لمركز سوث24 بواسطة الفنان محمد القحوم
07-09-2023 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| عبد الله الشادلي
في عالم لا يمطر ذهباً ولا فضة، يثبت العديد من الأشخاص قدرتهم على استغلال ظروفهم القاسية لبناء أحلامهم، وتحقيق النجاحات رغم الصعاب. يتجاوز هؤلاء الناجحون حدود الظروف القاسية ويستخدمونها كحافز لتحقيق ما يطمحون إليه. وبدلاً من الاستسلام للعوائق والعقبات في بلد لا يشجع المبدعين كثيرًا، مثل: اليمن؛ برز نجاح المايسترو والموسيقار الحضرمي محمد سالم القحوم، في الموسيقى التي أنهكتها سنوات الصراع الصاخبة.
يُعد المايسترو الحضرمي القحوم، مؤلف السيمفونيات التراثية من ألمع الأسماء في اليمن والمنطقة العربية، ممن تمكنوا من المزج بين فن الأوركسترا بالتراث الموسيقي والإيقاعات الحضرمية الجنوبية، واليمنية.
وتميّز المايسترو القحوم في التراث واستطاع إدخال تقنيات وأساليب حديثة على المقطوعات الموسيقية التراثية، وبات الشاب الثلاثيني، الذي ينحدر من حضرموت، أول مؤسس لمشروع المقطوعات الأوركسترالية الحضرمية الذي خطف الأنظار في أعرق المسارح العربية والعالمية، وحصد إشادات واسعة.
بداية المشوار
في أبريل 2019، قدّم القحوم تجربته الفنية الدولية الأولى في حفلة السمفونيات التراثية التي أقيمت بالعاصمة الماليزية كوالالمبور. وقاد القحوم فرقة موسيقية مؤلفة من 90 عازفاً، منهم 30 من حضرموت، على الآلات الموسيقية والإيقاعية التقليدية الحضرمية، فيما كان بقيتهم من الصين والهند، وماليزيا، واليابان، وأوزبكستان.
يروي محمد القحوم في حديث خاص مع مركز «سوث24» بداية مشواره في الصعود بالسمفونيات التراثية الحضرمية إلى العالمية :"فكرة المشروع بدأت في العاصمة الأردنية عمّان، أثناء دراستي بالمعهد الوطني للموسيقى في العام 2014. كنّا نجتمع في صالون موسيقي يتعاهده طلاب وأساتذة ومهتمون بالفن كل يوم أربعاء، ونقوم بعرض مقطوعات موسيقية. كنت دائمًا أقدم أعمالًا من التراث اليمني. ورغم بساطة ما أقدّمه بالنسبة لي، كنت ألاحظ إعجابهم ودهشتهم وتفاعلهم. الانطباع الإيجابي الذي تركته تلك الألحان على الحاضرين دفعني إلى التفكير بتقديمها في إطار عالمي، يجعل الناس ينظرون إليها بشكل مختلف".
وأردف: "لم تكن فكرة إخراج هذا المشروع إلى الحياة أمراً سهلاً لا سيّما مع حاجته إلى دعم في أولى بداياته، إلا أنّ إيمان الناس بالفكرة ودعمها، قرّبها إلى الواقع أكثر. لقد كانت مؤسسة حضرموت للثقافة أبرزهم بالفعل، ودعمت معظم الحفلات الماضية، وهي إلى الآن تدعم بعض حفلاتنا، من ضمنها على سبيل المثال لا الحصر: حفلة كوالالمبور، وحفلة القاهرة".
وبالنسبة لبيئة الفن في حضرموت، فإنّ المايسترو محمد القحوم يعتبرها جزءًا لا يتجزأ من عادات وتقاليد وحياة الناس اليومية. "لقد نشأنا ونحن نتلقى تأثيراً كبيراً من الفن، ونعيشه في جوانب حياتنا المختلفة. حتى في عاداتنا الدينية، وبالأخص في المنهج الصوفي، يتجسد الفن بشكل عميق في الموشحات والموالد الدينية".
