قوات موالية للمجلس الانتقالي الجنوبي (رويترز)
06-07-2022 الساعة 1 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| إبراهيم علي*
يوم أمس الأول، أعلنت قيادة وحدة مكافحة الإرهاب بمحافظة أبين (جنوب اليمن) انطلاق عملية عسكرية واسعة ضد تنظيم القاعدة في المحافظة. الإعلان عن انطلاق العملية جاء بعدما نفذ التنظيم سلسلة عمليات دموية في محافظات شبوة وأبين وعدن وحضرموت خلال الأيام الماضية.
على رغم أن التنظيم نفذ معظم عملياته الأخيرة في محافظة شبوة، إلا أنّ العملية ضده انطلقت من محافظة أبين، وإن لم تقترب حتى اللحظة من المناطق التي يُتوقع أن مسلحيه يتحصنون أو يتواجدون فيها. تمثّل مديرية المحفد وأجزاء واسعة من المنطقة الوسطى في أبين معاقل تاريخية للتنظيم، لكن أهميتها، بالنسبة إليه، تضاعفت في الآونة الأخيرة.
لماذا أبين؟
خلال السنوات الماضية انحسر نفوذ تنظيم القاعدة في اليمن بشكل كبير، إثر عمليات عسكرية وأمنية ضده في أهم معاقله بحضرموت وشبوة وأبين. العمليات التي دعمتها قوات التحالف العربي بين العامين 20162017، أجبرت التنظيم على تركيز وجوده في محافظتي البيضاء ومأرب. بسبب انحصار وجوده في نطاق جغرافي ضيق، خسر الكثير من مسلحيه وقادته بغارات جوية لطائرات أمريكية من دون طيار، وخلال مواجهات مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
يمكن القول إن تلك الفترة كانت الأسوأ بالنسبة إلى التنظيم، قبل أن تندلع المواجهات بين قوات الانتقالي الجنوبي وبين القوات المحسوبة على الحكومة اليمنية والإخوان المسلمين في محافظات أبين وشبوة وعدن عام 2019، حيث مثَّلت سيطرة الأخيرة على شبوة وأجزاء واسعة من أبين متنفسا مُهمّا للقاعدة. في مقابل حاجة القاعدة إلى مناطق جديدة، كانت تلك القوات بحاجة إلى إسناد قتالي من نوع خاص.
نظرا لطول أمد المعارك في أبين، استطاع التنظيم أن يُعيد ترتيب صفوفه داخل المحافظة وأن يعوِّض ما كان قد خسره. كما أصبحت مهمة استهدافه بعمليات جوية صعبة للغاية، بسبب تلاحم وتداخل مسلحيه مع القوات المحسوبة على الحكومة. الأمر ذاته حدث في محافظة شبوة التي كانت قد أصبحت بعيدة نسبيا عن مناطق المواجهات.
أواخر العام 2021، انسحب تنظيم القاعدة من مديريتي الزاهر والصومعة، آخر مناطق نفوذه في محافظة البيضاء وسط اليمن، إثر عملية عسكرية لجماعة الحوثي. انسحاب التنظيم تم إلى المحافظات التي كانت خاضعة كليا أو جزئيا لسيطرة حزب الإصلاح، وهي شبوة وأبين ومأرب.
كانت مأرب، بالنسبة إلى التنظيم، خيار الضرورة وليست الخيار المثالي، بسبب طبيعتها الجغرافية السهلة التي لا توفر له منعة كافية من الملاحقة والاستهداف، مقارنة بأبين وشبوة. لهذا السبب، أبقى فيها عددا محدودا من عناصره. يمكن القول إن وادي عبيدة هو أهم معقل للتنظيم في مأرب، إن جاز استخلاص ذلك من عدد الغارات التي نفذتها مسيَّرات أمريكية.
على رغم أنّ محافظة شبوة كانت الخيار الأمثل للتنظيم في تلك الفترة، من عدة نواحي، إلا أنّ الأحداث التي شهدتها، ابتداء من دخول قوات العمالقة والمقاومة الجنوبية إليها لاستعادة مديريات بيحان وعسيلان وعين من الحوثيين، وانتهاء بتغيير المحافظ المحسوب على حزب الإصلاح، محمد صالح بن عديو، أخرجتها من قائمة خيارات التنظيم الآمنة.
بناء على ما تقدم، يمكن القول إن محافظة أبين باتت المعقل الأهم لتنظيم القاعدة حاليا، وأيضا نقطة انطلاقه لتنفيذ عمليات في محافظات أخرى.
خطة أخرى
رغم ذلك، يدرك التنظيم صعوبة خوض مواجهات مباشرة للدفاع عن معقله الأهم والأخير، في ظل وضعه الحالي، لكن ربما يلجأ إلى أساليب أخرى.
