التقارير الخاصة

تحرير عدن: تحوّل تاريخي ومدينة لم تُنصف

26-04-2022 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

سوث24 | رعد الريمي


بعيون يملؤها الدمع وتفيضان بمشاعر جياشة قال الثمانيني عوض، والد الشهيد، بكار عوض بكار  الملقب بـ "الحافي": "عدن لم تُنصف". كان رده ذلك خلال حديثه لـ "سوث24" عن الذكرى السابعة لتحرير العاصمة عدن، في جنوب اليمن، من مقاتلي جماعة الحوثيين، المدعومة من إيران، وقوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح، في يوليو 2015.



الشهيد بكار الملقب بـ "الحافي" وهو ينتعل أجزاء من الكراتين خلال مشاركته في معارك تحرير عدن في 2015  (الصورة: أرشيفية)


السهم الذهبي


في صباح رمضاني، أعاد لساكني عدن الأمل؛ بعد أشهر من الهجمات المميتة وحياة التشرد والنزوح، جراء الغزو الذي تعرضت له المدينة مطلع مارس 2015، اُعلن في 14 يوليو عن انطلاق عمليات تحرير عدن بدعم من التحالف العربي.


لقد أُطلق على العملية اسم "السهم الذهبي"، ومثلت صبيحة السابع والعشرين من رمضان، 17 يوليو 2015، تحولا استراتيجيا عسكريا، بعد تحرير مطار عدن ومعظم مديريات المحافظة بالكامل من الحوثيين. لقد تغيّرت الخريطة اليمنية منذ ذلك التاريخ على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وشهد اليمن تغيّرات كبرى انعكست على ملفات المنطقة الساخنة. 


الحرب


ما يقرب من أربعة أشهر من المعارك الطاحنة التي شهدتها عدن، دفعت عاصمة جنوب اليمن السابقة فيها تكلفة باهظة. نصف مديريات المحافظة سقطت مع بداية الحرب، وهي: خورمكسر، كريتر، التواهي، والمعلا. بالمقابل، صمدت مديريات: المنصورة، الشيخ عثمان، البريقة، ودار سعد. 


أحد جرحى حرب تحرير عدن، وسام القادري، أعاد بذاكرته إلى الوراء في حديث لـ "سوث24". 


قال القادري: "إنها ذكرى للحظات عصيبة مرت علينا وكأنها حلمُ، أصررنا فيها على تحقيق تحرير أرضنا من غزو القوات الشمالية. كانت لحظات مؤلمة هزت وجداننا. لقد فقدنا أعز الأصدقاء والأحباب والأهل والجيران الدين استشهدوا وهم يدافعون عن أرضهم".


 "ومع حجم الألم، كانت تلك اللحظات مُفرحة أيضاً"، قال جريح الحرب، وأضاف: هي أيضاً لحظات فرح عقب انتهاء ذلك العدوان الجاثم على عدن وقلوبنا".


بحسب منظمة حق للحقوق والحريات، وهي مؤسسة حقوقية أهلية طوعية أهلية تعمل من عدن، ما شهدته عدن في 2015 "لم تكن أحداث أو مواجهات أو نزاعات مسلحة كما تصف وسائل الإعلام المختلفة؛ فمجريات الأحداث تؤكد عكس ذلك تماما". [1]


"لقد كان هناك اعتداءات مسلحة تُرتكب خارج نطاق القانون من قبل قوات عسكرية وأمنية متمردة، وميليشيات حوثية عديمة الشرعية. كانت قوى غير ملتزمة بالقانون وتتصرف كقوات حكومية، بالمقابل كان هناك مقاومة شعبية تتصدى لتلك الاعتداءات". 


تآزر


مفاهيم متسعة من المبادئ والجهود السامية خلال الحرب   سادت آنذاك وقادت إلى الانتصار الكبير في عدن. لقد قدَّم شباب حديثو السن الإسعافات الأولية لرفاقهم الجرحى، ووصلت إمدادات الغذاء المتواضع للفقراء والمحاصرين رغم كثافة النيران القاتلة. كما تم إيواء النازحين في مدينة مثخنة بجراح الحرب.


يستذكر أحد قادة معركة تحرير عدن كل تلك المعاني والذكريات. يقول العميد خالد النسي لـ سوث24" إنَّ عدن "كانت معركة الجميع".


وأضاف النسي: "الجميل أن الجميع شارك في معركة الدفاع عن عدن جميع شرائح المجتمع الجنوبي قاتلت من أجل عدن تحت اسم الجنوب. لم تكن هناك مناطقية أو مصالح أو مناصب. كان الجميع يعانون، والهدف فقط كيف نثبت على أرضنا وكيف نواجه العدو الغاشم".


وتابع" ذلك أوحى بدلالة أنَّ معركة الجنوب معركة واحدة منطلقها من عدن ومنتهاها تحرير كامل الجنوب مستقبلا وهذا يعتمد على العودة تحت سقف الجنوب"، حدَّ وصفه.


"حوصرنا ومنع عنا الماء والدواء والطعام في تلك الحرب"، قال الناشط في المجتمع المدني في عدن، سمير أحمد، لـ "سوث24". وأضاف: "في الوقت الذي كان الحوثي يحاصر فيه المناطق قبل إسقاطها ويعامل سكانها بوحشية. كان الناس يحاولون مساعدة بعضهم بالطعام أو الدواء. ولم تقتصر المشاركة على حمل السلاح بل كان هناك من يقاتل ولكن بطريقة أخرى مثل تهريب المؤن".



شباب من مدينة عدن يحملون الأسلحة للمشاركة في الدفاع عن المدينة (الصورة: صالح العبيدي)

شاهد النصر 


المصور الحربي وأحد موثقي تحرير مدينة عدن، صالح العبيدي، روى لـ "سوث24" تفاصيل النصر. 


قال العبيدي: "انطلقت عمليات تحرير عدن من رأس عمران في مديرية البريقة حيث تفاجئنا بآليات عسكرية مٌعززة بأبنائنا الذين كانوا مغتربين في السعودية ضمن كتيبة الملك سلمان. بفضل الله ثم بفضل هذه القوات ثم بفضل صمود أبناء عدن تمت هزيمة العدو".


وأضاف: "جاءت تلك اللحظات على حين غرة. ففي الوقت الذي كان المجتمع منشغل في عمليات إطفاء خزانات مصافي عدن التي كانت تشتغل بفعل حريق تسببت به قذائف ميليشيات الحوثي، فاقت عدن على وقع تحرك عسكري يهدف لتخليصها من هذه القوات الشمالية".


تابع: "كانت تلك أولى لحظات انكسار المشروع الإيراني في ساحة المطار بفضل الله ثم بفضل قوات الجنوبية المعززة بقوات التحالف وخاصة الإمارتية لتنتصر عدن وينتصر جنوب اليمن".



خلال تحرير مطار عدن في يوليو 2015. عربات ترفع أعلام دولة جنوب اليمن السابقة (العبيدي)

مساندة التحالف عربي


يصعب تذكر يوم السابع والعشرين من رمضان دون أن يخطر بالأذهان دور قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة. ذلك الدور الذي وثقته إحدى الوسائط المرئية لجندي في التحالف قائلا: "نحن معكم وإلى جانبكم؛ وسنقاتل معكم، وان لم تقاتلوا سنقاتل وحدنا". [2]


تلك الشهادة أكدها جميع من أبدوا لـ "سوث24" آرائهم طي التقرير، حيث أجمعوا على الدور الكبير والمحوري لهذه القوات، شد من رباطة القوات الجنوبية نحو النصر.


إنصاف عدن


مرت سنوات كثيرة على تحرير العاصمة عدن، وتأتي الذكرى السابعة اليوم بعد محطات تاريخية فارقة عاشتها المدينة التي تحظى باهتمام وتنافس الجميع. لكنَّ عدن – كما يقول أبناؤها - لم تُنصف، فلا زال الظلام يخيل على جوانحها كل يوم بسبب انقطاعات الكهرباء، ويعيش سكانها أوضاعا اقتصادية مأساوية.


قال الناشط العدني والقيادي بالحزب الاشتراكي، وضاح الحريري: "عدن التي قدمت للجميع أشياء كثيرة وقدمت الأمن، التعدد، التنوع، والحياة المستقرة الآمنة في فترة من الفترات، لم تُنصف حتى الآن. تعاني هذه المدينة من المشاكل سواء الأمنية أو الخدمات أو غيرها".


وتابع: "إنصاف عدن اعتقد يقع أولا وبشكل رئيسي على السلطات المسؤولة عن البلد، كما ويلزم إنصافها عدن من قبل جميع أبناء الشعب بكل مشاربهم السياسية ورؤاهم المختلفة، لأنَّ هذه المدينة تمثل منارة كانت في المنطقة وما زالت تستوعب كافة أشكال العمل السياسي المتعدد والمتنوع".


ويتفق معه العبيدي بأّنّ "عدن لم تنصف، وتم إهمالها وإهمال المتسببين المباشرين بتحريرها وهم الشهداء".


وأضاف:"كنا نتمنى أن نرى عدن بعد سبع سنوات من ذكرى التحرير في وضع أفضل وتحسن مستمر. وتحديدا لمن شاركوا في عملية تحرير عدن حيث كانت أسرهم تتقاضى راتب يقدر 1000 سعودي واليوم تم استبداله بعملة الريال اليمني المحلية التي لم تعد لها قيمة".


وتابع: "ولم يقف الأمر على هذا التعسف بل تطور إلى مستوى انقطاع المرتبات وعدم انتظامها وهذا باعتقادي يشكل جانب مظلم من ظلم عدن وعدم إنصافها وأهلها المقاومين الحقيقيين للمشروع الفارسي" - حد وصفه.


وقال العبيدي: "يجب على التحالف العربي راعي العملية السياسية لليمن شمالا وجنوبا، إعادة النظر في القوات الجنوبية الوفية التي حققت له انتصارات، ما كان لها أن تتحقق في رقعة يمنية أخرى". 


رعد الريمي

صحفي في مركز سوث24 للأخبار والدراسات


[1] التقرير الحقوقي التابع لمنظمة حق للحقوق والحريات بعنوان: الذكرى المأساوية لاجتياح مدينة السلام والتعايش السلمي عدن ، للفترة من مارس 2015م - وحتى اغسطس 2015م.

[2] فيلم توثيقي لدور القوات الإماراتية عدن، د. 5:46 


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا