سفن أجنبية تمارس الصيد غير القانوني في المياه الإقليمية لجنوب اليمن (واس + صورة تحصل عليها مركز سوث24 من صيادين محليين)، وبيانات لـ منظمة مراقبة الصيد العالمية | تجميع مركز سوث24
12-02-2023 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | رعد الريمي
يتميَّز جنوب اليمن بشريط ساحلي كبير بطول يصل إلى 1689 كيلومتر، وامتداد من أقصى حدود الجنوب في محافظة المهرة المجاورة لسلطنة عمان شرقا، وحتى باب المندب وجزيرة ميون غرباً، وحول جزر أرخبيل سقطرى جنوباً. [1]
وتعتبر المنطقة البحرية الواقعة بين سواحل محافظات عدن، ولحج، وأبين، وشبوة، وحضرموت، والمهرة، وأرخبيل سقطرى؛ المياه الإقليمية لجنوب اليمن بحدود 12 ميلاً بحرياً من خط الأساس؛ وما تبقى من تلك المسافة البحرية يدخل ضمن المنطقة الاقتصادية للجنوب. [2]
وتحفل هذه المساحات المائية في بحر العرب وخليج عدن والبحر الأحمر بثروة هائلة من الأسماك والأحياء البحرية، مما جعلها محل أطماع الداخل والخارج، ومرتعًا خصبًا لأعمال التجريف والاصطياد السمكي غير القانوني منذ عقود.
صياد يعرض بعض الأسماك في مركز صيرة للإنزال السمكي بعدن، أغسطس 2022 (مركز سوث24)
في هذا التقرير، يوثَّق مركز "سوث24" إفادات مسؤولين حكوميين، بالإضافة لخبراء وصيادين محليين، حول نشاطات اصطياد غير مشروعة في المياه الإقليمية لجنوب اليمن تمارسها جهات أجنبية ومحلية منذ سنوات طويلة وحتَّى اليوم.
كما يرصد التقرير ما نشرته المؤسسات العالمية في هذا الشأن، وفي مقدمتها منظمة مراقبة الصيد العالمية.
ثروة بحرية
شرح الخبير وعضو اللجنة الاقتصادية العليا في المجلس الانتقالي الجنوبي الدكتور عادل إبراهيم الغوري حجم الثروة البحرية التي يتمتع بها جنوب اليمن، والأهمية التي يشكلها قطاع الصيد البحري بالنسبة للاقتصاد الوطني.
وقال الغوري لـ "سوث24": "تعتبر سواحل خليج عدن والبحر الأحمر وبحر العرب من أغنى السواحل بالأسماك والأحياء البحرية المتنوعة؛ ويعود ذلك إلى عوامل مناخية وجيومورفولوجية توفر ظروفًا مواتية لتكاثر الأسماك."
وأضاف: "تتميز مياه المنطقة الاقتصادية الخالصة لجنوب اليمن (EEZ) بالتنوع الكبير للأسماك والأحياء البحرية لأكثر من 500 نوعا من الأسماك السطحية والأحياء البحرية الأخرى، بالإضافة إلى الموارد القاعية (رأسيات الأرجل، والقشريات، وجمبري الأعماق، وشروخ الأعماق)."
صياد يعرض بعض الأسماك في مركز صيرة للإنزال السمكي بعدن، أغسطس 2022 (مركز سوث24)
وتنص اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 على تعيين المناطق الاقتصادية الخالصة للدول إلى 200 ميلًا بحريًا من الشاطئ [3]، وتشكل المياه الإقليمية لجنوب اليمن النسبة الأكبر من المياه الإقليمية لليمن ككل.
وقبل الأزمة الحالية، أشارت التقديرات إلى أنَّ إنتاج اليمن من الأسماك والأحياء البحرية بلغ سنويا حوالي 200 ألف طن، حيث تم تصدير ما بين 40% إلى 50% من هذا الإنتاج، ما أدر عائدات تقدر بحوالي 300 مليون دولار. [4]
اصطياد جائر
في حديث لـ "سوث24"، روى الصياد الجنوبي محمد صالح أحمد (37 عاماً) مشاهداته لسفن اصطياد كبيرة صادفها وهو يمارس صيد الأسماك في خليج عدن.
وقال: "شاهدت العديد من السفن والقوارب الأجنبية التي تصطاد في خليج عدن. تكثر هذه السفن في أعماق البحر حيث تتواجد أنواع من الأسماك مثل (الثمد) الذي يتوفر في مناطق عميقة نذهب إليها كصيادين يمنيين مرخص لنا ممارسة هذا النشاط."
