عربي

قراءة في زيارة الرئيس المصري إلى الدوحة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الدوحة، 14 سبتمبر 2022 (الرئاسة المصرية)

19-09-2022 الساعة 8 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24 | د.إيمان زهران


تتجه القاهرة في سياستها الخارجية - منذ بعد ثورة 30 يونيو - لإعادة هندسة الإقليم العربي بما يتوافق ونظرية "التكامل نحو المسؤولية والمصالح المشتركة". لذا جاءت تلبية الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" لدعوة الأمير القطري "تميم بن حمد" لزيارة دولة قطر في 14 سبتمبر الحالي، كخطوة تعزيزية لكسر "فتور العلاقات" بين الدولتين وتأكيداً على "المسار الإيجابي" للتحركات الثنائية نحو رأب الصدع بين الدولتين، فضلاً عمّا تحمله الزيارة من دلالات للتوقيت تدفع من خلالها بمزيد من الرسائل النوعية حول أهداف تلك الزيارة ومآلاتها على كافة المستويات الوطنية والإقليمية والدولية. 


دلالات التوقيت


حملت الزيارة أهمية خاصة من حيث التوقيت، خاصة وأنها تتزامن مع عدد من السياقات والأحداث الإقليمية والدولية، والتي تؤسس بدورها لثقل تلك الزيارة، حيث أبرزها: 


-       ما تحمله زيارة الرئيس "عبدالفتاح السيسي" من رغبة في بناء وتوحيد المفاهيم العربية قبل انطلاق القمة العربية بالجزائر خلال نوفمبر المقبل. 


-       الإلتزام بنهج "التكامل الإقليمي"، وتوحيد الأولويات العربية قبيل أعمال الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.  


-       ما تحمله الدولتين من أحداث نوعية، خلال العام الجاري، ذات صبغة دولية، وذلك باستضافة القاهرة الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول تغير المناخ (COP-27) في مدينة شرم الشيخ في نوفمبر المُقبل، واستضافة الدوحة لمونديال 2022.   


-       إعادة تموضع العلاقات الثنائية بالنظر إلى التطور القائم بالسياق الإقليمي، خاصة مع تبني الدوحة في الآونة الأخيرة لمواقف إقليمية تقترب من صياغات الموقف المصري، مع تهميش نسبي لبعض القضايا الخلافية كملف جماعة الإخوان المسلمين، والذي اتخذت فيه قطر العديد من الخطوات المقبولة للنظام المصري[1].


-       حجم التطورات القائمة بالتصعيد الروسي في الأراضي الأوكرانية، وانعكاسات الحرب القائمة على الملفات المضطربة بالإقليم، وفي مقدمها: الملف السوري، واليمني. 


-       ما يتعلق بالتغير في السياسية الخارجية للإدارة الديموقراطية الأمريكية نحو "إعادة ضبط العلاقات" مع القوى العربية. وما يمكن البناء عليه بالمنطقة بالنظر إلى مسارات التحرك الأمريكي بملفي: الاتفاق النووي الإيراني، وتأمين الإمدادات العربية للطاقة.   


-       استشراف مآلات الصراع – المباشرة وغير المباشرة – بين الولايات المتحدة الأمريكية وكلاً من روسيا والصين، وحجم انعكاساتها المتباينة على ملفات المنطقة سياسياً واقتصادياً وأمنيا.


رسائل نوعية


ثمّة عدد من الرسائل التي تنطوي عليها الزيارة المصرية إلى الدوحة، والتي تأتي بناءً على ما سبق من لقاءات جمعت الدولتين بدءاً من قمة العُلا في يناير 2021، ثم زيارة الأمير تميم إلى القاهرة في يونيو 2022، وما تلا ذلك من لقاءات ثنائية على هامش مؤتمر "بغداد للتعاون والشراكة" في أغسطس 2021، ومؤتمر غلاسكو للمناخ نوفمبر 2021. لتؤسس إجمالاً إلى جملة من الرسائل نحو إعادة تأطير العلاقات، أبرزها: 