يوم الأربعاء الماضي استهدف انفجار بسيارة مفخخة مدير أمن محافظة لحج اللواء صالح السيد في خور مكسر بمدينة عدن جنوب اليمن. بعد ساعات من عملية عدن، أكدت مصادر أمنية إحباط "عملية إرهابية" بواسطة سيارة مفخخة في مدينة سيئون بوادي حضرموت جنوب شرق اليمن.
فيما لو أنّ تنظيم القاعدة يقف بالفعل وراء العمليتين الأخيرتين، فإنه بذلك يوجه رسالة مفادها: أن التنظيم بات يضرب في كل مكان. تعمد التنظيم، على الأرجح، تكريس هذا الانطباع بعدما وجد نفسه هدفا لعملية عسكرية وأمنية شاملة ووشيكة في أبين.
قبل حادثتي عدن وحضرموت، كان التنظيم قد وجه رسالة إلى قبائل أبين، بعدما أعلنت شرطة أبين استعدادها لإطلاق عملية شاملة في المحافظة، لطرد مسلحي القاعدة منها.
رسالة التنظيم حاولت تحييد تلك القوات عن أية عملية عسكرية مستقبلية، وتضمنت ما يشبه الاعتذار عن هجوم استهدف جنود موالون لمحور أبين الموالي للحكومة، وأيضا تهديدا مبطنا بالرد والردع.
ربما أدرك التنظيم أن الرسالة لم تكن كافية لمنع أو عرقلة العملية ضده في محافظتي أبين وشبوة، وأن العملية قادمة لا محالة، فلجأ إلى خطة أخرى، لهدف تشتييت التركيز على المحافظتين. يمكن القول إن عمليتي عدن وحضرموت الأخيرتين تأتيان في سياق هذه الخطة.
تزامن غير بريء
في مقابل انفجار مفخخة عدن، تمكنت قوات الأمن في سيئون بوادي حضرموت من إحباط تفجير سيارة مفخخة أخرى. رغم أن تنظيم القاعدة قد يكون وراء تفخيخ السيارتين، للهدف الذي أشرنا إليه، إلا أنّ انفجار إحداهما في مناطق سيطرة الانتقالي، وضبط الأخرى قبل تفجيرها في مناطق سيطرة المنطقة العسكرية الأولى التابعة لنائب الرئيس اليمني السابق، يضع علامة استفهام كبيرة. ما يعزز فكرة أن التزامن بهذا الشكل غير بريء، هي الحملة الإلكترونية التي تلت العمليتين وكُرِّست للحديث عن الانفلات الأمني في مناطق الانتقالي والنجاح الأمني في المناطق الأخرى.
ما أثار الشك أكثر، هو أنّ قوات الأمن الخاصة في محافظة شبوة أعلنت في اليوم ذاته (الأربعاء الماضي) القبض على أفراد من "خلية إرهابية" في نقطة قرن السوداء الأمنية بينما كانوا يحملون عبوة ناسفة شديدة الانفجار، بهدف زرعها في إحدى الطرقات بمديرية حبان. من المهم الإشارة هنا إلى أنّ هذا الإعلان جاء أيضا بعدما كانت معلومات قد كشفت عن تواطؤ هذه القوات مع عناصر التنظيم في العملية التي استهدفت قوات دفاع شبوة بمدينة عتق أواخر شهر مايو الماضي.
معركة المعقل الأخير
بالعودة إلى الحديث عن عملية أبين المرتقبة، يمكن القول إنها ستكون مختلفة عن سابقاتها، كونها تُخاض ضد تنظيم القاعدة في معقله الأخير.
وفي هذا السياق، من المستبعد أن يجازف التنظيم ويقرر المواجهة، لأنها ستكون مكلفة كثيرا، رغم إعلانه جاهزيته للقتال في تعليقه على بيان شرطة أبين.
من المهم الإشارة هنا إلى أنّ المعركة ضد القاعدة في المحافظة لن يُكتب لها النجاح إن نُفذت على شكل حملات عسكرية إلى المعاقل التي يُتوقع تواجد عناصر التنظيم فيها، ومن ثم العودة منها بعد إعلان تطهيرها.
تتطلب المعركة ضد التنظيم استراتيجية طويلة الأمد، تتمثل في انتشار عسكري وأمني دائم في تلك المناطق، كما تتطلب حرمان القوات المحسوبة على "الإخوان المسلمين" من السيطرة على أيٍ من مناطق في محافظة أبين وغيرها.
إبراهيم علي
هو اسم مستعار لباحث متخصص في شؤون الجماعات المسلّحة، طلب إخفاء هويته لأسباب شخصية
قبل 3 أشهر