محمد هو أحد الصيادين المحليين المسجلين ضمن "جمعية صيادي صيرة" في عدن الذين التقاهم سوث24 في مركز الإنزال السمكي في مديرية صيرة. لقد تشابهت روايات هؤلاء الصيادين حول هذه الأنشطة في المياه الإقليمية لجنوب اليمن.
سفينة صيد إيرانية في المياه الإقليمية اليمنية، 31 أكتوبر 2016 (وكالة الأنباء السعودية)
وحدَّد الصيادون أماكن تواجد سفن الاصطياد في خليج عدن وسواحل شقرة في محافظة أبين، وأيضاً بالقرب من محافظة المهرة، ومحيط جزيرة سقطرى، وباب المندب.
عضو اللجنة الاقتصادية العليا عادل الغوري أكَّد إفادات الصيادين: "فيما يخص وجود سفن اصطياد أجنبية فإنَّنا نؤكد أنَّ هناك سفن اصطياد إيرانية، وتايلندية، وصينية، ومصرية، تُمارس نشاطا غير قانوني."
وتعمل هذه السفن دون ترخيص من الحكومة اليمنية، وفقا لـ المهندس نائل سعيد أحمد، مدير عام الموانئ السمكية ومراكز الإنزال في عدن ولحج وأبين في الهيئة العامة للمصايد السمكية في خليج عدن التابعة لوزارة الثروة السمكية.
موفد مركز سوث24 مع المهندس نائل سعيد أحمد، مدير عام الموانئ السمكية ومراكز الإنزال في عدن ولحج وأبين في الهيئة العامة للمصايد السمكية في خليج عدن التابعة لوزارة الثروة السمكية
وقال المسؤول الحكومي لـ "سوث24": "من جانبنا في الحكومة، لم نمنح أي تراخيص لأي سفن أو قوارب أجنبية لتمارس عملية الاصطياد في المياه الإقليمية؛ ولا توجد أي سفينة مرخصة منذ عام 2014."
وطبقا لمصادر خاصة لـ "سوث24" في وزارة الثروة السمكية، استقبلت الحكومة اليمنية ورئاسة الجمهورية في عام 2019 العديد من التقارير حول عمليات الاصطياد غير المشروعة، إلا أنَّه لم يتم اتخاذ إي إجراء حيال ذلك.
وفي يونيو 2020، قالت منظمة مراقبة الصيد العالمية إنَّ "ما يقرب من 200 مركبة بحرية إيرانية تمارس الصيد بشكل غير قانوني في الصومال والمياه الإقليمية اليمنية، تم رصدها بين يناير 2019 – أبريل 2020". لافتة إلى أنَّ هذا "من المُحتمل أن يكون أحد أكبر عمليات الصيد غير القانوني التي تحدث في العالم." [5]
مسارات 175 مركبة صيد إيرانية تستخدم نظام التعرف التلقائي (AIS)، تقوم بالصيد في الغالب في شمال غرب المحيط الهندي، خارج المنطقة الاقتصادية الإيرانية بين يناير 2019 - أبريل 2020 (منظمة مراقبة الصيد العالمية "GFW")
وقالت المنظمة إنَّ حجم المشكلة لم "يكن معروفا حتى بدأت سفن الصيد في المنطقة مؤخرًا في استخدام نظام التعرف التلقائي (AIS)، وهو نظام لتجنب الاصطدام ينقل باستمرار موقع السفينة في البحر."
العدد الشهري لنظام AIS-MMSI الفريد لسفن الصيد الأجنبية ومعدات الصيد المرتبطة بها التي لوحظت وهي تعمل في المناطق الاقتصادية الخالصة للصومال واليمن في عامي 2019 و 2020. بدأت غالبية أجهزة الإرسال والاستقبال AIS في هذه المركبات في الإرسال فقط في منتصف عام 2019 (منظمة مراقبة الصيد العالمية "GFW")
وأشارت إلى أنَّ "تحليل هذه البيانات قد حدَّد أسطولا من السفن الإيرانية في الغالب تعمل على نطاق واسع في المناطق الاقتصادية الخالصة الصومالية واليمنية، وفي أعالي البحار المجاورة. كما تم تحديد مجموعة فرعية أصغر من السفن التي ترفع أعلام الهند وباكستان وسريلانكا في هذه المناطق، بالإضافة لسفن وشباك صيد مجهولة."
