مجلس القيادة الرئاسي: قرارات مؤجّلة ومعالجات معطّلة

اجتماع لبعض قيادات المجلس الرئاسي في معاشيق (سبأ)

مجلس القيادة الرئاسي: قرارات مؤجّلة ومعالجات معطّلة

التحليلات

الأربعاء, 20-07-2022 الساعة 07:14 مساءً بتوقيت عدن

سوث24 | فريدة أحمد 

على  مدى المئة يوم الماضية منذ تولي مجلس الرئاسة إدارة البلاد في اليمن، كان من المتوقع البدء بمسار جديد ونوعي لاستكمال استعادة الدولة وتجاوز التحديات الاقتصادية وتحسين أداء الحكومة، خاصة وأن معظم الثقل السياسي والإداري انتقل من الرياض إلى العاصمة عدن، للبدء في ممارسة مهامه وتفعيل مؤسسات الدولة من هناك، بما في ذلك أعضاء مجلس النواب. غير أنّ الأيام التي تلت أداء اليمين الدستورية لأعضاء المجلس الجديد، أثبتت يقيناً أن المرحلة لم تختلف كثيراً عن سابقتها، إذ سرعان ما غادرت بعض الشخصيات السياسية منها شخصيات في مجلسي النواب والشورى إلى مقرات إقاماتهم في الخارج.

فضلاً عن غياب بعض أعضاء المجلس عن العاصمة عدن بعد شهر من إعلانه، كـ "طارق صالح"، و"عثمان مجلي"، و"سلطان العرادة"، و"فرج البحسني. والأخيران يمارسان أيضا مهامها السابقة كمحافظين لحضرموت ومأرب، في الوقت الذي كان متوقعاً من المجلس تعيين محافظين جدد. قد يعزز غياب أعضاء المجلس وعدم تواجدهم في عدن، دليل آخر على الشلل السياسي الحاد واستمرار الفشل، وهو أمر من الواضح انّه يعيق أي تقدم في معالجات الوضع الراهن.

من المهم القول، أن فترة الصراع المندلعة في اليمن منذ 2014، عزّزت ثقافة لدى الساسة اليمنيين أقرب للاستكانة والقبول بأقل الحلول المطروحة من حلفائهم، في حين أنّه باستطاعتهم الضغط والوقوف على حلول أكثر واقعية تضع حداً للوضع الكارثي الذي تمر به البلاد منذ ثمان سنوات. إذ كان يمكن الاستفادة من الهدنة مع الحوثيين التي أوشكت أن تكمل شهرها الرابع، بترتيب الوضع السياسي والعسكري والأمني بشكل كامل، والاستعداد إما للحسم العسكري بأحداث تغييرات عسكرية حاسمة لإدارة المعركة، أو حتى بترتيب وضع السلطة الشرعية ومن ذلك اختيار الفريق الذي سيشارك في عملية السلام؛ غير أن هاتين الخطوتين لم يجر العمل عليهما أو حسمهما حتى الآن.

مع ذلك، شكل مجلس القيادة الرئاسي لجنة أمنية وعسكرية مشتركة حسب ما نصّت عليه المادة (5) من إعلان نقل السلطة[1]، مكوّنة من 59 عضواً يرأسهم اللواء الركن "هيثم قاسم طاهر"، غير أن ملامح عمل اللجنة مازال غير واضحاً فيما إذا كانت ستصدر قرارات أم توصيات لمجلس الرئاسة، وفيما إذا كان الأخير سيتوافق على اتخاذ قرارات عسكرية بناءً على توصيات اللجنة. هذا يقود لطرح مزيد من الأسئلة المهمة، عمّن سيدير العملية العسكرية إذا ما قرر الحلفاء حسم المعركة عسكرياً، هل هي غرفة عمليات مشتركة يديرها مجلس القيادة الرئاسي؟ أم غرفة عمليات تابعة مباشرة للتحالف العربي؟ إذ سيكون هناك فرق من حيث التنسيق والتنظيم. 

لماذا تأخّرت كثير من القرارات؟ 

بلا شك خلّفت سلطة "هادي" السابقة تركة ثقيلة للمجلس الرئاسي بمجموعة من الأزمات الرئيسية؛ أبرزها إنسانية واقتصادية. وهنا يتم وضع تساؤل مصيري أمام المجلس الجديد، من أين سيبدأ بالمعالجات، وكيف سينقذ البلاد؟ لا سيّما في ظل الانتماءات المتعددة واختلاف الرؤى بين أعضاءه. إذ يتسع الجدل بين الأفرقاء السياسيين المناهضين لمعسكر الحوثي، كلما تم تسريب خبر ما يتعلق بتعيين مرتقب، على سبيل المثال: شكّلت القرارات الأحادية من مكتب الرئيس "رشاد العليمي"؛ جدلاً واسعاً بتعيينه لـ "عدنان الصلوي" رئيساً للدائرة الإعلامية، و "محمد المقبلي" رئيساً لدائرة الشباب، على اعتبار أن الأول له ارتباطات بالحوثيين ويقيم في صنعاء، والثاني مقرّب من جماعة "الإخوان المسلمين" ويقيم في تركيا. وهو أمر وفّر نسيجاً إضافياً للجدل من قبل نشطاء جنوبيين بالذات، رأوا أن تعيينات كهذه من شأنها تقويض عمل المجلس الجديد وهي تستعين بشخصيات لطالما اعتبرها الجنوبيين خصوماً لهم.

من الناحية الجوهرية، يبدو أن غياب الرؤية الاستراتيجية لعمل مجلس الرئاسة، هو ما يسبب أزمة توافق في بعض القرارات، خاصة وأن التباين يظهر في قرارات إدارية بسيطة، والأرجح أنه سيظهر في قرارات سياسية وعسكرية كبيرة مازالت غير محسومة. قد يُنظر لهذا الأمر من زاوية الإعلان الدستوري بعد نقل السلطة وقائمة اختصاصات كل طرف فيه، إذ تبرز نقاط قوة رئيس المجلس "العليمي"، في 8 اختصاصات حصرية إذا ما تم استثناء الاختصاص الثالث المرتبط بالتوافق بين أعضاء المجلس في تعيين المحافظين ومدراء الأمن وقضاة المحكمة العليا ومحافظ البنك المركزي، بعد التشاور مع رئيس مجلس الوزراء.[2]

يجب أن يكون النقاش داخل مجلس القيادة الرئاسي أكثر وضوحًا فيما يتعلق بدور ومكانة كل عضو من أعضائه، وبما يمثله ذلك من اختصاصات ومهام داخل وخارج المجلس، حتى لا يتم استثمار أي تباينات مستقبلية متعلقة بإصدار قرارات أو معالجات لوضع البلاد.

علاوةً على ذلك، أثارت مسوّدة اللائحة القانونية لتنظيم عمل مجلس القيادة الرئاسي المقدّمة من الفريق القانوني الذي شُكل بعد نقل السلطة؛ عاصفة من الجدل بين النخب السياسية، لاسيما المادة السادسة عشرة منها، والتي نصّت على أنه "لا يجوز لرئيس وأعضاء المجلس الجمع بين العمل في المجلس وبين أي عمل تنفيذي أو مدني أو عسكري ..الخ". ومن المعروف أن القيادات الجنوبية في مجلس القيادة، الزبيدي والمحرمي والبحسني هم من يشغلون هذه الوظائف، فضلاً عن أنّ المسودة تتجاوز حقائق ما بعد عام 2015 حسب خبراء جنوبيين، كما أنّ المشكلة الحقيقية فيها ليست أنَّ رئيس ومعظم أعضاء الفريق القانوني من شمال اليمن، بل خلفياتهم الأيدولوجية وأجندتهم المرتبطة بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين[3].  وهو أمر ربما يتعين على الرئاسي والفريق القانوني إعادة مناقشة المسودة بشكل أكثر استفاضة لتحقيق التوافق في ظروف وطبيعة المرحلة القادمة. 

اليمن في زيارة بايدن 

أبرزت "قمة جدة" للأمن والتنمية التي أقيمت في 16 يوليو الجاري، نجاحاً في طرح وتسوية كثير من ملفات المنطقة وقضاياها الشائكة. قادت القمة المملكة العربية السعودية بحضور الرئيس الأمريكي "جو بايدن"، ورؤساء دول الخليج ومصر والأردن والعراق. وبغض النظر عن الموضوعات الرئيسية التي تم مناقشتها في القمة مثل توطيد علاقة واشنطن بالشرق الأوسط، أو مكافحة "الإرهاب"، أو أمن الممرات المائية الدولية، غير أن البرنامج النووي الإيراني أخذ حيزاً كبيراً، لما تشكله إيران من تهديد في المفهوم الإقليمي الاستراتيجي بالنسبة لدول المنطقة. ورغم أن لها أدواتها في أكثر من دولة عربية منها اليمن، إلا أن الأخيرة غابت عن أعمال القمة.

