رشاد العليمي وعيدروس الزبيدي ومسؤوليين يمنيين خلال صلاة العيد في قصر معاشيق بعدن، 21 أبريل 2023 (STC)
30-04-2023 الساعة 12 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | فريدة أحمد
بعد مرور عام على إنشاء مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، لم يكن الأداء العام للمجلس مرضياً بالصورة المتوقّعة. وإن كان أعضاء المجلس يحاولون إظهار نوعاً من التوافق والانسجام المتقطع من وقت لآخر على المستوى السياسي، غير أنّ التوتر العام كان يحضر في بعض الأحيان، وبالذات بين رئيس المجلس رشاد العليمي ونائبه عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، والقائد العام للقوات الجنوبية التي تسيطر على عدن وخمس محافظات جنوبية أخرى.
بدا جلياً أن دول الغرب والإقليم باتت تدفع الأطراف اليمنية نحو التوصّل لتسوية أيّاً كان شكلها؛ تنهي الصراع الذي دخل عامه التاسع. ويبدو أنّ التوافق الإيراني السعودي برعاية صينية في المنطقة مؤخراً، ساهم بالتسريع نحو تهيئة الحالة السياسية وبناء مساحة للتفاهمات الجانبية مع بعض الأطراف،لم يكن آخرها التفاهمات الثنائية بين السعودية والحوثيين التي بدأت منذ أشهر، وبين السعودية والأطراف اليمنية المناهضة للحوثيين في الرياض، وكذا المفاوضات التي رعتها الأمم المتحدة بين الأطراف اليمنية خلال شهر مارس الماضي في جنيف بسويسرا، لإطلاق ما يقرب من 900 أسير. وقد نفّذت الأطراف المتصارعة بالفعل عملية الإفراج خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان الفائت، تحت إشراف اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وتبعاً لذلك، تعهدت الأطراف باللقاء مجدداً في منتصف شهر مايو لتنظيم مزيد من عمليات إفراج المحتجزين المتفق عليها.
من المهم القول، أنّه على رغم بدء الأطراف اليمنية من بناء مساحة ثقة أولية تحت إشراف دولي وإقليمي، بدءاً من التعاطي في ملف الأسرى، غير أنّ ثمّة مبدأ بديهي يكتنفها له علاقة بالمخاوف والشكوك فيما بينها البين؛ إما بسبب المواقف أو بسبب ما قد يحدث من مفاجئات. ويبدو أن تحقيق الهدف الإقليمي الأساس من إنشاء مجلس القيادة الرئاسي، بات واضحاً من خلال اعتماد مقاربة لتهدئة الأجواء المشحونة بين الأطراف المحلية، وكذا التهيئة للدخول في مرحلة سلام عبر هدنة مطوّلة. حتى الآن، ساهمت الهدنة بشكل تدريجي إلى خفض نسبة التوتر، وتراجع معها كثير من العمليات القتالية المكثّفة حتى بين الأفرقاء الأكثر عسكرة على الجانبين.
مع ذلك، ثمّة تحديات داخلية عدة بين القوى اليمنية المناهضة للميليشيا الحوثية، ممثلة بمجلس القيادة الرئاسي والحكومة ومؤسساتها، يبرز أهمّها في عدم القدرة على اتخاذ القرار. في عهد الرئيس السابق "عبدربه منصور هادي"، لم تكن السلطة تستوعب الأطراف المختلفة رغم وجود القرار في بعض الأحيان، بيد أنّه بدخول الجميع في شراكة وسلطة واحدة، غاب القرار. أمر آخر لا يقل أهمية عن سابقه، هو غياب التوافق بين أعضاء الرئاسي في كثير من الملفات السياسية والعسكرية والاقتصادية، وهي معضلة نابعة من التناقضات المتجذّرة في العلاقة بين أعضاء الرئاسي نتيجة اختلاف مشاريعهم وبرامجهم. الأمر الذي سبب تعطيل مستمر للحياة اليومية، وأحدث معه أزمات خدمية واقتصادية، ما جعل المجتمعات المحلية تدير نفسها بنفسها. قد لا تنكشف خطورة أمر كهذا راهناً؛ إلا إذا حدث تحوّل سياسي كبير في البلاد (تسوية سياسية)، سيكون الفراغ الكبير الذي أحدثته السلطة الحالية بعدم حسمها لكثير من القرارات أحد المسببات.
إذ كان من المتوقع خلال عام على إنشاء المجلس الرئاسي، لا سيّما في ظل وجود هدنة أتاحت للأطراف المتصارعة التقاط الأنفاس لوقت طويل، أن تحدث الشرعية إصلاحات في مؤسساتها، غير أنّه حدث عرقلة لكثير من الملفات؛ بما في ذلك الملفات المحايدة التي يُفترض أن يتم التوافق حولها وإصدار قرارات بشأنها دون تعقيد، مثل إعادة تشكيل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، أو هيئة مكافحة الفساد أو توريد الموارد المالية للبنك المركزي بعدن. وهو ما يثبت بلا شك عجز مجلس القيادة والمؤسسات الشرعية عن معالجة الاختلالات العميقة في بنيتها.
والسؤال الذي يمكن طرحه هنا بإلحاح، كيف ستذهب الشرعية بهيئتها الحالية إلى التسوية بدون ترتيب أوراقها الداخلية، أو بدون إحداث معالجات أو إصلاحات في مؤسساتها؟
غياب المشروع
إذا ما طرحنا مقارنة منطقية بين الأطراف اليمنية المتصارعة، سنجد أن الحوثيين يحملون مشروعاً دينياً "طائفياً"، فضلاً عن اتفاقهم في الرؤية السياسية التي تحملها إيران ومن يوالونها في المنطقة. ومقارنةً بوضع الحوثيين أمام القوى السياسية "اليمنية" في الشرعية، يبدو أن الأخيرة لم تستوعب بعد المشروع الحوثي، ولم تفهم بعد طبيعة الحركة الحوثية وأهدافها، لتصنع لها مشروعاً وطنياً يواجه المشروع الحوثي في الشمال. إذ باتت تمارس دوراً وظيفياً أكثر من كونها تمارس دوراً يحتوي القوى الوطنية ويجمع بين الأطراف المختلفة داخل إطار الشرعية. حتى الآن، تبدو الجمل الشهيرة التي يتم تداولها عبر الإعلام الرسمي الحكومي (إنهاء الانقلاب، استعادة الدولة اليمنية، أو الجمهورية)؛ مجرد شعارات يتم ترديدها بشكل متكرر سياسياً وإعلامياً. غير أنّ العمل من أجل تحقيق هذه الغاية مازال غير وارد، بل على العكس، يقابله في الواقع تقديم تنازلات تلو التنازلات للحوثيين من جانب الشرعية، إذا ما استثنينا من ذلك ملف الأسرى الأخير الذي تم تيسيره بضغط دولي وإقليمي على الطرفين.
مع ذلك، يظهر أن الطرف الوحيد في جانب الشرعية الذي يحمل مشروعا سياسيا مُعلنا؛ هم الجنوبيون وعلى رأسهم المجلس الانتقالي الجنوبي، على اعتبار أنّ لديهم قضية الجنوب، وإن كانت بقية الأطراف اليمنية لا تتفق معهم في أطروحاتهم التي تلامس مسألة فشل الوحدة بين الدولتين في الشمال والجنوب، لكنّه مع ذلك يعدّ مشروعاً خاصا يتعلق بالجنوب فقط ومستقبله السياسي والوطني. وبالمقابل لا تملك القوى الجنوبية مشروعا أو رؤية لمواجهة الحوثيين، إذ أنّ مشكلتهم الرئيسية مع جماعة الحوثي تكمن في أنّها جماعة شمالية، وليس لأنّها جماعة تحمل مشروعاً "طائفياً وسلالياً" يمكن أن يؤثر على الجنوب لاحقاً ويهدده عسكريا وأمنيا، رغم تأكيد المجلس الانتقالي الجنوبي المستمر على دعمه للقوى الشمالية حتى تحرير صنعاء.
بالنسبة للأفرقاء السياسيين من غير الجنوب، يبدو واضحاً أن مشروع الأغلبية منهم يكمن في الرغبة بالبقاء ضمن إطار السلطة مستقبلاً، بغض النظر عن النتيجة من التسوية. على سبيل المثال، دخلت القوى التابعة للرئيس الأسبق "علي عبدالله صالح" مع الجماعة الإمامية في مجلس سياسي أعلى واحد، وعندما فضّت الشراكة وقُتل "صالح"، عادت نفس القوى التي تحالفت مع الحوثيين للمطالبة باستعادة الجمهورية بعد أن فقدت مكانتها في السلطة. وهو فعل يمكن تفسيره بأنّه لا يعبّر عن مشروع سياسي حقيقي بقدر ما يعبّر عن رغبة في أن يكون هذا الطرف أو ذاك جزءاً من السلطة.
حتى على مستوى الأحزاب اليمنية داخل وخارج إطار السلطة الحالية، فقد أهدرت الأخيرة فرصاً كثيرة في احتواء الأزمة منذ البداية، بسبب غياب المشروع الوطني لديها. إذ كانت بعض الأحزاب تهتم بقضايا أبعد من حدودها، فضلاً عن اهتمامها بصورة أوسع بالمحاصصة الحزبية والمصالح الشخصية. الأمر الذي أضعف من موقف الشرعية مقابل الموقف الحوثي المتماسك.
التأثير بعد التسوية
من المهم القول، إن بقاء مؤسسات الحكومة المعترف بها دولياً بهذه الهيئة الهشة وغير المتماسكة، ودون إحداث تغييرات ملموسة على أرض الواقع، سيعرّضها لخطورة الذوبان في مؤسسات الحوثيين بعد التسوية. راهناً، كلا المؤسسات التي يسيطر عليها الحوثيين متماسكة وهناك سلطة قرار واحدة. ليس لدى الحكومة الشرعية القدرة على التوافق أو إصدار قرارات تعيينات في أبسط المواقع الإدارية، كمديري مديريات المحافظات أو المحافظين. وذلك ينطبق بالمثل على قرارات السلك الدبلوماسي التي من شأنها ضمان أربع سنوات قادمة للحكومة الشرعية، قبل أن يكون الحوثيون جزءاً من قرارات التعيين بعد التسوية.
من الواضح أن السعودية تضغط على أطراف الشرعية لعدم إصدار قرارات تعيين في كثير من المؤسسات، وهي تبدو اشتراطات حوثية أخرى غير معلنة، تُضعف من موقف الحكومة المعترف بها دولياً. رغم أنّه بإمكان الأخيرة فرض أمر واقع في كثير من القرارات التي بالإمكان التوافق حولها، كما تفرض الميليشيا الحوثية أمراً واقعاً وهي تحاول فتح جبهات قتالية جديدة أثناء الهدنة. ستكون إحدى نقاط التحوّل الرئيسية بعد التسوية، هو ذوبان المؤسسات الضعيفة في المؤسسات القوية بصنعاء، كالبنك المركزي والاتصالات وغيرها، وربما يقود ذلك لتأجيج جذوة الصراع بين الأطراف المشاركة في السلطة، في ظل محاولة كل منها تعزيز موقعها على الأرض.
فيما يتعلق بالجنوب، قد يمثّل الاتفاق حول وضع الإطار التفاوضي الخاص بشأن قضية شعب الجنوب في أي تسوية قادمة، خطوة إيجابية، لكنّها ودون تضمينها ضمن رؤية مشتركة، لا تحول دون انقلاب بقية الأطراف اليمنية في الشرعية عليها، أو اصطفافهم إلى جانب الحوثيين لمجابهتها.
في المحصلة، تحتاج الشرعية لوضع رؤية واضحة للآلية التي يجب أن تعمل بها في المستقبل، آلية تضمن معالجة مشروع الجنوبيين السياسي والوطني، وتعزز الأهداف المشتركة تجاه المشروع السياسي والعسكري لمواجهة الحوثيين في الشمال، وتنتج صياغة وفهم مشترك للواقع وتحدياته، تقود لتسوية عادلة للجميع، بعيد عن التجاذبات التي قادات لفشل جهودها خلال السنوات الماضية.
ومع ذلك يمثّل الاتفاق حول بعض الملفات كترتيب وضع القوات العسكرية وإنشاء هيئة العمليات المشتركة في عدن مؤخرا، بوادر توحي بتوافق لإيجاد صيغ مشتركة تسهم في إنجاح عمل المجلس، لتجاوز موقف الجنوبيين الواضح برفض أي اندماج لقواتهم العسكرية أو تذويبها، باعتبارها الضامن الأساس لمشروعهم الوطني.