التحليلات

الشرق الأوسط بين قمة جدة وقمة طهران: الدوافع والنتائج

قمتا جدة وطهران (رسمي - تركيب سوث24)

06-08-2022 الساعة 3 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

سوث24 | نانسي طلال زيدان 


شهدت ساحة الشرق الأوسط حالة من الزخم المُتزايد من الزيارات المُتبادلة بين قادة الدول العربية، وقمم ثنائية وثلاثية جمعت بين دول الخليج ومصر والأردن والعراق وإسرائيل وأيضاً تركيا. كانت تلك الزيارات بمثابة إطار ترتيبات عربية شرق أوسطية، قُبيل عقد قمة جدة العربية الأمريكية وزيارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" في 16 يوليو الفائت، لتُشكل قمة جدة محطة نوعية من التوافق العربي-العربي، والقدرة العربية لخلق الموائمات على المستوى الإقليمي والدولي، أعقبتها زيارات واتصالات لمسؤولين روس.


تسعى هذه الورقة تحليل دوافع وأهداف أطراف تلك التداخلات الديناميكية وما قد ينتُج عنها من مصالح وموائمات وتوازنات لدول المنطقة مع القوى العالمية الكبرى.


تحليل خطاب قمة جدة إعلامياً ورسائله السياسية


عرضت قمة جدة كلمات القادة العرب والرئيس الأمريكي، والتي كان فحواها عرض دقيق لرؤى واستراتيجيات وحتى دوافع كافة أطراف اللقاء بشكل زَخِم للغاية. فأتت في مُستهل القمة كلمة ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" بصفته رئيس القمة ومُستضيفها، ورغم أن الكلمة لم تتعد الـ(5) دقائق، إلّا أنها جاءت مُركزة، وأوصلت تأكيدات المسؤول السعودي على ضرورة التعاون على أساس ميثاق الأُمم المُتحدة الذي يؤكد على احترام سيادة الدول وقوانينها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية [1]، ومضمون تلك الكلمات جاءت كردٍ سعودي حاسم على ما سبق الزيارة من سجال في المجتمع والكونجرس والإعلام الأمريكي المستمر منذ أشهر، والذي يتناول قضية الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" بشكل ضاغط على الرئيس الأمريكي لمعارضة أي تقارب أمريكي سعودي [2].


 استرسل ولي العهد في كلمته بصفته رئيس القمة، مؤكداً بأنها تهدف لتعزيز الشراكة، واستخدم فيها كلمات من قبيل، بين "دولنا" وبين "الولايات المُتحدة"، في صياغة توحي بوحدة الدول العربية ككيان واحد، مُلفتاً النظر للتحديات الدولية في عدة نقاط، بدئاً بالتداعيات الاقتصادية لـ Covied-19، مروراً بالتحديات البيئية وعلى رأسها التغيرات المُناخية مع التحدث عن ضرورة التوجه لمصادر طاقة أكثر ديمومة، مُشيراً لانتباه المملكة لأمر سلاسل الإمداد، والمصادر الهيدروكربونية والحياد الصفري الذي أولت له المملكة اهتمام في إطار السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر.


تابع ولي العهد حديثه بدعوة  "إيران باعتبارها دولة جارة، يربطنا بشعبها روابط دينية وثقافية لتكون جزءاً من التعاون مع دول المنطقة من خلال الالتزام بالشرعية الدولية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية". وربط ذلك الأمر بمواصلة بذل الجهود لحل الأزمة اليمنية من خلال بلورة حل سياسي يمني-يمني، لتثبيت الهُدنة الحالية مع استمرار تقديم الدعم الإنساني للشعب اليمني. جدير بالذكر أن ولي العهد السعودي في متن كلمته بلّور صورة حسية توحي بالمسؤولية السعودية العربية تجاه الملف اليمني تحديداً، قد تختلف في جديتها وتركيزها كملف حيوي مُنفصل عن باقي ملفات المنطقة [3]، كما نجد أنه تم ذكر الملف اليمني على نحو من التحديد والاستقلال عن فكرة الأمن العربي ككل بمُختلف قضاياه المُشتركة في كلمات القادة العرب، في كلمتي أمير قطر وولي عهد الكويت. ولا نغفل أنه بالإضافة للربط بين التعاون مع إيران وحل القضية اليمنية في كلمة ولي العهد السعودي، تكرر ذلك الربط بشكل صريح في كلمة وزير الخارجية السعودي في مؤتمره الصحفي بقوله: "نعمل بكل جد، ليس لتمديد الهدنة فقط، ولكن لوقف إطلاق النار وإتاحة التفاوض اليمني-اليمني، مع تفعيل بعض الآليات المُستحدثة لوقف الضخ الإيراني بالأسلحة للحوثيين بالداخل اليمني"، كما أكد بوضوح أن يد المملكة لازالت ممتدة لإيران بهدف بلورة تفاهمات تعالج الأنشطة الإيرانية، مُشيداً بالوساطة العراقية، وأنّ هناك تقدم ولكن لم يتم التوصل لنتائج أخيرة في المُفاوضات السعودية الإيرانية [4].


