طفل يبيع الحٌلي اليدوية في سوق بعدن (سوث24)
06-07-2022 الساعة 11 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | ريم الفضلي
بين جموع غفيرة من المواطنين وسط شارع الذهب في مديرية الشيخ عثمان بعدن، جنوب اليمن، تقف بشرى سلطان [10 سنوات]، وأمامها علبة من الكرتون تضع فيه بضاعتها المتواضعة من الحلي التي تصنعها يدوياً هي وأخوتها.
وفي ذات الوقت، يجوب أخاها الأصغر، حمود [8 سنوات]، الشارع نفسه ذهابا وإيابا وهو يحمل بين يديه ذات المشغولات اليدوية، بغية بيعها على المارة. لقد رفض الطفلان التقاط صورة لهما.
بشرى وحمود هما طفلان من بين مئات الأطفال في عدن الذين يكابدون مشقة الحياة وعمالة الأطفال فيما أقرانهم الآخرين يلاعبون الدمى الصغيرة. مع استمرار الحرب الطاحنة باليمن منذ 8 أعوام، أدَّت الأوضاع الاقتصادية المتدهورة إلى تنامي ظاهرة عمالة الأطفال بشكل ملحوظ وكبير.
وفي اليمن، البلد الذي يعاني من أسوأ أزمة إنسانية في العالم منذ العام 2015 بحسب تقارير دولية [1]، بات القانون رقم 45 لحقوق الطفل الخاص بالدولة [2]، الصادر في العام 2002، الذي يمنع عمالة الأطفال، حبيس الورق.
وبينما تضطر العديد من الأسر إلى الدفع بأطفالها لسوق العمل بسبب الجوع والفقر، تلحقهم أخرى بالسوق طمعا في الكسب السريع. كما يتعرض الأطفال المهمشون والمشردون للاستغلال في أعمال شاقة مقابل أجر زهيد.
الحاجة
بشكل أساسي، يتصدر أطفال الأسر النازحة من مناطق الحرب في شمال اليمن، وأطفال اللاجئين الأفارقة، عمالة الأطفال في عدن. إنَّهم يعملون في مهن شتى، من المطاعم والورشات والمحلات التجارية إلى بسطات الشوارع وغسل السيارات والتنظيف.
البروفيسور في علم الاقتصاد، علي السقاف، قال لـ "سوث24": "هذه الظاهرة ليست بجديدة، بل تمتد إلى ما قبل الحرب، ولكنَّها تزايدت بسبب الحرب المستمرة منذ عام 2015 وحتَّى الآن".
طفلان يبيعان حُلي يدوية الصنع في سوق بعدن (سوث24)
وأضاف: "هؤلاء الأطفال يعملون على أرصفة الشوارع، يبيعون المناديل وسلع أخرى ويقومون بتنظيف السيارات. قبل الحرب كانت عمالة الأطفال مركزة في الورش والمعامل ومحلات السمكرة".
وتابع: "نلاحظ أيضاً أنَّ جل الأطفال الذين يعملون في الشوارع والباعة المتجولين هم في الأساس من النازحين إلى عدن من محافظات تشهد حروبا."
ولفت السقاف إلى أنَّه "لا يوجد حل على المدى القريب والمتوسط لعمالة الأطفال في عدن وغيرها من المحافظات إلا بانتهاء الحرب". وقال: "يمكن بعدها أن تقل هذه الظاهرة نسبياً."
التأثيرات النفسية
عبد الله عبد الكريم، 13 ربيعًا، أتى من مدينة تعز، شمال اليمن، ليعيل أسرته من خلال بيع مرفقات الهاتف المحمول على قارعة الطريق في عدن.
سألنا عبد الله عن تفاصيل لفهم وضعه أكثر. قال لنا إنَّه يسكن في أحد الفنادق المحلية، ولا يرافقه أحد من عائلته التي تسكن إحدى قرى تعز.
يواجه عبد الله ونظرائه من الأطفال مخاطر كبيرة نظرا لحداثة سنهم. يُهدد ما يتعرضون له من عمالة مبكرة وما قد يرافقها من سلبيات بترك آثار نفسية طويلة الأمد، كما يقول الأخصائي النفسي رمز أزهر.
وقال أزهر لـ "سوث24": "انخراط الطفل في فترة مبكرة من حياته في سوق العمل، يُعرَّضه للكثير من المواقف والأحداث التي تكسبه خبرات سلبية لا تناسب عمره الصغير".
وأضاف: "الطفل في مراحل حياته العمرية المختلفة ابتداءا من المراحل العمرية الصغيرة إلى المتأخرة، يحتاج إلى متطلبات نفسية وجسمانية كثيرة. في حالة عدم توفر هذه المتطلبات، يصبح نمو الطفل غير سوي."
وتابع: "سوق العمل بيئة مليئة بالكثير من السلبيات والأحداث التي تؤثر حتَّى على الإنسان البالغ؛ لهذا فإن تأثيرها على الطفل الذي يكون في مرحلة بناء لشخصيته يكون مضاعفا وقاسيا في غالبية الوقت."
وأكد الأخصائي أنَّ "الأطفال العاملين يتعرضون للكثير من الاضطرابات النفسية الناتجة عن استقبالهم لصدمات كثيرة مثل التحرش والاعتداء النفسي والجسماني، الأمور التي تدخل بشكل رئيس في تشكيل ذواتهم".