-       صياغة توافقات عربية: تُبنى تلك النقطة على التأكيد على فكرة "تجاوز الاستقطابات والاضطرابات الإقليمية" بين أطراف القوى التقليدية والصاعدة بالشرق الأوسط والمنخرطة بدوائر التفاعلات العربية القائمة. فضلاً عن محاولة خلق مساحات مُشتركة تُبنى عليها مواقف إقليمية موحدة كمحاولة لحلحلة القضايا العالقة بالمنطقة ذات الاهتمام المصري القطري المشترك، والتي منها: 


1.   الملف الليبي: إحدى أهم الملفات السياسية والأمنية ذات الاهتمام المشترك، مايتعلق بالتنسيقات الثنائية لحلحلة القضية الليبية، وذلك بالنظر لحجم التحركات القائمة لدى كلا الدولتين في ذلك الملف. والتي تظهر من خلال، أولاً: التنسيقات المصرية المستمرة مع أطراف الأزمة القائمة عبر الاستضافات المستمرة لمختلف الأطراف – في مدينة شرم الشيخ بالقاهرة - لحلحلة الأزمة السياسية والمضي قدماً نحو الاستحقاق الانتخابي. وثانياً: استضافة قطر لرئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، مع الأمير القطري "تميم بن حمد آل ثاني" في 11 سبتمبر الجاري، سبقها لقاء رئيس حكومة الوحدة الوطنية "عبدالحميد محمد الدبيبة" في 8 سبتمبر[2]. ومن ثم تأتي الزيارة لمراجعة وتقييم التحركات الثنائية فى ذلك الملف، والبناء عليها مستقبلاً. 


2.   الملف الفلسطيني: تستهدف الزيارة المصرية التنسيق وتقييم الجهود الثنائية لمواجهه التصعيد الإسرائيلي في مايو 2021، وما يمكن البناء عليه من تحركات مصرية قطرية بعدد من المستويات السياسية والأمنية والتنموية لحلحلة القضية الفلسطينية، وتهدئة الأوضاع وإعادة الإعمار بقطاع غزة.  


3.   الملف التركي: ثمّة توجهات قطرية للعب دور الوساطة ورأب الصدع وإعادة دفة العلاقات بين القاهرة وأنقرة. فلازال من المُبكر التنبأ بمسار الأحداث القادمة، فعلى الرغم من رغبة أنقرة لعودة العلاقات مرة أخرى، إلا أن كافة المباحثات والمفاوضات القائمة دوماً ما تنتهي بالصمت المصري. فضلاً عن أن أنقرة لازالت نتتهج سياسية التعنّت في العديد من الملفات ذات الطبيعة الخلافية مع النظام المصري. وهو ما قد يدحض بفرضية استئناف العلاقات رغم الشواهد الخاصة بمحاولات الحلحلة.  


-       محاصرة التهديدات المشتركة: تأتي الزيارة كمحاولة لتوحيد الجهود العربية واستعادة الاصطفاف نحو مجابهة جُملة التهديدات التي تواجه أمن واستقرار الإقليم العربي، والتي تنقسم بدورها إلى تهديدات إقليمية، وأخرى دولية، دون إغفال التهديدات الكونية غير التقليدية، وذلك على النحو التالي:


1.   تهديدات إقليمية: تظهر بشكل كبير بالنظر إلى عدد من التحديات الرئيسية، أولاً: ما يتعلق باضطراب الدول المأزومة بالإقليم وانعكاسها المباشر على أمن الجوار، وثانياً: بالنظر إلى تهديد التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، وذلك بالنظر لإعادة تموضع تنظيم داعش بالمنطقة عبر ظاهرة "الذئاب المنفردة" عقب انحساره في سوريا والعراق، فضلاً عن إعادة بروز نشاط تنظيم القاعدة عقب الخروج الأمريكي من أفغانستان وسيطرة حكومة طالبان على الدولة[3]. بينما ثالثاً: يتمثل في تنامي التهديدات الإيرانية عبر تمدد أذرعها في كافة الدول المأزومة بالإقليم، وفي مقدمتها "الحوثيين في اليمن، تيار الصدر في العراق، حزب الله في لبنان".   


2.   تهديدات دولية: تنعكس بشكل رئيسي على مسارات التطور بالحرب الروسية الأوكرانية، وانعكاساتها المباشرة على إقليم الشرق الأوسط، وذلك بالنظر إلى ثلاث ملفات رئيسية: ملف الطاقة، ملف الأمن الغذائي، وملف اللاجئين والهجرات غير النظامية، فضلاً عن التضارب في إدارة ملفات التسوية السياسية للدول المأزومة بالإقليم.


3.   تهديدات كونية غير تقليدية: تنصرف تلك التهديدات إلى حجم تنامي "الأزمات غير التقليدية"، والتي في مقدمتها المخاطر المادية والإنسانية التي خلّفتها جائحة كورونا، فضلاً عن تراخي الجهود الأممية للإنتقال نحو الحياد المناخي، وإشكالية التلوث البيئي، وضعية الأمن النووي فى ظل تنامي التخوفات العالمية من قيام حرب نووية فى الغرب[4]، ما يتعلق بأزمة اللاجئين والإرتباط المباشر بإشكالية "الإرهاب المُعولم"، بالإضافة إلى أزمة "التهديدات السيبرانية" واستهدافها المباشر لأمن تدفق المعلومات.  


مكاسب مشتركة


خلال الأعوام الماضية، مر العالم بأزمات كبرى كان لها عظيم الأثر على إعادة مراجعة "ماهية النظام الإقليمي والتنظيم الدولي" من جهة، والاقتصاديات الناشئة والاتجاه نحو تفعيل "الاقتصاد البيني" من جهة أخرى، فبعد جائحة كورونا في 2019، بما كان لها من تأثيرات على الاقتصاد العالمي، وانقطاع سلاسل التوريد، وزيادة عدد الوفيات، والارتباك العام، وحلت الحرب الروسية الأوكرانية في 2022، بانعكاساتها السلبية على كافة الأقاليم الفرعية بالنظام الدولي. 


وتأسيساً على ذلك، تأتي الزيارة المصرية إلى الدوحة لتُعيد ترتيب أولويات العمل العربي المشترك نحو "التضامن الاقتصادي". فالقاهرة بموقعها الجغرافي المُتميز ينظر إليها أنها البوابة الرئيسة لنفاذ السلع والخدمات إلى الأسواق الإفريقية والأوروبية، وهو ما يؤسس بدوره إلى إعادة ترسيم وتعزيز صياغات اقتصادية وتجارية واستثمارية مشتركة بين الدولتين محورها الرئيسي "التكامل الاقتصادي البيني"، وذلك بالنظر إلى النقاط التالية: 


- تعزيز حركة التبادل التجاري: 


على الرغم من التزام العالم خلال السنوات الماضية بسياسات الإغلاق الكلي والجزئي كإحدى الاستراتيجيات الحمائية لمواجهة تداعيات جائحة كورونا، ولما كان له من إنعكاسات سلبية على كافة الاقتصاديات، وخاصة الاقتصاديات الناشئة والتي منها دول منطقة الشرق الأوسط. فقد سجل حركة الصادرات والواردات زيادة ملحوظة خلال الفترات السابقة لصالح دولة قطر، وهو ما يظهر بالجدول التالي علماً بأن القيمة بالمليون دولار: 


 

2019

2020

2021

الصادرات المصرية

0,171

0,365

3,914

الواردات المصرية 

23,648

26,538

43,220

الميزان التجاري  

-23,477

-26,173

-39,306

إجمالى حجم التجاري 

23,819

26,903

47,134

المصدر : الهئية العامة للرقابة على الصادرات والواردات ، وزارة التجارة والصناعة -  جمهورية مصر العربية


- إعادة ترسيم آفاق الاستثمار القطري في مصر:


عقب إطلاق الحكومة المصرية لوثيقة "سياسة ملكية الدولة"[5] والتي حددت أهدافها الوطنية فيما يتعلق بإطلاق "حزم تحفيزية" لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وزيادة حجم القطاع الخاص، فضلاً عن العديد من الخطوات الرامية لدعم المناخ الاستثماري في القاهرة، وهو ما دفع العديد من الصناديق السيادية بمنطقة الخليج للاستثمار بالشركات المصرية، وتأسيساً على ذلك، أسفرت زيارة الرئيس "السيسي" إلى الدوحة عن جذب مزيد من الاستثمارات القطرية إلى مصر خاصة مع التوقيع على مذكرة تفاهم بين صندوق مصر السيادي للاستثمارات والتنمية وجهاز قطر للاستثمار. 


الجدير بالذكر، قطر تحتل المرتبة العاشرة ضمن الدول المستثمرة، حيث تتواجد الاستثمارات القطرية بنحو 231 شركة برأسمال بلغ 4.6 مليار دولار، وبنسبة مساهمة قطرية تقدر بنحو 2.2 مليار دولار، وتتواجد تلك الاستثمارات في قطاعات الطاقة والسوق المصرفية والعقارات[6]. 


- التنسيقات المصرية القطرية في ملف الطاقة:


بالنظر إلى تموضع القاهرة كمركز إقليمي للطاقة في منطقة شرق المتوسط، وما لحق بذلك من إبرام العديد من الاتفاقيات فى مجال تصدير الغاز مع الكتلة الأوروبية تحت مظلة "منتدى غاز شرق المتوسط"، فقد سعت الدوحة لتوظيف إمكانياتها باعتبارها أكبر مصدر للغاز المسال في العالم عبر المضي قدماً لبناء شراكات استثمارية في مجال الطاقة المصري، فعلى سبيل المثال: أعلنت شركة قطر للطاقة إبرامها اتفاقاً مع شركة "إكسون موبيل" للاستحواذ على حصة في منطقة استكشاف قبالة سواحل مصر، حيث بموجب شروط الاتفاقية، ستمتلك الشركة القطرية 40% من حصة المقاول في منطقة "شمال مراقيا البحرية" في البحر الأبيض المتوسط، في حين أن شركة تابعة لإكسون موبيل "المشغل" ستحتفظ بنسبة 60% المتبقية من الامتياز[7]، بالإضافة إلى اتفاق شركة قطر للطاقة مع شركة شل والتي حصلت بموجبها على حصة 17% في كل من الامتيازين "بلوك 3 ، وبلوك 4" المدارين من جانب شركة شل في منطقة البحر الأحمر، وهو ما يؤسس لمرحلة جديدة من تأطير العلاقات الاقتصادية المصرية القطرية عبر تنسيق "ترتيبات الطاقة" في الإقليم.


د.إيمان زهران

متخصصة في العلاقات الدولية والأمن الإقليمي، باحثة غير مقيمة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات



مراجع:

[1] سياسيون وكُتاب لـ«الدستور»: زيارة الرئيس السيسى قطر محورية وفى توقيت مهم، موقع الدستور، 14/9/2022، https://bit.ly/3DuUqjt

[2] بعد زيارة الدبيبة بيومين.. عقيلة صالح في قطر لـ"طيّ الخلافات"، موقع عربى 21 ، 10/9/2022، https://bit.ly/3Ugzwuz

[3] ) إيمان زهران، هل نحن بصدد عودة التكامل الإقليمي العربي؟، مركز سوث24 للأخبار والدراسات، 16/7/2022، https://bit.ly/3BlPL0N

[4] مجاعة ووفيات بالمليارات.. دراسة تكشف مخاطر اندلاع حرب نووية، موقع سكاى نيوز عربية، 16/8/2022، https://bit.ly/3Uip1a4

[5] وثيقة سياســة ملكية الدولـة، الهيئة العامة للإستعلامات، 14/7/2022، https://bit.ly/3Ul5mWO

[6] ) رحاب الزيادى، دوافع التقارب: زيارة الرئيس السيسي إلى قطر، المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، 15/9/2022، https://bit.ly/3QLdQDS

[7] "قطر للطاقة" تستحوذ على 40% من امتياز بحرى فى مصر، موقع البورصة، 29/3/2022، https://bit.ly/3Lp0Lih بعد زيارة الدبيبة بيومين.. عقيلة صالح في قطر لـ"طيّ الخلافات"، موقع عربى 21 ، 10/9/2022، https://bit.ly/3Ugzwuz

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا