الرئيسان الصيني والفلسطيني - رسمي
23-06-2023 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | د. عزام شعث
جدّد رئيس جمهورية الصين الشعبية شي جين بينغ أثناء لقائه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس رغبة بلاده في الوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين من أجل حلّ شامل ودائم وعادل للقضية الفلسطينية. وعرض الرئيس الصيني رؤية [1] من ثلاث نقاط، تتمثل في: إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان توفير احتياجات فلسطين اقتصاديًا ومعيشيًا، بزيادة المساعدات الإنمائية والإنسانية، واحترام الوضع التاريخي الراهن للأماكن المقدسة في القدس، وتجنب الأقوال والأفعال المفرطة والاستفزازية. ولأجل ذلك يتعين العمل على عقد مؤتمر سلام دولي بما يضمن تهيئة الظروف لاستئناف مفاوضات التسوية السياسية بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية.
وتُعدُّ هذه مبادرة الوساطة الثالثة في العامين الأخيرين؛ ففي أبريل 2023، أبلغ [2] وزير الخارجية الصيني نظيريه الفلسطيني والإسرائيلي استعداد بلاده للمساعدة في تسهيل محادثات السلام بينهما، وفي مايو 2021، عرضت الصين التوسط بين الطرفين، واقترحت خطة سلام [3] قائمة على مبدأ "حل الدولتين".
يطرح موضوع الوساطة الصينية بين الفلسطينيين والإسرائيليين في هذا التوقيت وبعد النجاح الذي حقّقته الصين في استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران أخيرًا، تساؤلات عن إمكانية قبولها كوسيط كامل بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي ومدى نجاحها في عودتهما إلى مسار التسوية السياسية الذي تديره الولايات المتحدة الأمريكية والمعطل منذ عام 2014. كما تناقش هذه الورقة تطورات الموقف الصيني لجهة المحددات والدوافع والتحديات والعراقيل التي تواجه وساطتها.
محدّدات رئيسية
ترتكز أدوار الوساطة الصينية في منطقة الشرق الأوسط عمومًا على مجموعة من المحددات، أهمها، الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية مع دول المنطقة التي وصل حجم التبادل التجاري بينهما فيها 507.152 مليار دولار أمريكي في عام 2022، حيث فتحت هذه الشراكة على تعميق أدوار الوساطة بانخراط الصين في أزمات دارفور وإيران وجنوب السودان على امتداد السنوات الماضية، وبإنجاز الاتفاق التاريخي بين إيران والسعودية في شهر مارس 2023، وذلك كله مع غياب واشنطن عن معالجة القضايا الرئيسية في المنطقة، وبقبول شرق أوسطي للتدخلات الصينية. وبهذا المعنى، فإن الصين تستند إلى مقومات الشراكة الاقتصادية لتوسيع انخراطها في منطقة الشرق الأوسط لحل النزاعات بشكل تفاوضي.
كما ترتكز الوساطة الصينية في قضية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي على محددات دعمها التقليدي لاتفاقات التسوية السياسية بدءًا من إعلان مدريد عام 1991، واتفاق أوسلو عام 1993، وتعيينها مبعوثًا خاصًا عام 2002، وتبنيها لخطة إحلال السلام وإنهاء الصراع في العامين 2013 و2017، تقوم على أساس مبدأ حل الدولتين والتمسك بمفهوم الأمن المشترك، ووقف بناء المستوطنات وتعزيز السلام من خلال التنمية والتعاون بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ويعتقد البعض أن العلاقات الاقتصادية الصينية الإسرائيلية قد تمثّل ركيزة إيجابية لفرص نجاح المبادرة الصينية، فقد شهدت هذه العلاقات قفزة نوعية منذ توقيع اتفاق "الشراكة الإبداعية الشاملة" بين الجانبين عام 2017، بحيث قفز التبادل التجاري بينهما من 9 مليار دولار عام 2012 إلى 21 مليار دولار عام 2022. فضلًا عن استقبال الصين حوالي 42% من إجمالي صادرات إسرائيل لآسيا، بينما تشكل بكين أكبر مصدر لوارداتها. ووصل حجم استثمارات الصين في إسرائيل حتى عام 2019 إلى أكثر من 15 مليار دولار، 9 مليار دولار في القطاع التكنولوجي، بينما شمل الباقي قطاعات النقل وتحلية المياه والكهرباء والعقارات والموانئ. [4]
دوافع متعددة
ثمّة جملة من الدوافع وراء إعلان الصين عن رغبتها في الوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، في هذا التوقيت. ويمكن الإشارة إلى أبرز تلك الأهداف فيما يأتي:
1- استثمار الزخم والنجاحات الصينية: تحاول الصين توسيع دورها ووساطتها في قضية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، انطلاقًا من أدوار الوساطة الناجحة التي حققتها في السنوات الأخيرة، بدءًا من مفاوضات تسهيل عمل بعثة الأمم المتحدة في دارفور عام 2006، مرورًا بمفاوضات الاتفاق النووي مع إيران، ومفاوضات السلام في جنوب السودان عام 2015، وصولًا إلى اتفاق استعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران في مارس 2023.
2- توسيع التحالفات: من المعلوم أن علاقة الصين بدول منطقة الشرق الأوسط اقتصرت على الملفات الاقتصادية ومبادئ الشراكة والتنمية؛ إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين الطرفين 507 مليارات دولار (421 مليار دولار مع الدول العربية) في عام 2022، غير أنها ومن خلال مبادراتها الأخيرة باتت تتجه إلى المزاوجة والجمع بين العلاقات الاقتصادية والأدوار السياسية على قاعدة توسيع تحالفاتها مع دول منطقة الشرق الأوسط.
3- ملء الفراغ الأمريكي: مع تولي إدارة الرئيس بايدن، انشغلت الولايات المتحدة بقضاياها الداخلية والخارجية، وغابت رعايتها ووساطتها في قضية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، فهي من جهة فقدت مصداقيتها بسبب انحيازها الدائم لإسرائيل، وعجزت عن تبني مقاربات سياسية لتسوية الصراع من جهة ثانية، والتي استبدلتها بالتسهيلات الاقتصادية ودعم موازنة السلطة الفلسطينية، ودعم مشاريع إعمار قطاع غزة، والمساعدات الإنسانية لمستشفيات مدينة القدس، ودعم موازنة وكالة الغوث الدولية "الأونروا"، كما عبر عنها الرئيس الأمريكي في أثناء اجتماعه برئيس السلطة الفلسطينية خلال جولته إلى المنطقة في يوليو 2022، التي وصفت بـ "البروتوكولية"، لخلوها تمامًا من المبادرة السياسية لتسوية الصراع وإدارته، بما يعني تأجيل القضايا السياسية لمصلحة تبني وتفعيل المسار الاقتصادي أولًا.
تحديات وعراقيل
تواجه الوساطة الصينية في قضية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي تحديات وعقبات جوهرية قد تحول دون نجاحها، أهمها:
- التحدّي الأول: يكمن في انزياح المجتمع الإسرائيلي إلى أقصى اليمين، وسيطرة التيارات الدينية التي تؤمن بمبدأ دعم وتعزيز الاستيطان، وضم الضفة الغربية مع ما يمثله ذلك من تهديد حقيقي لفرص حل الدولتين، فضلًا عن تبني المواقف المتشددة تجاه الاستجابة لمبادرات التسوية السياسية والتنكر لتطبيق الاتفاقات المبرمة مع الفلسطينيين. ولعل أكثر ما تسعى إليه الحكومة الإسرائيلية هو خفض التوتر في الضفة الغربية، وتحييد حركة حماس عن المواجهة انطلاقًا من قطاع غزة، كما هو الحال في المواجهات الثلاثة في الأعوام 2019 و2022 و2023، التي أظهرت ارتهان "حماس" لتعظيم مكاسبها في الحكم على حساب مشاركتها في أعمال المقاومة إلى جانب "الجهاد الإسلامي". [5]
- التحدّي الثاني: يتمثل في تبني الحكومة الإسرائيلية خيار تعزيز المسار الاقتصادي "وفي أدنى الحدود" كبديل عن المسار السياسي في التعامل مع الفلسطينيين، وذلك من خلال منحهم تسهيلات في حرية التنقل والحركة والعمل، والتغلب على الأوضاع الاقتصادية المتردية والمتفاقمة، ولإيهام المجتمع الدولي وخصوصًا الدول التي سجّلت ملاحظاتها على انضمام "بن غفير وسموتريتش" إلى التشكيل الحكومي، بأنَّها - أي الحكومة الإسرائيلية - قادرة على مواصلة التعاون مع الفلسطينيين اقتصاديًا، وأنَّها تتخذ من الإجراءات ما يكفل الاستقرار والحفاظ على تهدئة الأوضاع الميدانية.
- التحدّي الثالث: صعوبة التوصل إلى توافق فلسطيني داخلي في ظلّ الانقسام بين حركتي فتح وحماس وبين الضفة الغربية وقطاع غزة بالمعنيين السياسي والجغرافي، فضلًا عن ضعف السلطة الفلسطينية وعدم سيطرتها على الضفة الغربية والمجموعات المسلحة فيها.
- التحدّي الرابع: تتعامل إسرائيل مع الولايات المتحدة على أنَّها الوسيط الحصري في صراعها مع الفلسطينيين، وقد سبق لها أن رفضت عديد الوساطات الأوروبية والأممية والروسية، وبنفس المستوى فإن الإسرائيليين لا يرغبون في الوساطة الصينية، كلما أدركوا أن الدور الصيني يمثّل البديل عن أدوار الوساطة الأمريكية التقليدية في قضية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.
- التحدّي الخامس: ويكمن في أن الصين تتبنى وتُعيد انتاج المبادرات التقليدية التي تتسق مع محددات اتفاق أوسلو ولا تحيد عنها، دون أن تتوفر على تصورات بديلة ومقاربات جديدة لتسوية الصراع، ودون أن تمتلك أدوات للضغط على طرفي الصراع، خاصة الطرف الإسرائيلي الذي أعادت سياساته الصراع إلى حال أشد تعقيدًا، وأغلقت ملف الحل السياسي منذ عام 2014.
وإجمالًا، تنطوي الوساطة الصينية في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي على تحديات قد تعترض طريقها بما تمثله هذه القضية من تعقيدات عند طرفي الصراع، ذلك أنَّ المبادرة الصينية التي تتأسس هذه المرة على قاعدة أدوارها المتجددة في التوسط لحل قضايا الشرق الأوسط بخيار التفاوض، تواجه موقفًا إسرائيليًا متشددًا إزاء مسار التسوية السياسية والاستجابة لأدوار الوسطاء عمومًا، وموقف فلسطيني على النقيض يقبل ويرغب في الوساطة الصينية، كبديل عن الوساطة الأمريكية التي سجلت انحيازًا دائمًا لإسرائيل. وبين هذين الموقفين تتحدد ممكنات مضي الصين في وساطتها وتحقيق الاختراق في مسار العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، أو التوقف عند حدود المبادرة دون تحقيق أيّ فعل، والاستسلام للموقفين الأمريكي والإسرائيلي.