مقاتلون حوثيون بصنعاء (رويترز)
13-07-2022 الساعة 10 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | وضاح العوبلي
المتأمل للخارطة الجيوسياسية والاقتصادية للعالم وأهمية موقع اليمن في هذه الخارطة سيدرك جيداً أن هناك ضرورة إن لم تكن ضرورات منطقية يُفترض أن تكون في صلب سياسات الدول الفاعلة في هذا العالم، تُترجم بمواقف ثابتة باتجاه إيجاد مخارج آمنة ومستدامة للصراع في اليمن، البلد الذي يتموضع جغرافياً على رُكن استراتيجي هام يشرف منه على أهم ممرات ومضائق وبوابات الإمدادات العالمية من الطاقة إلى الغذاء وغير ذلك.
إن موقع اليمن المتحكّم بين منابع الطاقة في الخليج وبين سوق الاستهلاك في أوروبا وأمريكا والذي تتطلب أسواقهما ضرورة استمرار سلاسل الإمدادات السلسة والآمنة والمستديمة للطاقة، يفرض على هذه البلدان-أوروبا وأمريكا- أخذ ملف الصراع في اليمن على محمل الجد، وأن يسخّروا كل جهودهم لإيجاد مخارج سليمة لهذا الصراع وبما يضمن مستقبل أمن الطاقة وأمن الإقليم والعالم بموازاة ضمان الأمن داخلي. هذا الأمر لن يتم دون فهم هذه البلدان لطبيعة وجذور وأهداف الصراع في اليمن وبناء مواقفهم وسياساتهم بما يتفق مع الخروج بالبلد إلى مخارج مضمونة تزول معها كل التهديدات والمهددات.
المآلات المستقبلية على الصعيد الداخلي
من خلال قراءتنا لطبيعة الصراع في اليمن، يبدو جلياً أنّ هناك أطرافا إقليمية ودوليةً منخرطة في دعم عدد من الأطراف المحلية، وتخوض بها ما يشبه معركة تصفية الحسابات بين تلك الأطراف. الأمر الذي تترجمه تحركات أدواتها في ميدان المعركة الفعلية في اليمن. بيد أن ذلك لا يعني انعدام جذور الصراع في الداخل اليمني، والذي يأتي في طليعته الخلل البنيوي في النظام الاجتماعي، وهو نظام مُعقد يعتمد بشكل أساسي على التراكيب القبلية بكل ما تمثله من عوائق جوهرية لقيام نظام عصري مدني حديث، إذ أن مصير ومستقبل البلد يظل رهينة بيد تركيبة قبلية تنعكس توافقاتها أو صراعاتها بشكل مباشر على الوضع السياسي والأمني في البلد. هذه التركيبة معقّدة وسريعة التحوّل في ولاءاتها، وغير ثابتة البرامج أو التوجهات فضلاً عن تقلّب مزاجها العام، كما لا يمكن الاتكاء أو الركون عليها، الأمر الذي يتعيّن على المجتمع الدولي ضرورة الغوص في هذه الجذور قبل أي مبادرات أو حلول مشوّهة، قد تفضي إلى تحويل اليمن إلى منصة دائمة لتهديد الأمن والسلم الدوليين وذات تأثير سلبي مباشر على مصالح الإقليم والعالم.
من جانبٍ آخر، ما زال ملف الوحدة اليمنية لعام 1990، وما تلاها من أحداث كحرب صيف 1994، مشكلةً وعبئاً مستداماً على الواقع السياسي، بل وجذر رئيسي من جذور الصراع، بما يثيره من دواعٍ وأسباب تبدو منطقية لاستمرار الصراع السياسي بين الشمال والجنوب.
هذا فضلا عن الأخطار المترتبة على مساعي الحوثيين لتغيير الهوية الدينية والفكرية لملايين اليمنيين، التي بدت أولى نتائجها واضحة على الواقعين المحلي والإقليمي، بموازاة التأثير المقترن على النطاق الدولي الأوسع إذا ما حسبنا الترابط الأيديولوجي بين جماعة الحوثي وإيران وحزب الله، وما يمثله هذا المحور ككل على مسرح الصراع الدولي.
تتوسّع رقعة ومسرح تأثير هذا الصراع مدعومة بتداعيات الصراع الروسي-الأوكراني أو ما بات يُعرف بالصراع الروسي-الغربي، وهو صراع له سلبياته على المشهد الدولي ككل، ولا يمكن القول أن هذه الصراعات ليست مرتبطة ومتشابكة مع بعضها البعض بشكل مباشر أو غير مباشر. وهذا يعني أن المجتمع الدولي معنياً بالكثير مما يلزمه، لبحث جذور ودوافع هذا الصراع، وارتباطاته بالأطراف الإقليمية والدولية، والعمل على تفكيك تعقيداته بطريقة علمية ومهنية ترتكز على أرض صلبة، وبما يضمن التأسيس لمستقبل عادل وآمن ومستقر على المستويات كافة الداخلية منها والإقليمية والدولية.
إن القفز على هذه الحقائق والمعطيات والذهاب لصياغة مبادرات وحلول غير مبنية على أسس سليمة ودون اعتبار للمستقبل الذي يتوقعه الجميع، هو في الحقيقة قفزٌ نحو المجهول، في بلد يعاني معظم شعبه من تراكمات الفقر والجهل والأمية والتطرف والشحن الطائفي والجهوي والأيديولوجي المتطرّف. وهو شحن خطير قد يحوّل اليمن إلى تهديد دولي عابر للحدود يتجاوز خطره الويلات والتهديدات التي شهدها العالم في فترة الحرب الأهلية الصومالية.
الانعكاسات الخارجية
يُدرك المجتمع الدولي والأمم المتحدة أن الأهداف الإيرانية من دعم وتمويل ومساندة لجماعة الحوثي هي أهداف استراتيجية تتجاوز الصراع التكتيكي على النفوذ الإقليمي والدولي المعروف في قاموس صراع النفوذ، إلى أهداف أعمق وأكثر تهديداً. من أهمها تحويل اليمن إلى منصة متقدّمة لعمليات الحرس الثوري الإيراني المتطرّف، وما هذا الصراع العسكري المحموم والمتواصل الذي تخوضه جماعة الحوثي مع القوى اليمنية في الداخل منذ قرابة 18 عاماً، والمترافق بمد الفكر الطائفي وتشييع المجتمعات والقبائل، إلاّ ضمن خطة إيرانية متكاملة. إذ تسعى طهران لفرض جبهة متقدمة على الضفة الغربية من الخليج، لاستفزاز وتوجيه الرسائل لأكثر من طرف دولي وإقليمي عبر العمليات التي تمارسها ذراعها في اليمن "جماعة الحوثي" من هذه الجبهة.
إن أقل ما يمكن رصده من مخططات، هو سعي إيران الحثيث لتحويل مناطق سيطرة جماعة الحوثي في اليمن إلى ممر لتهريب المخدرات إلى دول مجلس التعاون الخليجي، في إطار خطة ممنهجة ومشتركة بين إيران وحزب الله والحوثيين، تهدف من خلالها لتحقيق "مسخ شباب وأجيال الدول الخليجية"، في إشارة منها لتدمير مستقبل شعوب تلك الدول التي تعمل على إغراقها بالمخدرات، ناهيك عن اعتماد هذه الجهات على العائدات المالية لهذه الصفقات والشحنات المهربة كمرور مهم لدعم اقتصاد الحرب. على سبيل المثال، نفّذت السلطات السعودية في نوفمبر 2015، أحكامًا بالإعدام على 3 إيرانيين بالرياض، أدينوا في قضية تهريب مخدرات، وهي كمية كبيرة من الحشيش المخدر للسعودية عن طريق البحر. كما أحبطت السلطات الكويتية في أكتوبر 2014، محاولة تهريب 5 ملايين حبة مخدرة، كان سيتم توزيع نصفها في الإمارات، والنصف الآخر يتوجه إلى السعودية [1]. كما تصاعد نشاط تهريب المخدرات في اليمن إلى مستويات غير محدودة، بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء. خاصة بعد الإفراج عن تجار مخدرات في سبتمبر 2016، منهم 82 سجيناً من السجن المركزي بصنعاء، بغرض احتوائهم للعمل تحت إمرة الحوثيين. [2]
بطبيعة الحال، لا نوايا يمكن الاعتقاد أنها حسنة من جانب إيران ووكلائها في المنطقة، ولا يبدو أنّ هناك روادع أخلاقية تجعل من إيران وحلفائها يفكرون في أمن البلدان المحيطة وشعوبها. إذ تعمل طهران على ما تعتقد أنه تحقيق إنجازات تراكمية تعتمد في تحقيقها على إثارة الصراعات وتأجيجها من بلدٍ إلى آخر، تهدف إلى تحقيق مصالح إيران على حساب تدمير مصالح دول المنطقة. ذلك ما يمكن استنتاجه من مسيرة الصراع التي تصدرته أذرع إيران من العراق إلى سوريا ولبنان وصولاً إلى اليمن، وهي صراعات نتج عنها تداعيات كارثية تجاوزت حدود هذه البلدان وأضرّت كثيراً في بنية الأمن الداخلي فيها. كما دمرت اقتصاداتها وبناها التحتية، وخلقت بالتالي أضراراً وتشوهات وفراغات خطيرة في منظومة الأمن الإقليمي والدولي، لأنها في الأساس اعتمدت على دعم أذرعها بشكل يتجاوز أشكال الدعم التقليدي المتعارف عليه في النماذج الأخرى. إذ عمدت إيران إلى تزويد الحوثيين بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، والألغام البرية والبحرية، دون مراعاة للالتزامات والمواثيق الدولية التي تحظر تقديم مثل هذه الوسائل والتقنيات لجماعات بدائية يتزعمها أشخاص متطرّفون.
إن خطر الإرهاب بشقّيه "القاعدة وداعش" والذي يتعامل معهما العالم كأخطار ذات أولوية تتربع قوائم استراتيجيات الأمن القومي لعدد من دول العالم، لا يصل في الأساس إلى الخطر التي تمثّله جماعة الحوثي خصوصا على المدنيين ومنهم الأطفال والنساء. وهو الأمر الذي يمكن الوصول إلى معرفته من خلال إجراء المقارنات الموضوعية بين ممارسات وأهداف وعمليات هذه الجماعات. غير أن عدم تطبيق هذه المعايير يجعلنا ندرك أن القراءة والفهم الدوليين لحقيقة الواقع في اليمن ما زالت قاصرة وتعتريها العديد من الفجوات، وهو ما يمكن قراءته من خلال طبيعة المواقف والمبادرات الدولية التي لا تلامس الواقع ولا تؤسس لحل مُنصف ومستدام يمكنه الصمود، وفي أحايين كثيرة تفتقد تلك المبادرات لركائز وأدوات التنفيذ على الواقع العملي، وتؤسس بمجملها لمهددات محلية وقومية واستراتيجية متعددة الأبعاد والأوجه والمسارات.
قبل 3 أشهر