معبر السلوم البري بين مصر وليبيا (مصراوي)
04-04-2023 الساعة 8 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | عبد الله الشادلي
في 2 أبريل الجاري، أعادت جمهورية مصر العربية عشرات المسافرين اليمنيين القادمين من مطار عدن الدولي إلى مطار القاهرة الدولي، بعد إيقافهم نتيجة عدم استيفاء شروط جديدة وضعتها القاهرة لدخول اليمنيين إلى البلاد.
الرحلة 601 للخطوط الجوية اليمنية كانت أولى الرحلات التي اصطدمت بإجراءات مصرية أثارت مخاوف اليمنيين من تعقيد سفرهم إلى وجهتهم الخارجية الأولى وملاذهم للتطبيب والعلاج والاستقرار بعيدًا عن اليمن المُثقلة بالحرب.
قبل هذه الرحلة الجوية، كانت الداخلية المصرية قد أقرت، في وثيقة اطلع عليها مركز "سوث24"، جملة من الإجراءات الإضافية لمنح تأشيرة السفر لليمنيين بعد سنوات من تسهيلات قدمتها القاهرة في ظل الحرب والأزمة التي تعصف ببلادهم.
وتضمنت المذكرة اشتراط حصول اليمنيين القادمين مباشرة إلى مصر بغرض العلاج على تقارير طبية موثقة. كما تم اشتراط حصول جميع الرعايا اليمنيين بين سن 16 - 50 سنة الواصلين إلى مصر رفقة الوالدين المعفيين فوق 50 عاماً على تأشيرات دخول مسبقة إلى البلاد.
وأشارت المذكرة إلى إلزام كافة اليمنيين من الفئة العمرية 16 - 50 عاما بالحصول على تأشيرات دخول مسبقة بموافقة أمنية للرعايا اليمنيين المقيمين بدول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي.
تصريحات بن مبارك
جاءت هذه الإجراءات بعد زيارة قام بها وزير الخارجية اليمني أحمد بن مبارك إلى جمهورية إثيوبيا في 19 مارس الماضي والإدلاء بتصريحات ربطها مراقبون تحدثوا لـ "سوث24" بالتعقيدات الأخيرة على سفر اليمنيين إلى مصر.
وخلال لقاء مع نظيره الإثيوبي، أكّد بن مبارك "تضامن الجمهورية اليمنية ودعمها لكل الخطوات التي تقوم بها الحكومة الإثيوبية بغية تحريك عجلة التنمية.." وفقا لموقع وزارة الخارجية اليمني، في ظل أزمة سد النهضة الإثيوبي مع كل من مصر والسودان.
وردًا على هذه الاتهامات، زعم الوزير اليمني بوجود حملة ضده سببها مساعي وزارة الخارجية في تقليص عدد البعثات والملحقيات الدبلوماسية في السفارات الخارج.
وقال بن مبارك على تويتر: "تابعت خلال اليومين الماضيين حملة إعلامية منظمة استهدفتنا شخصياً إثر قيامنا بخطوات إصلاحية لمعالجة وضع الملحقيات الفنية في سفاراتنا. نرفض أن يُستخدم الاستهداف الشخصي للإساءة لعلاقتنا المتينة والتاريخية مع مصر.. ".
وفي حديث مع صحيفة الأسبوع المصرية، قال بن مبارك إن زيارته إلى إثيوبيا "جاءت بالتنسيق مع مصر." وأضاف: "لم أصرح بأي تصريح له علاقة بالأمن المصري ورفضت عقد أي مؤتمر صحفي حتى لا يساء فهم أية تصريحات."
ولم تتحدث السلطات المصرية بشكل رسمي عن أسباب الإجراءات الأخيرة، إلا أنَّ عضو مجلس النواب المصري مصطفى بكري نقل عن وزير الخارجية المصري سامح شكري تصريحات أرجعت الإجراءات إلى "أسباب تنظيمية".
وقال شكري في صحيفة "الأسبوع": "القرارات الأخيرة ليست مرتبطة بموقف سياسي معين وإنما هي إجراءات تنظيمية، بسبب استغلال البعض للإقامة الدائمة وما يلقيه ذلك من تبعات علي الحكومة المصرية حيث يمثل عبءً اقتصاديًا صعبًا علي مصر."
