04-03-2022 الساعة 9 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | د. إيمان زهران
في 11 يناير كانون الأول الماضي، أعلن الناطق باسم "التحالف العربي في اليمن" عن إطلاق عملية "تحرير اليمن السعيد" لإنجاز متطلبات التنمية والازدهار لليمن. لقد تزامن ذلك مع الانتصارات العسكرية في "جنوب اليمن"، إذ تمكنت قوات "ألوية العمالقة" من تحرير كامل لجميع مديريات محافظة شبوة.
ذلك يدفع بعدد من التساؤلات حول خريطة التحالف العربي في اليمن، وأبعاد التشبيكات النوعية مع قوى الجنوب، وذلك منذ بدء الإعلان عن "عاصفة الحزم" في 26 مارس 2015، وما يلي ذلك من الإعلان عن عملية "إعادة الأمل" في 21 إبريل 2015، وعما تحمله الانطلاقة الجديدة للتحالف من دلالات نوعية تحمل في طياتها مسارات وسيناريوهات مختلفة. وهو ما يظهر بالنقاط التالية:
أولا - أهداف الإعلان عن تشكيل "التحالف العربي":
لم يكن قرار التدخل بالحرب في اليمن اعتباطا، ولم يكن قرار تدخل القوى الإقليمية عسكريا هدفا، بل كان ضرورة إستراتيجية فرضتها التغيرات النوعية بتطورات المشهد الداخلي في اليمن. من هنا جاء الإعلان عن تشكيل "التحالف العربي" عبر ائتلاف مكون من عدة دول عربية بقيادة المملكة العربية السعودية، وتم الإعلان عن "عاصفة الحزم". حيث شاركت بها طائرات مقاتلة من مصر والمغرب والأردن والسودان والإمارات والكويت والبحرين– وتم استبعاد قطر في يونيو 2017- وفتحت الصومال مجالها الجوي والمياه الإقليمية والقواعد العسكرية للائتلاف لاستخدامها في العمليات. وقدمت الولايات المتحدة الدعم اللوجستي للعمليات. وسارعت أيضاً لبيع الأسلحة لدول التحالف. ونشرت الولايات المتحدة وبريطانيا أفراد عسكريين في مركز القيادة والسيطرة المسؤول عن الضربات الجوية بقيادة السعودية في اليمن، ودعت السعودية باكستان للانضمام إلى التحالف لكن البرلمان الباكستاني صوت للحفاظ على الحياد. ووفرت باكستان سفن حربية لمساعدة التحالف في فرض حظر على الأسلحة من الوصول للحوثيين . [1]
وتأتى أولى الضربات الجوية والموجهة ضد الحوثيين "عاصفة الحزم" في 25 مارس 2015، وذلك لإنجاز عدد من الأهداف، أبرزها: حماية الأمن القومي العربي من التدخل الإيراني في اليمن، فضلا عن الاستجابة لمطالب الشرعية اليمنية، بعد انقلاب جماعة الحوثيين على المسار السياسي المتوافق عليه يمنياً، والمدعوم دولياً. بالإضافة إلى ذلك، فثمة عدد من الأهداف الجيوسياسية لنشاط قوى التحالف العربي، أبرزها:
1. عودة وحماية الشرعية اليمنية المُعترف بها دوليا.
2. تدمير القواعد الجوية ومراكز العمليات ومراكز القيادة والاتصالات لجماعة الحوثيين.
3. تدمير الصواريخ البالستية والأسلحة الثقيلة التي تمتلكها جماعة الحوثيين وأتباع علي صالح.
4. التصدي للتنظيمات الإرهابية المسيطرة على بعض مناطق اليمن خاصة بعد الحديث عن عودة تنظيم القاعدة وإعادة تشكيل أذرعه.
5. إنهاء التهديد الواقع على أمن السعودية والدول المجاورة لها بمجلس التعاون الخليجي.
الجدير بالذكر، أنه بعد الإعلان عن انتهاء عاصفة الحزم، وتحقيق أهدافها، تم الإعلان عن البدء في عملية "إعادة الأمل"، وذلك في إشارة إلى استئناف العملية السياسية، وتيسير إجلاء الرعايا الأجانب، وتكثيف المساعدة الإغاثية والطبية للمتضررين، وإفساح المجال للجهود الدولية لتقديم المساعدات الإنسانية. ويلي ذلك، الإعلان عن عملية السهم الذهبي"، حيث شاركت قوات جنوبية، وذلك بغطاء بحري وجوي من القوات السعودية والإمارتية، ودخلت القوات عن طريق البحر مدعومة بمئات العربات المدرعة والدبابات التي قدمتها السعودية والإمارات العربية المتحدة، ونجحت في إخراج جماعة الحوثيين من عدن وأجزاء واسعة من المحافظات الجنوبية لحج والضالع وشبوة وأبين. وتوقفت تلك القوات في حدود محافظة تعز ومحافظة البيضاء، وتقدمت قوات أخرى قادمة من السعودية في شمال اليمن واستعادت السيطرة على أجزاء واسعة من محافظتي مأرب والجوف.
ثانيا – تطورات المشهد في جنوب اليمن (2015 -2021)
ترتبط تلك النقطة بالنظر إلى مجمل التطورات السياسية والميدانية خلال الفترة الممتدة من 2015 وحتى 2022، وذلك بالنظر للتنسيقات والتفاعلات التالية:
1. تطورات المشهد السياسية:
ثمة عدد من الملامح على السياق العام بالعملية السياسية بالجنوب، والتي شكلت بدورها تطورات المشهد، وذلك من خلال:
- أولا: ما يتعلق بتنامي الراديكالية بدوائر الاستقطاب السياسي بالجنوب والتي تتباين نوعيا بما يؤثر سلبيا على مجمل التوافقات التاريخية والثقافية.
- ثانيا: حجم التغير في موازين القوى، وانعكاس المرونة بالتكيف ميدانيا على بناء فرضيات متباينة لدى الأطراف المنخرطة بالعملية السياسية لاحتمالات كل منهم على حسم الملف ميدانيا لصالحة، وهو ما يضعف بفرضية التفاوض على إنجاز متطلبات التسوية السياسية. وذلك تطبيقا على موقف التفاوضي لجماعة الحوثيين.
- ثالثا: انحسار معيار الثقة بالشارع اليمني، إذ لم يعد "المواطن اليمني" يعول على حكومة مركزية، ولا يُبنى آمال كبيرة على المسارات المتباينة أمميا وإقليميا بالعملية السياسية. كما أن معيار "القائد السياسي" على الرغم من كونه يتمتع بالدعم الدولي، إلا أنه لم يعد يحظى بالإجماع شعبيا ولا التوافق بين حلفائه.
وبالنظر إلى الثلاث نقاط السابقة، فثمة عدد من المشاهدات السياسية [2]، التي يُبنى عليها التطور في المشهد السياسي العام بجنوب اليمن، وذلك فيما بعد الإعلان عن تشكيل التحالف العربي، وحتى نهاية عام 2021:
التاريخ |
الحدث |
الموقف العام |
إبريل 2017 |
تشكيل
المجلس الانتقالي الجنوبي |
أقال الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي محافظ عدن
عيدروس الزبيدي ووزير الدولة هاني بن بريك. وأثار القراران ردود فعل غاضبة في الجنوب، حيث تظاهر
آلاف المحتجين في عدن ضد حكومة هادي. وفي 11 مايو أعلن الزبيدي تشكيل
"المجلس الانتقالي الجنوبي" برئاسته بهدف "إدارة محافظات
الجنوب". |
يناير 2018 |
محاصرة المقر
الرئاسي |
في منتصف يناير 2018 أمهل المجلس الانتقالي الرئيس
هادي أسبوعا لإجراء "تغييرات حكومية" وإقالة رئيس الحكومة أحمد بن
دَغْر لاتهامهم إياه بـ "الفساد". ومع انتهاء المهلة، سيطر انفصاليون
على مقر الحكومة في عدن بعد اشتباكات مع القوى الحكومية، وفي الثلاثين من الشهر
نفسه، سيطرت القوى الانفصالية على القسم الأكبر من عدن وحاصرت القصر الرئاسي ولم
ترفع حصارها عنه إلا بعد وساطات. وفي اليوم التالي، انتشرت هذه القوات في عدن
بعد ثلاثة أيام من المعارك التي أسفرت عن عشرات القتلى والجرحى. |
أغسطس 2019 |
أحداث
عدن |
اشتباكات بين "الحزام الأمني" المدعوم من
الإمارات وقوات موالية للحكومة، وطوقوا القصر الرئاسي في عدن وسيطروا على ثلاث
ثكنات بعد أربعة أيام من الاشتباكات. وتلى ذلك عدد من الأحداث المتباينة بين
الأطراف. |
نوفمبر 2019 |
اتفاق الرياض |
ونص الاتفاق على أن يتولى المجلس الانتقالي الجنوبي
عددا من الوزارات في الحكومة اليمنية، على أن تعود الحكومة إلى العاصمة المؤقتة
عدن. |
يوليو 2020 |
التخلي
عن الإدارة الذاتية |
حيث أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي في 29 يوليو 2020
التخلي عن الإدارة الذاتية في الجنوب "حتى يتاح للتحالف (بقيادة السعودية)
تطبيق اتفاق الرياض". |
يونيو 2021 |
تعليق مشاورات اتفاق
الرياض |
في 26 يونيو، وجه المجلس الانتقالي الجنوبي مفاوضيه في
الرياض، بالانسحاب وتعليق كافة أشكال تواصلهم مع الطرف الآخر في المباحثات بشأن
استكمال تنفيذ اتفاق الرياض، على خلفية "مواصلة مليشيات الإخوان المسلمين
المحتلة لمحافظة شبوة ممارسات الإرهاب والترويع والعدوان ضد أبناء المحافظة". |
أغسطس 2021 |
حوار
جنوبي من القاهرة |
في 15 أغسطس، انطلقت أعمال الحوار الجنوبي البيني في
العاصمة المصرية القاهرة، وهدف الحوار الذي أطلقه المجلس الانتقالي الجنوبي إلى
خلق أرضية مشتركة مع كل الأطراف الجنوبية بلا استثناء. وتفاعلت شخصيات وقوى
سياسية جنوبية واسعة بشكل إيجابي مع دعوات الحوار. |
سبتمبر 2021 |
خطاب المبعوث الأممي
الرابع أمام مجلس الأمن |
أعلن هانز غروندبيرغ إحاطة له أمام مجلس الأمن أن "السلم في اليمن لن يستمر
على المدى البعيد إذا لم تلعب الأصوات الجنوبية دورًا في تشكيل هذا السلم على
نحو مسؤول." |
ديسمبر 2021 |
انتقال
العمالقة إلى شبوة |
في 27 ديسمبر، أعلنت قوات العمالقة نقل ألوية عسكرية
من الساحل الغربي لليمن، إلى محافظة شبوة، جنوب اليمن. وقالت العمالقة أنّ نقل
قواتها يأتي للمساهمة في عملية تحرير مديريات محافظة شبوة التي سقطت بيد
الحوثيين، |
يناير 2022 |
عملية إعصار
الجنوب |
أعلنت قوات ألوية العمالقة الجنوبية، استكمال تحرير
محافظة شبوة بالكامل عقب تحرير مديرية عين آخر معاقل مليشيات الحوثي في المحافظة
النفطية، وذلك ضمن عملية "إعصار الجنوب". لتُشكل بذلك أحد أهم
التحولات الإستراتيجية بالمشهد الميداني الجنوبي. |
الجدير بالذكر، أنه ثمة عدد من المرتكزات التي تدفع بتموضع "الانتقالي" وثقل "الورقة الجنوبية" في كافة المسارات السياسية، وذلك استنادا إلى عدد من الدعائم ونقاط القوة، منها:
- الحاضنة الشعبية: وذلك بالنظر إلى ما يُعرف بـ " شرعية التمثيل الجغرافي" الشامل للجنوبيين وتبني القضية الجنوبية، واعتبار نفسه [الانتقالي] الممثل الأكبر لغالبية الجنوبيين. إذ يمتلك الانتقالي قاعدة شعبية عريضة طالما استخدمها في استعراض قوته خاصة في فترة التأسيس عندما نظم عدداً من الفعاليات الجماهيرية لكي يثبت أن لديه حاضنة شعبية قوية يصعب تجاوزها.
- التشكيلات العسكرية والقوات الأمنية [3]: يمتلك الانتقالي أعداداً متباينة من قوات وتشكيلات مسلحة يتم تطويعها لبسط سيطرتهم على مناطق نفوذ الانتقالي. أبرزها:" قوات الحزام الأمني، اللواء الأول مشاة في جبل حديد، الصاعقة 15 لواء، ألوية المقاومة، قوات العاصفة، قوات أمن عدن ومكافحة الإرهاب، قوات النخبة الشبوانية والحضرمية، وبعض وحدات المنطقة العسكرية الرابعة ومنها محور العند، محور الضالع، وبعض وحدات ألوية العمالقة الجنوبية.
- توظيف أدوات القوة الناعمة: وترتكز تلك النقطة على عدد من الأوراق، أولا: امتلاك الدعم والتمويل اللازم لاستمالة الشخصيات المؤثرة والفاعلة وتنظيم اللقاءات والزيارات والأنشطة المختلفة التي يقدم الانتقالي نفسه من خلالها كسلطة أمر واقع. وثانيا: توظيف الوسائل الإعلامية المرئية مثل قناة عدن المستقلة، والسمعية مل الإذاعة المحلية، ووسائل التواصل الاجتماعي، كما يوجد لدى المجلس هيئة وطنية للإعلام تضم العناصر الإعلامية الموثوق بها من قبل القيادات البارزة في المجلس الانتقالي. فضلا عن قيام قوى الجنوب بإنشاء العديد من الكيانات النقابية والاتحادات المهنية في مختلف المجالات والقطاعات الحيوية لتوحيد المفاهيم والأجندة السياسية والأمنية فيما يتعلق بالقضية الجنوبية.
- استثمار التحركات الخارجية: وذلك عبر توظيف الأعضاء الممثلين للمجلس الانتقالي الجنوبي في عدد من الدول، للتعريف بأجندة الانتقالي والقضية الجنوبية، إذ تُعد "العلاقات الخارجية" وحُسن توظيفها من أحد أهم الأدوات الناجعة في نشر الأفكار وحشد التأييد الإقليمي والدولي للقضية.
2. تطورات المشهد الميداني:
ثمة جُملة من التطورات الميدانية شهدها الملف اليمنى بصفة عامة، والجنوبي بشكل خاص. أهمها ما انطوى على حجم التحركات العسكرية خلال الأشهر الأخيرة منذ عام 2021 من تحركات جماعة الحوثيين في محافظتي مأرب وشبوة، مقابل إعادة التموضع لقوى التحالف العربي، وتفعيل تحركات "الردع المضاد" من جانب "ألوية العمالقة الجنوبية" عبر انتقالهم من الحديدة إلى شبوة في ديسمبر 2021 لتحرير مديريات بيحان وعسيلان وعين من الحوثيين، بالإضافة إلى قوات أخرى أبرزها: "قوة دفاع شبوة". إذ انتهى الأمر بالإعلان عن نجاح عملية "إعصار الجنوب"، والانتقال المرن للإعلان عن البدء في عملية "تحرير اليمن السعيد".
ثالثا - أبعاد ودوافع عملية "حرية اليمن السعيد":
أضفى الإعلان عن بدء عملية "حرية اليمن السعيد"، العديد من الأبعاد النوعية، أولها ما يتعلق بإعادة تموضع قوى التحالف العربي بقيادة السعودية عقب انحسار نشاطه منذ 2018 وإعلان التوصل لاتفاق ستوكهولم، وبالإضافة إلى ذلك، فثمة عدد من الأبعاد والدافع، أبرزها:
- الأبعاد والدوافع المحلية:
ثمة عدد من المؤشرات المحلية والتي تم البناء عليها من جانب التحالف العربي للبدء في التحرك نحو إنجاز متطلبات عملية "حرية اليمن السعيد"، أبرزها:
1. المراوغة الحوثية بكافة التنسيقات السياسية: إذ ينصرف ذلك إلى تنصل جماعة الحوثيين من كافة المبادرات السياسية الدولية والإقليمية التي يتم طرحها لإنهاء حالة الحرب والبدء في مسار التسوية السياسية. فعلى سبيل المثال: رفض الحوثيون المبادرة السعودية والتي تضمنت أربع مسارات تتوافق مع تطلعات المجتمع الدولي ومختلف التحركات الأممية بالمسألة اليمنية: وقف شامل لإطلاق النار، وإعادة فتح مطار صنعاء الدولي، واستيراد المشتقات النفطية عبر ميناء الحديدة وفق مبادرة ستوكهولم، بجانب إمكانية بدء مشاورات سياسية مباشرة نحو إنهاء الأزمة القائمة.
2. التغير بالنمط الاستراتيجي للحوثيين نحو الإزاحة للخارج: يُبنى ذلك المؤشر بالنظر إلى حجم التصعيد الأخير من جانب الحوثيين خارج الدولة اليمنية واستهداف قوى التحالف العربي بأرضهم. يتم ذلك عبر تكثيف الهجمات الصاروخية على كل من المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات المتحدة. فعلى سبيل المثال: سجل عام 2021 ارتفاعاً في هجمات الحوثيين على السعودية مقارنة بالعام الماضي ليصل إجمالي الهجمات الحوثية إلى 702 خلال 9 أشهر الأولى من العام. ما يعني 79 هجوما شهرياً، مقابل 38 هجوما شهرياً عام 2020. بالإضافة إلى الهجمات الأخيرة على دولة الإمارات في يناير 2022 . [4]
3. استنزاف القوات الحوثية: يتعلق ذلك بالاستراتيجية الميدانية لجماعة الحوثيين، حيث يقاتل الحوثيون منذ 2014 بنمط "الهجوم المستمر" فضلا عن تكتيك "الكثافة العددية" حيث يشن المئات هجوماً مباغتا كدفعة واحدة لوضع خصومهم تحت ضغط. ومن ثم، فخلال 7 سنوات، استهلك الحوثيون معظم قواتهم المُدربة، وما تبقى من القوة لا يتمتعون بالخبرة عسكرية. فعلى سبيل المثال: منذ الربع الأول من عام 2021، استنزف الحوثيون قواتهم في معارك مأرب. لقد تم تدمير معظم المدرعات والدبابات التي تم استخدامها، فضلا عن مقتل آلاف المقاتلين الذين تم الدفع بهم للسيطرة على مدينة مأرب مركز عمليات الجيش العسكرية ضد الحوثيين منذ 2015. بالإضافة إلى استنزاف الموارد المالية للجماعة.
الأبعاد والدوافع الإقليمية
تتلخص الدوافع الإقليمية بالنظر لسلوك فواعل الإقليم بالمسألة اليمنية، وذلك من خلال:
1. التغير في السلوك الإماراتي: على الرغم من إعلان أبوظبي في عام 2019 الخروج من "حرب اليمن"، وعودة قواتها المشتركة بالتحالف العربي، مع احتفاظها بفرقة صغيرة على الأرض غير مفعلة في بالصراع الميداني الدائر ضد الحوثيين، إلا أنه بالمقابل، تصاعد التنسيق الإماراتي السعودي بالآونة الأخيرة لمحاصرة الحوثيين وإجبارهم على إنجاز خطوات التسوية السياسية. وهو ما ظهر في تنسيقات التحالف العربي في جنوب اليمن، وخاصة في محافظة شبوة والمساهمة في تقويض تحركات الحوثيين نحو مأرب.
2. التغير في السلوك العماني: ثمة تغير نوعي في إدارة السياسية الخارجية لسلطنة عمان، وذلك مع تولي السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، حكم الدولة عام 2020، وذلك خلفا للراحل السلطان قابوس بن سعيد، ليُعيد بذلك ترسيم التحركات الخارجية العُمانية، والانتقال المرن من "السياسات الحيادية"، إلى "الانخراط المباشر" في الملفات الإقليمية ذات الأبعاد الأمنية. فعلى سبيل المثال: في عام 2021، قامت مسقط بإرسال مفاوضين تابعين لها إلى صنعاء، فضلا عن التواصل المباشر مع القادة الحوثيين لحثهم على قبول المبادرات الأممية والسعودية "اتفاق الرياض" [5]، وإذ على الرغم من رفض الحوثيين للرؤية العُمانية في عملية التسوية السلمية، إلا أنها تُعد خطوة نحو الانخراط المباشر، حيث لم تتم من قبل، منذ عام 2015 والإعلان عن تشكيل التحالف العربي.
- الأبعاد والدوافع الدولية
ترتكز تلك النقطة على معدلات التغير في رؤية فواعل المجتمع الدولي للحل بالمسألة اليمنية، وإعادة تقييمهم للأطراف المنخرطة بالعملية السياسية والميدانية بمشهد الصراع، حيث:
1. التغير في السلوك الأمريكي:
ينبئ التغير في السلوك الأمريكي تجاه القضية اليمنية فيما بعد تولي الرئيس الديموقراطي "جو بايدن" الرئاسة. لقد أبدى العزم على إنهاء الصراع في اليمن، وما صحب ذلك من عدد من القرارة التنفيذية [6]، أبرزها : إنهاء الدعم العسكري والمخابراتي، ورفع جماعة الحوثيين من قائمة الإرهاب، وتعيين الدبلوماسي الأمريكي "ليندركينغ" مبعوثاً خاصاً إلى اليمن الذي قَدّم برفقة المبعوث الأممي الثالث "مارتن غريفيث" ثم الرابع "هانس غروندبيرغ" مبادرات لإنهاء الصراع. ولكن قوبلت جميعها بالرفض من الحوثيين.
وتأسيسا على التحركات السابقة، جاء التغير الأبرز في السياسات الأمريكية، عقب الاجتماع بين مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان [7]، وتيم ليندركينغ، مع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في 27 سبتمبر 2021. وما انتهى إليه من مشاركة وكالة المخابرات لإحداثيات مواقع استراتيجية للحوثيين مع السعودية؛ إذ من خلال تلك المعلومات تمكنت السعودية من استهداف عدد من منصات الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، في قاعدة "الديلمي" الجوية القريبة من مطار صنعاء في 29 من نوفمبر2021، وعدد واسع من مواقع مخازن الأسلحة والطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية في صنعاء، وذمار، وصعدة؛ واستهداف القوارب المسيرة التابعة للحوثيين في محافظة الحديدة.
الجدير بالذكر، ثمة عدد من المشاهد الحيوية والتي تبرز التغير في السلوك الأمريكي تجاه الملف اليمني والأطراف المنخرطة بالصراع، أبرزها: إعادة صفقات التسلح الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية، فعلى سبيل المثال: تم التوافق على صفقة بيع صواريخ جو- جو. فضلا عن الدعم الاستخباراتي الأمريكي إلى المملكة العربية السعودية لمنع الحوثيين من الوصول إلى مأرب. بالإضافة إلى تزويد الولايات المتحدة السعوديين ببنك أهداف جديدة لاستهداف مخازن الأسلحة التابعة للحوثيين ومناطق إطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة [8] . بالإضافة إلى دعم واشنطن للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا ضد جماعة الحوثيين.
2. التغير في السلوك الأممي: تتعلق تلك الفرضية بنتائج اختبارات المجتمع الدولي للمسارات التفاوضية المتباينة بالمسألة اليمنية، وكافة المبادرات السياسية سواء الإقليمية أو الأمنية لبناء متطلبات إنهاء الصراع، دون إنجاز أي تقدم يُذكر. وذلك لعدد من الاعتبارات تم رصدها والتوافق حولها أمميا، وهي: رفض الحوثيين لكافة "مبادرات السلام" التي تم طرحها إقليميا ودوليا، رفض الحوثيين لاستقبال المبعوث الأممي الجديد هانز غروندبيرغ في العاصمة صنعاء، تصعيد الحوثيين للحرب في مأرب رغم الدعوات الدولية والإنسانية إلى وقف الحرب. خاصة وأنّ سيطرة الحوثيين على مأرب يزيد حرب اليمن تعقيداً على تعقيدها الحالي.
رابعا – رسائل قائمة:
اقترن الإعلان عن بدء عملية "حرية اليمن السعيد" بعدد اللقطات التي تؤسس لإعادة تنسيق الأدوار السياسية والعسكريين بين التحالف العربي وقوى "جنوب اليمن"، وذلك بالنظر إلى الدلالات الرمزية التالية:
- تزامن الإعلان عن "حرية اليمن السعيد"، مع تصاعد النمط الميداني والعسكري في محافظتي شبوة ومأرب لصالح الجنوبيين. في رسالة نحو إعادة التموضع انطلاقا من الجنوب.
- تزامن الإعلان عن "العملية الجديدة" مع الانتصارات التي صاغتها "ألوية العمالقة الجنوبية" بدعم من التحالف ضد جماعة الحوثيين، وذلك في إشارة إلى الاستناد على المكون العسكري الجنوبي في الانتقال نحو إنجاز متطلبات "العملية التنموية".
- ما حملته "لغة الخطاب" للناطق باسم التحالف العربي "تركي المالكي" [9] من رسائل داخلية تؤكد على أهمية نبذ "سياسات التفكك/ والتشرذم"، وتعزيز نمط "الوحدة الوطنية"، و"إشراك كافة الأطراف اليمنية" في مواجهه التهديدات المتباينة لجماعة الحوثيين وما أجنداتها الخارجية.
في النهاية... من الصعب التنبؤ بمسار ومستقبل العملية الجديدة "حرية اليمن السعيد"، أو الحديث عما يمكن أن تؤول إليه الترتيبات السياسية والعسكرية في ذلك الإطار. إلا أنه من المُرجح أن تُدار العملية الجديدة في إطار النمط التقليدي وفقا لخبرة 7 أعوام من الصراع، وبما يضمن إنجاز الأهداف العامة والخطوط العريضة "السياسية والتنموية والإنسانية" المأمولة، إذ سيظل الرهان الحاسم في تلك القضية ما يتعلق بإمكانية تحييد الانقسامات، مقابل توحيد العمل وفقا لأجندة مشتركة تستهدف إحلال السلام.
متخصصة في العلاقات الدولية والأمن الإقليم
الصورة: ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، يلتقي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، بالرياض 5 نوفمبر 2019
المراجع:
[1] ) Saudi ‘Decisive Storm’ waged to save Yemen،Al Arabiya News،25 March 2015
[2] ) استند الجدول على عدد من المصادر، أنظر:
- بيان عدن التاريخي، موقع المجلس الانتقالي الجنوبي
- "العين الإخبارية" تنشر نص "اتفاق الرياض" بشأن اليمن، العين الإخبارية
- عام 2021 في اليمن: أحداث غير مسبوقة ومحطات مثقلة بالأزمات، مركز سوث24 للأخبار والدراسات، تقرير سنوي
- إحاطة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، السيد هانس غروندبرغ أمام مجلس الأمن، مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لليمن
- تحرير شبوة.. "إعصار الجنوب" يزلزل الحوثي والإخوان، سكاي نيوز عربية
[3] ) ما هو مستقبل المجلس الانتقالي الجنوبي؟، مركز أبعاد للدراسات والبحوث
[4] ) د. إيمان زهران، سياسات حذرة: مستقبل العلاقات الإماراتية – الإيرانية في ظل الهجمات الحوثية الأخيرة، مركز سوث24 للأخبار والدراسات
[5] ) هل تنجح الوساطة العمانية والمساعي الدولية في وقف الحرب اليمنية؟، سبوتنيك عربي
[6] ) Remarks by President Biden on America’s Place in the World،The White House،February 4،2021
[7]السعودية تعلن تفاصيل لقاء محمد بن سلمان وأكبر مسؤول أمريكي في عهد بايدن، سي إن إن
[9] ) US intelligence provides Saudi Arabia with targeting support in Yemen،intelligence online ,16/12/2021
[9] ) المالكي: إطلاق عملية "حرية اليمن السعيد" بكافة الجبهات، سكاي نيوز عربية