AFP
27-07-2023 الساعة 9 صباحاً بتوقيت عدن
سوث24 | د. إيمان زهران
ثمَّة عدد من المتغيرات التي لحقت بكافة الأصعدة والأطراف المنخرطة بالأزمة اليمنية، سواء على المستوى الإقليمي والدولي، أو على المستوى المحلي. إذ بالرغم من الجهود المتباينة لإنجاز متطلبات التسوية السياسية وإنهاء الصراع القائم، فهناك انقسامات ملحوظة على المستوى الداخلي تحول دون العبور لخارطة الطريق الأممية. ليبقى الأمر مرهون بحدود التوافق الإقليمي والدولي ومدى تأثيره على الأطراف المحلية لخفض التصعيد القائم، واستثمار "التهدئة الإقليمية" للتحرك الناجع نحو إنهاء الصراع وإقرار السلام باليمن، وذلك بالنظر إلى النقاط التالية:
تطورات متصاعدة:
شهدت الفترات الماضية العديد من التطورات سواء على المستوى الداخلي بالنظر إلى مُجمل السياقات الميدانية والسياسية للمسألة اليمنية، أو على المستوى الإقليمي والدولي، وذلك من خلال:
- على المستوى الداخلي/ المحلي: يُنظر للوضع الداخلي بشيء من الحذر، وذلك قياساً على ضبابية المشهد العام في ظل المحاولات الأممية لاختراق العملية السياسية والمضي قدماً نحو إقرار هيكل التسوية وإنجاز متطلبات التحول الديموقراطي وإعادة بناء الدولة اليمنية عقب النجاح بتمديد الهدنة التي انتهت في أكتوبر الماضي، فضلاً عن المساعي السعودية عبر الوساطة العُمانية لتمديد الهدنة ووقف إطلاق النار ودعم عملية تبادل الأسرى، وبحث سبل الحوار بين المكونات اليمنية للوصول إلى حل سياسي شامل ومستدام في اليمن [1]. وما يقابل هذا من إعادة النشاط الميداني لجماعة الحوثين - خاصة بالجنوب – فعلى سبيل المثال: بلغت هجمات مليشيات الحوثيين ضد القوات الجنوبية بين 1 مايو – 13 يوليو 2023 حوالي 51 عملية، في محافظات: الضالع، ولحج، وأبين، وشبوة، بالإضافة إلى الهجمات في جبهات مديرية حريب بمأرب (شمال اليمن)، المجاورة لمحافظة شبوة والتي تنتشر فيها ألوية العمالقة الجنوبية منذ تحريرها مطلع العام [2] 2022.
- على المستوى الإقليمي: ثمة عدداً من المتغيرات لحقت بإقليم الشرق الأوسط، وشكلت انعكاس - مباشر وغير مباشر – على المسألة اليمنية، وأبرز تلك المتغيرات ما تمثل في، أولاً: استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإيرانية عبر الوساطة الصينية وما يلحق به من إجماع بالأوساط السياسية حول محورية "الملف اليمني" بالتفاهمات الثنائية القائمة. وثانياً: ما ينطوي على التداعيات المتباينة على الانسحاب الإماراتي من القوة البحرية المشتركة [3]، وما يلحق بذلك من حالة "انكشاف أمني" أمام جماعة الحوثي على نحو ما قد يعيد ترسيم معادلة التفاعلات الأمنية ببيئة البحر الأحمر، في ظل التهديدات العسكرية الحوثية الأخيرة خاصة تجاه الجنوب. بينما ثالثاً: يتمثل في التحركات السعودية نحو هيكلة إطار تفاوضي أكثر جدية مع جماعة الحوثيين عبر مباحثات بنّاءه لإنجاز عدداً من الأهداف، أبرزها ما يتمثل في إمكانية تجديد الهدنة، والتفاهم على مرحلة ما بعد الهدنة التي ستمهد للسلام الشامل وإنهاء الحرب، فضلاً عن ترتيبات تبادل الأسرى بين الجانبين والتي بدأت تدخل حيز التنفيذ منذ إبريل 2023.