على عكس كلمة ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" الذي لم يتطرق نهائياً لذكر الأزمة الأوكرانية. استهل الرئيس الأمريكي "جو بايدن" كلمته التي استغرقت (10 دقائق)، بالتركيز على الحرب الروسية الأوكرانية، واصفاً التحرك الروسي بشكل عام بالمُزعزع لاستقرار الشرق الأوسط، مُسمياً التحرك الصيني في منطقة المحيط الهندي والهادي بالتحركات القسرية، إذ يُعد التقنين الأمريكي لتمدد النفوذ الروسي الصيني في الشرق الأوسط أبرز الرسائل المُباشرة في الخطاب الأمريكي. مقابل ذلك، لم يذكر القادة العرب الأزمة الأوكرانية صراحة في كلماتهم سوى رئيس الأردن التي تعتبر كلمته أقصر كلمات القمة (4 دقائق)، وأمير قطر في كلمته أيضاً (9 دقائق)، مُجاملة للولايات المُتحدة. علماً بأن الأردن نجح في عقد مذكرة تفاهم جديدة مع واشنطن لتحصل الأردن على مساعدات سنوية بما لا يقل عن (1.45 مليار) دولار أمريكي، خلال الفترة الممتدة بين الأعوام (2023 و2029) [5].


 استرسل الرئيس الأمريكي في كلمته موجهاً تحية لأرواح الجنود الأمريكان من ضمنهم ابنه لجهودهم العسكرية في العراق وأفغانستان والشرق الأوسط عامة في إطار مكافحة الإرهاب. كما تطرّق لدور الأسطول الأمريكي الخامس في حماية حرية الملاحة خلال الممرات الدولية (هرمز وباب المندب) وتأمين البحر الأحمر. كلمة "بايدن" قدّمت حرصاً واضحاً للمزج بين إمدادات الولايات المُتحدة للمنطقة على مدار العقود الماضية مع بلورة فرص التعاون الاقتصادي والدبلوماسي بينها وبين دول المنطقة، لتعزيز فكرة الشراكة الاستراتيجية التاريخية بين الجانبين لتنحية الفكرة الرائجة عن انسحاب الولايات المُتحدة من ساحة الشرق الأوسط. [6] استعرض "بايدن" خمس محاور لرؤية الولايات المُتحدة الحاكمة لشراكتها بدول منطقة الشرق الأوسط من مؤازرة الدول المُلتزمة بالقانون الدولي من خلال تعزيز قدرتها للدفاع عن نفسها ضد أي تهديدات خارجية. كما ذكر في طيات الكلمة رفض استخدام القوة أو التلويح بها لتغيير الحدود، مع الإشادة بالدول التي صوتت على قرار الإدانة "للغزو" الروسي لأوكرانيا، فقد كانت روسيا حاضرة في الذهن الأمريكي بشكل جلي أثناء القمة.


على نحو آخر، أكّد "بايدن" على حيوية التعاون الأمريكي العربي بخصوص ملف التغيرات المُناخية وتخصيص مئات المليارات للطاقة النظيفة، والاهتمام بمجال سلاسل التوريد، وأيضاً ملف الأمن الغذائي. وأوضح أن الولايات المتحدة خصّصت مليار دولار للمنطقة العربية، وتلك النقطة جاءت في حديث وزير الخارجية السعودي في المؤتمر الصحفي للقمة، حيث ذكر الأخير أنه بجانب الدعم الأمريكي يتم تنسيق دعم لمجموعة من صناديق سيادية عربية لتوفير الغذاء للدول الأكثر فقراً وذلك الأمر تحت رعاية جامعة الدول العربية [7].


