13-04-2022 الساعة 11 صباحاً بتوقيت عدن
سوث24 | ترجمات
قالت المملكة العربية السعودية إنها تعتزم الانسحاب من الحرب في اليمن لكنها لا تزال متورطة فيها سياسيا. ومع ذلك، فإن مصير الهدنة التي ترعاها الأمم المتحدة بين الرياض والمتمردين الحوثيين في اليمن يعتمد على الديناميكيات الداخلية بقدر ما يعتمد على القوى الإقليمية، وخاصة إيران، التي سهلت ذلك. ومع ذلك، يبدو من المرجح أن يستمر الصراع المركزي بين الحوثيين والحكومة اليمنية الجديدة.
أسفرت [المشاورات اليمنية] التي رعاها مجلس التعاون الخليجي في الرياض في الفترة من 29 آذار/مارس إلى 7 نيسان/أبريل عن ثلاثة نتائج رئيسية. أولا، عقد المشاركون العزم على التخلي عن الحلول العسكرية للأزمة اليمنية وإعطاء الأولوية للوسائل السياسية، وخاصة المسار التفاوضي الذي ترعاه الأمم المتحدة مع الحوثيين.
ثانيا، شددوا على ضرورة الإسراع في تنفيذ بنود اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي في إطار الجهود المبذولة لمعالجة "القضية الجنوبية" في اليمن ومكافحة الفساد في الحكومة.
ثالثا، والأهم من ذلك، أسفر المؤتمر عن إصلاح شامل للحكومة في اليمن ونقل السلطة من الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى مجلس رئاسي من ثمانية أعضاء يمثلون الشمال والجنوب بالتساوي ويرأسه رشاد العليمي.
كما شكّل المشاركون في الحوار [المشاورات] ست لجان متابعة للشؤون السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والإنسانية والإعلامية. وقال مشارك في الرياض تحدث إلى صحيفة الأهرام ويكلي شريطة عدم الكشف عن هويته إنّ اللجنة السياسية لم تتخذ ترتيبات لنقل السلطة من هادي إلى المجلس الرئاسي، بل تم العمل عليها في مشاورات سرية بين الأطراف على هامش الأنشطة.
وأكّد أن المشاركين في تشكيل المجلس الرئاسي، وهي عملية يشرف عليها هادي، اتخذوا قرارا بضم ممثلين عن القوى السياسية في البلاد كبديل لنائب الرئيس، وهو المنصب الذي كان يشغله سابقا على محسن الأحمر.
وكان الغرض الآخر من المجلس هو الحد من تأثير حزب الإصلاح على عمليات صنع القرار الحكومية. وقال المصدر إنه بسبب هذا التأثير القوي جاء تشكيل المجلس مفاجأة للعديد من المشاركين في الحوار.
الأهرام ويكلي: اللجنة السياسية لم تتخذ ترتيبات لنقل السلطة من هادي إلى المجلس الرئاسي، بل تم العمل عليها في مشاورات سرية بين الأطراف على هامش الأنشطة.
ويضع انتقال السلطة حدا لعقد من رئاسة هادي للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا. فبدلا من إنشاء نظام حكم جديد أو نظام سياسي مؤسسي، رسّخ هادي فقط نظام المحسوبية الذي شكّله تحالف بين بعض أعضاء النظام القديم وجماعة الإخوان المسلمين اليمنية، كما هو متجسد في حزب الإصلاح. وبما أنّ هذا كان مصدرا رئيسيا للاستياء بين المنتسبين إلى الحراك الجنوبي، فقد كان من المسلم به أنه يجب كبح نفوذ الإصلاح، ولكن دون استبعاده تماما.
ولعل الجانب الأكثر أهمية في السلطة الجديدة هو كيف تعكس عودة متدرجة إلى قواعد السلطة في اليمن. وقد تم التعبير عنها بوضوح في ظل النظام السابق للرئيس على عبد الله صالح، ولكن تم تعديلها لاحقا لتتناسب مع التطورات.
لقد أفسحت التحالفات القبلية في عهد صالح المجال أمام تحالف القوى السياسية. وحتى لو كان هذا لا يزال في الشكل أكثر منه في المضمون، نظرا للقبلية السياسية في اليمن، فإن التحول يعكس كيف تعلمت بعض الأوساط السياسية الدروس المستفادة من الصراع اليمني. لكن لا يزال من السابق لأوانه الحكم على متانة التحالف وقدرة رشاد العليمي على إدارته.
