سوث24، عبد الله الشادلي)
وإلى جانب الثلاسيميا، تبرز الأنيميا المنجلية (Sickle cell anemia) كأحد الأمراض المنتشرة في حضرموت.
وحول هذا المرض، قالت رئيسة المؤسسة إنَّه "يُحدث اضطرابات في خلايا الدّم الحمراء، ويعمل على تغيير شكلها إلى ما يشبه في شكله المنجل"؛ مضيفة "كما يعمل على تدفق الخلايا في الأوعية الدموية، مسبّباً انسدادات فيها".
ولفتت "تباعاً، ينخفض مستوى توزيع الأكسجين على الأنسجة والأعضاء؛ ما ينجم عنه نوبات الألم والأعراض التي يشكو منها المريض."
وإلى جانب الثلاسيميا والأنيميا المنجلية، يظهر الهيموفيليا (Hemophilia) الناعور أو النزف، في قائمة الأمراض الوراثيّة الأكثر شيوعاً في حضرموت، وفقاً لرئيسة مؤسسة سدن.
"يصيب هذا المرض الذكور بشكل أولي لطبيعة التوريث. ويُحدث خللاً في عوامل التخثر حسب نوع العامل. أشهرها عامل التخثر (8) الذي ينجم عنه نزيف في الجسم"، أشارت د. إيمان عوض حاتم.
وتابعت، "يُعتبر هذا المرض من أخطر الأمراض لما يسببه للمريض من نزيف قد يؤدي إلى الوفاة إذا لم يتم إسعافه بحقن عامل التخثر الناقص في الوقت المناسب".
صُعوبات وتحدّيات
يشكّل عدم توفّر الفحوصات اللازمة للتشخيص، لاسيّما الفحوصات الجينية لبعض الحالات، مزيداً من التحديات والصعوبات في التعامل مع الحالات المرضيّة في حضرموت بسبب خروجها غير مكتملة، وفقا للمصادر الطبية في مؤسسة سدن.
فنية مختبرات في مؤسسة سدن بحضرموت تجري تحليلاُ 14 فبراير 2022 (سوث24، عبد الله الشادلي)
وحول خطوات تشخصي حالات المرض، قالت حاتم: "يتم التشخيص والتعرّف على الحالة أولا عبر تقييمها، بأخذ التاريخ المرضي والعائلي لها في عيادة مؤسسة سدن ومن ثم يتم أخذ فحوصات أولية ونهائية للحالة حسب وضعها وطبيعة المرض".
وبالنسبة للثلاسيميا والانيميا المنجلية وحالات التكسّر في الدم، أشارت إلى أنّه "يتم اخذ فحوصات للكشف عنها، مثل: Blood film وReticlocyt وSickling test وCombo's test وصولاً إلى فحص الترحيل الكهربائي للهيموجلوبين (Hemoglobin Electrophoresis)".
وطبقاً لها، "نتائج هذه الفحوصات، التي تُعتبر فحصاً تشخيصاً قبل الزواج، تحدد شدّة ونوع المرض، كما أنّها تبيّن ما إذا كان الآباء والأمهات حاملين أو مصابين بالمرض".
أسرة ترقيد في مؤسسة سدن بحضرموت 14 فبراير 2022 (سوث24، عبد الله الشادلي)
وأضافت، "وكما هو متعارف عليه طبيّاً، فإن العلاج النهائي لهذه الأمراض الوراثية المزمنة إجراء عملية استبدال نخاع العظم (Bone marrow Transplantation"، مشيرة إلى أنّه "وللأسف، لا توجد مراكز لإجرائها في اليمن فضلاً عن تكاليفها الباهظة".
تكاليف باهظة
وفي ظلّ انهيار العملة اليمنيّة وارتفاع أسعار العلاجات، تقول الدكتورة إيمان حاتم "قيمة هذه العلاجات باهظة، وعدم توفرها في اليمن إلى جانب صعوبة استيرادها يشكل تحديات كبيرة على المؤسسة، كما أنّه يُشكل خطرا بالغاً على حياة المرضى".
ولتقليل المعاناة على المرضى وتخفيف الضغط على المستشفيات، لفتت حاتم إلى أنّ المؤسسة "تقدّم خدمة لنقل الدم الشهري للحالات بشكل منتظم وبالمجان".
ورأت حاتم بضرورة إدراج تلك الأمراض ضمن الخطّة السنوية لوزارة الصحة؛ لضمان وضع بند لدعمها، مشيرة إلى أنّه "على الرغم من دور بعض الخيرين والمؤسسات الداعمة، إلا أن الدعم لا يكفي لتلبية الاحتياجات العلاجيّة للمستفيدين".
وبيّنت حاتم أنَّ "مريض الثلاسيميا يحتاج إلى كميّات إضافيّة من الدم وتكلفتها تتراوح بين 3000 ريال يمني إلى 3500". لافتة إلى أنَّ "مُضاعفات نقل الدم الشهري يؤدّي إلى تراكم الحديد في الجسم، وذلك يؤدّي إلى مضاعفات قد تنتهي بالوفاة".
لتجاوز هذه الخطر، تقول المسؤولة الصحية إنَّ "المريض بحاجة إلى علاج طارد الحديد شهرياً وكلفة [الباكت] الواحد تتراوح بين 40 إلى 50 ألف ريال يمني؛ وتصل إلى ما يقارب 140 ألف ريال".
وأضافت، "علاج حقن عامل التخثر (8) تصل كلفته إلى 1000 ريال سعودي، لكنّ المريض قد يحتاج إلى أكثر من حقنة أحياناً في كل مرّة يتعرّض للنزيف".
وتعتقد حاتم أنّ المريض ليس في مقدوره تحمّل نفقات هذه العلاجات الباهظة، متطرّقة إلى أنّ "معظم المرضى الذين يرتادون المؤسسة من ذوي الدخل المحدود أو المعدم، إضافة إلى وجود أكثر من مريض في نفس الأسرة أحياناً".
وتسعى المؤسسة بشكل أساسي إلى إيصال صوت هذه الفئة من المرضى إلى الجهات المعنية للاهتمام بها.
صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة: فني مختبرات في مؤسسة سدن بحضرموت يجري تحليلاُ 14 فبراير 2022 (سوث24، عبد الله الشادلي)
قبل 3 أشهر