ولفت إلى أنَّ "هذا الأمر يهيئهم بشكل كبير لارتكاب الكثير من الأشياء السلبية التي تعود بالضرر عليهم وعلى مجتمعاتهم."
وعي متدن
في باحة أحد الأسواق التجارية في العاصمة عدن، وجدنا الطفل محمد [11 سنة] سنة؛ رابطاً حقيبة سوداء صغيرة حول خصره يجمع فيها النقود التي يحصل عليها من بيع إكسسوارات نسائية.
سألنا محمد عن السبب الذي دفعه لممارسة العمل في هذا السن، فرد البائع الشاب الذي يقف جانبه بكل حزم وثقة، "والده يريد منه أن يخوض العمل كي يتعلم أساليب وسياسة البيع والشراء مبكرا."
الطفل محمد الذي يعمل في بيع الإكسسوارات النسائية في سوق بعدن (سوث24)
يدفع كثير من الآباء بأطفالهم إلى سوق العمل لأجل تدريبهم على العمل في سن مبكرة دون وعي بالأضرار المترتبة على ذلك.
وعن هذا، قال الإخصائي رمز أزهر: "هذه التصرفات ناتجة عن قلة وعي وأدلجة مر بها الآباء أنفسهم عن ضرورة تربية الطفل على ممارسة الأعمال الشاقة والصعبة، حتى يتمكن من مجابهة الحياة في سن مبكر".
وأضاف: "هذا التفكير للأسف من الأفكار المغلوطة التي أصبحت مشاعة ويتفاخر بها ممارسوها من الآباء".
وتابع، "هذه الممارسات الخاطئة بحق الطفل تسبب له الكثير من المشكلات النفسية وتعرضه لمواجهة أحداث من غير الصحيح أن يقابلها بسنه الصغير وعقله الذي لا زال في مرحلة التعلم والتكوين."
تغيير التركيبة المجتمعية
في تقرير سابق لها [3]، قالت منظمة العمل الدولية إن 1.4 مليون طفل يمني يعملون في ظروف لا يتمتعون فيها بحقوقهم، وأنّ نحو 34.3 % من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 5 و17 عامًا يعملون في البلاد. وقالت المنظمة أنَّ هذه النسبة تضاعفت بعد اندلاع الحرب مرات عديدة.
وحول هذا، قالت الأخصائية في علم الاجتماع، صابرين السعدي لـ "سوث24": "أهم المتغيرات التي تطرأ على المجتمع الذي يتقبل عمالة الأطفال هو اختلال النظام التعليمي بسبب تسرب الكثير من الأطفال العاملين عن مقاعدهم الدراسية".
وأضافت: "هذا المتغير ينتج عنه الكثير من المعضلات التي تُغرس في نفس الطفل الممارس للعمل في فترة مبكرة من حياته، فتتولد لديه نزعات عديدة مثل الكره والحقد على محيطه وأسرته. هذا يجعل منه فريسة سهلة لتوجه إلى ممارسة العنف كنوع من استرداد الحق."
وتابعت: "هذه النتائج تعود إلى عدة مشاكل منها غياب دور الأهل وقلة وعيهم بخطورة الأمر. الأطفال المنتمون إلى العائلات التي تعاني من التفكك الأسري، هم أكثر عرضة من غيرهم للانخراط في سوق العمل".
ولفتت الأخصائية إلى أن هنالك "آباء يعانون من مشاكل مرضية أو متعاطون للمخدرات يزجون بأطفالهم في سوق العمل مبكرا ويحملونهم مسؤولية الإنفاق". وأضافت: "هذا نوع من التهرب وإخلاء المسؤولية."
وعن كيفية تأثير انتشار عمالة الأطفال على التركيبة المجتمعية، قالت: "العاقبة ستكون كبيرة، النمو الطبيعي للإنسان يمر بعدة مراحل حياته، وكل مرحلة يجب أن تعاش بكل تفاصيلها".
طفل يبيع بعض العطور في سوق بعدن (سوث24)
وأضافت: "حين يحدث عدم انضباط في سير هذه العملية يحصل خلل، وبالتالي تتغير البنية الطبيعية للتركيبة المجتمعية فيصبح المجتمع غير متزن. هذا ما يحصل تماما حين يصبح الطفل هو المعيل للأسرة ورب الأسرة هو المعال."
وأكدت على أنَّ "عمالة الأطفال ليست مشكلة بحد ذاتها، بل نتاج للعديد من الاختلالات التي يعاني منها المجتمع".
ومع استمرار الحرب التي لا يبدو أنَّها قريبة الانتهاء، ستستمر الأزمة الإنسانية الحادة التي ترافقها مظاهر متعددة مثل عمالة الأطفال، في ظل انشغال مختلف الأطراف في الصراع.
وفي عدن، ستعمل موجات النزوح الداخلية المستمرة، بالإضافة لموجات اللاجئين الأفارقة، إلى المدينة المكتظة بالسكان على زيادة استفحال عمالة الأطفال. وحتّى الآن لا يبدو أنَّ هذه القضية تحظى بأي اهتمام من الجهات المعنية.