سوق الأغنام بمديرية المنصورة، بعدن (سوث24)
08-07-2022 الساعة 10 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | ريم الفضلي
تستقبل مدينة عدن، أيام عيد الأضحى في خضم تحديات اقتصادية تضاعف معاناتهم كل عام. باتت فرحة العيد مسروقة من المواطنين ذوي الدخل المحدود والمتوسط الذين يواجهون متطلبات كبيرة أهمها القدرة الشرائية لأضحية العيد. إذ أصبح عدد كبير من المواطنين يعزفون عن أداء هذه الشعائر بسبب الحالة المعيشية التي وصلوا لها، وكثيرا منهم غدو يتقاسمون مبالغ شراء الأضاحي مع أقاربهم لتخفيف الحمل الصعب الذي فرضته الأزمة اليمنية.
محمد عبدالله، مواطن ستيني، يعيل أسرته المكونة من سبعة أفراد، يشغل عبدالله وظيفة حكومية في القطاع التربوي، تقاعد منها منذ سنوات.
يقول المواطن عبدالله لـ"سوث24" إن الحال أصبح عسير عليه فلم يعد يستطع براتبه الذي لا يتجاوز 120$، تلبية احتياجات عائلته البسيطة. "كان باستطاعتي قبل هذه الحرب اللعينة التي أخذت كل شيء دون رحمة، أن ألبّي حاجتي وحاجة عائلتي لكن الآن أصبح الوضع مؤسف ومؤلم لنا. العيد على الأبواب ولم أستطع أن أقضي مطالب أولادي واحتياجاتهم الطبيعية."
وأكد عبدالله أنه ومنذ الارتفاع الفاحش في الأسعار، لم يعد بمقدوره شراء أضحية العيد، بل بات يتقاسم قيمة الذبيحة الواحدة مع واحد من إخوته وولده الذي يسكن معه البيت ذاته.
أمّا علي مثنى، 35 عامًا، هو الآخر، توقف منذ ثلاثة أعوام عن شراء الأضحية، مكتفيا عوضا عن ذلك بشراء عدد بسيط من الكيلوجرامات من محل الجزارة.
يقول مثنى لـ"سوث24" إنّ "العيد بات يوما عاديا مثله مثل بقية أيام السنة، فقد غيّبت الأحداث الحالية هيبته التي كان يزورنا بها كل عام. للأسف استطاعت هذه الأوضاع أن تُغيب فرحته بداخلنا." ويضيف: "إن هذه الحالة التي باتت تعيشها آلاف الاسر في عدن لن تنتهي إلا بانتهاء هذه الأزمة."
أسعار خرافية
شهد سوق المنصورة المركزي، أحد أكبر الأسواق لبيع المواشي في عدن، ارتفاعا قياسيا في أسعار الأضاحي، قبيل يومين من عيد الأضحى المبارك ما أدى إلى عزوف المواطنين عن شرائها.
وعلى غير العادة كان السوق شبه فارغا من المواطنين، مملوءا بالباعة المنتشرين والغنم المتكدس بين أسوار الحظائر، غالبيتها تم استيرادها بالعملة الصعبة مثلما أكد لنا التجار في السوق.
وقال مواطنون التقت بهم موفدة سوث24، إنّ أسعار الأضاحي هذا العام شهدت ارتفاعاً كبيراً في بعض نقاط البيع، حيث تتراوح إلى أكثر من 180ألف ريال يمني بالنسبة المواشي المحلية متوسطة الحجم، بينما المستوردة قد تبلغ سعرا لا يقل عن 130 ألف ريال.
عبّر أحد المواطنين لنا وهو يعتزم مغادرة السوق، عن استيائه من الارتفاع الجنوني لأسعار الأضاحي، الذي لم تعرفه مدينة عدن في السابق حد قوله. "حتى العام الماضي لم تكن الأسعار بمثل هذا الجنون".
بداخل سور، يعرض التاجر صالح أحمد، أحد تجار المواشي في مدينة عدن بضاعته من الماشية الحية بأوزانها المختلفة وأسعارها المتفاوتة، لجذب الزبائن.
عبّر أحد المواطنين لنا وهو يعتزم مغادرة السوق، عن استيائه من الارتفاع الجنوني لأسعار الأضاحي (سوث24)
وقال أحمد في حديث لـ"سوث24" إنّ "عيد الأضحى هو موسم الكسب من هذه المهنة التي لا تدر المال طيلة العام إلا في مثل هذا الموسم الذي يعد هاما لتنشيط المبيعات وتحقيق الكسب للآلاف من المربين العاملين في قطاع الأغنام خصوصا بعد تراجع كبير في استهلاك اللحوم الحمراء بقية أيام السنة، وإن ارتفاع أسعارها يأتي كنتيجة لارتفاع الأسعار بشكل عام."
وأشار أحمد إلى أن ما يحكم السوق عادة هو "العرض والطلب. ويفضّل سكان عدن كما هو معروف شراء الخروف المحلي (البلدي) لما يتمتع به من مميزات بينها جودة المراعي التي يأكل منها مما يجعل طعمه ألذ وأشهى من الخروف الصومالي المستورد، الذي يتم تغذيته بالأعلاف الصناعية.."
سبب آخر لارتفاع سعر المواشي هو ارتفاع سعر العلف الحيواني وتضاعف تكلفة النقل بسبب زيادة أسعار الوقود وهبوط العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، مقارنة ببقية السنين السابقة، وفقا لتاجر آخر.
وذكر التاجر المحلي لـ "سوث24" أنّ "صعوبات عديدة يواجهها تجار الماشية، لا سيما الصغار منهم، بسبب ضعف إمكانات التسويق في السوق المحلية". مشيراً إلى أن أهالي عدن لم تعد لديهم القدرة على شراء اللحوم ما يجعل من موسم عيد الأضحى المناسبة الوحيدة لبيع الماشية وتعويض تكاليف بقية العام.
وأوضح بأنّ "الخروف المحلي يتم تربيته مسبقا بشهور عدة وهو صغير، ما يعني أنه يكلّف أموالا طائلة، وتزداد مصاريف تربية المواشي كل عام. نظرا لعدم اهتمام السلطات بالثروة الحيوانية."
غياب دور الجهات المسؤولة
وقال وزير التجارة الصناعة اليمني، محمد الأشول، في تصريح له الخميس، إن وزارته وجهت مكاتبها للعمل بصرامة وتكثيف النزول الميداني لمراقبة الأسعار مع حلول عيد الأضحى.
حاولنا بدورنا التواصل مع مكتب التجارة والصناعة في العاصمة عدن لمعرفة آلية العمل، وكيف تم ضبط عملية البيع مع حلول موسم عيد الأضحى، إلا أّننا لم نتلقى ردا.
ماشية لأحد التجار أمام مدخل سوق اللحوم المركزي بالمنصورة (سوث24)
وخلال زيارة سوث24 لعدد من أسواق الماشية في المدينة، أكد الكثير من الباعة عدم وجود آلية محددة للبيع. وقالوا أنّ كل تاجر لديه آليته الخاصة. كما أشاروا لانتشار عدد من السماسرة، الذين يقومون باختيار الأضاحي للمواطنين لشرائها، مقابل مبلغ مالي يقدر بـ 3 الف ريال لكل أضحية.
وبدورها، شكت د. ياسمين باغريب، مؤسسة ورئيسة منظمة لأجلك يا عدن، في حديثها لـ "سوث24" غياب دور السلطة المحلية في تنظيم عمل الفريق المعني بمنظمات المجتمع المحلية وما ينتج عنه من توزيع عشوائي.
منظمات المجتمع المدني
وقد لعبت منظمات المجتمع المحلية دورا كبيرا في مد يد العون طيلة السنوات الماضية. واستفاد العديد من المواطنين من الأعمال الخيرية التي تقوم بها، خصوصا في فترة الحرب التي شهدتها المدينة في 2015.
وقالت باغريب أنّ الفضل في عمل المنظمات، يرجع إلى "اعتمادها بشكل كبير على دعم رجال الأعمال من يافع والضالع والمغتربين والجالية اليمنية بالخارج، الذين كان لهم الفضل بعد الله في دعم وتوفير كافة التسهيلات لأبناء هذا الوطن في ظل غياب تام للدول".
ومع عودة الحكومة والحياة إلى مسارها الطبيعي في عدن، قالت باغريب أنّ "أغلب المنظمات بدأ ينخفض دورها والبعض توقفت عن العمل".
من جهتها، قالت ندى احمد سلام، المدير التنفيذي لمنظمة تجديد للتنمية والديمقراطية، في حديث لـ"سوث24" إن "المنظمة عملت ولا زالت تعمل في مشاريع أضاحي العيد كل عام منذ تأسيسها في العام 2014، وحتى عامنا هذا نظراً لوجود أسر فقيرة ومتعففة".
وقالت سلام: رغم "تزايد أعداد النازحين في مدينة عدن ونظراً للغلاء المعيشي الفادح في مدينة عدن وفي ظل الظروف الصعبة التي تمر فيها البلاد، لا زلنا نقوم بتنفيذ هذا المشروع في كل عام بهدف تعزيز التكافل الاجتماعي."
وأشارت سلام إلى أنّ المنظمة عادة ما تقوم بتوزيع لأكثر من 1000 أسرة في مديريات محافظة عدن، وكذلك ايضاً يكون هناك نصيب لبعض القرى الأشد فقراً من محافظتي لحج وأبين.
ونتيجة لكل ما سبق، ستجد آلاف الأسر، في العاصمة عدن، نفسها يوم غدا السبت، أول أيام عيد الأضحى المبارك، تعيش طقوس العيد وسط فرحة لم تكتمل كما كانوا يأملون.
قبل 3 أشهر