وقد أنهى الرئيس الأمريكي كلمته باعتباره أن المُقاربة الأمريكية السعودية أتت ثمارها في اليمن وصولاً للهدنة، علماً بانخراط الولايات المُتحدة مع التنسيقات العربية من خلال جولة المبعوث الأمريكي الخاص لليمن "تيم ليندركينغ" إلى الرياض وعُمان والأردن بعد القمة مُباشرة، اعتبارًا من 25 يوليو لمواصلة الجهود الدبلوماسية الأمريكية لدعم الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة في اليمن [8]


 كما أكد "بايدن" الحرص الأمريكي على مواصلة فرض قيود على إيران والحيلولة دون وصولها للسلاح النووي [9]، مُشيراً لاحترام الولايات المُتحدة لحقوق الإنسان كمحور أساسي في استراتيجيتها، خاتماً كلمته بتأكيده على أن الولايات المُتحدة لن تترك المنطقة وأنها استثمرت كثيراً مع كافة الدول في المنطقة.


كلمة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي هي الكلمة العربية التي أتت موازنة لكلمة الرئيس الأمريكي من ناحية السرد والمحتوى، حيث عرض الرئيس المصري خلال (15 دقيقة) استراتيجية خُماسية المحاور (حل أزمات المنطقة بملفاتها السورية واللبنانية واليمنية والليبية، وبناء المُجتمعات من الداخل، وكيفية تعزيز مُقدرات الأمن القومي العربي، ومكافحة الإرهاب بكل أشكاله وصوره، وتعزيز التضامن والتعاون الدولي فيما يتعلق بـ (ملفات الأمن الغذائي والأمن المائي وأمن الملاحة والتغيرات المُناخية)، داعياً الحضور للمُشاركة بقمة المناخ العالمية " OP27" باستضافة مصر في نوفمبر المقبل بالتعاون مع الأمم المتحدة.


وقد جاءت كلمات البحرين وقطر والعراق والكويت بين (7و 9 دقائق)، وهي تؤكّد على نفس محاور الاستراتيجية المصرية في مُجملها، بالإضافة للتركيز على مشروع الربط الكهربائي بين دول الخليج ومصر والأردن في إطار تعزيز مصادر الطاقة، و الاقتراح الذي قدمه رئيس وزراء العراق  العراقي بإنشاء "بنك الشرق الأوسط للتنمية والتكامل" كجهة تمويل ورعاية لكافة مشروعات التنمية المُستدامة، مُبلورين موقف مشهد تناغمي وصفه وزير الخارجية السعودي في مؤتمره الصحفي، بنضوج منظومة العمل العربي المشترك، لتضع أهدافها وأولوياتها بتناغم كامل، وتصيغ استراتيجيتها بنفسها [10].


ولا نغفل ذكر واحد من أهم ملامح خطابات القادة العرب، ألا وهو التكرار النصي المُشترك بينهم جميعاً بالتأكيد على أهمية الوصول لحل عادل وشامل للدولة الفلسطينية، بحدود يونيو للعام (1967)، وعاصمتها القدس الشرقية.


جدير بالذكر أنّ دولة الإمارات هي الوحيدة التي لم يكُن لها كلمة في قمة جدة، ولكنها هي الدولة الضيفة الوحيدة التي اجتمع رئيسها الشيخ "محمد بن زايد" بالرئيس الأمريكي على هامش القمة ودعاه لزيارة واشنطن [11]، علماً أنه في تلك الأثناء اعتقل رجال الأمن في دولة الإمارات "عضو مجلس إدارة منظمة (DAWN) عاصم غفور"، وهو عربي حامل للجنسية الأمريكية عمل كمحامٍ لجمال خاشقجي وخطيبته، خديجة جنكيز "التي مازالت تشن هجوماً إعلامياً على ولي العهد السعودي داخل الولايات المُتحدة"، وقد كان غفور قادماً من الولايات المتحدة في طريقه إلى اسطنبول، وتم اعتقاله في مطار دبي الدولي أثناء انتظار رحلته إلى اسطنبول. لتكشف التحقيقات معه في أبو ظبي بتهم تتعلق بإدانته غيابياً بتهمة "غسل الأموال" [12] وحكمت الإمارات على غفور بالسجن ثلاث سنوات وغرامة 800 ألف دولار. [13] ذلك المشهد وتوقيته قد يُمثل رداً سياسياً عربياً للتناول الإعلامي الأمريكي ضد ولي العهد السعودية بشأن قضية خاشقجي [14].


