06-04-2022 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| عبدالله الشادلي
لم يكن يتمنى معظم أبناء جنوب اليمن، أن يرافق شهر رمضان لهذا العام، معاناة انعدام الأمن الغذائي، وتأخير صرف المرتبات، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، فضلاً عن تقليص عدد ساعات تشغيل الكهرباء في معظم المحافظات، وغياب الخدمة كليا عن بعض المناطق الأخرى، مع ارتفاع درجات حرارة الصيف.
تشتد المعاناة مع دخول الحرب الأهلية في اليمن عامها الثامن، وسط تحذيرات المنظمات الأممية من بلوغ عشرات الآلاف من السكان مرحلة "المجاعة".
منذ أسبوع أعلن المبعوث الخاص إلى اليمن، هانز غروندبرغ عن هدنة رمضانية لمدة شهرين. من شأن هذه الهدنة أن تُحيي بصيص الأمل لدى بعض الأهالي، الذين سئموا الحرب والصراع.
لم تُسعف الكلمات إحدى سيدات مدينة المكلا بساحل حضرموت، لتعبّر عن حجم المعاناة التي تعيشها أسرتها المكوّنة من سبعة أفراد، واكتفت بالقول: "الحال يعلم به الله وحده. أصبحنا نقتات من الفتات".
لم تستطع السيدة الستينية أن تكمل حديثها لـ«سوث24» من شدّة اليأس الذي أصاب الأسرة، جرّاء تأخر مرتّب ابنها الكبير الذي يعمل في الجيش. "نحن الكبار نصارع الحياة من أجل البقاء. حلمنا الوحيد أن نأكل"، تقول السيدة وتتسائل: "لكن من سيقنع الصغار أن يصبروا ويتحملوا قلّة الحيلة والفاقة؟"
أمّا صالح عبدالله، مُعلم مُتعاقد بإحدى مدارس المكلا، فيرى بأنّ تأخر صرف المرتبات لا يقل سوءاً عن تدنيها.
يقول عبدالله لـ«سوث24» "تتأخر مرتباتنا لما يقارب 50 يوماً أحياناً، وعلى أقل تقدير 40 يوماً إن حالفنا الحظ. لا حيلة لنا سوى الصبر وانتظار «الرويتب»، ومع كل ذلك فهو لا يكفي حتى لشراء حاجيات الأطفال".
ويضيف: "56 ألف ريال يمني نتقاضاها كل 50 أو 40 يوماً أمر مؤسف حقاً. والآن ومع قدوم رمضان والعيد تباعاً، نحن في مأزقٍ حقيقي".
حاجيات رمضان تثقل كاهل الأسر
وعلى الرغم من فرحة الأهالي بقدوم شهر رمضان إلى أنّ متطلبات هذا الشهر المتعددة تثقل كاهل الأسر الفقيرة والمعدمة. تحدثت أم سالم، وهي معلمة متقاعدة بالمكلا، عن وضعها قبل عقد من الآن، وقالت: "كان حالنا مستورا. لم نكن نتصور يوماً بأننا عندما نأكل وجبة، لن نجد أخرى".
وتضيف لـ«سوث24» "الجانب الأكبر من معاناة الناس في الخدمات، التي تستهلك الكثير من الدخل"، مشيرة إلى ارتفاع أسعار الغاز المنزلي والمحروقات.
تُعاني معظم الأسر في جنوب اليمن من تهديدات الفقر، فيما لا تسد المساعدات الإنسانية التي يحصل عليها البعض رمقهم، ويضطرون إلى بيعها أحياناً وبأسعار زهيدة لشراء حاجيات أخرى بثمنها.
وفي محافظة شبوة، إلى الشرق من محافظة عدن، لا يعتقد الصحفي أبوبكر العولقي "أن هناك من يعاني أكثر من أبناء هذه المحافظة الغنية بالنفط". وزعم العولقي لـ«سوث24» أنّ فرص العمل في شبوة قليلة جداً، والناس مُقبلة على مجاعة في ظلّ تدهور الأوضاع الاقتصادية.
وأضاف العولقي أنّ "طابع رمضان تلاشى تدريجياً. لم يعد للناس فرحة حقيقة إلا بتأمين متطلباتهم. رمضان يمثّل عبئاً لدى كثير من أبناء شبوة".
وأشار العولقي إلى أنّ بعض المواطنين فضّلوا شراء السلع من "البسطات" الأرصفة [نقاط بيع شعبية]، التي أوشكت صلاحيتها على الانتهاء أو حتى الرديئة. ولفت إلى أنّ الأهالي يعلمون مدى رداءة تلك البضائع، ومع ذلك يشترونها لأنّها تناسب قدراتهم الشرائية.
وقال أستاذ علم الاجتماع بشبوة، ناصر لشرم لـ«سوث24» أنّ"أسواق العاصمة عتق ممتلئة بكثير من البضائع ذات الجودة السيئة، ولا تخلو تلك الأسواق من بعض السلع المغشوشة، التي لها عواقب وخيمة على المستهلك لاحقاً".
وأضاف لشرم: "مع الانخفاض في القدرة الشرائية للمواطن، أصبح الناس يشترون مستلزماتهم بشكل يومي، عوضاً عن شرائها دفعة واحدة، في حين تتجه كثير من الأسر نحو التقشف والترشيد قدر الإمكان".
وبالنسبة للصحفي أبوبكر العولقي، فإنّ أسعار السلع في رمضان، ترتفع أكثر من الأوقات الأخرى. واتهم العولقي "كثير من التجّار باستغلال هذا التوقيت بالذات لرفع الأسعار؛ لأنهم يعلمون أنّ الناس سيقبلون عليها بأي ثمن".
أما في محافظة عدن، قال مواطنون لـ«سوث24» أنهم "بالكاد يستطيعون توفير وجبتين أو وجبة واحدة". مشيرين إلى أنّ "ظروف المواطنين باتت صعبة للغاية، ولم يعد في مقدور كثير من الأسر شراء متطلبات رمضان".
وفي الوقت الذي قد يستطيع بعض المواطنين سد رمقهم اليومي، يعجز الآلاف عن إيجاد حلّ بديل للكهرباء.
"كابوس الكهرباء"
إلى جهة الغرب من مدينة المكلا بحضرموت، تبرز معاناة أبناء مديرية ميفع حجر مع خدمة الكهرباء. لقد قضى أبناء هذه المديرية سنوات طويلة أملاً في عودة التيار الكهربائي ليخفف جزءاً من معاناتهم.
يقول أبوبكر محمود، طالب مختبرات من مديرية حجر لـ«سوث24» "في كل رمضان يحل علينا، يعود إلينا الأمل في إعادة ربط المديرية بالكهرباء. لقد باتت عودة التيار حلمنا".
يعتمد أبناء هذه المديرية التي تبعد عن المكلا نحو 170 كيلومتراً، على الطاقة الشمسية منذ العام 2015، وفقا لمحمود. ويضيف "مع ذلك ليس في مقدور الجميع الحصول عليها. معظم الناس في هذه المديرية من ذوي الدخل المنخفض جداً، ويلجأون إلى الشموع والوسائل التقليدية".
أما في مدينة المكلا، فالأمر مختلف تماماً. لقد استقبل أهالي المدينة شهر رمضان هذا العام وسط ظلام دامس، وتجاوزت ساعات إيقاف التيار الكهربائي الـ20 ساعة مقابل ساعتي تشغيل فقط.
"لقد سئمنا من الأعذار المتكررة ومن ارتفاع الأسعار ومن فشل السلطات"، يقول محمد محسن، وهو يوتيوبر صاعد من حضرموت. ويضيف لـ«سوث24» "في كل رمضان تزيد المعاناة، وتعود أسطوانة الأعذار".
تشهد مدينة المكلا، مركز محافظة حضرموت، احتجاجات شعبية ، تنديدًا بتردّي الأوضاع الخدمية والمعيشية (ارم نيوز)
وخرجت أول أيام رمضان تظاهرات احتجاجية عفوية في مدينة المكلا ضد انقطاع التيار الكهربائي. أصيب محتجون برصاص رجال الأمن، أن اتهمتهم السلطات الأمنية بالتخريب.
وعلى الرغم من الحلول التي تتخذها سلطة حضرموت، للخروج من هذه الأزمة التي تتكرر في كل عام، يعتبرها أبناء المحافظة متأخرة ومجرّد مسكنات موضعية.
وفي عدن لجأت السلطات لفتح منافذ بيع للمواد الغذائية واللحوم في عدة مديريات بالعاصمة، مدعومة من المحافظ، للتنفيس عن المعاناة التي يتعرض لها المواطنون. لاقت الخطوة ترحيبا من قبل الأهالي. استطاع بعضهم شراء بعض المواد الغذائية بتكلفة منخفضة نوعا ما.
ما بعد رمضان؟
تزداد معاناة الأهالي أكثر لدى اقتراب العيد وترتص الاحتياجات بعضها فوق بعض، لتثقل كاهل المواطن الذي أضحى دخله الشهري غير كافٍ لتأمين حياة كريمة لأسرته.
بالنسبة لأم سالم، "من حسن الحظّ أنّ المدارس ستبدأ بعد عيد الأضحى. وقالت لـ«سوث24» "مع قلّة الحيلة، أخرجت جارتي ابنها الكبير من الصف السادس الابتدائي العام الماضي، لتتمكن من إدخال ابنها الصغير الصف الأول".
تعتبر المعلمة المتقاعدة أنّ الناس بدأت تقترب من مرحلة خطيرة. إمّا البحث عن ما تأكله؛ أو "تبدده" في الأمور الأخرى، حتى وإن كانت لا بُدّ منها.
وتشهد مناطق جنوب اليمن، موجة غلاء فاحش بأسعار المواد الغذائية الأساسية، وسط استمرار انهيار العملة المحلية ونقص الوقود وانقطاع المرتبات. ضاعف ذلك رفض التجّار بيع بعض السلع بالريال اليمني واللجوء للتعامل بالريال السعودي، أو الدولار الأمريكي.
من المفترض أنّ المشاورات اليمنية التي دعا لها مجلس التعاون الخليجي، والتي ستختتم أعمالها يوم غدا الخميس في الرياض، أن تخرج بحلول للوضع الاقتصادي المزري في البلاد. قد يمثّل فشل التوصل لتوافق في هذه المشاورات حول هذا الملف والملفات المرتبطة فيه إلى خيبة أمل جديدة للأسر الفقيرة في البلاد.
صحفي في مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة: من الخيمة الرمضانية للمواد الغذائية في عدن (A24 - مقتطع)
قبل 3 أشهر