نائب الرئيس اليمني السابق علي محسن الأحمر مع قائد المنطقة العسكرية الأولى بحضرموت (أرشيفية)
17-05-2023 الساعة 1 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| عبدالله الشادلي
في صبيحة الـ 2 من أبريل 2015، حاصرت مجاميع مسلحة من تنظيم القاعدة، مدينة المكلا، عاصمة حضرموت، جنوب اليمن، وانتشرت في المباني الرئيسية بعد مهاجمة السجن المركزي وإطلاق سرح قرابة 300 سجينًا بينهم الزعيم الحالي للقاعدة في جزيرة العرب خالد باطرفي.
أسقط التنظيم المُتشدد المكلا ومناطق ساحل حضرموت تباعًا خلال ساعات معدودة فقط من ذلك اليوم، وبدأ سيطرته وإدارته للمكلا والساحل التي استمرت لمدة عام حتَّى طرد التنظيم في أبريل 2016 على يد قوات النخبة الحضرمية بدعم الإمارات العربية المتحدة ضمن التحالف الذي تقوده السعودية.
لقد بسط تنظيم القاعدة سيطرته بسرعة على المكلا آنذاك، لكنَّه لم يكن أسرع من فرار الألوية والكتائب الشمالية المجهزة بالعتاد الثقيل التي كانت منضوية ضمن المنطقة العسكرية الثانية وتنتشر في ساحل حضرموت.
حقَّق المتشددون في القاعدة نصرهم على أنقاض شرف عسكري كان رهينة حسابات سياسية في ذلك الوقت كما يبدو، فقد تزامنت تلك الأحداث مع بدء الحوثيين وحليفهم علي عبد الله صالح - الذي ظل يقود معظم الجيش اليمني حتَّى بعد الإطاحة به كرئيس - حربهم في عدن ومدن الجنوب الأخرى.
وفي خطابه الأخير بمناسبة الذكرى السابعة لطرد القاعدة من ساحل حضرموت، أعاد عضو مجلس القيادة الرئاسي في اليمن اللواء فرج البحسني – المعين مؤخرًا نائبًا لرئيس المجلس الانتقالي الجنوبي – التذكير بـ "مؤامرة" إسقاط المكلا والساحل بيد القاعدة.
وقال البحسني: "بعد الانقلاب على الشرعية ومؤسساتها واستيلاء الحوثيين على العاصمة صنعاء وتحركهم نحو الجنوب، جرى تعاون وثيق بين أجهزة النظام السابق والانقلابيين الحوثيين وعناصر تنظيم القاعدة، بموجبه قرروا أن تُسلَّم حضرموت لعناصر القاعدة".
وأضاف: "بالرغم من وجود قوة عسكرية لا يُستهان بها في جميع مدن حضرموت تُقدَّر بعشرة ألوية، منها ألوية مدرعة وألوية مدفعية ودفاع جوي ووحدات طيران، تمكنَّت مجموعة من العناصر الإرهابية يُقدَّر قوامها بحوالي ستين إلى مائة عنصر من الاستيلاء على عاصمة حضرموت مدينة المكلا في ظرف لحظات".
واليوم، بعد سنوات طويلة من تلك الأحداث، تُثار الأسئلة حول مدى احتمالية تكرار سيناريو ساحل حضرموت في الوادي النفطي الذي تنتشر فيه القوات الشمالية ضمن المنطقة العسكرية الأولى، في ظل مساعي إخراج هذه القوات وإرسالها إلى الجبهات في شمال اليمن.
وحتَّى الآن، يبدو أنَّ القوات الشمالية في وادي حضرموت، التي لم تشارك في أي معركة منذ ما قبل 2015، منفتحة على كل الخيارات لإبقاء الوجود الشمالي في العمق الجغرافي لجنوب اليمن، وبالقرب من منابع النفط التي تحتضن المصالح غير المشروعة للنخب السياسية والقبلية العميقة في الشمال.
تطورات متسارعة
في أواخر 2021، بدأ السكان في وادي حضرموت حراكًا شعبيًا قويًا لإخراج المنطقة العسكرية الأولى، أطلق عليه "الهبة الحضرمية". طالبت الهبة بتطبيق اتفاق الرياض بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية لعام 2019، الذي نص على إخراج القوات العسكرية إلى الجبهات مع الحوثيين.
وفي أبريل 2022، أُعلن من الرياض السعودية عن القيادة الجديدة لـ "الشرعية اليمنية" عبر مجلس قيادة رئاسي مكوَّن من 8 أعضاء بينهم 4 جنوبيون، وهو ما أنهى جزئيًا سنوات من الغطاء السياسي لكثير من الاختلالات وفي مقدمتها النفوذ المطلق لحزب الإصلاح الإسلامي داخل الشرعية المُعترف بها دوليًا.
ولم تكن المنطقة العسكرية الأولى بمعزل عن تلك التطورات، حيث أصبح القرار الرئاسي بنقلها أو إخراجها أمرًا متوقعًا بعد أن كان سرياليًا إلى حد بعيد في ظل القيادة السابقة للشرعية المكبلة بالسيطرة الشمالية على صناعة القرارات والسياسات فيها.
ومع هذه التغيرات، بدت الظروف اليوم حادة ومشابهة لما كان موجودًا في 2015 حيث كانت القرارات الكبيرة من كل الأطراف تُتخذ بشكل دراماتيكي متسارع، وهو ما جعل مخاوف الحضارم والجنوبيين من أي سيناريوهات قاتمة قادمة أكثر واقعية من أي وقت مضى.
تكرار السيناريو
لا يستبعد المحلل السياسي وليد التميمي تكرار سيناريو تسليم ساحل حضرموت للقاعدة في 2015 في وادي حضرموت اليوم، لكنَّه يعتقد أنَّ ذلك سيحدث مع مليشيا الحوثيين المدعومة من إيران هذه المرة.
وأشار التميمي في حديثه لمركز "سوث24" عن ارتباط بين القوات الشمالية في المنطقة العسكرية الأولى والحوثيين وصل إلى حد وضع الشعارات الطائفية للجماعة على المركبات العسكرية، حدَّ قوله.
وأضاف: "منذ بداية انقلاب مليشيا الحوثيين لم يحرك قيادات المنطقة العسكرية الأولى لا كتيبة ولا قطعة سلاح واحدة لدعم جبهات القتال، بل كانوا يوفرون الدبابات والعناصر البشرية لحزب الإصلاح لقتال قوات المجلس الانتقالي في شبوة وأبين ومحاولة احتلال عدن".
ويعتقد التميمي أنَ القوات الشمالية قد تُقدم على تسليم وادي حضرموت لمليشيا الحوثيين "لعرقلة أي جهود لتوحيد الجبهة الجنوبية وتحقيق الاعتراف بحق الشعب الجنوبي في تقرير مصيره".
ومع أنَّ أي قرار رئاسي بإخراج قوات المنطقة من وادي حضرموت قد يكون على الأرجح شرارة السيناريو المحتمل، إلا أنَّ خطوة كهذه قد تحد من أضرار ذلك السيناريو عبر وضع القوات الشمالية في فوهة المدفع كقوات متمردة على المجلس الرئاسي.
ولكن حتى الآن لا بوادر في الأفق لقرار مشابه داخل المجلس الرئاسي المنقسم إزاء كثير من الملفات، وعوضًا عن ذلك لجأ رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي لإصدار قرارات اعتبرها سياسيون حضارم محاولة التفاف على مطالبهم بإخراج القوات الشمالية.
وفي 6 ديسمبر المنصرم، عين العليمي، الضابط الحضرمي عامر بن حطيان أركان حرب المنطقة العسكرية الأولى، خلفا للضابط الشمالي النافذ يحيى الحاشدي "أبو عوجا" قائد اللواء 135 مشاة، أحد أكبر الألوية الشمالية في وادي حضرموت.
لكن بن حطيان، سرعان ما تقدم بطلب استقالة بعد نحو 3 أشهر من تعيينه بسبب ما وصفها بالاختلالات وعدم قدرته على ممارسة مهامه. واعتبر رئيس المجلس الانتقالي في سيئون، عبد الرحمن الجفري، التعيين كخطوة لـ "الاحتيال" على مطالب الحضارم.
وقال لمركز "سوث24": "لقد تم تعيين هذا القائد دون أن تكون لديه قوة حضرمية تأتمر بأمره. اتفاق الرياض كان واضحًا، وينص على إخراج المنطقة الاولى ونقلها إلى موقع التماس في مأرب".
وأضاف: "الحوثيون وتنظيم القاعدة قريبون من المنطقة الأولى، والدلالات الصرخة التي يطلقونها والاغتيالات التي تحدث وتسجَّل ضد مجهول". ويرى الجفري أنَّ "كل الاحتمالات واردة طالما أنّ الوادي تحت سيطرة القوات الشمالية".
ولفت الجفري إلى وجود "أعداد كبيرة مما يسمى بالنازحين في وادي حضرموت" قال إنَّهم سوف يساندون القوات الشمالية في مخططاتها "حينما يشعرون أنًَّ الجنوبيين اتفقوا، وأنَّه لا سيبل لهم غير الخروج من الوادي".
مواجهة السيناريو
عند الحديث عن مواجهة الحوثيين والقاعدة في حضرموت، يحضر اسم "قوات النخبة الحضرمية" في الأذهان. وتنتشر هذه القوات التي تنتمي لحضرموت في المكلا والساحل ضمن المنطقة العسكرية الثانية.
ويرى العقيد الحضرمي المتقاعد قسرًا بعد 1994 علي العمودي أنَّ على قوات النخبة الحضرمية بشكل خاص والقوات الجنوبية بشكل عام الاستعداد لأي سيناريو من هذا القبيل.
وقال لمركز "سوث24": "يتعيّن على كل القوى الجنوبية الاستعداد لمواجهة خيانة من العيار الثقيل عاجلًا أم آجلا، إذا لم يُنظر في أمر بقاء هذه القوة الشمالية الخاملة على محمل الجدّ. هذه القوة أوجدها النظام السابق كما أوجد غيرها في محافظات الجنوب تحسبا لأي طارئ".
وأضاف: "لقد رحل النظام السابق، وكان من المُفترض أن ترحل هذه القوات تباعًا، على الأقل كما رحلت المنطقة الثانية بنسختها الشمالية من الساحل، لكن البيئة هناك [في الوادي] عامل مساعد في بقائها".
واتهم العقيد العمودي أطراف نافذة في الحكومة اليمنية بتعمد إبقاء قوات المنطقة الأولى في الوادي لتأمين مصالحهم. ويعتقد الضابط أنّ "هناك حتماً مصالح مشتركة بين المنطقة الأولى وقيادات مؤثرة في الشرعية، تحول دون إخراج القوات الشمالية من الوادي".
وشدد العمودي على أنّ هذا السيناريو محتمل الحدوث في أية لحظة، لافتًا إلى أنّ "سقوط الوادي بيد الحوثيين يعني بالضرورة سقوط كل حضرموت، والمثلث الشرقي الذي يضم شبوة والمهرة بيد تلك المليشيات".
ويقلَّل الشيخ صالح النهدي من احتمالية تعاون أي قبائل حضرمية في الوادي مع الشماليين. وقال لمركز "سوث24": "صحيح أنَّ بعض القبائل لا تتوافق مع المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يناصره معظم الحضارم، لكنَّ القبائل لن تقف ضد مصالح حضرموت في كل الأحوال".
ويتفق المحلل السياسي وليد التميمي على أنّ "القبائل في حضرموت على أعتاب مرحلة مفصلية"، مؤكدَا على ضرورة اتخاذ خيارات حتمية للتعامل مع من وصفهم "وكيل الحوثيين والقاعدة في المنطقة العسكرية الأولى".
ويرى التميمي أنَّ "بلورة هذه الخيارات تقتضي التنسيق مع قيادة المجلس الانتقالي سياسيًا وعسكريًا، وممارسة الضغط الشعبي والمجتمعي لإسقاط كل الرموز القبلية التي مازالت رهينة مصالحها الضيقة مع الحوثيين".