- على المستوى الدولي: تتلخص التغيرات التي طرأت على المستوى الدولي في حجم الارتدادات المتباينة لمُجمل التفاعلات القائمة، والتي في مقدمتها، أولاً: الاستدارة الدولية عن قضايا الشرق الأوسط، وإعادة ترتيب الأولويات نحو مواجهة التداعيات السلبية للحرب الروسية الأوكرانية وتطويق ومحاصرة سيناريو "الحرب العالمية الثالثة"، وتقويض سيناريو الانقسام الأممي حول المعسكرين الشرقي والغربي، وانعكاس ذلك على كافة المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية المتشابكة مع كافة الأقاليم الفرعية للنظام العالمي ومنها إقليم الشرق الأوسط المأزوم سياسياً وأمنياً. ثانياً: ما يتعلق بالوضعية التنافسية للقوى الدولية على استعادة النفوذ على الأقاليم والممرات البحرية ذات الصبغة الدولية، وفي مقدمتهم إقليم البحر الأحمر، وهو ما ينقلنا بالحديث حول الأهمية الجيوسياسية للمسألة اليمنية لدى صانع القرار الدولي وسيناريوهات الحسم بما يخدم أجنداتهم الخاصة بالمنطقة. وثالثاً: ما تؤسس له فرضية التعافي الحرج من آثار الأزمات غير التلقيدية، وفي مقدمتها أزمة التغيرات المناخية، الشح المائي، الأوبئة مثل جائحة كورونا، وانعكاس تلك التهديدات غير التقليدية ذات الطبيعة الأممية على كافة المجالات السياسية والمجتمعية لدول العالم النامي – خاصة ذات الاضطرابات السياسية والأمنية – مثل الحالة اليمنية.
سيناريوهات مُحتملة:
بالنظر إلى حجم المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية المعقدة السالف ذكرها، فمن الصعب التكهن بانعكاساتها المحتملة على مستقبل الصراع والسياقات المُحتملة للحسم، إلا أنه في المقابل، يمكن النظر إلى ثلاث سيناريوهات تتأرجح بينهم مستقبل المسألة اليمنية، استناداً إلى اختلاف منظور الأطراف المنخرطة بالعملية السياسية للاستحقاق المستقبلي، وذلك بالنظر إلى ما يلي:
- المنظور المحلي: يتمثل بدوره في اختلاف رؤية الأطراف المحلية لإدارة العملية السياسية (مجلس القيادة الرئاسي – المجلس الانتقالي – جماعة الحوثيين)، وذلك بالنظر إلى:
مجلس القيادة الرئاسي: يسعى لإنجاز متطلبات "خارطة الطريق الأممية" والتي على إثرها تم تشكيل ذلك المجلس في إبريل 2022، إلا أنه بالمقابل هناك عدد من التحديات التي قد تحد من فاعلية تحركاته، أبرزها ما آلت إليه الأوضاع الهيكلية بعد عام على تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، إذ تعزز التباين الداخلي وتعدد المشروعات السياسية. فخلال الهدنة الرسمية، قاتلت قوات تابعة لحزب الإصلاح الإسلامي قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في شبوة ضمن صراع على النفوذ والسيطرة على خطوط إمداد حيوية في أنحاء الجنوب. وسعت الأطراف لتأمين هذه المناطق من أجل اكتساب اليد العليا في المحادثات السياسية التي تتوقع أن تنهي الصراع القائم [4]. وغيرها من الخلافات النوعية بين أطراف المجلس التي عجز عن تجاوزها، مما قد يحد من قدرته على الحكم، فضلاً عن فقدان الثقة الشعبية في إدارة العملية السياسية والمبادرات الدبلوماسية الجارية ومعالجة الأوضاع الاقتصادية المتفاقمة.
المجلس الانتقالي الجنوبي: يُبنى المنظور الجنوبي والمتمثل في المجلس الانتقالي؛ على أولوية "قضية الجنوب" ووضعها كإطار خاص بالعملية السياسية، وهو ما يتحجج البعض بأنَّه يتعارض مع المرجعيات القانونية المعترف بها دولياً والمتمثلة بقرارات مجلس الأمن، والمبادرة الخليجية. أيضًا، كشفت التظاهرات إبان إحياء ذكرى "يوم الأرض الجنوبي - 7 يوليو 2023" عن شعبوية الدفع بالأجندة الجنوبية والتمسك بالمجلس الانتقالي كممثل وحيد للتعبير عن إرادة الجنوبيين [5]، ورفض أي محاولات لشق الصف بمكونات جديدة في إشارة إلى نبذ "مجلس حضرموت الوطني".
جماعة الحوثيين: تنصرف رؤيتها بالعملية السياسية نحو خفض التصعيد وليس الإنهاء الشامل للصراع القائم. وهو ما يفسر المحادثات الحوثية – السعودية في الآونة الأخيرة، رغبة من المليشيا في شرعنة وضعها، فضلاً عما ينطوي عليه الخطاب الحوثي من رسائل مباشرة وغير مباشرة للعودة بالتصعيد المسلح، فعلى سبيل المثال: التصعيد العسكري الحوثي ضد القوات الجنوبية وجبهات أخرى في شمال اليمن خلال الشهرين الماضيين، حيث قامت بتنفيذ ما يقرب من 51 هجمة ضد القوات الجنوبية منذ مطلع مايو وحتى 13 يوليو الجاري [6]. فضلاً عن تجاهل الحوثيين للمرجعيات المعلنة لعملية التسوية السياسية.
المنظور الإقليمي: يُبنى ذلك المنظور بشكل رئيسي على الرؤية السعودية لإدارة العملية السياسية بالمسألة اليمنية بالتنسيق مع التحركات العُمانية، إذ ألمحت تقارير سعودية إلى أن هناك رؤية لدى الرياض تتمثل في خطة انتقال سياسي (خريطة طريق لعامين أو ثلاثة) لتسوية الأزمة، تستند إلى مرجعيات الحل السياسي، ومشاركة كافة القوى الوطنية اليمنية في العملية السياسية أو ما يُعرف بـ "ترتيب الملف اليمني"، لكن يظل هذا الطرح هو مجرد تصور لآليات وهيكل العملية ولكنه لا يشكل مضمون العملية السياسية شديدة التعقيد في الحالة اليمنية [7].
المنظور الدولي: يُبنى المنظور الأممي والمتمثل في رؤية " هانس غروندبرغ - المبعوث الخاص للأمم المتحدة في اليمن" بأهمية خلق السُبل الجادة للتحرك قدماً نحو التوصل إلى حل شامل عبر إشراك كافة الأطراف المحلية المنخرطة بالصراع واستيعاب مشروعاتهم السياسية. ليبقى أمام ذلك المنظور الأممي عدد من التحديات لإنجاز تلك الرؤية استناداً إلى التطورات الميدانية والسياسية الداخلية، أبرزها، أولاً: التوضيح للكافة أن الشرعية الدولية تُمنح لجميع الأطراف استناداً إلى المشاركة في المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة ونبذ فكرة "تجنب الحوار مع الخصوم". وثانياً: إعادة إشراك جماعة الحوثيين بالعملية التفاوضية قبل أن تتفاقم نزعة الانقسامات الداخلية بمجلس القيادة الرئاسي.
استناداً إلى المحددات السابقة التي تُعيد صياغة المشهد السياسي للمسألة اليمنية، فثمة ثلاث سيناريوهات مُحتملة قد يؤول عبرها مستقبل المرحلة المُقبلة، إلى:
السيناريو الأول – تسوية سياسية هشة:
تُبنى فرضيات ذلك السيناريو على الخبرة التاريخية لاتفاقية "السلم والشراكة" – 2014، حيث تم تطبيق الجوانب السياسية ولم يتم تطبيق الجوانب العسكرية والأمنية، مما أدى إلى قيام جماعة الحوثيين بالسيطرة على صنعاء بشكل كامل حينها. ومن ثم، فقد يتم التوصل إلى تسوية سياسية هشة دون معالجة جذور الأزمات اليمنية المتعددة، وذلك استناداً إلى التطورات الإقليمية عقب استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران وانعكاس ذلك على التوطئة السياسية والأمنية بالداخل اليمني، ومن المُحتمل قبول الأطراف المحلية الداخلية بذلك الاتفاق الذي يحفظ لها حرية حيازة السلاح، وبناءً على ذلك فليس من المُستبعد أن يُمهد ذلك السيناريو – حال تطبيقه – إلى بداية فصل جديد من الصراعات المذهبية/ الجهوية على غرار العديد من الدول المأزومة الأخرى بالمنطقة.
السيناريو الثاني – استمرار اللا حسم:
تُبنى فرضيات ذلك السيناريو على استمرار الأوضاع القائمة بالدولة اليمنية، وذلك بالنظر إلى ثبات المعادلات الميدانية والسياسية دون حراك يُذكر بين كافة الأطراف المحلية المنخرطة بالأزمة. وهو ما يفرض معه استمرار فرضية "التعايش"، مع استمرار الاعتراف بالحكومة الشرعية المعترف بها دولياً بوضعها الهش، ووضعية جماعة الحوثيين، وخريطة السيطرة للمجلس الانتقالي الجنوبي، ومن ثم خطر تحول اليمن إلى نموذج مشابه لبعض دول الإقليم المأزوم مثل لبنان والعراق والصومال.
ومن ثم تراجع فرص بناء "الدولة الوطنية الموحدة"، وبقاء الدولة مقسمة بين مختلف الفصائل والأطراف الداخلية/ المحلية على غرار ما يحدث في بعض دول الإقليم المأزم مثل لبنان والعراق والصومال.
السيناريو الثالث - فشل العملية السياسية:
تُبنى فرضيات ذلك السيناريو على فشل التحركات الأممية لإنجاز متطلبات "خارطة الطريق"، فضلاً عن انحسار المفاوضات السعودية - الحوثية نحو اللاشيء، وفي حال تطبيق ذلك السيناريو فمن المُرجّح أن تتحول الخريطة الميدانية إلى ما يُشبه بـ "حرب الاستنزاف" بين كافة الأطراف المتصارعة بالداخل. وثمة عدداً من المحددات الداعمة لذلك السيناريو، أبرزها: أنَّ الصراع في اليمن أطرافه متعددة ومتباينة ومصالحها متعارضة، كما أن تمدد الحوثيين خلال السنوات الماضية بكافة مفاصل الدولة، قد يدفعهم نحو الإصرار على الخروج بأكبر قدر من المكاسب في أي مفاوضات مستقبلية، وهو ما سترفضه بقية الأطراف، فضلاً عن مستقبل الوضع في الجنوب [8].
تأسيساً على ما سبق.. على الرغم من تأرجح السيناريوهات المطروحة ما بين استمرار حالة اللا حسم أو التوصل إلى اتفاق سياسي هش لا يتناسب وحجم التحديات القائمة سواء بالداخل اليمني أو بالإقليم العربي الشرق أوسطي، إلا أنه بالمقابل، ثمة بادرة أمل في احتمالية إنجاز متطلبات التسوية السياسية، ويمكن بناء هذه على عدد من التحركات، أبرزها، أولاً: التأكيد الدولي والإقليمي على المرجعيات الرئيسية لخارطة الطريق الأممية، بما فيها اتفاق الرياض 2019 ومخرجات مشاورات الرياض 2022، كخطوات سياسية ناجعة للحل، ثانياً: إشراك كافة الفصائل والأطراف السياسية المحلية بما يحقق شرطي العدالة والشفافية بمفاوضات التسوية السياسية. وثالثاً: إعادة ترتيب الأوضاع العسكرية والأمنية بين مختلف الأطراف المحلية المنخرطة بالعملية السياسية لتجنب إعادة إنتاج سيناريو الاتفاقات السابقة عبر توظيف "ورقة الأسلحة" في إفشال تحركات التسوية السياسية. رابعاً: وضع خطة اقتصادية وإنسانية وتنموية لمعالجة آثار الصراع القائم بمرحلة ما بعد الحرب.