وأضاف: "من وجهة نظري الشخصية، أرى أنّ حضرموت بيئة فنية بامتياز، وبها صعود موسيقي رائع، سيسطع نجمه في الفترة المقبلة. إنَّها مكان يولد فيه الفن بشكل حقيقي، ويكون حاضراً في كل تفاصيل حياة الناس، ويشكل جزءاً أساسياً منها".
إنجازات عالمية
يروي الفنان القحوم أنَّهم تمكنوا من إيصال رسالتهم الفنية بشكل مثالي عبر حفلتين فقط، معتبراً أنّ هذا النجاح مدعاة للفخر. وقال لـ "سوث24": "لقد نجحنا في إظهار أن الفن والتراث اليمني رائع للغاية ويحمل ألوانًا جميلة، وأنّ الفن رسالة سلام ومحبة، ويمكنه أن يوصل رسائل قوية للعالم بأسره".
بالنسبة له، "هذا هو النجاح الذي يعد بداية لمسيرتنا، والطريق أمامنا طويل ويتطلب جهوداً مضاعفة وعزماً أكبر".
وفي 9 مارس 2022، استضافت دار الأوبرا المصرية حفلة «نغم يمني على ضفاف النيل»، وهي سيمفونيات تراثية أداها 120 عازفاً من جنسيات مختلفة، قدّمت فرقة المايسترو القحوم ثماني مقطوعات موسيقية من الألوان التراثية في قالب أوركسترالي عالمي في لون جديد يقدم للمرة الأولى.
علاوة على ذلك، يرى القحوم أنّ كسب قاعدة جماهيرية ضخمة من مشروع موسيقي بحت خلال فترة زمنية معينة من خلال ردود الفعل التي تصلهم إلى اليوم، نجاح حقيقي في حدّ ذاته، بخاصة وأنّهم في بداية مسيرتهم ورسالتهم الفنية.
وفيما يتعلق بالمشاركات والحفلات في الخارج، يقول القحوم: "في أبريل 2019، قدّمنا ست مقطوعات موسيقية مستوحاة من اللون الحضرمي في حفل على مسرح «أستانا بودايا» العريق بالعاصمة الماليزية بعنوان «أمل من عمق الألم».
وتجدر الإشارة إلى أنّ المقطوعات التي قُدِمت هي: "الحيرة، مدروف الأصالة، لوحة الحرب والسلام «العدّة»، الوداع المفرح «الهداني»، مزمار «الهَبِيْش»، صَبّوحة [أغنية تراثية بحتة]".
وكشف القحوم بأنه يتم التجهيز حاليا لتنفيذ عروض، خلال الفترة القادمة، في مجموعة من مسارح دور الأوبرا العربية والأجنبية والأوروبية.
ولا يخفي الفنان الحضرمي اندهاشه من هذه النجاحات المتسارعة: "في الحقيقة، لم نكن نتوقع نجاح المشروع بهذا الشكل الكبير. ومما لا شكَّ فيه، نحن مجتهدون ونقدّر جمهورنا، ونحسب لكل شيء نُنفّذه لكي نظهر بشكل متميز".
وفي 16 مايو 2019، كرّم محافظ حضرموت السابق، اللواء فرج البحسني [نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي وعضو مجلس القيادة الرئاسي اليوم]، المايسترو القحوم بدرع المحافظة، تقديراً لجهوده في تقديم الفن الحضرمي بأسلوب عالمي بماليزيا.
عقبات وإحباط
كثيرة هي الصعوبات التي تواجه المبدعين الناجحين، والمايسترو القحوم ليس استثناءً. وعن الصعوبات التي واجهتهم، قال القحوم إنّ مثل هذا المشروع الفني الموسيقي قد يواجه تحديات كبيرة في البلدان المستقرّة، فضلا عن البلدان غير المستقرة. وأضاف: "لقد نشأ المشروع في بلد يعاني بالفعل من عدم الاستقرار. حتماً ستكون هناك تحديات كثيرة تتعلق بتقبل الناس للمشروع بسبب الظروف الصعبة التي يعيشونها، بالإضافة إلى التحديات اللوجستية والترتيبات وتنقل الفريق. ولا ننسى صعوبة التنقل إلى الخارج وصعوبة الحصول على فرص جديدة".
وأردف: "بالفعل، لو كان المشروع في بلد آخر غير اليمن أو على الأقل عندما كانت ظروف اليمن أفضل، فإن فرص النجاح كانت لتكون أكبر، وتواجدنا في المناسبات الدولية كان سيكون أسهل..."
وعن الانطباع العام حول هذا المشروع والانتقادات التي واجهته في البداية، قال القحوم: "يجب معرفة أنّ لدينا جمهوران. جمهور محلي، وجمهور خارجي. الجمهور الخارجي منبهر جداً وهو الأكبر وفقاً لما يصلنا من إشادات. بينما الجمهور المحلي له وجهات نظر تتعلّق بطريقة تقديم التراث".
وأضاف: "أنا أدرك تماماً أن الجمهور قد لا يكون قادراً على فهم التفاصيل والتداخلات الفنية المعقدة؛ لكنّه أمر طبيعي بسبب نقص الثقافة الموسيقية لدى الناس في اليمن وفي العالم العربي بشكل عام، إلا أنّه نابع عن حرص وعدم استيعاب في ذات الوقت. وفي كل الأحوال، كل ما نقوم به يخدم التراث".
ولفت المايسترو القحوم إلى أنّه "بالفعل، بعد الحفلة الأولى بأسابيع قليلة، بدأت تلك النظرة تختلف، لا سيّما بعد أن شاهدوا انبهار غير اليمنيين من الفكرة وردود الأفعال الإيجابية. من هنا بدأ اعجابهم بالفكرة".
طموحات
"طموحاتنا عالمية"، قال الفنان القحوم. وأضاف: "نسعى لأن يكون نجاحنا أكبر في المستقبل". وعن مدى الانفتاح مع الثقافات الأخرى، قال القحوم: "كمشروع، نحن منفتحون للغاية. لقد قدمنا في حفلة القاهرة ألواناً مختلفة تماماً عن الألوان الحضرمية. نحن نسعى لأن نكون واجهة عربية، وليس حضرمية أو يمنية فحسب. طموحاتنا كبيرة. إننا نسير بخطوات مدروسة جداً".
وفيما يتعلق بالعروض التي تلقتها الموسيقى الحضرمية حتى الآن، يقول القحوم: "الأمر لا يتعلق فقط بالعروض، ومع ذلك تأتينا أعمال بشكل أو بآخر. نحن بالتأكيد نتعامل بإيجابية مع كل الفرص[...]".
وفي خطوة مبتكرة وجريئة، قام الموسيقار القحوم بإحداث ما يمكن وصفها بالثورة في عالم الموسيقى، ولم يقتصر دوره على تأليف المقاطع الأوركسترالية فحسب، بل قرر أيضًا إعادة توزيع مجموعة من الأغاني العالمية والوطنية الشهيرة وتقديمها بأسلوب تراثي حضرمي فريد.
ومن بين الأعمال الملحمية التي حظيت بتوزيعه الجديد، موسيقى مسلسل "صراع العروش" الأمريكي الشهير. وبدلًا من تقديمها بالشكل التقليدي، قدمها القحوم وفرقته بالمقامات الحضرمية التراثية. ولم تكن هذه الأغنية الوحيدة، فقد أعاد توزيع أغاني عالمية شهيرة مثل ديسباسيتو وهافانا وأضاف لمسة فنية حضرمية أصيلة لتلك الأعمال الشهيرة.
وكانت شركة "صدى الإبداع" التي يمتلكها الموسيقار الشاب محمد القحوم، عبارة عن أستوديوهات صوتية فقط. وفي الوقت الراهن، أصبحت الشركة دولية وتضم أربعة فروع، ثلاثة منها في اليمن، وفرعها الرئيسي في مدينة دبي بدولة الإمارات التي قال القحوم، إنّه يٌقيم بها.