وأضاف: "الشعب اليمني شعب شقيق ولذلك نحن نبحث عن حل يتوافق مع الاعتبارات الأمنية ويتيح للأشقاء اليمنيين ما تعودوا عليه من مصر الشقيقة الكبرى". وكشف بكري أن الوزير شكري أعلن أنَّه سيلتقي بنظيره اليمني يوم الخميس القادم لبحث هذه الأمور.
وفي وقت سابق، كان البرلماني المصري مصطفى بكري قد أشار بوضوح إلى ارتباط زيارة وزير الخارجية اليمني أحمد بن مبارك وتصريحاته الأخيرة بتلك الإجراءات.
وقال على تويتر: "لا يجب أن يؤاخذ الشعب اليمني بسبب موقف وزير الخارجية اليمني الحالي. الرئيس السيسي فتح أبواب مصر لكل الأشقاء دون تفرقة، ومنحهم العديد من التسهيلات، وهذا موقف يحسب له."
وأضاف: "مصر أكبر من أي تصرف يقوم به مسؤول. نأمل في تدخل الرئيس السيسي لإنهاء هذه الأزمة التي يدفع ثمنها الشعب اليمني وليس وزير الخارجية."
وفي لقاء تلفزيوني، علَّق بكري على الاتصال الذي تلقاه من وزير الخارجية اليمني وتصريحاته لصحيفة "الأسبوع" التي يرأس تحريرها. وقال: " لا أعلم مدى صحة هذا الكلام مع احترامي للسيد وزير الخارجية، لكن ما كان لهذه الزيارة داعي."
وأضاف: "الوزير يعلم حجم العلاقات بين اليمن ومصر، خصوصاً أنَّ مصر لديها حساسية من أي مواقف تدعم الجانب الإثيوبي ولو بالزيارة. زيارته وضعت الجميع في مأزق حقيقي. "نأمل أن تعود أوضاع اليمنيين في مصر إلى وضعها الطبيعي."
وعلقت الباحثة الحقوقية والأكاديمية اليمنية المقيمة في مصر، هبة العيدروس، على زيارة بن مبارك إلى إثيوبيا.
وقالت لـ "سوث24": "إن لم تكن لهذه الزيارة أيَّ أهمية كبيرة ومحققة لمصالح اليمن حكومة وشعباً، كان ينبغي عدم الإقدام عليها في الوقت الراهن. من المهم جداً ألاَّ نخاطر بأي شكل من الأشكال بعلاقاتنا التاريخية القوية بجمهورية مصر."
وأضافت: "أنا لا استطيع اجزم بأن هذه القرارات كانت كرد فعل لهذه الزيارة بالذات، لكن بحسب تصريح السلطات المصرية فإنَّ هذه الإجراءات تسري على جميع الجنسيات، وهذا تأكيد رسمي على عدم الاستهداف لليمنيين المقيمين في مصر بصورة مباشرة لأي سبب كان. "
وانتقد المحلل السياسي اليمني المقيم في مصر عبد الستار الشميري الزيارة أيضاً. وقال لـ "سوث24": "هذه الزيارة وبال بالإضافة إلى الوبال السابق المُتمثّل بالفساد في الخارجية والتعيينات التي شابت الخارجية".
وأضاف: "ليس لهذه الزيارة أي غرض سوى إثارة جمهورية مصر، التي هي في مواجهة من أجل الماء. إنّها تنم عن حمق سياسي كبير لهذا الرجل [وزير الخارجية] الذي أُجلس في موقع غير موقعه"، حدَّ وصفه.
اليمنيون فقط؟
في بيان لها، قالت السفارة اليمنية في مصر إنَّ "الإجراءات الجديدة المتخذة من قبل السلطات المختصة في جمهورية مصر بخصوص تنظيم الإقامة تشمل كافة الجنسيات المُقيمة البلاد"، كما نقلت وكالة سبأ اليمنية عن السفير المصري لدى السعودية تصريح مشابه.
