الصورة: رويترز
21-02-2023 الساعة 6 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | فريدة أحمد
منذ انتهاء الهدنة بين طرفي الصراع في اليمن في الثاني من أكتوبر 2022، ظل الحوثيون يرفضون الاستجابة لجهود المبعوث الأممي "هانز غروندبرغ"، والجهود الدولية والإقليمية لتجديدها. ويتمسك الحوثيون بجملة من الشروط للقبول بتجديد الهدنة من بينها دفع رواتب جميع الموظفين في مناطق سيطرتهم، بما يشمل ذلك مليشياتهم العسكرية والأمنية، فضلاً عن رفع جميع القيود على مطار صنعاء وميناء الحديدة. ويبدو أن التحالف الذي تقوده السعودية استجاب لتخفيف القيود عن السفن المتجهة إلى الحديدة، وخفف عمليات التفتيش المفروضة بما يصل إلى أكثر من 90%، وفقا لصحيفة الشرق الأوسط السعودية. أشاد الحوثيون بالخطوة، التي لم تعلن رسميا حتى الآن ويأملون بإزالة كافة القيود، كإلغاء لجنة "اليونفيم".
مقابل هذه الخطوة التي تعزز نفوذ الحوثيين الاقتصادي والبحري في الشمال، رفعت الحكومة المعترف بها دوليا، سعر الدولار الجمركي في موانئ جنوب اليمن بنسبة 50% الشهر الفائت، الأمر الذي من شأنه أن يعطّل ميزان التجارة القادمة إلى الميناء الاستراتيجي في عدن، وسيرفع كلفة السلع المستوردة، وسيشكل ضرراً لكلٍ من المستهلكين والشركات في جنوب اليمن والمناطق الخاضعة للحكومة في الشمال. وقد اعتبر عدداً من الاقتصاديين أن القرار كارثي، لأنه سيعزز من توجه التجار نحو الهجرة من ميناء عدن إلى موانئ أخرى أقل تكلفة، مثل ميناء الحديدة الخاضع لسيطرة الحوثيين، أو ميناء صلالة في سلطنة عمان.
التزامن اللافت لقرارات من هذا النوع، يشي بأن ذلك يأتي ضمن التفاهمات القائمة بين السعوديين والحوثيين راهناً؛ بوساطة عمانية. كما أنها جاءت مع فرض الحوثيين نقاط جمركية داخل المحافظات لمنع التجار من استقدام بضائعهم عبر ميناء عدن وإجبارهم، من خلال تعهدات خطية، على الاستيراد من ميناء الحديدة.
من الناحية العملية، ومن أجل عدم تأثر الحركة الملاحية التجارية في مينائي عدن والمكلا، يتحتم على الجنوبيين الضغط من أجل إلغاء النقاط الجمركية التي يفرضها الحوثيون ضد السلع القادمة من موانئ الجنوب. أو اللجوء، عوضا عن ذلك، لفرض نقاط جمركية مماثلة على السلع القادمة من ميناء الحديدة. يجب أن تُدرج هذه الجزئية ضمن أجندة المفاوضات التي يتبناها المجلس الانتقالي الجنوبي.
على الرغم ممّا يجري في القنوات الخلفية بين السعودية وجماعة الحوثيين، واحتكار التفاهمات بشأن الهدنة ووقف إطلاق النار بينهما، لا يجب أن يقبل الجنوبيون بتهميش قرارهم في أي مفاوضات تحدد مصير البلاد. قد يشكّل غياب الجنوبيين عن طاولة المفاوضات، وفي مقدمتهم المجلس الانتقالي الجنوبي، أحد الشركاء الرئيسيين في المجلس الرئاسي، نسفا لأي جهود صادقة تسعى لتحقيق سلام شامل ومستدام. هناك معلومات وثيقة اطلع عليها سوث24 تفيد باستماتة الحوثيين وأطراف داخل المجلس الرئاسي والحكومة المعترف بها دوليا لأجل إبقاء الأطراف الرئيسية في الجنوب خارج مسار الجهود الأممية والإقليمية لعملية سياسية شاملة. لا تزال أطراف في الحكومة تتلكأ بشأن عمل فريق المفاوضات المشترك الذي تم التوافق بشأنه داخل المجلس الرئاسي، بوقت سابق، لكنه لم يعلن عنه رسميا حتى الآن. نود أن نذكّر هنا بأنّ جميع جهود السلام مع مليشيا الحوثي، حتى اليوم، فشلت، بسبب غياب الجنوبيين عنها. من المرجّح، أيضا، أن تتعثر الجهود العمانية الأخيرة لإبرام صفقة مباشرة بين الحوثيين والسعوديين.
وبالنظر إلى أن التفاهمات الثنائية ذهبت إلى أبعد من الهدنة، كان على الجنوبيين أن يتخذوا قراراً أكثر حزماً. طرح المجلس الانتقالي الجنوبي مؤخرا على المبعوث الأممي "ضرورة تمثيل الجنوب بوفد مستقل في مفاوضات العملية السياسية الشاملة، وتمكين أبناء الجنوب من إدارة شؤون محافظاتهم خلال المفاوضات حتى التوصل إلى اتفاق سلام شامل".
دفعت هذه التصريحات، على ما يبدو، غروندبرغ، للطيران إلى الإمارات للقاء رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، وعضو المجلس الرئاسي، عيدروس الزبيدي، وكذلك عدد من الدبلوماسيين الإماراتيين، "لمناقشة الدعم الإقليمي من أجل التوصل إلى تسوية سياسية مستدامة"
ضغوط دؤوبة
من الواضح أن مطالب المجلس الانتقالي الجنوبي الأخيرة، تشير إلى وجود أزمة حقيقية، لاسيّما وأنّ التفاهمات الثنائية بين السعودية والحوثيين وصل البعض منها بالحديث عن حل سلام نهائي، ووضع تصوّرات لشكل الدولة المقبلة. وهو ما يراه الجنوبيون مخالفة صريحة لمخرجات مشاورات مجلس التعاون الخليجي في الرياض، التي أقرّت أن تدرج قضية شعب الجنوب في أجندة مفاوضات وقف الحرب لوضع إطار تفاوضي خاص لها في عملية السلام الشاملة. كما أنها مخالفة بالمثل لاتفاق الرياض، الذي أكد على مشاركة المجلس الانتقالي الجنوبي في وفد الحكومة لمشاورات الحل السياسي النهائي لإنهاء الانقلاب الحوثي. وبما أن الحكومة اليمنية ومجلس القيادة الرئاسي ليس لديهما مواقف واضحة أو أوراق تُطرح على الطاولة، كان على الانتقالي الجنوبي أن يعلن عن موقف محدد من سير عملية هذه المفاوضات.
يمكن الإشارة لأمر آخر أكثر أهمية، يتعلق برواتب القوات الجنوبية والأمنية التي لم تُدفع منذ أكثر من ثمانية أشهر، رغم أن المملكة العربية السعودية تعهّدت بالالتزام بدفع رواتب هذه القوات، عند توقيع اتفاق الرياض. هذه الرواتب كانت تدفعها الإمارات العربية المتحدة قبل مغادرتها عدن في أواخر 2019. يبدو أن السعودية تنطلق في عدم الوفاء بالتزاماتها من منطلقين: الأول، تمويل تشكيلات مسلّحة جديدة تخضع لها بصورة مباشرة، بهدف حصار المجلس الانتقالي الجنوبي وتجريده من أذرعه العسكرية تدريجياً. والثاني، ينطلق من إجبار الانتقالي الجنوبي للقبول بأي تسويات أو تفاهمات تنتج عن مساعي الرياض الأحادية مع الحوثيين.
وعلى الرغم من أن الحكومة بررت رفع سعر الدولار الجمركي بأنه ضمن الإجراءات التي تتخذها لمواجهة التحديات الاقتصادية الناجمة عن توقف إصدار النفط بسبب تهديدات مليشيا الحوثيين بقصف موانئ التصدير في الجنوب. إلا أنه عمليا، يمكن اعتباره ضمن الضغوط السياسية والاقتصادية التي تمارس على العاصمة عدن، معقل المجلس الانتقالي الجنوبي وأحد نقاط قوته. وعلى الرغم من المبررات الحكومية، إلاّ أن الانتقالي أبدى رفضه للقرار. وعلم مركز سوث24، بأنّ القرار سيُلغى خلال الفترة القريبة المقبلة.
هل يتخذ الانتقالي خطوة أكثر جرأة؟
بلا شك، ووفقاً للمواقف المعلنة التي يعبّر عنها المجلس الانتقالي بشكل دائم بشأن قضية الشعب في جنوب اليمن وتطلعات الناس السياسية والاقتصادية والتنموية والأمنية هناك، سيكون على المجلس رفض أي مساع يرى أنها قد تمس قضيته الأساسية والاستحقاقات التي حققها الجنوبيون خلال سنوات الصراع.
حتى الآن، من الواضح أنّه مازال يتعامل مع تطورات المشهد الراهن بنفس طويل، رغم الضغوطات الداخلية والخارجية. غير أنّه من الممكن أن تتسبب المستجدات والمجريات الراهنة في زيادة حدة التباينات والخلافات داخل مجلس القيادة الرئاسي للأسباب المشار لها سابقا.
المجلس الانتقالي الجنوبي مطالب اليوم باتخاذ خطوة أكثر جرأة تفضي للوصول إلى وضع خاص لمحافظات الجنوب وإدارتها بصورة مستقلة. لا سيّما في ظل دوران مفاوضات الحل الشامل في دائرة مغلقة وشديدة التعقيد، قد تمتد لسنوات قادمة.
إلا أنّ التساؤل المطروح يكمن في مدى قدرته على اتخاذ هكذا خطوة، وما هي تداعيتها على الملفات الأخرى المرتبطة بالتحالف الذي تقوده السعودية ومؤسسات الشرعية التي لا يزال شريكا فيها.
سبق وأعلن المجلس الانتقالي الجنوبي عن الإدارة الذاتية في أبريل 2020، قبل أن يتراجع عن القرار بضغط من السعودية أواخر يوليو من ذات العام، مقابل تسريع آلية اتفاق الرياض، الموقع في نوفمبر 2019. ولأنّ هذا الاتفاق وما أعقبه من مشاورات في مارس 2022، تواجه تحديات بعدم استكمال تنفيذ بنودها، تزامنا مع مساعي تحييد القوى الجنوبية من صناعة القرارات الهامة والمصيرية، على مستوى الحكومة والمجلس الرئاسي، فإن خطوة مشابهة لإعلان الحكم الذاتي أو الإدارة الذاتية، وبصورة دائمة، ضرورية للحفاظ على المكاسب التي تحققت في الجنوب.
بالمحصلة، من شأن عدم تمثيل جنوب اليمن بصورة حقيقية وعادلة في جهود التسوية السياسية من أجل إنهاء النزاع، أن يفضي إلى تصعيد غير محسوب على المستوى الشعبي والإعلامي وربما العسكري والأمني. قد يقود في نهاية المطاف إلى وتائر عنف جديدة تعيد سيناريوات صراع 2018 و2019 في عدن، وتفكك المجلس الرئاسي والحكومة التي تتخذ من عدن مقرا لها، الأمر الذي سيعزز من موقف جماعة الحوثيين في الشمال، ويضعف بالتالي، موقف المملكة العربية السعودية، التي لا تأخذ، على ما يبدو، هذه المخاطر بالحسبان.
فريدة أحمد
المدير التنفيذي لمركز سوث24 للأخبار والدراسات
قبل 3 أشهر