البَحسني والسياسة الضبابية: ما هو الموقف الأخير؟

البَحسني والسياسة الضبابية: ما هو الموقف الأخير؟

التقارير الخاصة

الخميس, 10-03-2022 الساعة 02:32 مساءً بتوقيت عدن

سوث24| عبد الله الشادلي  

يقترب  محافظ محافظة حضرموت، جنوب اليمن، اللواء فرج البحسني، من استكمال نصف عقد على تعيينه محافظاً للمحافظة، منذ يوليو/ تموز 2017.  

لطالما كانت مواقف البحسني السياسية مثيرة للجدل والتساؤلات. فبينما يُقدم نفسه على أنَّه "رجل الشرعية اليمنية" في المحافظة النفطية الغنية، يحتفظ البحسني بمستوى جيد من العلاقات مع المجلس الانتقالي الجنوبي. لقد حافظ على سياسة إمساك العصا من الوسط، كما يرى مراقبون.

إلى صف من؟ 

شهدت حضرموت، خلال فترة حكم البحسني، مشروعات عديدة. وتضمنت: مشاريع البُنى التحتيّة، مشروع كليّة الشرطة، بالإضافة إلى محاولات تغطية العجز في كهرباء الساحل. لكنّ مُعظم هذه المشاريع لم تكن مرضية بالنسبة للرقم الأكبر من أبناء المحافظة. 

وبينما يرى بعض أبناء حضرموت، ومنهم الصحفي عماد الديَّني، أنَّ البحسني حقَّق إنجازات للمحافظة، يتهمه آخرون، كالصحفي محمد الشرفي، بالوصاية والرضوخ للنافذين القريبين من الرئاسة اليمنية في المحافظة.

ويقول الديني، رئيس تحرير صحيفة "أخبار حضرموت" لـ "سوث24": كلية الشرطة والنخبة الحضرمية من أكبر المنجزات التي حققها المحافظ البحسني لحضرموت".

لكنَّ الصحفي الشرفي يعتقد أنَّ ما يجمع البحسني والحكومة اليمنية هي "علاقة قائمة على الفساد بكل أنواعه".

ويضيف الشرفي لـ "سوث24": "لا توجد علاقة دولة أو نظام مؤسسات؛ وإلا كيف نفسّر نشر الشرعية وثائق تظهر مليارات الريالات التي استلمها البحسني كمخصصات ومستحقات لحضرموت؛ وتصرّف فيها".

البحسني والانتقالي 

في الـ 25 من إبريل/ نيسان 2020، أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي حالة الطوارئ في محافظة عدن، ومحافظات الجنوب كافة، وتولّيه إدارتها ذاتياً بدلاً عن الحكومة اليمنية. حدث ذلك بعد أن تعذّر تنفيذ اتفاق الرياض، الذي وُقّع بين الجانبين، في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019.

وفي بيان له، نقلته وكالة سبأ اليمنية، رفض البحسني إعلان الإدارة الذاتية، وعدَّه بمثابة "خرق" للشرعية واتفاق الرياض. كما دعا البحسني التحالف العربي بقيادة السعودية للتدخل "بشكل يجعل الجميع يعودون لاتفاق الرياض". [1]

المسؤولون بالمجلس الانتقالي الجنوبي ندَّدوا ببيان البحسني وموقفه من الإدارة الذاتية. لقد عدَّوه دفاعاً عن "حكومة كسيحة". وقالوا إنَّه يخالف "الإرادة الشعبية الحضرمية" [2]. وأكدَّوا أنَّ الإدارة الذاتية ستنتصر لقوات النخبة الحضرمية وتحمي ثروات حضرموت من النهب. [3]

وحول علاقة البحسني مع المجلس الانتقالي، يقول محمد الشرفي: "يسود هذه العلاقة خوف واضح من المجلس. كلّما تشتد عليه الأمور يلجأ للكذب لتلميع صورته لدى رئاسة المجلس". 

وزعم الشرفي أنّ هناك بعض الأشخاص "يستفيدون من المحافظ بشكل شخصي". 

وتابع الشرفي: "خلال فترة الإدارة الذاتية استطاع البحسني أن يكسب نقاطاً لرصيده عند الشرعية من خلال موقفه الصامت والذي يُحسب لصالح «الشرعيّة». لقد حاول طمأنة الانتقالي أنَّ حضرموت تُدار بشكل ذاتي دون تدخل الرئاسة".

البحسني والإصلاح 

يملك حزب الإصلاح نفوذاً كبيراً في محافظة حضرموت، يعزَّزه انتشار قوات المنطقة العسكرية الأولى بوادي وصحراء المحافظة. توصف علاقة البحسني بالحزب بأنَّها علاقة يشوبها التناقض والغموض.

وفي وقت سابق من يناير الماضي، توعّد رئيس فرع حزب الإصلاح في مديرية القطن، صلاح باتيس، بإسقاط محافظ حضرموت فرج البحسني. لقد جاء تهديد باتيس على خلفية لقاءات البحسني بقيادات "الهبة الحضرمية". قال إنّ "البديل جاهز وإن المسالة مسألة وقت". [4]

وعن علاقة البحسني بحزب الإصلاح، قال الشرفي: "هذه العلاقة تعني الرئاسة ونائب الرئيس.  لولا رضا الإخوان المسلمين عليه لصدر قرار بإقالته. الرئاسة اليمنية مسلوبة بشكل كبير من طرف الاصلاح من قبل مدير مكتب الرئيس العليمي ومن طرف الرئاسة من قبل ابن الرئيس ناصر عبد ربّه منصور".

وزعمت مصادر خاصة لـ "سوث24" أنّ "المحافظ البحسني دعم حزب الاصلاح في مأرب، شمال اليمن، بمبالغ ماليّة طائلة". ورجحَّت أنّ المحافظ "من المُحتمل أنَّه تعرّض لضغوطات حينها". 

وفي معرض اتهاماتها لسلطة حضرموت، قال المصادر إنّ "السلطة دعمت حزب الاصلاح في مأرب بمبلغ 200 مليون ريال يمني من البنك المركزي بالمكلا". وادعت أنّ السلطة "وُضعت في موقف حرج بعد كشف أحد الإعلاميين بالساحل هذه القضيّة، وأغرته مقابل صمته". 

واتّهم الشرفي محافظ حضرموت بالسيطرة على مخصصات المحافظة، مثل: حصص النفط وإيرادات الميناء "التي توفر له قرابة 7 مليون دولار سنوياً". بالإضافة إلى الجمارك، الضرائب العامة، ضرائب القات، ضرائب مرور القاطرات والنّاقلات، إلى جانب رشاوي المسؤولين بالحكومة اليمنية والرئاسة.

ولم يتسن لـ "سوث24" التحقَّق من كل هذه الاتهامات.

يُشار إلى أنَّ رئيس الجمعية الوطنية بالمجلس الانتقالي ومحافظ حضرموت السابق، أحمد بن بريك، كان قد هدَّد، يناير الماضي، البحسني بتغريدة له على تويتر.

وقال بن بريك في تغريدته: "احفظ ماء وجهك وارحل بكرامة يا بحسني، ولا نرضَى عليك أن تكون كبش فداء يتم سحبك إلى محكمة لاهاي، بدلاً عن الهوامير الكبيرة". [5]

تناقضات أم اتزان 

هدّد فرج البحسني، بوقف تصدير نفط حضرموت مرتين على التوالي في أغسطس 2019 وسبتمبر 2020. وحظيت هذه القرارات بتأييد شعبي واسع. فيما شعر بعض أبناء المحافظة أنّ البحسني سرعان ما تراجع عنها وخذلهم. [6]

تهديد محافظ حضرموت بتوقيف إنتاج وتصدير النفط في 2020، جاء بعد ثلاثة أيام متتالية من احتجاجات شعبية واسعة، شهدتها مدينة المكلا، احتجاجاً على تردي خدمة الكهرباء. وكان محتجون قد أغلقوا عدداً من شوارع المدينة، ما استدعى تدخل رجال الأمن الذين أطلقوا الأعيرة النارية لتفريق جموع المحتجين. [7]  

وحول ذلك، قال الشرفي: "البحسني خذلهم بالفعل ويواصل خذلانهم. لن يستطيع المحافظ تقديم شيئاً لهم لأنّه يعرف جيّداً أنّه عندما سيفعل ذلك؛ فإنّه سيخسر مما يحققه من أرباح هو والشرعية".

ويضيف أنّ ذلك "لم يكن تهديداً صريحاً بل كان مجرد اشتراطات على الحكومة اليمنيّة". واعتبر أنّ التراجع "كان أمراً متوقّعاً". ووصف البحسني بـ "المتناقض".

وعلى عكس ذلك، قال عماد الديّني: "هذا ليس تراجعاً من قبل المحافظ، بل هو انتصار له بقبول الحكومة والتزامها مرغمة بتنفيذ مصفوفة مطالب حضرموت التي رفعها لهم برسالته العاجلة".

واعتبر الديّني أنّ "الأهم من كل ذلك أن هذه الشحنة ليست الأخيرة حتَّى يمكن للحكومة أن تكذب أو تناور وتتهرب من تنفيذ أي التزامات وعدت بها المحافظ".

وفي حال أصرّت الحكومة اليمنيّة على التهرّب من مسؤولياتها، قال الديّني "المحافظ وأبناء حضرموت سيذهبون حينها إلى أبعد من مجرد إيقاف تصدير الشحنات المقبلة، وسيكون لهم قرارات وخطوات أكثر صدمة ووجعاً لما أسماها بـ «حكومة المنفى»".

وحول مواقف البحسني التي توصف بالتناقض، قال الديّني: "البحسني يُعرف برجل التوازنات وشوكة الميزان. إنَّه يحرص دائماً على التمسك بشعرة معاوية مع كل الأطراف. وذلك من منطلق مصلحة حضرموت أولا بعيدا عن مُزايدات قوى الانتفاع الذاتي والارتهان لقوى الخارج".

وأضاف "لو كانت الأمور تؤخذ بالعواطف لما استطاع البحسني أن يُدير محافظة بحجم دولة بفتات 20 في المائة كنسبة مهينة من عوائد نفط حضرموت". وأشار إلى أنّ قرار إيقاف النفط "لابّد أن يقاس بحكمة، كوسائل ضغط حتى تستجيب الحكومة للمطالب والاستحقاقات الحضرمية". 

واعتبر الديّني أنَّ "الخذلان والتناقضات ليست من محافظ حضرموت، وإنما من الحكومة لقيادة حضرموت وشعبها لإغراقنا في أتون فوضى وتخريب وقطع طريق وتعكير صفو الاستقرار الأمني أسوة ببقية المدن والمحافظات اليمنية المنكوبة بالفوضى. إنَّها حكومة لا تعيش إلا على الفوضى والدمار".

وقال البحسني، في تصريحات سابقة لوسائل الإعلام، إنّ "السلطة المحليّة لن تتخلى عن مسئولياتها تجاه أبناء حضرموت وما نريده هو التعامل بعقلانية مع مصاعبنا ومشكلاتنا لأنها فوق طاقة السلطة". وأضاف: "مشكلة الكهرباء أصبحت اليوم قضية عامة تشمل جميع محافظات الوطن، ومع ذلك فإننا سنظل نطالب باستحقاقاتنا حتى تحل مشكلة كهرباء حضرموت والمطالب الأخرى". [8]

البحسني والهبّة الحضرميّة 

تشهد حضرموت تصعيداً شعبياً غير مسبوق منذ أشهر طويلة. لقد اجتمعت القوى القبلية والمجتمعية والسياسية الرئيسية بالمحافظة في أكتوبر الماضي فيما عُرف لاحقاً بـ "لقاء حضرموت العام"، وأقرت برنامجاً تصعيدياً تضمن نشر نقاط شعبية ووقف صادرات النفط والأسماك.

التقى البحسني بلجنة التصعيد الشعبي في أواخر ديسمبر. أكَّد دعمه الكامل للهبة الشعبية، ونشرت السلطة المحلية واللجنة بياناً تضمن 25 طلباً ومُقترحاً متفق عليها؛ وطالبتا الحكومة اليمنية بتنفيذها. نُفذت بعض المطالب التي تقع في إطار صلاحيات سلطة البحسني، فيما الكثير منها لم تستجب لها الحكومة اليمنية، ومنها إخراج قوات المنطقة العسكرية الأولى.

وفيما اعتبر البعض موقف البحسني تجاه الهبة بـ "المشرف"، رأى آخرون أنَّه استطاع بالفعل أنَّ يثبط من التصعيد الشعبي لصالح الحكومة اليمنية.

وحول هذا، قال الشرفي "موقفه انقلب عليه. «الشرعيّة» كانت تتطلع لإيقاف وإخماد هذه الثورة العفوية التي جاءت لإنصاف حضرموت. وهو ما تكفل به البحسني".

وأضاف، "المستفيدون من أموال حضرموت لا توجد عليهم أي أوراق أو مستندات تُثبت أنّهم ينهبون ثروات المحافظة والمتورّط الوحيد في هذه اللعبة سيكون المحافظ حتماً".

وتابع، "البحسني ضدَّ أهداف الهبة وقد لاحظنا تراجعاً في أهدافها بعد لقائهم به". وأشار إلى أنَّ قيادة الهبّة "تعاملت معه بخوف وهو محسوب على الشرعية، لكنّه تمكن من الكذب والخداع ونجح في ذلك بنسبة كبيرة".  

في المقابل، رأى عماد الديّني، أنًّ "جميع قيادات الهبة الحضرمية الشعبية وعلماء ومشايخ ووجهاء حضرموت وادياً وساحلاً يقفون خلف البحسني في الكبيرة والصغيرة".

وأضاف، "البحسني حافظ على اللحمة الحضرمية من التمزق الذي يسعى له أعداء حضرموت. إنَّ قيادة الهبّة الحضرميّة بجانبه وسند له في تحقيق مطالب حضرموت الكبيرة والصغيرة".

الموقف الأخير 

من المُرشح أن تنفجر الأوضاع في حضرموت بين المجلس الانتقالي الجنوبي والمنطقة العسكرية الأولى الموالية لحزب "الإصلاح" الإسلامي في أي وقت حال فشل اتفاق الرياض. يرى المجلس المنطقة كـ "قوة احتلال"، ويشاطره السواد الأعظم من أبناء المحافظة في ذلك.

وعند وصول الأمور إلى هذه المستوى، تبرز التساؤلات حول الموقف الأخير لفرج البحسني، حيث لن يكون هنالك مجال لإمساك العصا من الوسط والوقوف على الحياد. وعلى البحسني وقتها مغادرة منطقته الرمادية، كما يصفها البعض.

وتوقّع الصحفي محمد الشرفي أنّ "محافظ حضرموت سيكون في صفّ «الشرعيّة» لكن لن يُعلنها وسيقدم لهم الخدمات اللوجستية وحينها ستكون نهايته بشكل مباشر". 

وأضاف، "لن يصمد محافظ حضرموت مع الشرعية ولن يستطيع مقاومة الانتقالي. أغلب الناس والشعب يقفون مع مجلسهم. قيادة المجلس الجديدة المتمثلة بالمحمدي تعتبر قيادة شجاعة ومناهضة لفساد البحسني".

أما الصحفي عماد الديّني، فقال "كبار قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي يعرفون جيداً وأكثر من غيرهم، من هو البحسني، وكيف صمد في استماتته الوطنية دفاعاً عن تراب الجنوب من غزاة حرب صيف 1994 وكان آخر قائد جبهة عسكرية جنوبية بعدن".

واعتبر الديّني أنّ "المجلس الانتقالي لن يكون أكثر حرصاً من البحسني على تطهير وادي حضرموت من جماعات الموت وخلايا الإرهاب". ووصف قوات المنطقة الأولى بـ "مليشيات علي محسن الأحمر" [نائب الرئيس اليمني]".

صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات  

- محافظ حضرموت يلتقي بقيادة الهبة الحضرمية ديسمبر 2022 (رسمي، مقتطع بواسطة سوث24) 

حضرموت المكلا فرج البحسني المجلس الانتقالي الجنوبي الحكومة اليمنية الهبة الحضرمية