هل نجحت الزيارة الأمريكية للمنطقة؟


تراوحت التقديرات بشأن القمة بين النجاح والفشل. الإعلام الأمريكي رأى بأنه "كان هناك الكثير من الجوانب الإيجابية للسعوديين والكثير من السلبيات للأمريكيين. [15] وهناك من يرى أنّ "بايدن" حقّق بعض المكاسب في السياسة الخارجية في زيارته الأولى للشرق الأوسط كرئيس، والتي بدأت في إسرائيل، بما يشمل موافقة السعودية على فتح مجالها الجوي أمام الرحلات الجوية من وإلى إسرائيل [16]، حيث قالت هيئة الطيران المدني السعودية في بيان على تويتر، أنها تعلن "قرار فتح المجال الجوي للمملكة لجميع شركات الطيران التي تلبي متطلبات الهيئة، من أجل التحليق فوقها"، ولم يذكر البيان إسرائيل بالتحديد. وفي أصل الأمور، لم يكن ممنوعاً من التحليق بالمجال الجوي السعودي سوى إسرائيل. فقد كانت الآمال الإسرائيلية بالوساطة الأمريكية عالية للتطبيع مع السعودية، ليشمل التطبيع فتح المجال الجوي أمام ضم السعودية لجزيرتي "تيران وصنافير" لتكونا تحت سيادتها وخروج القوات المُتعددة الجنسيات منها [17]، ولكن في الأمر الواقع أن السعودية كسبت سيادتها على الجزر تبعاً للاتفاق الأمريكي، دون إتمام التطبيع المأمول [18]. ووفقًا لموقع إخباري أمريكي "أكسيوس"، ستتعهد السعودية للولايات المتحدة بأنها ستحافظ على حرية الملاحة في مضيق تيران للسفن الإسرائيلية، وفي غضون ذلك، ستقدم الولايات المتحدة ضمانات أمنية لإسرائيل فيما يتعلق بالتزامات المملكة [19]. كما أوضحت السعودية أن حل النزاع الإسرائيلي مع الفلسطينيين على أساس معايير مبادرة السلام العربية لعام (2002) شرطًا أساسيًا لمثل هذه العلاقات. وقال وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير لشبكة CNN إن بلاده تدعم المبادرة العربية، قائلاً: أننا "قمنا بتأليفها" و "أوضحنا أن السلام يأتي في نهاية هذه العملية وليس في بدايتها"، فالسعودية "ملتزمة بتسوية على أساس دولتين بتحديد دولة فلسطينية داخل الأراضي المحتلة وعاصمتها القدس الشرقية -وهذا مطلبنا للسلام: هذا لم يتغير. لقد اتخذنا مواقف وأوضحنا أن السلام مع إسرائيل ممكن [20]".


وعلى نحو آخر، في لقاء جمع رئيس الوزراء الإسرائيلي "يائير لبيد" مع الرئيس الأردني الملك عبد الله في عمّان، لمناقشة العلاقات الثنائية، بالإضافة إلى زيارة الرئيس الأمريكي للمنطقة وما ينتج عنها من إمكانيات وفرص، والمشروعات التي هي محل تخطيط، مثل مجمع بوابة الأردن الصناعي، وبناء مرافق الطاقة الشمسية ومنشآت تحلية المياه في إسرائيل، والسياحة المشتركة في خليج إيلات والعقبة، والأمن الغذائي. إذ أكد الملك عبد الله للبيد، أن الفلسطينيين يجب أن يكونوا جزءًا من المشاريع الاقتصادية الإقليمية التي ترعاها الولايات المتحدة والموجهة نحو تعزيز الاستقرار، ذلك في إطار ضغط المسؤولين الأردنيين على إسرائيل لإدراج الفلسطينيين في صفقات المياه مقابل الطاقة المحتملة التي يمكن أن تمولها دول الخليج. [21]


 وفي الداخل السعودي على مدار القمة، أبرم وزراء الطاقة والاستثمار والاتصالات والصحة السعوديون (18) اتفاقية مع نظرائهم الأمريكيين، والعديد من شركات القطاع الخاص، بما يشمل مجموعة من الشركات الأمريكية الرائدة في قطاع الرعاية الصحية والعديد من الشركات الأمريكية الأخرى في قطاعات الطاقة والسياحة والتعليم والتصنيع والمنسوجات، بالإضافة لتوقيع هيئة الفضاء السعودية اتفاقيات أرتميس مع وكالة ناسا، والتي تسمح بالاستكشاف المشترك للقمر والمريخ، بالإضافة لمذكرة تعاون بين وزارة تكنولوجيا المعلومات وشركة IBM لرفع مهارات( 100ألف) شاب وشابة على مدى خمس سنوات ضمن ثماني مبادرات يمكن أن تجعل المملكة مركزًا للتكنولوجيا والابتكار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. [22] كما وقّعت الوزارة مذكرة تعاون مع الإدارة الوطنية للاتصالات والمعلومات الأمريكية، تشمل التعاون بين البلدين في تقنيات (G5 و 6G)، وهي صفقة تأمل بها الولايات المتحدة في إبعاد المملكة عن تكنولوجيا الاتصالات الصينية [23]. إذ ترى الإدارة الأمريكية تلك البلورة للاتفاقيات الاقتصادية المتنوعة؛ بمثابة توطيد وتجديد للعلاقات الأمريكية السعودية؛ وإعادة توطيد للتواجد الأمريكي في الشرق الأوسط بما يخدم المصالح الأمريكية قدر المُستطاع، على رأسها نسب الإنتاج النفطي المؤثر والمُحرك الأول لأسعار النفط ومشتقاته دولياً والمُسبب لأزمة كبرى بالداخل الأمريكي [24].


روسيا تلقي بظلالها على قمة جدة


سُرعان ما أعلنت روسيا عن زيارتها لإيران عقب مجيء الرئيس الأمريكي "جو بايدن" لقمة جدة بأيام، وصل الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" طهران في (19 يوليو2022)، كأول رحلة دولية له خارج حدود الاتحاد السوفيتي منذ بدء الأزمة الأوكرانية. تمّ خلال الزيارة عدة لقاءات تبادلية بينه وبين الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان. كما التقى بوتين أيضاً بالمرشد الأعلى الإيراني آية الله خامنئي. [25]


أتت قمة طهران بمثابة رد فوري على تصريح الرئيس الأمريكي "جو بايدن" المُتكرر بانه لن يترك فراغاً في الشرق الأوسط لتشغله روسيا والصين، وتذكيراً بأنهم بالفعل موجودين، خاصة لثقل التأثير الروسي في ملف إيران النووي، وملف الأزمة السورية، وتداخل تأثيرها في ليبيا واليمن، وبالتأكيد أيضاً نسب الإنتاج النفطي الدولي. وقد شهد اللقاء الروسي الإيراني عقد اتفاقية بقيمة (40 مليار) دولار بين شركات وطنية من الجانبين، بغرض تطوير حقول الغاز الإيرانية وبناء خطوط أنابيب جديدة لتصدير الغاز، ومناقشة قرار روسي أثار قلق المراقبين الأمريكان والأوروبيين، بأن تزود إيران روسيا بـ "مئات" من الطائرات بدون طيار "الدرونز الإيراني"، بما في ذلك طائرات بدون طيار قادرة على حمل الأسلحة -لاستخدامها في الحرب في أوكرانيا [26]. كما أيّد المرشد الأعلى الإيراني أهداف بوتين في حرب أوكرانيا. وقال في القمة الثلاثية إنّ الغرب يعارض قيام روسيا "المستقلة والقوية "وإن  "الناتو لن يعرف حدودًا إذا كان الطريق مفتوحًا له، وإذا لم يتم إيقافه في أوكرانيا، فسيبدأ نفس الحرب مستخدمًا شبه جزيرة القرم كذريعة". [27] [28]


في 21 يوليو الفائت، بعد أقل من أسبوع من زيارة الرئيس بايدن إلى السعودية، تواصل الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" هاتفياً مع ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان"، ناقشا خلال الاتصال مُجريات زيارته لإيران، والعلاقات الودية بين روسيا والسعودية، وبحثا سوق النفط العالمية وتوسيع العلاقات التجارية والاقتصادية. من خلال الاتصال أراد بوتين إظهار أن زيارة بايدن لم تضر بالعلاقات بين روسيا وولي العهد السعودي. [29]


علاوةً على ذلك، رتّب وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" جولة زيارات بدئاً من القاهرة لإلقاء كلمة أمام جميع الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية البالغ عددها (22) دولة، مُمتدة للدول الأفريقية إثيوبيا وأوغندا وجمهورية الكونغو، في مسعى آخر من جانب روسيا بعد زيارة بايدن للتأكيد على أن علاقاتها بالشرق الأوسط راسخة عربياً وإفريقيا.


جدير بالذكر أنّ كلمة لافروف في القاهرة، جاءت مُعززة لاتباع الدبلوماسية ودعم سُبل الموائمات السياسية بغرض حل الأزمات الإقليمية، وتوافقت صياغة كلمته مع محتوى كلمات القادة العرب في قمة جدة [30]، مُثمناً على العلاقات الروسية العربية مع صياغة رسائل مطمئنة حول صادرات الحبوب الغذائية [31]. وقال لافروف في بيان عقب اجتماعات في القاهرة، إنه سيتم الوفاء بالتزامات تصدير الحبوب الروسية للعملاء، موضحاً أنّ الصفقة الخاصة بصادرات الحبوب كانت "حزمة" من الإجراءات المتعلقة بالحبوب الروسية والأوكرانية، وسيتم حل القضايا المتعلقة بالحبوب الأوكرانية من خلال إنشاء مركز تنسيق في اسطنبول، موضحاً ترتيبات روسيا مع تركيا وقواتها البحرية لتضمن سلامته وصول الشُحنات [32].


وكتب لافروف في رسالة نُشرت في صحف الدول الإفريقية التي زارها: "التكهنات التي أطلقتها الدعاية الغربية والأوكرانية بأن روسيا" تصدّر الجوع "مزعومة لا أساس لها على الإطلاق"، وأن روسيا "ليست ملطخة بجرائم الاستعمار الدموية" و "لا تفرض أي شيء على الآخرين، أو تعلمهم كيف يعيشون". كما أشاد "بالموقف المتوازن للأفارقة بشأن ما يحدث في أوكرانيا وما حولها. [33]


المحصلة مما سبق أنّ الشرق الأوسط سيظل ساحة تجاذب وتنافس بين روسيا وأمريكا وغيرهم من القوى. لكن ما يُميز المرحلة الحالية أنّ هناك حالة من الإدراك والنضج لدى القادة العرب، ويشمل ذلك قادة أفارقة، تُمكنهم من التخلي عن دور المفعول به دائما، وتُمكنهم من دور الفاعل والمؤثر بأدواتهم السيادية سياسياً واقتصادياً، للتأثير في مُجريات الأحداث على الساحة الدولية وليست الإقليمية فقط. يظهر ذلك جلياً في الحرية العربية الإفريقية في استقبال وزير الخارجية الروسي رغماً عن العقوبات الأمريكية الأوروبية التي تقضي بعزل روسيا حتى دبلوماسياً [34]، إلا أنه وجد رحابة الضيافة وعقد الصفقات والتفاهمات [35].


وفيما يتعلق بالإنتاج النفطي، الذي يُعد دافع رئيس لزيارة جو بايدن للمنطقة، ذهبت الأنظار لاجتماع (أوبك بلس) يوم3 أغسطس الماضي الذي خرج بتوافق على زيادة محدودة قدرها 100 ألف برميل في شهر سبتمبر فقط. ومع ذلك إنّ إدراك مُعطيات الواقع تقول حقيقة أن مصالح روسيا -اللاعب الرئيسي في التحالف -تتعارض تمامًا مع مصالح واشنطن، وتأكيدات السعودية بأنها وصلت لأقصى حد إنتاجي [36] لها وستتمثل المهمة في السماح للولايات المتحدة بحفظ ماء الوجه مع استرضاء موسكو أيضًا من أجل ضمان استقرار التحالف النفطي الأكبر في العالم.




زميلة غير مقيمة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات، باحثة في العلوم السياسية والتحليل الإعلامي


المراجع:

[1] انطلاق قمة جدة للأمن والتنمية بمشاركة عربية أميركية، 16 يوليو 2022، youtube

[2] نانسي طلال زيدان، زيارة بايدن المتوقعة إلى الرياض: الدوافع والمآلات 08-06-2022، South24

[3]   انطلاق قمة جدة للأمن والتنمية بمشاركة عربية أميركية، 16 يوليو 2022، مرجع سبق ذكره، الدقيقة 3:39

[4] مؤتمر صحفي لوزير الخارجية السعودي في ختام قمة جدة،  youtube

[5] مذكرة مساعدات جديدة من الولايات المتحدة إلى الأردن بقيمة 1.45 مليار دولار سنويًا،16 يوليو 2022، cnn

[6] انطلاق قمة جدة للأمن والتنمية بمشاركة عربية أميركية، 16 يوليو 2022، مرجع سبق ذكره.

[7] الدقيقة 29:53، مؤتمر صحفي لوزير الخارجية السعودي في ختام قمة جدة   16/07 /2022، مرجع سبق ذكره

[8] U.S. Special Envoy for Yemen Lenderking’s Travel to Saudi Arabia and Jordan ,July 25, 2022, state.gov

[9] الدقيقة 12:55، انطلاق قمة جدة للأمن والتنمية بمشاركة عربية أميركية، 16 يوليو 2022، مرجع سبق ذكره

[10] الدقيقة 53:12، مؤتمر صحفي لوزير الخارجية السعودي في ختام قمة جدة   16/07 /2022، مرجع سبق ذكره

[11] Biden invites Mohamed Bin Zayed to US,16 Jul 2022 , gulftoday

[12] UAE: Immediately Release Asim Ghafoor, Former Lawyer for Jamal Khashoggi and DAWN Board Member, July 15, 2022، dawnmena

[13] John Hudson&Kareem Fahim, U.S. requests more information on UAE arrest of Khashoggi lawyer, July 19, 2022, washingtonpost

[14] الدقيقة 17:34، Jul 20, 2022 https://bit.ly/3biQlDm

[15] Felicia Schwartz in Jerusalem and Samer Al-Atrush in Jeddah, Joe Biden’s fist bump belies unease between US and Saudi Arabia, July 17 2022, on.ft.com

[16] Ibid.

[17] Jacob Magid and TOI staff, Saudi Arabia opens airspace to all carriers, in first fruits of budding Israel deal, 15 July 2022, timesofisrael

[18]  Jacob Magid, US aims to close island transfer, Saudi normalization steps before Biden trip, 7 July 2022, timesofisrael

[19] Dilara Ozer, Tiran and Sanafir Islands May Tie the Saudi-Israel Knot, July 30, 2022, politicstoday

[20] TOVAH LAZAROFF ,Opening of airspace to Israel not a sign of normalization - Saudi official, JULY 27, 2022, www.jpost

[21] In Amman, Lapid and Jordan’s King Abdullah Talk Agtech, Energy, Tourism, July 28, 2022, algemeiner

[22] Saudi Arabia, US ink 18 agreements, including on space, investment, energy, July 16, 2022, arab.news

[23] Felicia Schwartz and Samer Al-Atrush, Op.cite.

[24] الدقيقة 5:15، youtube

[25] Rob Picheta, Anna Chernova, Uliana Pavlova and Chris Liakos, CNN, Putin arrives in Iran for first trip outside former Soviet Union since his invasion of Ukraine, July 20, 2022, cnn

[26] Rob Picheta &others, Ibid.

[27] What was discussed at the Russia-Turkey-Iran summit?,  20/07/2022, euronews

[28] Ibid. علماً بإن تركيا وجدت نفسها في الجانب المعارض لروسيا في النزاعات في أذربيجان وليبيا وسوريا، حتى أنها باعت طائرات بدون طيار قاتلة للقوات الأوكرانية. لكنها كعضو في الناتو لم تفرض عقوبات على الكرملين وتظل شريكًا محتملاً رئيسيًا لموسكو، حيث تعتمد تركيا على السوق الروسية، خاصة في مواجهة التضخم الجامح وانخفاض قيمة العملة السريع.

[29] Barak Ravid, Putin and MBS discuss oil less than week after Biden visit to Saudi Arabia, axios

[30] مؤتمر صحفي لوزيري الخارجية المصري والروسي في القاهرة، youtube

[31] كلمة وزير الخارجية الروسي في جامعة الدول العربية بشأن تطورات الحرب في أوكرانيا، youtube

[32] Polina ivanova , Sergei Lavrov on Africa tour to counter accusation Russia is ‘exporting hunger’, July 24 2022, on.ft

[33] Ibid.

[34] Russia continues Africa charm offensive as Lavrov arrives in Congo, 25/07/2022, euronews

[35] Catherine Byaruhanga, Russia-Ukraine crisis: Lavrov shows diplomatic clout in Africa, 28/7/2022, bbc

[36] Brian Evans ,Saudi Arabia's oil exports hit a 2-year high in July as the US pleads for more output,1 August 2022, markets.businessinsider

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا