19-02-2022 الساعة 11 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | بدر قاسم محمد
تتشكل الأزمة اليمنية على جانبين؛ الأول سياسي (شمالي - جنوبي)، والثاني ضمن صراعاتها العقائدية على طائفتين، شيعية- سنية. يكمن التوظيف للجانب السياسي الأول بدوافع عسكرية وحدوية بصورة أكبر تركيز في شمال اليمن، بينما الثاني هو الأكبر اتساعاً وتداخلًا مع الأهداف السياسية المحلية والخارجية. إذ مازالت الوصاية العقائدية تٌصدّر من الخارج. وغالباً ما يكون اليمن طيّعًا بصورة تحض على الدهشة، حيث تبرز ازدواجية الوصاية والطاعة في مسارات جيوسياسية مقلقة.
اليمن والوصاية العقائدية
في النصف الثاني من القرن المنصرم، لجأت دولة الأئمة الزيدية في شمال اليمن إلى المملكة العربية السعودية، وذلك للوقوف بجوارها ودعمها ضدَّ المد القومي العربي، الذي قاد ثورة العام 1962 ضد المملكة اليمنية. في ذلك الوقت، أكسبت دينامية الحدث الثوري، كل من المملكة الزيدية والمملكة السعودية بُعداً براغماتياً، صنع تحالفا إسلاموياً بين طائفتين مختلفتين. إثر ذلك، تشكلت جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، مستغلة عامل العداء الخارجي للتدخل المصري. لقد لعبت الجماعة اليمنية دورا بارزا في احتواء الثورة وإيقاف المد القومي العربي، الأمر الذي أنتج تسوية سياسية في إطار التوازن المطلوب آنذاك، قومي - إسلامي. [1]
ومع ذلك، خلال الفترة التي تلت قيام دولة "الجمهورية العربية اليمنية"، اختلت موازين القوى لصالح الجماعة الإسلامية التي حمت الزيدية من التلاشي. لكنَّ هذه الجماعة التي قامت على أساس براغماتي، سرعان ما رجحت قالبها السني، لأسباب اقتصادية وسياسية، على حساب أصولها الزيدية. الأمر الذي وضع قاعدة التحالف الإسلامي في شمال اليمن تحت تصرف الوصاية الإقليمية والدولية؛ لتتطور الظاهرة الازدواجية في مسار عقائدي وجيوسياسي أوسع، بلغ شرق آسيا والاتحاد السوفيتي.
من جانب آخر، حمل العقد الثاني من القرن الحالي لجوء الجماعة الزيدية بزعامة الحوثيين إلى إيران. لقد لعبت الجمهورية الإسلامية دورًا كبيرًا في استعادة الحوثيين لإرثهم العقائدي والسياسي، في مواجهة مد ثوري آخر عرف باسم "ثورات الربيع العربي" مطلع العام 2011، هدَّد بالقضاء على تأثير الزيدية مرة أخرى.
علاقة الحوثيين بإيران، وضعت اليمن والمنطقة على صفيح ساخن، اشتدت على إثره مخاطر التدخلات الإقليمية؛ إذ أنَّه حتّى اللحظة الراهنة، لم تستطع الجهود الأممية والدولية إقناع الحوثيين بفك ارتباطهم السياسي والعسكري مع طهران.
الصراع اليمني في سياق الحل السياسي
ثمَّة دفع دولي باتجاه تسوية سياسية للأزمة اليمنية الراهنة، إذ تحتل "الشمولية وتعدد الأطراف" أولوية لدى البعثات الأممية والدولية. هذه النظرة المثالية تذكرنا بمثالية ثورة 2011 السلمية التي نتج عنها تسوية سياسية [مؤتمر الحوار الوطني 2013_2014] ضمَّت جميع الأحزاب والجماعات اليمنية. إلا أنَّ هذه الشمولية بنتاجها السياسي [وثيقة مخرجات الحوار الوطني]، اصطدمت بانقلاب الحوثيين عسكريًا وسياسيا في سبتمبر 2014. وبالمقابل، ظلَّت شرعية الرئيس هادي المُعترف بها دوليًا خارج أسوار العاصمة صنعاء، إلى جانب ما اصطلحت الشرعية اليمنية على تسميته بـ "المرجعيات الثلاث".
كان من المتوقع أن تبرز السيطرة الحوثية في سياق طائفي، شيعي - سني؛ إلا أن عدة عوامل حالت دون ذلك، أولها دخول الحوثيين في حلف سياسي وعسكري مع حزب الرئيس السابق علي عبد الله صالح. ثانيا، القاعدة العقائدية والسياسية التي تأسست عليها جماعة الإخوان المسلمين في شمال اليمن. ثالثا هناك قضية سياسية وثورة شعبية في الجنوب ترفع مطلب استعادة الدولة الجنوبية، والعودة إلى ما قبل العام 1990.
إضافة إلى أنَّ هذه العوامل مجتمعة عملت على إخفاء الصراع الطائفي، خصوصاً في الجنوب، فهي من جانب آخر سهلت سيطرة الحوثيين على شمال اليمن. وبالمقابل برزت الأزمة اليمنية في سياق سياسي، شمالي – جنوبي، إذ تشكلت مقاومة جنوبية شاملة، سبقت الكل إلى رفض ودحر الحوثيين.
في الوقت الراهن، بالكاد يواجه الحوثيون مقاومة في مناطق الشمال، تتركز في أقصى الشرق، مدينة مأرب، وأقصى الغرب، محافظة الحديدة.
الأطراف الفاعلة في الصراع اليمني
على الصعيد السياسي، تشير الأزمة اليمنية إلى عدة سرديات ثنائية منها، طرف حكومي وجماعة انقلابية، طائفة شيعية وطائفة سنية، احتلال يمني ومقاومة جنوبية. فضلاً عن السياق الخارجي الذي يضع الأمن القومي العربي في مواجهة التدخل الإقليمي الإسلامي.
لكن على الصعيد العسكري، ثمة بروز شكلي لأطراف أخرى. فإلى جانب سيطرة الحوثيين على معظم الشمال باستثناء مدينة مأرب شرقا والأجزاء الطرفية من محافظة الحديدة وتعز غربا، يسيطر المجلس الانتقالي الجنوبي على معظم الجنوب باستثناء الطرف الصحراوي لمحافظتي حضرموت والمهرة شرقا.
تقع المناطق الطرفية شمالا وجنوبا تحت سيطرة كل من: حزب الإصلاح اليمني (فرع جماعة الإخوان المسلمين) يسيطر على مدينة مأرب وغرب محافظة تعز، تحت مظلة الجيش الوطني. بينما يتمركز تيار الرئيس صالح في الساحل الغربي لمحافظة الحديدة، تحت مظلة المقاومة الوطنية. وبين هذا وذاك، تقع المقاومة المحلية في هذه المناطق، تحت كماشة الفاعلية القتالية وعدم التمثيل السياسي؛ حيث يتم إعادة إنتاج ازدواجية العقيدة والسياسة. وتبرز الجماعة الزيدية، حزب الإصلاح وتيار الرئيس صالح، في صدارة المشهد السياسي، بمعزل عن الحاضنة السنية في هذه المناطق.
الخلاصة
- مسألة الشمولية وتعدد الأطراف التي يطلبها المجتمع الدولي كشرط مُلزم لتسوية الأزمة اليمنية سياسيا، قد تساهم في رفع الغطاء السياسي عن الطرف الحكومي، غير ذلك، مازالت الوقائع على الأرض تنفي مسألة الشمولية وتعدد الأطراف.
- ربما عدم الإقرار بثنائية الصراع اليمني الطائفي، يعبّر عن رفض المجتمع الدولي للنسخة الإيرانية التي يهدف الحوثيون إلى تكرارها في اليمن، وبالمقابل ثمة خيارات مطروحة تشير إلى إحلال التجربة العراقية أو اللبنانية كبديل. إذ يتزامن ذلك مع تشكل ما بات يعرف اليوم بـ "عالم متعدد الأقطاب".
- عدم الالتفات إلى معطيات الأزمة اليمنية، قد يعكس محاولة القوى العتيقة خلق أطراف مصطنعة، كالإصرار على بقاء القوات الشمالية في محافظتي حضرموت والمهرةـ بينما تشهد المناطق الطرفية مع الجنوب التي يسيطر عليها جماعة الإخوان، ركودا في جبهات القتال مع الحوثيين. كذلك تلتزم جماعة الرئيس صالح في جبهة الساحل الغربي مع الحوثيين، بخيار السلام وفق اتفاقية ستوكهولم. كل ذلك يصنع هامشا من المناورة العسكرية والسياسية بأطراف غير ذي تأثير حقيقي. وبالمقابل ثمة تسطيح وترحيل للقضايا الخلافية، مما يساهم في تمدد الصراع وإطالة الأزمة اليمنية.
- إن أي تسوية سياسية، يجب أن تستند لحقيقة التوازنات ذات المغزى على الأرض، وأهمية الإجابة على السؤال التالي: هل الصراع الدائر في اليمن طائفي أم سياسي؟
- يجب الأخذ بعين الاعتبار، أن أي وحدة سياسية أو طائفية قد يُعاد إنتاجها في اليمن، يقابلها احتمال كبير بهيمنة أحد الأطراف، إذ يرجح حدوث ذلك في سياق ثنائي وليس تعددي.
باحث مقيم في مركز سوث24 للأخبار والدراسات
الصورة: Credit: MOHAMMED HUWAIS/AFP/Getty Images