صورة أرشيفية للمبعوث الأمريكي الخاص لليمن تيم ليندركينغ - Getty Images
06-05-2023 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | عبد الله الشادلي
تتهم مليشيات الحوثي المدعومة من إيران في اليمن الولايات المتحدة بعرقلة التوصل لاتفاق سلام مع السعودية؛ في ظل محادثات ثنائية بين صعدة والرياض عُقد أول لقاءاتها المُعلنة في صنعاء الخاضعة للحوثيين منذ 2014.
ورغم السجل الاتهامي الحافل والمتنوع تجاه واشنطن من قبل الحوثيين خلال السنوات الماضية، تبدو الاتهامات الأخيرة مرتبطة بموقف أمريكي متحفظ - قد يكون موجود فعلًا – تجاه أي صفقة سعودية حوثية.
ومما لا شك فيه، تدعم الولايات المتحدة جهود وقف الحرب في اليمن وإحلال السلام، لكنَّ كيفية حدوث ذلك على الأرجح قد تكون نقطة الاختلاف، لاسيَّما مع الاتفاق الإيراني السعودي الأخير على إعادة العلاقات الذي تبدو تأثيراته واضحة على المشهد اليمني.
قد تعارض واشنطن كقوة عظمى أو تفشل أي صفقات تتعارض مع مصالحها في اليمن، أو تحاول إزاحتها من صياغة خارطة المستقبل القريب أو البعيد لهذا البلد الذي لم يشهد استقراراً كاملًا منذ ظهوره إلى الوجود في 1990.
ويبقى السؤال المطروح هو كيف يمكن لاتفاق السلام بين الحوثيين والسعودية أن يتعارض مع المصالح أو الرؤية الأمريكية في اليمن، وهل تعرقل واشنطن حقًا السلام كما يزعم الحوثيون أم تحول دون اتفاقات مُشوَّهة قد تؤسس لصراعات جديدة في المنطقة.
وأيضًا، هل ينبع الموقف الأمريكي المُفترض من انزعاج واشنطن من الدور الروسي والصيني المتزايد على المستويات السياسية والدبلوماسية في الملفات الساخنة بالشرق الأوسط ومن بينها اليمن.
اتهامات الحوثيين
في 1 مايو الجاري، التقى رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين مهدي المشاط المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ في صنعاء. واتهم المشاط الولايات المتحدة وبريطانيا بالدفع نحو التصعيد.
وقال القيادي الحوثي: "الولايات المتحدة وبريطانيا هما من تضعان العراقيل أمام كل محاولات إحلال السلام في اليمن. كلما حدث تقارب بين اليمن والسعودية تسارع أمريكا إلى إرسال مبعوثها المشؤوم إلى المنطقة وتفشل كل الجهود".
وأضاف: "أمريكا تسعى دائماً إلى استمرار الحرب ومحاربة أي جهود للسلام. نحذّر من سعي أمريكا وبريطانيا للدفع باتجاه التصعيد، ونؤكد أن العالم كله سيتضرر إذا عاد التصعيد في اليمن، بما فيها أمريكا وبريطانيا ستتضرر".
وتزامنت تصريحات المشاط مع زيارة المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيم ليندركينغ إلى السعودية بذات اليوم في جولة قالت وزارة الخارجية الأمريكية إنَّه سيلتقي خلالها بمسؤولين سعوديين وعمانيين ويمنيين لبحث جهود إنهاء الحرب باليمن.
قبلها في 12 أبريل الماضي، كان ليندركينغ قد وصل السعودية في جولة "لدعم تأمين اتفاق جديد بشأن عملية سلام شاملة" وفقاً للخارجية الأمريكية، فقط بعد يومين من زيارة السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر إلى صنعاء ولقاء قادة من الحوثيين.
وبشأن هذه الاتهامات، قال المحلل السياسي اليمني رياض الأحمدي لـ "سوث24": "الاتهامات الحوثية للولايات المتحدة، غريزة لدى الجماعة منذ تأسسها، وبالتالي من الطبيعي أن تظل تتهم واشنطن على الدوام بأي شيء".
وأضاف: "من الجهة الثانية، الاتفاق مع السعودية قد لا يكون وصفاً دقيقاً لأنَّ السعودية تتعامل مع الحوثيين كأحد الأطراف اليمنية، وبالتالي هم مطالبون بالحوار مع اليمنيين قبل كل شيء".
استقلالية سعودية
يرى الباحث الأمني والاستراتيجي العميد الدكتور مطير الرويحلي أنَّ السعودية تسير باستقلالية فيما يخص الملف اليمني منذ بدء الأزمة.
وأضاف الخبير السعودي لـ "سوث24": "المملكة منذ قيام التحالف العربي الذي أوقف الحوثيين عند حدهم وهي تتصرف بوطنية واستقلالية بقرارها الرسمي، بعيداً عن تأثير الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول الغربية".
وردًا على سؤال حول ما إذا كانت السعودية قد بدأت محادثاتها مع الحوثيين للتوصل لاتفاق دون الموافقة الأمريكية، قال الرويحلي: "لقد ذهبت المملكة بالفعل، ولم تستأذن الولايات المتحدة الأمريكية".
ويعتقد الرويحلي أنَّ "الولايات المتحدة تركت المنطقة لانشغالها في آسيا والمحيط الهادي؛ لاحتواء الصين وروسيا، ومواجهة النفوذ أو بداية النفوذ وتكوين قوة شرقية منافسة للقوة الغربية والأمريكية بشكل عام".
ويلفت الخبير السعودي إلى أنَّ "الولايات المتحدة تفاجأت من الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية، الذي أفضى إلى هذه المحادثات مع الحوثيين، وجهود السلام التي تقودها الرياض مع باقي دول المنطقة".
وأضاف: "امتعاض الإدارة الأميركية من الاتفاق الذي تم برعاية صينية يبدو واضحاً، بعيداً عن الهيمنة والبراغماتية الأمريكية، ودور واشنطن ومن خلفها الأمم المتحدة، الذي كان مشبوهًا في اليمن".
ويؤكد الرويحلي أنَّ "المملكة تتحرك مع مصالحها، وجميع وتوجهاتها متوازنة مع هذه المصالح"، مضيفًا: "الولايات المتحدة والغرب ما زال حاضراً ومؤثراً. أتمنّى أن يكون لدى الحوثيين الرغبة الجادة والمصداقية في التعاطي مع مبادرة السلام التي تقودها الرياض والانخراط في عملية سياسية مع بقية المكونات اليمنية".
في المقابل، يرى المحلل السياسي اليمني صالح جلال أنَّ الدور الأمريكي فيما يخص اليمن يتوافق مع رغبة السعودية. وقال لـ "سوث24": "تأثير الدور الأمريكي مرتبط بجدية السعودية من عدمها في إبرام اتفاق سلام".
وأضاف: "صحيح أن السعودية كانت جادة في إعادة العلاقة مع إيران، إلا أنَّ موضوع اليمن يختلف كثيرا بالنسبة إليها. التجاوب السعودي السابق كان هدفه تمرير دورها كوسيط لا كطرف، لكنها حين رأت تصلبًا من الحوثيين، تراجع تجاوبها، وهذا يعني استمرار حاجتها لأمريكا في ملف اليمن".
مُتعلق: السعودية والأزمة في اليمن: وسيط أم طرف؟
المصالح الأمريكية
تؤكد الزيارات المتكررة للسفير الأمريكي إلى اليمن، وبالتحديد إلى حضرموت، كبرى محافظات جنوب اليمن، على عمق المصالح الأمريكية في البلاد واهتمام واشنطن بالحضور على كل المستويات.
وفي هذا الصدد، يعتقد الخبير الأمريكي المُقيم في موسكو، اندرو كوريبكو، أنَّ الاتفاق الأخير بين السعودية وإيران على إعادة العلاقات أضر بالمصالح الأمريكية.
وأضاف لـ "سوث24": "الولايات المتحدة تدّعي دائما أنَّها تؤيد السلام والمصالحة، لكن مصالحها الفعلية في هذا السياق هي إبقاء المملكة العربية السعودية وإيران منقسمتين؛ من أجل حكم المنطقة بشكل أكثر فاعلية".
أردف: "من الواضح أيضا أن واشنطن مستاءة من أن منافستها بكين توسطت في تقاربهما، حيث تدخل الرئيس الصيني بشكل مباشر في العملية بنفسه، وفقًا للتقارير".
وفيما يتعلق باليمن، قال كوريبكو: "واشنطن لا تريد أن يصبح الجزء الذي يسيطر عليه الحوثيون من البلاد قاعدة إيرانية دائمة على البحر الأحمر، وهو ما يتماشى مع مصالح المملكة العربية السعودية أيضًا بالفعل".
وتابع: "ليس لدى الولايات المتحدة الكثير لتخشاه من المحادثات اليمنية الأخيرة، على الرغم من أنَّها لاتزال تفضل عدم احتفاظ الحوثيين بأي سلطة على الإطلاق. لكنَّ واشنطن غير قادرة على إيقافهم إذا وافقت الرياض على ذلك".