في إطار ذلك، واجه رئيس مجلس القيادة الرئاسي "رشاد العليمي" انتقادات لاذعة بذهابه إلى مدينة جده، دون أن توجّه له دعوة رسمية للقاء الرئيس الأمريكي كبقية زعماء الدول العربية. إذ اعتبر البعض أن "العليمي" وضع نفسه بموقف محرج ومهين، وهو ينتظر أن تتاح له فرصة اللقاء بالضيف الأمريكي، في حين اكتفى الجانب الأمريكي بإرسال وزير خارجيته "انتوني بلينكن". وقد أكد العليمي؛ التزام المجلس الرئاسي بمسار السلام العادل المستدام، داعياً إلى دور أمريكي فاعل للضغط على الحوثيين، فيما اكتفى الجانب الأمريكي بترحيبه بنقل السلطة في اليمن مؤكداً دعم الولايات المتحدة لرئيس وأعضاء مجلس القيادة، وتمديد الهدنة وجهود مكافحة "الإرهاب".[4]

جادل نشطاء يمنيون بأن استمرار بقاء القيادات الرسمية اليمنية في الظل، دليل على أن النظام السياسي السابق والحالي؛ محكوم بالتبعية لدول الجوار وما تقرره بشأن الملف اليمني. أكد هذه الحالة تصريح وزير الخارجية اليمني "أحمد عوض بن مبارك"، في لقاء مع صحيفة الشرق الأوسط قبل انعقاد القمة بيومين حين قال، "نحن واثقون بأن الأشقاء في المملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج ستحمل الملف اليمني وتضعه دائماً في أولويات القمة"[5]، إذ اعتبر البعض تصريحه بمثابة الإهانة لليمن وهي توكّل الآخرين بحمل ملفها ومناقشته بعيداً عن ساستها المعنيين والمباشرين.

على الرغم من اهتمام إدارة "بايدن" بالملف اليمني ومساعيها لإنهاء الحرب، من خلال تقليصها دعم الأسلحة للسعودية، وتعيينها مبعوثاً أمريكياً خاصاً باليمن أوائل العام الماضي، غير أن اليمن لم يكن مدرجاً ضمن أولويات القمة الأخيرة، إذ بدى أنّ الهدف الرئيسي منها هو إقناع الرياض بزيادة إمدادات النفط العالمية، نتيجة أزمة الطاقة التي أثارتها الحرب الروسية الأوكرانية، فضلاً عن تسوية الوضع الإسرائيلي- الفلسطيني في المنطقة، وكذا الضغط بشأن الملف النووي الإيراني، فيما جاءت بقية الملفات الأخرى كملحقات إضافية لأعمال القمة. غير أنّه من المتوقع أن يجري تثبيت الهدنة في اليمن رغم هشاشتها، ومن ثمّ جمع أطراف الصراع على طاولة واحدة خلال الأشهر القادمة. وهذا ما أكد عليه اجتماع اللجنة الخماسية، السعودية، الإمارات، عمان، الولايات المتحدة وبريطانيا في الرياض أمس الثلاثاء.

في نهاية المطاف، سيتعين على قادة المجلس الرئاسي البت في كثير من القرارات الملحّة والحاسمة لتسوية الأوضاع الاقتصادية والعسكرية والسياسية، كما سيسمح النقاش بشأن صلاحيات واختصاصات كل عضو في إطار الرئاسة أو خارجها، بتوضيح العديد من الأمور الملتبسة وتصحيحها للتخفيف من حدة الجمود السياسي. قد يساعد ذلك على تسريع آلية عمل المجلس وحسم عدد من الملفات العالقة، مما يؤهل لمرحلة جديدة إما نحو السلام من خلال تشكيل الوفود المفاوضة، أو الحسم العسكري من خلال إحداث تغييرات عسكرية عاجلة وتنسيق عمل عسكري مشترك بين الأطراف.

في كل الأحوال سيتعين على قادة المجلس أن يكونوا في كامل جاهزيتهم للمشهد الراهن ومآلاته المستقبلية، رغم أنّ الاعتقاد السائد لدى الشارع بأنّ المجلس الرئاسي جاء لتحقيق السلام وليس لخوض حرب جديدة، خصوصا وأنّ السعودية، الداعم الرئيس للمجلس، باتت تؤكد على هذا النهج وفتحت من أجل تفادي تكلفة الحرب آفاق حوار أوسع مع إيران، وأخرى مرحلية مع الحوثيين، وفقا لما نشرته رويترز مؤخرا.


فريدة أحمد
المدير التنفيذي لمركز سوث24 للأخبار والدراسات

المجلس الرئاسياليمنالحوثيونالحرب اليمنيةمجلس التعاون الخليجيالسعوديةالإمارات