20-04-2022 الساعة 1 مساءً بتوقيت عدن
افتتاحية سوث24
ربما قد يكون اليمنيون من أكثر الشعوب التي سمعت وشاهدت الأقسام المغلّظة التي رددها مسؤولوهم ونخبهم السياسية خلال مراحل تاريخهم السياسي في الجنوب والشمال. وربما يكونون من أكثر الشعوب التي كانت شاهدة وبِغصّة على كذب الكثير من هذه النخب السياسية وعدم وفائها. نُخب انقلبت على النظام الجمهوري وسحقت الشعب وقمعت حرياته وتجاوزوت تعاليم "الكتاب والسنة"؛ دمّرت الوحدة وأهانت السيادة وحولت الوطن إلى مَواطن للثروة والنفوذ.
ففي غمرة لحظة يمكن أن تُوصف بـ "التاريخية"، وفي سابقة معاكسة لمفاهيم الثورة والنضال والخصوم والحلفاء والجنوب والشمال، احتضنت عدن عاصمة جنوب اليمن التاريخية، وعاصمة "اليمن" الاسمية، مراسم القسم الدستوري لأعضاء مجلس القيادة الرئاسي "اليمني" المشكّل حديثا على أنقاض سلطة هادي العشرية. أو لنقل لحظة سياسية بكل ما تعنيه السياسة من معنى، دفعها العجز الذي مزّق الشمال اليوم وقسّمه إلى أجزاء فتطايرت هويته فيما تبقى له من اليمن وخارجها. لحظة دفع إليها فكر ما قبل الجمهورية والعقيدة والهوية والتاريخ. لحظة خضعت فيها صنعاء لطهران وأرسلت صواريخها على عدن وأبوظبي والرياض. لحظة دفعت إليها حرب مؤلمة وموجعة من عامها الثامن بلا رحمة ولا قانون ولا حدٍ للخلاص والتوقف تورّط فيها الدار والجار معا فتكت بأروح مئات الآلاف. لحظة أكل فيها الشعب من النفايات وافترشت الحرائر الأرصفة بلا مأوى وسكنت الأتربة المتطايرة وجوه الأطفال دون ماء، واشتد فيها الظلام بأشدّ معانيه.
في هذه اللحظة أيضاً أُعيد لعدن مكانها في صنع القرار بحذر، وبرز فيها الصوت الجنوبي بجرأة ووضوح؛ قطعا ليس من أجل "تحقيق الوحدة اليمنية". فمهمة الأشقاء في الشمال كبيرة ونجاحها مقرون بتحقيق توازنات مع الجنوبيين غير قابلة للجدل والتشكيك. وإلا مالذي يجنيه الجنوبيون من كل هذا ما لم تترجم الأقوال إلى أفعال وتقود لاستقرار سياسي وأمني واقتصادي أولا وقبل كل شيء؟!
ربما تتذكر عدن حين دفعتها اللحظة غير المحسوبة أيضا بكل تجلياتها المحلية والإقليمية والدولية لتوقيع اتفاقية الشراكة مع الجمهورية العربية اليمنية في مايو 1990. لقد قادت تلك اللحظة وما لحقها من لحظات الحروب والغزو لهذه اللحظات تماما. ليس مبالغة أنّ الجميع يدفع اليوم ثمن الأمس بالقسط. وليس تهويلاً إذا حذرنا من تكرار دفع ثمن اليومِ غدا.
كان قَسَم عضو المجلس الرئاسي عيدروس الزبيدي كفيلا بفرقعة الأوهام التي رسمتها نشوة البعض الوحدوية أو صوّرتها فورة الأحلام بالأمجاد التليدة. وكانت تذكيراً حقيقيا وصارخا بما صنعته وجسدته النخبة السياسية والإعلامية والعسكرية اليمنية في نفوس ووعي ومشاعر وواقع الجنوبيين. أو كما أسماه الصحفي نبيل الصوفي "قَسمُ اللحظة".
فعدن الجنوبية تُقدّم اليوم لحظة تاريخية لإنقاذ الشمال اليمني سلما أو حربا. أو هكذا بدت تتضح صورة المشهد القادم وفقا للعليمين بدائرة القرار. لكن وقبل كل شيء؛ عدن أولى بالإنقاذ وشعبها من سبع سنوات من الحرمان الممنهج والمقصود، الذي جسدته أيدلوجية وزير الخارجية اليمني السابق عبد الملك المخلافي أو مسيّرات عبد الملك الحوثي.
ليس عدلٌ أنّ يسطير الجنوبيون على 80% من الأراضي في خريطة اليمن الحديث، ويسيطر الشماليون على أكثر من 80 % من مناصب ووظائف وشواغل مؤسسات الدولة ومرافقها ومنحها في الداخل والخارج. هذا طبعا بمعزل عن دولة الحوثيين "القمعية" في الشمال حيث يقود الدكتور الجنوبي عبد العزيز بن حبتور لا شيء في حكومة صنعاء.
ورغم الحدث الذي مدحه السعوديون والإماراتيون وسفراء الدول الغربية، إلا أنّ معيار نجاحه يبرز من زاوية مصلحة الجنوبيين فيه بدرجة أساسية ومن ثم مصلحة باقي الأطراف. هذا الأمل الذي يجب أن يكون شعار #مرحلة_توحيد_الصف.
إنّ 19 أبريل 2022 هو تاريخ البداية الفعلية والقانونية لولاية أعضاء المجلس الرئاسي في اليمن لمرحلة انتقالية، نأمل ألا تتحول بفعل فاعل إلى عشرية أخرى كما فعل الرئيس السابق هادي، وأن يتحوّل السلام بالمقابل من شعارات سياسية إلى واقع عملي يقود إلى استقرار مستدام لليمنيين في الجنوب والشمال.
- الصورة: عضو المجلس الرئاسي عيدروس الزبيدي خلال تأدية اليمين في عدن 19 أبريل 2022 (مقتطع ومركب - سوث24)
قبل 4 أشهر