وعن اتهامات الحوثيين لواشنطن بعرقلة جهود التفاوض السعودية، قال كوريبكو: "العلاقات السياسية السعودية الأمريكية في نقطة متدنية غير مسبوقة بسبب التقارب الأخير مع إيران. لقد فوجئت واشنطن بإصلاح الرياض لمشاكلها مع طهران، ناهيك عن وساطة بكين، التي أثارت شكوكا عميقة".
وأضاف: "قد تعتقد الولايات المتحدة أن عرقلة المحادثات مع الحوثيين هي الوسيلة الفاعلة لإبقاء الانقسام بين السعودية وإيران". ومع ذلك، يرى الخبير أنَّه "لم يعد هناك الكثير الذي تستطيع الولايات المتحدة القيام به في هذا الصدد، وخاصة بالنظر إلى حدود نفوذها كما أثبتت الأحداث الأخيرة".
وأضاف: "إذا لم تتمكن الولايات المتحدة من منع التقارب السعودي الإيراني بوساطة صينية، فمن غير المرجح أن تمنع التوصل إلى اتفاق سعودي حوثي إذا كان لدى الجانبين الإرادة للتوصل إليه".
ويعتقد المحلل السياسي صالح جلال أنَّ "هناك قلق أمريكي متزايد من اتساع دور الصين في المنطقة، خصوصا بعد رعاية الاتفاق بين السعودية وإيران". مضيفاً: "لكن أمريكا يهمها ملف اليمن أكثر وعلى وجه الخصوص، لأنها تستثمر في المخاوف السعودية"، حد تعبيره.
وفي هذا الاتجاه، قال رياض الأحمدي: "الولايات المتحدة لها مصالح وأهداف في الحرب في اليمن، ومن غير المستبعد أن تعمل على التشويش على أي تسويات أو حوارات لا تتفق مع أهدافها".
وأضاف: "إذا ما كان الأمريكيون غير راضين عن التقارب، بعيداً عن تصريحاتهم الإعلامية، يبقى لهذه الاتهامات مجال، لكن مع عدم إهمال كونها متكررة على لسان الحوثيين وليس جديدة".
وتابع: "واشنطن أعلنت أنَّها على اطلاع على مقدمات اتفاق بكين لاستئناف العلاقات السعودية الإيرانية، لكن الواقع يقول إنَّ الولايات المتحدة ليست راضية بالضرورة عن الدور الصيني في هذا الملف. وهذا ما يعزز هذه الاتهامات".
ويوافق الأحمدي كوريبكو على أنَّ "الأمر يعتمد على مدى جدية السعودية وإيران والحوثيين، فإذا ما كان هناك جدية لحل سياسي يمني وليس مجرد هدنات ومقترحات تطبيع للوضع الحالي، فإن تأثير أي عوامل أخرى، سيبقى محدوداً".
حوافز للحوثيين
بوضوح، يبدو أن التفاؤل الحوثي بالمحادثات مع السعودية يعكس توقعات الجماعة بالمكاسب التي قد يجلبها أي اتفاق قادم لهم. ويعتقد الخبير كوريبكو أنَّ الحوثيين – مهما كان الاتفاق القادم " سيظلون حركة سياسية لها قواتها المسلحة الخاصة، على الأقل في هذه الأثناء".
وأضاف: "هذا سيكون مخالفا للمصالح الأمريكية إذا وفرت الجماعة بوابة للنفوذ الإيراني في منطقة البحر الأحمر، ولكن يبقى أن نرى ما إذا كانت ستفعل ذلك. الرياض لا تريد، أيضا، أن ترسخ طهران نفسها في شمال اليمن الذي يسيطر عليه الحوثيون بعد انتهاء الحرب".
ويعتقد كوريبكو أنَّ أفضل طريقة لمنع ذلك هي "دفع ثمن للحوثيين"، وأضاف: "لكن من سيدفع الفاتورة؟ لاسيّما أن البعض يتكهن بأنَّ جنوب اليمن من سيدفعها"؟
وأردف: "هذا قد يؤدي إلى تردد الكثيرين هناك في الموافقة على اقتراح السعودية الذي من المحتمل أن يعيد توجيه ثرواتهم الطبيعية جزئيا لصالح الحوثيين. على أي حال، من المرجح أن تكون هناك حاجة إلى نوع من الحوافز الاقتصادية والمالية لإقناع الحوثيين بعدم السماح لإيران بالبقاء في شمال اليمن بعد انتهاء الحرب".