أهمية أمن الجنوب لتحرير الشمال: مقاربات ممكنة

قوات جنوبية موالية للمجلس الانتقالي خلال عرض عسكري في عدن، نوفمبر 2021 (رسمي)

أهمية أمن الجنوب لتحرير الشمال: مقاربات ممكنة

التحليلات

السبت, 25-06-2022 الساعة 07:50 مساءً بتوقيت عدن

سوث24 | وضاح العوبلي* 

يتأثر  أمن الدول والأقطار القائمة والمسيطرة كلياً على حدودها السيادية كلياً بما يجري في البلدان المجاورة لها سلباً أو إيجاباً، وهذا التأثير حتمي ولا مناص منه لأي بلد مهما كان استقراره ومهما بلغ تحصينه الأمني والاستخباراتي. إلا أنّ تماسه الجغرافي والسياسي بدولة جارة تشهد صراعات أو حروب أهلية أو فشل سلطوي، سيجعله بلا شك يتأثر بها، ويأتي مستوى الضرر في حالات كهذه بدرجات متفاوتة من بلد إلى آخر، والشواهد أمامنا ماثلة من مستوى وحجم تأثّر البلدان المجاورة لسوريا والعراق ومستوى تأثرها من الحروب والصراعات الجارية في هذين البلدين، مروراً بما جرى في اليمن منذ "انقلاب" الحوثيين في 2014، ومستوى وحجم تأثر البلدان المجاورة بما يجري في الداخل اليمني، ووصولاً إلى تأثّر البلدان المحيطة بأوكرانيا جراء الحرب الروسية-الأوكرانية. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن هناك ترابط مباشر بين أمن البلدان ببعضها البعض.

 لو أسقطنا هذه الشواهد على الوضع في اليمن بين شقيه المحرر وغير المحرر أو الخاضع لسيطرة الحوثي في شمال اليمن، وهو الجزء الذي تبدو قواه السياسية المناوئة للحوثيين عاجزة أو تائهة عن تحديد مسارات تحرير محافظاتها منذ ثمانية أعوام، سنجد أن هناك ثمّة ما يدعو تلك القوى إلى تبنّي مبادرة تحقق بها تقدماً في مياه التحرير الراكدة. وهذه المبادرة تحتاج للتعاطي مع الواقع كما هو، وتقدير المرحلة والتعاطي معها بمفاهيمها وترك المفاهيم العامية القديمة والبالية التي فقدت قيمتها ولا تنسجم مع الواقع الجديد، الذي لم يعد مجدياً فيه التحدث بذات الرؤى والمصطلحات التي كانت سائدة قبل عشر سنوات. وهذا ما يجب على قوى الشمال بمختلف تبايناتها أن تدركه وتشرع في التوجه الفوري لمغادرة مربع الماضي، إلى آفاق المستقبل الذي يتطلب رؤى وبرامج وأفكار وحتى أساليب مختلفة تماماً.

من أين نبدأ؟ 

إن بقاء الوضع الأمني في محافظات الجنوب مرتهناً للازدواج والتراكن المعمول به حالياً، سيخلق بيئة خصبة لانتشار التنظيمات "الإرهابية" والمتطرّفة، وهو ما يمثّل خطراً على المستقبل السياسي للقوى الشمالية والجنوبية معاً. فيما سيتقاذف ويتبادل الطرفان التهم عمّن يتحمل منهم المسؤولية عن هذه الحالة، وهي في مجملها مكاسب ستصب في سلة الحوثي. لذا يتعين على الأطراف إدراك حقيقة الخطر، والاتجاه لتوزيع المهام وتقاسم المسؤوليات التي بموجبها يمكن أن يتحمّل المجلس لانتقالي الجنوبي على عاتقه تأمين محافظات الجنوب ومكافحة التنظيمات "الإرهابية" فيها. فيما تتجه الأطراف الشمالية نحو إنجاز مشروع تحرير المحافظات المتبقية تحت سيطرة الحوثي، مع التزام الجانبين لبعضهما بتقديم الدعم والمساندة الاستخباراتية واللوجستية كلاً فيما يخصه.

ومن هنا يمكن الانطلاق بمهام ومسؤوليات مشتركة، فيما تبقى من مسألة الوحدة أو الاتحاد أو الفيدرالية او فك الارتباط، وهي مسألة أخرى تحدد آلياتها المفاوضات والتسويات النهائية، لاسيّما وأنّ أمور كهذه لا يمكن أن يتم فرضها بالقوة من قبل أي طرف، وإنما عبر الحوار والتفاهم، وهذا ما يجب على جميع القوى تجسيده فعلياً من خلال تعاملاتها على الواقع.

الضمانات المتبادلة  

تتواجد وتنتشر عشرات الألوية والوحدات الجنوبية التابعة للشرعية في محافظات جنوبية عدة، وخاصة تلك الألوية التابعة للمنطقة العسكرية الرابعة كألوية محور العند واللواء 31مدرع، واللواء 30 و اللواء33 مدرع في الضالع، وهناك لواء في لحج  بقيادة محافظها "أحمد التركي"، وفي أبين يتواجد عدد من الألوية كاللواء 39مدرع واللواء 111، بالإضافة لعدة فروع للشرطة العسكرية والقوات الخاصة وقوات الأمن الخاصة والأمن العام في عدن وكافة محافظات الجنوب، وهي في غالبيتها تتبع الحكومة الشرعية ويعيّن قياداتها بقرارات منها، وهو ما يعني أن هناك من الضمانات في الجنوب ما يكفي لإزالة مخاوف القوى الشمالية من سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على الجنوب. إذ أنّ هذا يجعل من القوى الشمالية المتخوّفة تبدو قريبة في مواقفها من الحوثيين؛ وتدفعهم لتوظيف جهودهم وميليشياتهم ضد الجنوب، كما فعلوا في 2015. 

معركة تحرير الشمال في نظر القيادات الجنوبية  

ربما يدرك القادة الجنوبيون في الانتقالي الجنوبي أو العمالقة الجنوبية وغيرهم أكثر من غيرهم بأنه لا أمان للجنوب دون شمال مُحرر من القوى الموالية لإيران، وهو ما تدركه القوى الشمالية أيضاً. إلّا أنها وبدلاً من استخدام هذه النظرية لاستنهاض الجنوب معها في مشروع تحرير الشمال، تحوّلت إلى استخدام ذات النظرية كفزّاعة لتهديد الجنوب والجنوبيين من خطر وجود الحوثي. هذا الأمر يضع قوى الشمال في موقف يبدو أكثر تقبلاً لاستمرار سيطرة الحوثيين على محافظاتهم، بما فيها المناطق المتاخمة للجنوب. إذ تعتقد هذه القوى أنّ هذا الأمر جيد نكاية بالمجلس الانتقالي، متناسية المخاطر المحتملة التي يُمكن أن يمثّله بقاء واستمرار سيطرة الحوثيين على تلك المناطق والمحافظات، بما في ذلك التأثير فكريا وعقائديا على الأهالي.

بمراجعة بسيطة للخط الزمني الذي سارت عليه الأحداث المتصلة بالصراع الجاري في اليمن، وبالتوقف في محطات النجاحات والإخفاقات في خط هذا الصراع، سنصل إلى نتيجة مفادها أن القوى الجنوبية تمكّنت من تحرير أربع محافظات خلال الخمسة الأشهر الأولى للحرب. وهي الفترة التي توغلت قوات الحوثي في بداياتها نحو أحياء عدن، وكان هذا في أواخر شهر مارس 2015، غير أنّ قوى المقاومة الجنوبية استدركت مبكراً خطر ما يجري ورمت بكل ثقلها لتحرير محافظاتها، وكان لها ما أرادت لتطوي امتداد الحوثي وتعيد انكماش سيطرته من محافظات عدن ولحج وأبين والضالع وتنتهي من تحرير هذه المحافظات بتاريخ 8 أغسطس 2015.

لذلك، إنّ من يراجع الأرشيف سيندهش من حجم تهاوي قوات الحوثيين آنذاك، وهو التهاوي نفسه الذي كان يمكنه أن يستمر بذات الزخم المتسارع في محافظات الشمال، وهو مالم يحدث حينها، بالرغم أن صدى تحرير محافظات الجنوب أدى إلى فرار "مليشيات الحوثي" إلى المناطق الداخلية من محافظة إب كالرضمة شمالاً وحزم العدين غرباً، وهو مالم يستمر، بل على العكس استعاد الحوثيون سيطرتهم بعد أيام قليلة وعادوا إلى نقيل الخشبة غربي الضالع، قبل أن يسيطروا على مناطق العود ومديرية الحشاء ومناطق غربي قعطبة في إبريل 2019. وسبق ذلك استعادتهم لمدينة دمت وعودتهم إلى جبل ناصة على مشارف مريس المطلة على قعطبة من حدودها الشمالية. 

معضلة القوى الشمالية  

المتأمل لوضع القوى الشمالية سيجد أنها وحتى اللحظة ما زالت تائهة ولم تحدد أولوياتها، وحتى وهي في اللحظة التي يُفترض أنها غادرت مربع الشقاق وتوصلت فيها إلى مقاربات لا بأس بها مع القوى الجنوبية ممثلة بالمجلس الانتقالي الجنوبي. إذ أن هذا ما ينبغي أن تتخذه الآن، لأنها بدون اتخاذ مثل هذه الخطوات الجريئة لن تتمكن من تنفيذ مشروعها بتحرير متكامل لمحافظات الشمال. ولن يتأتّى لها ذلك مالم تأخذ أمر الجنوب وقواه بمنتهى الموضوعية، والاعتراف بحقيقة الأمر الواقع، والتجرّد من أي مواقف ضيقة لا تتناسب مع أولوياتها في "تحرير الشمال". وبالطبع، هذا لن يتم إلا بالتنازل والمرونة وإبداء حسن النوايا تجاه الجنوب بكل ما يمثله من قاعدة صلبة لانطلاق مشروع التحرير، وخلفية جغرافية وأمنية ينبغي أن تكون آمنة بالحد الكافي لتأمين حركة وظهر قوات تحرير الشمال.

من هذا المنطلق، يمكن أن تتنازل القوى الشمالية بأوراق معينة للانتقالي الجنوبي وبشكل بديهي، مقابل أن تأخذ مواقف وأوراق تُنجز من خلالها معركة تحرير الشمال. وهي أمور ممكنة بالمناسبة وقد خبرتها أطراف في بلدان أخرى، وعلى رأسها النموذج الجاري بين أكراد سوريا والنظام السوري، فرغم اختلافهما وصراعهما وتباين مشاريع وأهداف كلاً منهما عن الآخر، إلا أن هذا لم يمنع الأكراد من اللجوء لطلب الدعم والمساندة من قبل النظام، كلما هددت تركيا بمهاجمة مناطقهم. وهو الأمر نفسه الذي ينطبق من ناحية أخرى وبأسلوب مختلف بين القوى الشمالية والانتقالي الجنوبي فيما يخص معركتهما ضد الحوثي. إذ أنّ القوى الشمالية هي من يفترض عليها أن تتولى إدارة مثل هكذا مواقف مع الانتقالي، تنتهي بمقاربات مرنة بعيدة عن التصلّب والجفاف الذي يجعل مشروع تحرير الشمال متوقفاً عند ذات الخط الذي وصلت إليه قوى المقاومة الجنوبية في أغسطس 2015. 

خيارات مرحلية ممكنة 

هناك قاعدة أساسية وبرجماتية في العلاقات السياسية بين الأطراف والدول والأنظمة تقول إنه "في السياسة لا عداوة دائمة ولا صداقة دائمة أيضاً، وإنما هناك مصالح مشتركة"، وهي القاعدة التي تتيح للأطراف والقوى الشمالية التي تقف على النقيض من الحوثي العمل وفقها مع طرف وند سياسي جنوبي حليف وباذل للتعاون والمساندة وهو "المجلس الانتقالي الجنوبي". ومن هذه القاعدة يمكن الانطلاق لتليين المواقف وتبادل التنازلات التي يكون في طليعتها ضرورة تمكين الانتقالي من إدارة ملف أمن محافظات الجنوب بشكل كُلي وإسناد هذه المهمة إليه، مقابل دعمه ومؤازرته لمعركة تحرير الشمال، وهو دعم مشروط بتولي القوى العسكرية الشمالية إدارة ملف التحرير على أن تكون هي رأس حربته، وعليها أن تتحمل مسؤوليتها في هذا المشروع، لأنّ عدم إنجازها لذلك يضعها في دائرة التقاعس والاتهامات.

بموازاة ذلك، يمكن أن تكون مشاركة القوى الجنوبية في هذا الإطار عبر تأمين العمق الاستراتيجي الكافي لمحافظات الجنوب، وهذا ما يُبدي القادة الجنوبيين التزامهم به بشكل دوري، ولم يتم رصد أي معارضة أو ممانعة من قبلهم لهذه المشاركة المدروسة والمحتكمة إلى قواعد وتفاهمات واضحة. وقد أثبتوا ذلك عملياً من خلال تكفلهم بتحرير عدد من مديريات الساحل الغربي وصولاً إلى عمق مدينة الحديدة عام 2018، وإن أحسنت القوى الشمالية اليوم إدارة مواقفها مع الانتقالي الجنوبي سيتكرر نفس السيناريو في إب وذمار وصنعاء وغيرها من المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.


العميد وضاح العوبلي

ضابط في قوات الدفاع الجوي اليمنية، خبير وباحث عسكري غير مقيم لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات

- الآراء الواردة تعكس رأي المؤلف

القوات الجنوبية تحرير الشمال القوى الشمالية الحوثيون اليمن الهدنة اليمنية