فك الارتباط السعودي
العامل الرئيسي الثاني في نقطة التحول الحاسمة هذه في الصراع اليمني هو تصميم المملكة العربية السعودية على فك الارتباط بالأزمة عسكريا بعد سبع سنوات من شنها الحرب لإعادة الحكومة في اليمن في 25 مارس 2015. وتزامنت [المشاورات اليمنية] في الرياض مع عملية مسقط التي ترعاها الأمم المتحدة، والتي نجحت في إبرام هدنة بين حركة الحوثي والمملكة العربية السعودية.
وسواء أدى ذلك إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار أم لا، ينبغي ألا يغيب عن البال أن هذه ليست علامة على أن نهاية الحرب في اليمن تلوح في الأفق. وبدلا من ذلك، فهي تشير إلى نهاية التدخل السعودي في تلك الحرب. وجميع الأطراف تدرك ذلك، كما يتضح من التطورات في ساحة المعركة.
ودخلت الهدنة حيز التنفيذ بين الحوثيين والرياض بينما يستمر القتال على الأرض في اليمن. لكن تم رفع الحصار عن ميناء الحديدة للسماح بدخول إمدادات الوقود، وتجري الترتيبات لاستئناف العمليات في مطار صنعاء وفقا للشروط المنصوص عليها في الهدنة.
وتتماشى هذه الخطوات مع المبادرة الحوثية التي أدت إلى عملية مسقط، على الرغم من أنها قد تسمى "المبادرة الإيرانية" لأنّ مسؤولين من طهران وقيادة الحوثيين استخدموا مصطلحات مماثلة. وقد تحدث كلاهما عن الحاجة إلى "رفع القيود" عن الحوثيين، وهو ما ردت عليه الرياض باتفاق "لتخفيف القيود" كبادرة حسن نية.
ومن المتوقع أن تستفيد المملكة العربية السعودية استراتيجيا من فك ارتباطها بالصراع. وبإعادة تموضع نفسها، لن تعطي بعد الآن الانطباع بأنها محارب رئيسي في الحرب، وبالتالي ستكون قادرة على أداء وظائف أخرى، مثل العمل كوسيط سياسي.
من خلال خبرتها الطويلة في الصراع، خلصت المملكة العربية السعودية إلى أنّ الحرب اليمنية لا نهاية لها وأن خيارها الوحيد هو وضع نقطة نهاية لمشاركتها. ولكن كما أوضح خطابها في الاجتماعات التي ترعاها دول مجلس التعاون الخليجي، فإنّ هذا الأمر عسكري فقط، وسيستمر في لعب دور رئيسي بطرق أخرى.
وبالإضافة إلى العمل كوسيط، يمكنها أيضا العمل على احتواء الأزمة، وتعزيز بنيتها التحتية الدفاعية الخاصة لاعتراض الضربات الصاروخية في المملكة العربية السعودية، والعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لمواجهة أي امتداد للحرب اليمنية قد يهدد الطرق البحرية الاستراتيجية أو غيرها من المصالح الإقليمية والدولية خارج اليمن.
"عقلية عقد الصفقات"
ومع ذلك، فإن الانتقال إلى سلطة حاكمة جديدة والنتائج الأخرى للحوار الوطني لم تبشر بـ "خارطة طريق" أو عملية شاملة لإنهاء الصراع اليمني. لم يكن الحوثيون حاضرين في المحادثات في الرياض، مما يعني أن فصولا أخرى تنتظرنا في هذا الصراع الذي طال أمده والذي يتوقع البعض أنه قد يستمر سبع سنوات أخرى. وبالنظر إلى تركيبة السلطة الحاكمة الجديدة ومواقفها تجاه الحوثيين، من السابق لأوانه الحديث عن مشروع حقيقي لصنع السلام في اليمن.
وتكشف مسارات التفاوض التي أدت إلى نقطة التحوّل الحالية أن عقلية "عقد الصفقات" لا تزال تسود على عقلية "الحل الشامل" بين جميع أصحاب المصلحة الرئيسيين. ومن خلال إبرام الاتفاق مع الرياض، سعى قادة الحوثيين إلى إنقاذ أنفسهم من انتفاضة شعبية أو "ثورة جياع" بدت وشيكة في ضوء تدهور مستويات المعيشة والخدمات العامة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
وقد يستغل [الحوثيون] أيضا فترة الراحة من مواجهتهم مع الرياض لإعادة توجيه طاقاتهم نحو الجبهة الداخلية واستخدام مزاياه لتحديد مناطق النفوذ بينهم وبين الحكومة الجديدة. وينطبق الشيء نفسه على المجلس الرئاسي الجديد.قد لا يكون من مصلحته التوصل إلى تسوية سياسية مع الحوثيين في ظل ميزان القوى الحالي، الذي يصب عموما في صالح الحوثيين. ومع ذلك، إذا قرر المجلس اتباع مسار عسكري لتغيير هذا التوازن، فسيتعين عليه التعامل مع مشكلة كيفية القيام بذلك دون أن يلعب التحالف الذي تقوده السعودية دورا رئيسيا والذي دعم الحكومة عسكريا حتى الآن.
ومن مصلحة المجلس أن معظم أعضائه يخدمون بقدرات سياسية أو عسكرية على الأرض في اليمن، مما يمنحه شرعية [كانت] تفتقر إليها حكومة هادي. ولكن ربما يكون من الأفضل النظر إلى المجلس الجديد باعتباره نوعا من التحالف أكثر منه تحالفا، لأن أعضاءه المختلفين يمثلون تيارات أو مشاريع سياسية مختلفة. وقد يحاول أحد الاتجاهات إنتاج طبعة جديدة من النظام السابق.
المعسكر الذي يرأسه طارق صالح، ابن شقيق صالح، سيكون معاديا بشكل خاص لمشروع الحوثيين، الذي حل محل النظام القديم على أرضه في صنعاء. وسيستفيد المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يعد رئيسه عيدروس الزبيدي أيضا عضوا في المجلس الجديد، من موقعه لتعزيز أهداف الحراك الجنوبي، الذي سعى ذات يوم إلى الحكم الذاتي، إن لم يكن الاستقلال، عن الشمال.
كما سيتمكن المجلس الانتقالي الجنوبي من الاستفادة من الموقف الأضعف لحزب الإصلاح، رغم أن ذلك لن يعفيه من التزاماته بموجب اتفاق الرياض، الذي يهدف جزئيا إلى إعادة توجيه طاقات الحركة إلى مشروع الدولة الموحدة.
تعكس الهدنة الحوثية السعودية تطورات إيجابية في المحادثات بين الرياض وطهران، كما اقترح وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان مؤخرا. الهدنة نفسها لم تكن لتحدث دون دعم إيران.
لكن الهدنة تعكس أيضا الأولوية الإيرانية الأمريكية للتوصل إلى تفاهم بشأن العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب والأولوية الأمريكية السعودية لعكس الاتجاه التصعيدي في اليمن. ما سيحدث بعد ذلك سيعتمد إلى حد كبير على المتغيرات الخارجية والعلاقات بين القوى الإقليمية وواشنطن.
إذا كانت المسالة اليمنية قد بدأت مرحلة جديدة بعد إعادة هيكلتها بشكل كبير، فمن المستحيل القول ما إذا كان يمكن ترجمة نقطة التحول هذه إلى اختراقات تؤدي إلى وقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد وخارطة طريق شاملة توجه البلاد إلى الاستقرار والسلام. ولعل ما يمكن أن نأمل فيه على المدى القصير إلى المتوسط هو تحقيق اختراق جزئي نتيجة لقدرة الرياض على إعادة تموضع نفسها بطريقة تمكنها من المساعدة في احتواء الصراع والأزمات [..] مثل القضية الجنوبية.
ومع ذلك، حتى خفض التصعيد المحدود الذي أتاحته الهدنة لا ينبغي الاستهانة به باعتباره نقطة تحول حاسمة لبلد دمرته سبع سنوات من الحرب.
- المصدر الأصلي بالإنجليزية: مجلة الأهرام ويكلي (أحمد عليبة)
- معالجة للعربية: مركز سوث24 (العنوان اختاره محرر المركز. الآراء الواردة في المقالة تعكس رأي المؤلف والناشر الأصلي)
- الصورة: ولي العهد السعودي خلال استقباله رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي في الرياض، 07.02.2022 (واس)
قبل 3 أشهر