غرق مركبات في سيول داخل شوارع مدينة المكلا (نشطاء)
29-06-2022 الساعة 10 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| عبد الله الشادلي
تتجددُ المعاناة في محافظة حضرموت، جنوب اليمن، في كل عام يقضيه المئات من أبناء الوادي بلا مأوى، بعد سنوات من فقدانهم منازلهم جرّاء الأمطار الغزيرة والسيول الجارفة التي شهدتها المحافظة في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2008.
ورغم الوعود التي قطعتها الحكومات المتلاحقة، لم يتسلّم معظم المواطنين المتضررين في وادي حضرموت التعويضات المخصصة لهم كاملة. فقط تسلّم عدد منهم ما نسبته 20% من القيمة الكليّة.
وشهدت المحافظة على مدى الأعوام الأخيرة منخفضات جوية واضطرابات في المناخ أدَّت إلى تدفق سيول جارفة أضرت بكثير من ممتلكات المواطنين من منازل ومزارع، دون خطة حكومية واضحة للتعويض أو تلافي تكرار الكوارث والأضرار.
بداية الكارثة
أُعلنت محافظة حضرموت "منكوبة" في العام 2008، بعد تضرر ما يزيد عن 1200 منزل في الوادي جراء الامطار، ومقتل العشرات ونفوق أعداد كبيرة من المواشي.
يستذكر المؤرخ علوي بن سميط تفاصيل الكارثة التي سبَّبتها السيول. وقال لـ "سوث24": "أُطلقت مناشدات كثيرة ولم تحرك الدولة ساكناً. لو أنَّ الدولة هيأت الأمور ولو قليلا لم تكن الأضرار لتصل إلى هذا الحد".
وأضاف: "قطعان من الماشية جرفتها السيول، ولم يُعرف عنها أيّ شيء. خلال قرن كامل لم يشهد وادي حضرموت مثيلا لهذه السيول".
منزل متضرر بسبب الأمطار بوادي حضرموت، 29 أكتوبر 2018 (وائل العماري)
وتابع: "وادي حضرموت شهد سيولاً كبيرة وأمطاراً غزيرة في العام 1996 وأخرى أكبر في العام 1989، وتضررت كثير من المنازل في مديريتي شبام وتريم، وسُجل نحو أربع ضحايا، لكن إحصائيات كارثة 2008 تُشير إلى مقتل ما يزيد عن 80 شخصاً".
دعم زائف
في تقرير للإدارة التنفيذية لـ "صندوق إعادة إعمار المناطق المتضررة" جرَّاء كارثة الأمطار والسيول في محافظتي حضرموت والمهرة للفترة من مارس 2009 وحتى يونيو 2013، قال الصندوق إنَّه صرف خلال هذه الفترة أكثر من 29 مليار ريال يمني كاستجابة للمتضررين. [1]
وأشار التقرير إلى أنَّه "من خلال هذه المصروفات استطاع الصندوق إنجاز التعويضات لما يقرب من 20 ألف متضرر وما نسبته 76% في مجال التعويضات، إضافة إلى إنجاز 226 مشروع بنسبة 95% من المشاريع التي توفر لها تمويل في تصفية وتهذيب مخانق الأودية والبنى التحتية".
لكنَّ مصادر خاصة لـ «سوث24» قالت إنَّ "نافذين في الحكومة المركزية السابقة وصندوق الإعمار عملوا على إنشاء مشاريع وهمية كلّفت مليارات الريالات".
ووفقاً للمصادر "لم تخرج هذه المشاريع إلى أرض الواقع؛ كما تكرر بعض هذه المشاريع لأكثر من مرة". واتهمت المصادر صندوق إعادة الإعمار بـ "نشر أرقام مبالغ فيها وتحمل مغالطات كبيرة".
وكشفت المصادر أنَّ "كل أموال الصندوق أتت من دول مانحة وصديقة أودعت فيه ما يقرب من 48 مليار يمني آنذاك". وأضافت: "مع دخول الحوثيين صنعاء وسيطرتهم عليها، تبقت 18 مليار في حساب الصندوق بعد أن ذهبت 30 مليار منها إلى المتنفذين وتم صرفها لأجل مشاريع وهمية".
مماطلة
وحول المزاعم الحكومية بتعويض المتضررين من السيول في حضرموت، قال مدير عام تريم السابق، خالد هويدي لـ«سوث24»: "معظم المواطنين الذين دُمرت منازلهم؛ لم يتلقوا تعويضاتهم من الحكومة اليمنية حتى الآن".
وأضاف هويدي "كثير من الأسر أصبحت أشبه بالنازحين أثناء الكارثة، وسكنت المدارس ودور التعليم، ولبثت في الخيام طويلاً". ولفت إلى أنَّ "عدد المنازل المتضررة في وادي حضرموت بلغ نحو 1200 تقريبا، بينما قُدّر عدد المنازل المتضررة في مديرية تريم وحدها نحو 800".
وأضاف: "تمّ معالجة أوضاع نحو 350 من أصل 800 منزل فقط، فيما لم يُصرف ريال واحد لبقية المنازل المتضررة حتى الآن. عشرات المزارع في تريم، انتهت بشكل كامل ولم يُعوض مالكوها إلى اليوم".
وتابع: "أغلب القطاعات لم يشملها التعويض باستثناء تدخلات بسيطة في قطاع الزراعة. لقد اقتصر الأمر على مشاريع حفر الآبار. المناطق الريفيّة التي تضررت، فيها صيدليات وبقالات ومعظم ملاكها من ذوي الدخل المحدود؛ وإلى اليوم لم يُفتح ملفهم".
ولفت المسؤول المحلي السابق إلى أنَّهم قدموا "مصفوفة تواكب مرحلة الحكومة المركزية آنذاك". وأضاف: "تم التوجيه بصرف مليار ريال لنا سنويا. استطعنا صرف مبلغ 5 مليون ريال يمني لـ 250 أسرة. كان من المقرر أن يصرف مبلغ ما بين 40 – 60 مليون ريال يمني".
ووفقاً لهويدي "دُفع 20 في المئة فقط من إجمالي التعويضات، أمّا النسبة المتبقية فهي مفقودة حتى يومنا".
تقاعس وإهمال
كوّنت الأمطار في كثير من مناطق وادي حضرموت مستنقعات تثير حالة استياء بين المزارعين.
محمد التميمي، مواطن من مديرية تريم قال لـ «سوث24»: "كثافة الأمطار التي هطلت على مناطق الوادي في العام 2008 كانت غير مسبوقة. لقد أزاحت ما اعترض طريقها من منازل، ومبانٍ، وجرفت طرقاً ومركبات".
وأضاف: "لم يكن أمام المزارعين والبسطاء فرصة كبيرة للنجاة من الأمطار دون خسائر. بعض الضحايا لقوا حتفهم تحت الأنقاض ولم يتمكنوا من الفرار، فيما تمّ إنقاذ البعض بصوبة بالغة وبتدخل معدات ثقيلة".
وعن دور السلطة المحلية والدولة أثناء الكارثة قال الباحث علوي بن سميط إنَّها "تقاعست ودورها لا يستحق أن يُذكر".
وأضاف: "لم تكلف الدولة نفسها عناء إزالة الاستحداثات والأشجار التي تعيق تدفق المياه، مثل: شجرة السيسبان التي تنتشر في مجاري السيول بوادي حضرموت".
وتابع: الدولة ساعدت في صرف بعض الأراضي على مجاري السيول بدلاً من تنبيه المواطن بالخطر. لقد أنشأت مخططات على ممرات السيول وضيقت مجاريها".
ولم تقتصر آثار كارثة 2008 في وادي حضرموت على الآثار المادية فقط، فقد كان لها آثار صحية وتسببت بانتشار العديد من الأمراض.
وقال بن سميط: "لقد أثرت الكارثة على كل شيء، بداية من الأعمال التجارية وصولًا إلى الرعاية الصحية، وما نجم عنها من أمراض. أثناء السيول تفشّت بعض الأمراض البيئة الناجمة عن تكاثر الحشرات والبعوض والذباب".
مستنقعات مائية بسبب الأمطار بالمكلا، 4 يونيو 2022 (سوث24، عبد الله الشادلي)
ما هي الحلول؟
بالنسبة للمسؤول المحلي السابق خالد هويدي فإن "تنظيف مجاري السيول في وادي حضرموت من أشجار السيسبان والاستحداثات من مباني ومخططات قد يحل جزءاً كبيراً من مشكلة السيول".
وأضاف هويدي: "مجرى وادي حضرموت قنبلة موقوتة على مدينة تريم. هناك خطر مستمر حتَّى مع كمية قليلة من مياه الأمطار. تريم حوض تجميع للهضبة الشمالية والجنوبية من وادي "سُر" ووادي "عَذِب".
وشدَّد مدير تريم السابق على "ضرورة التدخل العاجل لفتح الممرات التي تُعاني من الاختناق، من مسيلة [فضلون] إلى منطقة [القسم] بالوادي لتجنب حدوث أي كوارث مستقبلية".
واتفق الباحث علوي بن سميط مع ما قاله هويدي. وقال: "على الدولة أن تعمل على تنقية مجاري السيول. منذ ما يقارب 14 عاماً لم يتم تنفيذ شيئاً".
قبل 3 أشهر