التحليلات

حُجّة «الرواتب»: الجنوب ضحية الهدنة الأممية

رشاد العليمي (ا ف ب)

07-10-2022 الساعة 10 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

سوث24 | المحرر السياسي


في الثاني من أكتوبر الجاري، هدّد الحوثيون المدعومون من إيران باستهداف الشركات النفطية العاملة في الإمارات والسعودية، ووجهوا تحذيرا للشركات النفطية النشطة في اليمن. فيما أعلنت الأمم المتحدة انتهاء الهدنة بين أطراف النزاع، الممتدة قرابة 6 أشهر منذ إبريل الماضي. لم تكن التهديدات الحوثية مفاجئة لكثير من الأطراف اليمنية، التي تدرك نهج الجماعة القائم على "الابتزاز" لتحقيق مزيد من المكاسب.


سبق وأعلن المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن "غروندبرغ"، عن أسفه لعدم التوصل إلى اتفاق بشأن الهدنة، وثمّن موقف الحكومة اليمنية للتعاطي مع مقترحاته بشكل إيجابي، معلناً استمراره في العمل مع كلا الجانبين لمحاولة إيجاد حلول.[1] وفي إيجاز صحفي للمبعوث الأمريكي "تيم ليندركنغ" حضره مركز "سوث24" مساء الأربعاء الفائت، ألقى ليندركينغ اللوم على الحوثيين بفشل الجهود الأميركية والأممية لتمديد الهدنة، وقال: "كانت العقبة أمام تمديد الهدنة، يوم الأحد، فرض الحوثيين مطالب متطرفة ومستحيلة". وطالب الجماعة اليمنية بإبداء المزيد من المرونة لفتح الطريق أمام فرص تحقيق السلام.[2] ورغم اعتراض أطراف جنوبية على بعض بنود نسخة اتفاق الهدنة المقترح من قبل المبعوث الأممي، إلا أنّ الحكومة اليمنية وافقت عليها، وأبدت التزاما بتغطية ما سيتبقى من المرتبات للموظفين المدنيين والمتقاعدين في مناطق سيطرة الحوثيين وفقا لقاعدة بيانات 2014. وسيكون على الحوثيين بالمقابل الالتزام بدفع موارد الجمارك والضرائب من موانئ الحديدة لهذا الغرض. وتودع الإيرادات من الطرفين في حساب خاص تشرف عليه الأمم المتحدة. وفقا لنسخة الاتفاق الذي اطلّع عليه مركز سوث24.


بشكل مفاجئ، تراجع الحوثيون عن موافقتهم لتمديد الهدنة في اللحظات الأخيرة، رغم نفيهم أنباء الموافقة على ذلك[3]. بالمقابل وصفت بعض وسائل الإعلام التراجع الحوثي بأنه نتيجة لانقسامات بين قيادات الجماعة. غير أن الترويج لهذا السيناريو يبدو مناسباً للحوثيين لتبرير موقفهم من الرفض. لكنّ من المعروف أن الحوثيين جماعة ثيوقراطية عقائدية تأتمر بأمر زعيمها "عبدالملك الحوثي"، ولا مجال بتاتاً للاعتراض على قراراته. لذا، سيبدو التفسير الأقرب بأنّ هناك حسابات أخرى للرفض الحوثي لها علاقة برفع سقف المطالب إلى تقاسم حصص الموارد النفطية في الجنوب، أو لها ارتباطات بالموقف الإيراني وسياقاته من الهدنة، خاصة في ظل التوتر الشعبي داخل الأراضي الإيرانية، واتهامات الإيرانيين للولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية باستغلال الاضطرابات لمحاولة زعزعة استقرار الجمهورية الإسلامية[4].


وعلى الرغم من أنّ كلا السببين يبدوان منطقيين، إلا أنّه وفي ضوء الحاجة الدولية للطاقة، وتحوّلها إلى نقطة جيوسياسية باتت تشكّل أحد أبرز ملفات الصراع الحالية في العالم، فإنّ السبب الأول قد يكون أكثر منطقية لاعتبارات كثيرة، ليس أقلها التقدّم الذي حققته القوات الجنوبية مؤخرا في محافظة شبوة، ومساعيها لتأمين وادي حضرموت ومحافظة المهرة الحدودية مع سلطنة عمان.


لذلك، شجّعت الاستجابة الحكومية لمطالب الحوثيين بصرف رواتب الموظفين وفتح مطار صنعاء وموانئ الحديدة، إلى منح الجماعة سقفاً أعلى للتفاوض مستغلة الغلاف الإنساني لذلك، وذلك دفعهم بالفعل لطرح مطالب مستحيلة؛ على شاكلة التقاسم مع الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا في إيرادات النفط والغاز. وقد يسمح ذلك للحوثيين بالتمادي إلى ما هو أكثر من ذلك، إذا ما استمر المسؤولون الدوليون في انتهاج سياسة مخاتلة تجاههم تقوّي من موقف الجماعة على حساب إضعاف الموقف الحكومي الرسمي. 


ماذا يعني هذا بالنسبة للجنوبيين؟


لم تحقق الهدنة أي نتائج عملية للسكان في جنوب اليمن، ليس على الصعيد العسكري أو الأمني وبدرجة أساسية ليس على الصعيد الاقتصادي والخدمي. حتى في تعز وسط اليمن، على سبيل المثال، لا تزال الطرق مغلقة، ولم يلتزم الحوثيون حتى اليوم بتنفيذ جانبهم منها.


لكن السؤال ذو الصلة، ليس: ما إذا كان تمديد الهدنة سيحسّن من الوضع الإنساني في المناطق تحت سيطرة الحوثيين، ولكن كيف سيؤثر ذلك على الوضع المعيشي للمواطنين في الجنوب، وما سيقود له من تصعيد شعبي يلقي بتبعاته على مختلف الجوانب السياسية والعسكرية والاقتصادية والإنسانية. خصوصا وأنّ الخدمة المدنية في مناطق الحوثيين تم تجريفها، وبات معظم الموظفين حتى من هم في قاعدة بيانات 2014، يعملون لدى جماعة الحوثي أو تحت سلطتهم. وذلك يعني بالمحصلة، أن الجنوبيين سيدفعون من ثرواتهم رواتبا لموظفين وجنود ومقاتلين تهدد الجماعة بهم كل يوم باجتياح الجنوب، فيما لا تزال آثار غزوتهم في العام 2015 لعدن شاهدة على حجم الدمار والضحايا.


عندما يطالب الحوثيون بدفع الرواتب من عائدات النفط الخام، هذا يعني من عائدات "حضرموت، وشبوة"، وهي أهم محافظات الجنوب المنتجة للنفط والغاز. لذا، سيتحمّل الجنوبيون بدرجة أساسية كلفة دفع الرواتب من مناطقهم. قَبِل الجنوبيون حتى الآن، ضمن شراكتهم في السلطة اليمنية، بدفع مرتبات الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا وموظفي المناطق المحررة من الشمال، كتعز على سبيل المثال، من إيراداتهم النفطية والمالية المختلفة، رغم أنّ عشرات آلاف الموظفين الجنوبيين في القطاعين العسكري والمدني لا يتسلمون رواتبهم بانتظام أو يتسلمون مرتبات لا تتجاوز الـ 60 دولار في الشهر الواحد.


إذا قبلت الحكومة اليمنية بتنفيذ مطالب الحوثيين، فعلى الأرجح، سيقود ذلك لردود فعل جنوبية قد تكون أكثر تطرفا، وتدفع نحو منع وصول الحكومة للموارد في مناطق الجنوب. خصوصا وأنّ مأرب لا تزال تحتفظ بإيراداتها لنفسها ولا تساهم في رفد خزينة الدولة بأي شيء حتى الآن. هذا السيناريو قد يؤدي لانقسام حقيقي لا رجعة فيه داخل المجلس الرئاسي المشكّل حديثا، وربما يؤجج خلافات عاصفة، طالما تعامل معها الجنوبيون بنوع من البراغماتية والتوزان خلال الفترات السابقة. كما أنّ مأرب ليست بعيدة عن ردود فعل شبيهة وغاضبة، إذا ما تم منح الحوثيين مزايا على حساب سكان القبائل المحليين الذين صمدوا بدعم السعودية في صدّ الحوثيين عما تبقى من محافظة مأرب.


لذا، من الضروري أن يراعي "غروندبرغ"، التوازن في معالجة بعض القضايا الحساسة. خصوصا وأنّ المسؤول السويدي ذهب للبحث عن حلول لقضايا سطحية ولوجستية على حساب قضايا جذرية وأساسية، يمكن أنّ ُتلقي بتبعاتها السلبية على مسار عملية السلام برمّته. كما أنّ على رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي، ألا يذهب بعيدا في تفائله بشأنّ نتائج هذه التنازلات.


بشكل عام، قد تؤدي هذه المتغيّرات إلى موجة غضب شعبي في الجنوب، خاصة وأن القوى في جنوب اليمن عبّرت بشكل مستقل عن الحكومة اليمنية في موقفها من الهدنة[5]. كذلك علم مركز سوث24 من مصادر مطلّعة أنّ عضو المجلس الرئاسي عيدروس الزبيدي أعلن رفضه لبعض النقاط التي تضمنتها الهدنة الأممية، من بينها ما يتعلّق بقضية "المرتبات".


بالمحصلة، سيؤدي التعاطي وفقاً لشروط الحوثيين، وإجبار الأطراف الحكومية على الاستجابة عبر استمرار الضغوط الإقليمية والدولية، لتأجيج الوضع السياسي والعسكري في الجنوب والمناطق المحرّرة، وسيخلق انقسامات داخل المعسكر المناهض للحوثيين. لذا، ما قد يشكله ذلك من تبعات، سيفرض تحديات جديدة أمام المجتمع الدولي والمبعوث الأممي الخاص، تستدعيه إلى تغيير كل تصوراته عن عملية السلام التي عمل على خلق مقاربات بشأنها حتى الآن، وقد يؤدي إلى تفجّر الصراع مرة أخرى.


هناك قلق من أن يدفع الجنوبيون من مكاسبهم، التي حافظوا عليها طيلة السنوات الماضية، ثمناً لبراجماتية النخبة السياسية الشمالية في الحكومة اليمنية، التي لا تتورع عن إرضاء الجماعة الحوثية، كونها - أي هذه النخبة - بالأخير تقدّم ذلك للمناطق التي هي جزء منها دون شك، ودون حساب للنتائج والتبعات الاستراتيجية في أسوأ الأحوال.


- مركز سوث24 للأخبار والدراسات

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا