جامعة عدن - كلية الحقوق (أرشيف)
25-07-2022 الساعة 6 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | رعد الريمي
أظهرت جائحة كورونا التي ضربت العالم في ديسمبر 2019 أزمة تحديث المناهج التعليمية في جامعة عدن، جنوب اليمن، أعرق جامعات البلاد وأكبرها، عقب توقف التعليم المباشر في كليات الجامعة لأشهر والانتقال إلى تجربة التعليم الإلكتروني من المنازل.
بالإضافة لأزمة تحديث المناهج، أظهرت الجائحة الفجوة بين طرق التعليم التقليدية في الجامعة والطرق الحديثة المعتمدة على الجوانب التقنية والإلكترونية. لقد كشف هذا عن الأمية الإلكترونية عند شريحة عريضة من منتسبي جامعة عدن.
وإلى جانب ذلك، رفض كثير من أكاديميي جامعة عدن وضع مناهجهم التعليمية على الشبكة العنكبوتية خوفا من انتشار مقرراتهم والحصول عليها من قبل جهات أكاديمية داخلية وخارجية.
وفي تصريح خاص لـ «سوث24»، أقَّر نائب رئيس جامعة عدن للشؤون الأكاديمية، الدكتور عادل عبد المجيد علوي وجود هذه الاختلالات، ورفض بعض الأكاديميين مشاركة مناهجهم التعليمية الخاصة. وقال علوي إنَّ هذا من القضايا التي على الجامعة معالجتها.
وعود دون تنفيذ
على الرغم من أنَّ الوعود الحكومية اليمنية بعقد صفقات ولقاءات وتشبيك دولي أكاديمي لتطوير مناهج الجامعات اليمنية، وخصوصاً جامعة عدن، كثيرة، إلا أنَّه لم يتحقق منها شيء حتَّى الآن.
ونقلت وكالة سبأ الحكومية عن مسؤولين يمنيين سابقين وحاليين كثير من هذه الوعود والإعلانات، بدءاً من رئيس الوزراء السابق خالد بحاح [1]، ومروراً بوزير التعليم السابق حسين باسلامة [2]، وحتَّى رئيس الوزراء الحالي معين عبد الملك [3]، ورئيس جامعة عدن الخضر لصور [4].
وعن هذه الوعود والإعلانات الحكومية، قال نائب رئيس جامعة عدن الدكتور عادل عبد المجيد علوي لـ "سوث24": "الحكومة بكل أسف لم تقدم شيئا للجانب الأكاديمي العالي. موازنة البحث العلمي والتفرغ الأكاديمي متوقفة تماما من قبل جميع الحكومات المتعاقبة منذ عام 2015".
وكان نائب رئيس جامعة عدن، الدكتور محمد عقيل العطاس قد صرَّح في لقاء مع إحدى القنوات المحلية [5] على أنَّ "جميع المنح التي تتلقاها جامعة عدن لقضايا الجامعة تأتي من جهات غير حكومية". وأضاف: "أما الحكومة لم تقدم شيئا".
كما أقر وزير التعليم العالي خالد الوصابي في حوار مع صحيفة محلية [6] بـ "إشكالات عدة تواجه الجامعات بسبب نقص التمويل الحكومي".
أزمة المناهج
التقى "سوث24" العديد من طلاب جامعة عدن بكليات مختلفة، لا سيما الكليات الطبية والهندسة. لقد اشتكى الطلاب من "هرم المناهج" وتأخرها عن جامعات العالم.
الطالبة نورا السقاف، خريجة كلية الصيدلة بجامعة عدن، قالت لـ "سوث24": "جامعة عدن تعاني وتفتقر بشدة ليس فقط لسوق العمل كون سوق العمل في كل دول العالم له وضع خاص به، ولكن أيضاً من المناهج التعليمية التي لا تواكب التطورات العلمية".
وأضافت: "أرى أن التعليم لا يتطور وعاجز عن مواكبة متطلبات سوق العمل بسبب الأوضاع المضطربة. إن هذا ينعكس ويلقي بظلاله على الخريجين والطلاب والأساتذة الجامعيين في آن واحد".
واستعرض طلاب في كلية الطب بعض الاختلالات في المناهج والوسائل التعليمية الحالية لهذه التخصصات الهامة والأساسية في جامعة عدن.
ووفقاً لهؤلاء، فمادة التشريح (Anatomy) مثلاً تعاني من قصور كبير في المنهج التعليمي ووسائله مثل الجثث القديمة جداً التي لا يمكن تمييز تفاصيلها وتفريق عضلتها عن وترها أو شريانها.
بالإضافة لمادة التشريح، قال الطلاب إن مادة (Propaedeutics) التي تعد من أساسيات قسم الباطني التي تدرس لطلاب السنة الثالثة من كلية الطب مستنده على كتاب قديم الطبعة (Chamberlain) ذي معلومات قديمة لا تواكب التحديثات الطبية.
كما لفت الطلاب إلى أنَّ منهج مادة المختبر السريري (Clinical Lab) محشو بالمعلومات غير المحدثة والمهمة، كما أن أجهزة الفحوصات قديمة "لا تواكب ما يتوفر في المختبرات والمستشفيات اليوم في البلد نفسها، فكيف بباقي العالم".
وحول هذا، قال الدكتور عادل عبد المجيد علوي: "جامعة عدن تعمل على معالجة كل هذه الاختلالات الناتجة عن إهمال ممتد لأعوام طويلة، والأمر بحاجة إلى فترة زمنية كافية كي تظهر النتائج على السطح".
موفد سوث24 مع نائب رئيس جامعة عدن للشؤون الأكاديمية، الدكتور عادل عبد المجيد علوي
وأضاف: "إن استكمال أعمال التأهيل لجميع الكليات يساعدنا على طرح وإدخال مفهوم الجودة التعليمية لجامعة عدن الذي يصطدم بأول العقبات وهي الإمكانات. من المستحيل أن ينطلق برنامج الجودة في جامعة عدن وهي لا تمتلك أبسط مقومات الجودة والاحتياجات الضرورية كالحمامات والماء والملاعب والمختبرات".
محاولات التطوير
وفي حديث لـ "سوث24"، قال الأكاديمي بجامعة عدن د. صبري عفيف: "جامعة عدن مرت بأربع مراحل؛ مرحلة التأسيسي وهي من السبعينيات إلى عام 1980، ومن ثم دخلت في مرحلة الريادة من عام 1980 إلى عام 1990 [عام الوحدة اليمنية]. لقد توسعت رقعتها الجغرافية آنذاك".
وأضاف: "من ثم دخلت جامعة عدن مرحلة الركود نتيجة لغياب مواكبة التعليم. واستمرت هذه المرحلة من 1990 إلى 1997. بعدها، دخلت جامعة عدن مرحلة التحديث ومحاولات التطوير التي استمرت من 1997 إلى 2007 على يد الدكتور صالح علي باصرة وهو رائد التحديث في التعليم العالي بجامعة عدن واليمن".
وتابع: "عقب ذلك انتكست جامعة عدن إلى يومنا هذا. لقد شهدت الجامعة انتهاكات كثيرة منها تدمير المكتبة والمختبرات المركزية. قاد غياب الرقابة، وتفعيل مبدأ المحاسبة في جامعة عدن الأوضاع التعليمية برمتها بما فيها المناهج إلى ما هي عليه اليوم".
ورأى صبري أنَّ جامعة عدن "تعيش اليوم عصر الركود التام حيث لا شيء يتقدم ولم يتم استحداث شيء في هذا جانب تطوير المناهج، وخاصة في جانب العلوم التطبيقية".
ولفت إلى أنَّه "لا توجد مختبرات أو معامل في كليات الطب، الصيدلة، العلوم، ولا توجد هناك حديقة علمية حديثة فيها تنوع من النباتات أو مصانع لمنح طلاب علوم الأحياء فرصة التطبيق".
وتساءل صبري "كيف يؤمل أن يرتقي الطالب الجامعي وأن يجد بغيته في ظل هذا التخلف عن التطور وثورة التعليم الحديث؟". وأضاف: "إن النهج الساري اليوم في جامعة عدن هو نظام الملازم، وهو نظام تقليدي كلاسيكي في العملية التعلمية ما يعكس غياب المعرفة التوسعية عند الطلاب".
وبالنسبة للأكاديمية المعيدة بكلية التربية – صبر – جامعة عدن، كروان عبد الهادي، فما تعانيه جامعة عدن يتخطى أزمة المناهج.
وقالت الأكاديمية لـ "سوث24": "الأمر أبعد من أزمة المناهج، إنَّها البنية التحتية الهشة لجامعة عدن التي تعاني من تردٍ واضح في بنيتها التحتية والوسائل التعليمية".
مبررات إيرادية
على الرغم من أنَّ الإيرادات "الضخمة" التي تحصل عليها جامعة عدن من رسوم طلاب التعليم الموازي والنفقة الخاصة بمختلف الكليات، لا سيما الطبية منها، إلا أنًّ نائب رئيس جامعة عدن للشؤون الأكاديمية الدكتور عادل عبد المجيد علوي قال لـ "سوث24" إنَّ هذه الإيرادات غير كافية.
وأضاف: "الإمكانات التي تساعد على تأدية الرسالة التعليمية بشكلها الصحيح منعدمة. هناك نوايا حقيقية لدى قيادة جامعة عدن لتطوير البنية التحتية، لكنَّها تصطدم بشح الإمكانات". وحمل علوي الحكومة مسؤولية غياب الخطط التطويرية والتحديثية مشيراً إلى أنَّ "جميع فرع موازنة جامعة عدن مصفرة عند الدولة".
وتابع: "كل العالم يعلم أن الجامعات الحكومية اليمنية قائمة على الإمكانات الذاتية، وأن جامعة عدن غير ربحية وما نفرضه من رسوم لا تساوي رسوم طفل يدرس بروضة أهلية في حي شعبي من أحياء مدينة عدن. نحن جامعة حكومية تقدم خدمة تعليم مجانية".
وأردف: "جامعة عدن منذ 15 عاما لا يوجد لديها لجنة عليا للمناهج ما يعني أن جميع الأكاديميين يكتبون المنهج ويدرسونها الطلاب دون أن يكون هناك تدقيق أو مراجعة أو حتى تقييم لهذه المناهج المطروحة من قبل الأكاديميين بالجامعة، وما إذا كانت تلك المناهج خاضعة للمعايير العلمية أو حتى تتوافق مع رسالة الجامعة أو حتَّى مع سياسية الدولة".
ومع ذلك، أبدى علوي بعض الأمل بتحسن الوضع، مشيراُ إلى أنَّه "مؤخراً تم تشكيل اللجنة العليا للمناهج وإلزام الأكاديميين بمنع تعديل الخطط الدراسية أو المسميات أو المقررات إلا بموافقة اللجنة العليا".
وأضاف: "كما قمنا بتأسيس لجان مناهج في الكليات حتى تشرف على مناهج الأكاديميين وأي أكاديمي يعمل على تأليف كتاب أو منهج لا بد من أن يخضع ذلك المنهج لموافقة القسم العلمي ومن ثم موافقة لجنة المناهج في الكلية ومن ثم اللجنة العليا للمناهج بجامعة عدن وبعد ذلك يعرض ذلك على إدارة مجلس الجامعة ومن ثم يصدر به قرار بالموافقة أو الرفض".
وحول تردي البنية التحتية في الجامعة، قال علوي: "بالفعل هناك تردي في البنية التحتية وهذه مشكلة بارزة أمامنا. هذا ليس في جميع الكليات لكن الكثير منها. في كلية الهندسة مثلاً باتت الكلية تمتلك أحدث الأجهزة وتواكب بتجهيزاتها الجامعات العربية. وذلك ثمرة استفادتها من منح البنك الإسلامي للتنمية التي بلغت قيمتها 14 مليون دولار".
وكشف علوي بعضا من التحديات والصعوبات التي تواجهه جامعة عدن في جانب تحديث وتطوير المناهج، ومنها عدم قبول بعض الأكاديميين لكثير من خطط التطوير التي تلزم بأن يكون المنهج مضبوطا بست مرجعيات لجامعات عربية.
وأضاف: "واجهنا هذه المشكلة عندما اجتهدنا للتحول لنظام التعليم المدمج وهو تحويل جميع المناهج لمواد مرئية ليتسنى للطالب الاطلاع عليها متى ما سنحت له الفرصة للطالب نظرا لكوننا نعيش في بلد تتكرر فيه الأزمات". واعتبر علوي أن تطبيق التعليم المدمج وما لحقه من إصدار لائحة "يمثل بصيص أمل لعملية تطوير التعليم الجامعي بجامعة عدن".
وكان مجلس جامعة عدن أقر في اجتماع دوري [7] بعام 2020 مشروع تطبيق النظام التعليم المدمج والذي يتيح الفرصة أمام الجميع للتعليم المستدام. لكنَّ هذا المشروع حتَّى الآن متعثر نتيجة للأمية الإلكترونية عند كثير من أكاديميي جامعة عدن، ولم يطبق بشكل حقيقي.
ووفقاً لطلاب قابلهم "سوث24"، فشلت تجارب هذا التعليم بمعظم كليات جامعة عدن خلال جائحة كورونا.
وعبر الدكتور علوي عن آماله بأن يسهم الدعم اللاحكومي بتعويض بعض القصور الناتج عن غياب الدعم الحكومي. وأضاف: "في كلية الصيدلة يجري تنفيذ مشروع بدعم من البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن لتجهيز الورش والمختبرات. تبلغ القيمة المعلنة للمشروع 6 ملايين دولار. آمل أن تتوسع هذه المنح لكلية الطب التي هي بحاجة ماسة إليها".
وتعتبر جامعة عدن أهم جامعة حكومية في جنوب اليمن يتخرج منها سنوياً الآلاف بمختلف التخصصات والمجالات. ويدرس في هذه الجامعة طلاب من مختلف محافظات جنوب وشمال اليمن أيضاً.
قبل 3 أشهر