حتَّى الآن، لم يصدر أي بيان رسمي يؤكد ادعاءات الجانب اليمني على لسان القاهرة. ولم يجد "سوث24" أي إشارة لإجراءات شملت جنسيات أخرى على المنصات الرسمية المصرية.
ونشرت السفارة المصرية في اليمن على تويتر تغريدة حول اللقاء الذي جمع السفير المصري لدى السعودية، أحمد فاروق، مع رئيس مجلس القيادة اليمني الدكتور رشاد العليمي في العاصمة الرياض.
وقالت السفارة إن اللقاء "كان فرصة للتأكيد على متانة العلاقات بين البلدين الشقيقين واستمرار دعم مصر لليمن الشقيق حكومة وشعبًا والترحيب بكافة اليمنيين في بلدهم مصر." ولم تورد السفارة تصريحات السفير المصري التي نشرتها وكالة الأنباء اليمنية سبأ.
وأشاد العليمي بمواقف مصر تجاه اليمنيين واستقبال القاهرة لمئات الآلاف من اليمنيين "الباحثين عن ملاذ آمن للتعليم أو العلاج أو الاستثمار".
ونشر وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني سلسلة تغريدات على تويتر عزَّزت الحديث عن علاقة بن مبارك بالإجراءات الأخيرة نظرًا لما حملته من لغة تصالحية تجاه مصر: "اليمن لن تكون إلا مع أشقائها في مصر الذين ساندوها في مختلف المراحل والظروف، ومنها موقفهم الثابت والراسخ."
ووصف الإرياني هذا الموقف بأنه ينطلق من الأبجديات والمسلمات السياسية. وأضاف: " نراهن على [..] استمرار الرعاية الكريمة والتسهيلات التي تقدمها مصر للمقيمين والوافدين اليمنيين حتى زوال الظروف الاستثنائية التي تمر بها بلادنا وشعبنا."
وأعلن مجلس الوزراء اليمني في اجتماع بالعاصمة عدن أن "التواصل يجري على كافة المستويات مع مصر بشأن الإجراءات الجديدة لدخول اليمنيين"، مشيراً إلى العلاقات التاريخية التي تجمع مصر باليمن وتضحيات الجنود المصريين في الستينات.
حل الأزمة
دعا نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، هاني بن بريك، ونشطاء من جنوب اليمن وشمال اليمن إلى إقالة وزير الخارجية اليمني أحمد بن مبارك لإنهاء أزمة دخول المسافرين اليمنيين إلى مصر.
وقال بن بريك على تويتر إنَّ إرجاع المسافرين اليمنيين من مطار القاهرة الدولي "أمر يتحمله وزير خارجية اليمن ووجب على المجلس الرئاسي إقالته ولعل هذا يصلح الوضع مع مصر التي لم تقصر معنا وكانت رئة تنفس الشعب."
ويعتقد المحلل السياسي عبد الستار الشميري أيضًا أنَّ على مجلس القيادة الرئاسي في اليمن إقالة بن مبارك. وأضاف: "من الواجب سرعة اتخاذ قرار بإقالة هذا الرجل، واختيار شخصية مناسبة تضمد الجروح."
وأضاف: "أعتقد أنّ القيادة المصرية الحكيمة رُبما تتراجع أو تستثني اليمنيين، لاسيّما وأن لدينا بروتوكول منذ الستينات مع مصر يستثني اليمنيين، ويعطيهم مزايا خاصة، كما هو حال الإخوة السودانيين".
أهمية مصر
تمثَّل مصر أهمية بالغة بالنسبة لليمنيين، وتحتضن ثاني أكبر جالية يمنية بعد السعودية وتقدم القاهرة تسهيلات للسفر والعلاج والإقامة لا يحصل عليها اليمنيون في بلدان أخرى غالبًا. ويرى الباحث عبد الستار الشميري أنَّ مصر "بمثابة البلد الأول وليس الثاني لليمنيين".
وأضاف: "إنّ أيَّ مس بالعلاقات مع مصر أو التأثير سياسيًا عليها أمر لن يقبل به اليمنيون على اختلاف الانتماءات السياسية والحزبية والطائفية".