مسارات سفينتي صيد و28 علامة صيد بالشباك لم يظهر ارتباطها ببلد محدد تستخدم نظام التعرف التلقائي (AIS) في شمال غرب المحيط الهندي بين يناير 2019 - أبريل 2020 (منظمة مراقبة الصيد العالمية "GFW")
وفي تقرير، قالت "مجموعة الأزمات الدولية" إنَّ سواحل اليمن تواجه الدمار والاستغلال المفرط حيث أدَّى الافتقار إلى الرصد وإنفاذ القانون إلى "زيادة ممارسات الصيد غير القانوني والمضايقات." [6]
ولم تقتصر عمليات الاصطياد الجائر على الجهات الأجنبية فقط، بل شملت أيضاً قوائم من الصيادين المحليين المخالفين.
الأسباب والحلول
أرجع الخبير عادل الغوري أسباب ازدهار عمليات الاصطياد السمكي الجائر إلى ضعف الحكومة وغياب دور الإدارة العامة للرقابة والتفتيش البحري في وزارة الثروة السمكية.
وقال الغوري: "للأسف الشديد هذه الإدارة دون ميزانية بحسب معلوماتي وأصبح من الصعب عليها كجهاز للرقابة والتفتيش البحري القيام بواجبها. غياب الميزانية وعدم إعطاء الصفة الضبطية للمراقبين والمفتشين البحريين سهل كثيرًا من عمليات الصيد الجائر والاستنزاف السمكي."
وأردف: "بالإضافة لذلك، لا توجد غرفة عمليات مجهزة بالأجهزة الخاصة بالاتصالات الحديثة والمراقبة البحرية، كما أنَّ جهاز الرِّقابة والتفتيش البحري عاجز عن التواصل مع الهيئات العامة للمصايد السمكية في عموم المحافظات الساحلية."
ولفت الغوري إلى "الافتقار للقوارب المجهزة بالأجهزة الملاحية والاتصالات للقيام بعمليات الدوريات البحرية وحماية الشريط الساحلي، ومحاربة الصيد الجائر، ومنع صيادي الصيد التقليدي من استخدام طرق اصطياد خارج النطاق القانوني."
وأشار الخبير إلى مخالفة أنشطة الاصطياد الراهنة للقانون رقم (2) لعام 2006 الخاص بتنظيم الصيد وحماية الأحياء المائية. [7]
وأضاف: "لا يستطيع جهاز الرِّقابة والتفتيش البحري الكشف عن قوارب وسفن الصيد في مياهنا الإقليمية، ولا حتى التنسيق مع الجهات الأمنية في خفر السواحل. للأسف الشديد فإنَّ الوزارة ليس لديها أي اشتراك دولي لمراقبة السواحل والمياه الإقليمية."
جزء من قائمة السفن الأجنبية التي لوحظت على نظام التعرف التلقائي (AIS) تعمل داخل المنطقة الاقتصادية للصومال واليمن بين يناير 2019 و أبريل 2020 (منظمة مراقبة الصيد العالمية "GFW")
وأقر مدير الإدارة العامة للرقابة والتفتيش البحري في وزارة الثروة السمكية، أحمد فدعق، بضعف وقلة إمكانيات هذا الجهاز الحكومي الهام.
وقال لـ "سوث24": "نحن نُعتبر الجهة الحكومية المشرفة بشكل عام على جميع الهيئات العامة للمصايد السمكية في المحافظات، ونعاني من نقص حاد في الإمكانيات المالية واللوجستية حيث لا يوجد لدينا سوى جهاز بسيط محدود الإمكانات للرقابة على القوارب التي تصطاد بشكل رسمي من قبل الجانب اليمني."
وأضاف: "إنَّه جهاز مرتبط عبر الأقمار الصناعية نتعقب من خلاله القوارب المرخص لها من قبلنا."
نائب مدير مصلحة خفر السواحل في عدن، العقيد فضل المرش، قال لـ "سوث24" إنَّ ما يجري في المياه الإقليمية لجنوب اليمن من عمليات اصطياد سمكي جائرة "بات يتفاقم بشكل واضح مؤخراً."
وأضاف: "كان هناك مشروع لتعزيز عمليات المراقبة والتدقيق في المياه الإقليمية لبلادنا، بدعم ألماني قبل سنوات عبر قوارب حديثة تقوم بدوريات متواصلة وكذلك زرع أجهزة ترصد واستشعار في البحر، لكنَّ هذا المشروع لم يتم."
وزعم المسؤول أنَّ قوات خفر السواحل طاردت بعض السفن المنخرطة في هذا النشاط غير القانوني. وأضاف: "عندما كنا نكشف سفينة تابعة لدولة أجنبية تقوم بعملية اصطياد جائر ونحاول ضبطها تغادر المياه الإقليمية لبلادنا بسرعة نحو مياه إقليمية أخرى."
منطقة الاهتمام التي ركز عليها تقرير منظمة مراقبة الصيد العالمية "GFW" حول أنشطة الاصطياد غير القانونية شمال غرب المحيط الهندي بين يناير 2019 وأبريل 2020
وأضاف: "لقد أفقدنا هذا مشروعية ضبطهم أو تسجيل مخالفة عليهم." وفي يناير 2019، زعم وزير الثروة السمكية السابق فهد كفاين، في تصريحات صحفية، أنَّ "اليمن صادر 43 سفينة إيرانية تصطاد في المياه اليمنية خلال السنوات الثلاث الماضية." [8]
وقال كفاين إنَّ مراقبة الحكومة اليمنية للبحر انخفضت "بسبب نقص القدرات والوضع الأمني." مضيفاً: "وهذا سمح للسفن الأجنبية بالصيد بشكل غير قانوني في المياه اليمنية."
آثار وتداعيات
وفقا للخبير عادل الغوري، هناك آثار سلبية وخيمة لأنشطة الاصطياد الجائر غير القانونية في المياه الإقليمية لجنوب اليمن، بدءاً من تهديد وتجريف البيئة البحرية والإضرار بها مروراً بالانعكاسات الخطيرة على الاقتصاد الوطني والأمن الغذائي.
وتعرَّف وزارة الخارجية الأمريكية الصيد غير القانوني بأنَّه ذلك النشاط من الاصطياد الذي "لا يحترم القواعد المعتمدة على المستوى الوطني أو الدولي؛ ويُهدَّد النمو الاقتصادي والأمن الغذائي والنظم الإيكولوجية للمحيطات في جميع أنحاء العالم." [9]
وأشارت الوزارة في تقرير لها إلى أنَّ الاصطياد غير القانوني "يعمل على تقويض مصايد الأسماك المستدامة والصيادين الملتزمين بالقانون والمجتمعات التي تعتمد على هذه المصائد." بالإضافة إلى "التسبب بوقوع خسائر عالمية تصل إلى عشرات المليارات من الدولارات كل عام."
ولفت التقرير إلى أنَّ "مفاتيح التصدي للصيد غير القانوني تشمل إلغاء الحوافز الاقتصادية التي تحركه، وضمان قيام الحكومات بمراقبة سفن الصيد والسيطرة عليها بشكل فعال، وبناء القدرات في البلدان النامية لإدارة مصايد الأسماك."
وفي 3 نوفمبر 2018، قال وزير الثروة السمكية اليمني السابق فهد كفاين، لوكالة سبأ، إنَّ "الاصطياد غير القانوني في سواحل حضرموت تسبب في نفوق عشرات الأطنان من أسماك التبانة في سواحل المكلا خلال اليومين الماضيين." [10]
وفي نوفمبر 2019، نظَّم صيادون محليون في مدينة المكلا، عاصمة حضرموت كبرى محافظات الجنوب، وقفة احتجاجية لوقف عمليات الاصطياد غير القانوني. [11]
المراجع:
[1] المهندس نيازي أحمد مهدي، مدير عام الشؤون القانونية بوزارة الثروة السمكية اليمنية
[2] المرجع نفسه
[3] المحيطات وقانون البحار | الأمم المتحدة (un.org)
[4] تطوير قطاع الأسماك في اليمن - مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية
[5] تحديد نقطة ساخنة للصيد غير القانوني في شمال غرب المحيط الهندي - منظمة مراقبة الصيد العالمية
[6] مخاطر البحر - مجموعة الأزمات الدولية
[7] قانون رقم (2) لسنة 2006م بشأن تنظيم واستغلال الأحياء المائية وحمايتها - yemen-nic.info
[8] وزير يحذر من أن استغلال البحار اليمنية يستنزف المخزون السمكي في البلاد - thenationalnews
[9] الصيد غير القانوني وغير المبلغ عنه وغير المنظم - وزارة الخارجية الأمريكية
[10] وكالة الأنباء اليمنية سبأ
[11] صيادو المكلا يطالبون بوقف الاصطياد غير القانوني - صحيفة الأيام