خذلان يطال 200 طفل في «مؤسسة حضرموت للتوحد»

أطفال مصابون بالتوحد يلعبون في فناء مؤسسة حضرموت للتوحد، 14 سبتمبر 2023 (لمركز سوث24 بواسطة إعلام المؤسسة)

خذلان يطال 200 طفل في «مؤسسة حضرموت للتوحد»

التقارير الخاصة

الأحد, 29-10-2023 الساعة 07:56 مساءً بتوقيت عدن

سوث24 | عبد الله الشادلي  

يعيش  أطفال التوحد الذين قدموا برفقة أسرهم من محافظات عديدة إلى محافظة حضرموت، جنوب اليمن، حالة من المعاناة جرّاء الإهمال الحكومي الذي يهدد بتوقف "مؤسسة حضرموت للتوحد"، أول مؤسسة رائدة في المحافظة في مجال تعليم وتأهيل الأطفال المصابين بالمرض.


 أطفال مصابون بالتوحد يلعبون في قاعة تدريب بمؤسسة حضرموت للتوحد، 14 سبتمبر 2023 (لمركز سوث24 بواسطة إعلام المؤسسة) 

لم يحصل 138 موظفًا وموظفة في المؤسسة على وظائف ثابتة من الحكومة المركزية رغم أهمية العمل الذي يضطلعون فيه، مما دفعهم إلى البحث عن وظائف تعاقدية توفرها السلطة المحلية في المحافظة، وهو ما حصل عليه 62 منهم فقط فيما يكافح 78 آخرين للحصول عليه حتى الآن.

وفي مطلع الشهر الجاري، نظمت المعلمات والموظفون من الرجال في مؤسسة حضرموت للتوحد وقفة احتجاجية شارك فيها بعض أهالي الأطفال أمام مبنى المحافظة بالمكلا، للمطالبة بحقهم في التعاقد أسوة ببقية المراكز التعليمية الأخرى التي دُشنت على غرار هذه المؤسسة لاحقاً.


تظاهرة سلمية نفذتها معلمات مؤسسة حضرموت للتوحد للمطالبة بحقهن في التعاقد الوظيفي، المكلا، 1 أكتوبر 2023 (لمركز سوث24 بواسطة إعلام المؤسسة) 
 

ومع استمرار تجاهل هذه المطالب وعدم الالتفات لها، يواجه 130 طفلا وطفلة من نحو 200 خطر التسريح وخسارة فرصة التعليم والتأهيل في المؤسسة نتيجة نقص الكادر المتوقع، وفق ما قاله مدير المؤسسة، عبد الله باصمد في حديث خاص لمركز "سوث24".

مؤسسة رائدة  

في نوفمبر 2012، تم تدشين مؤسسة حضرموت للتوحد تحت مُسمَّى "جمعية حضرموت لذوي الإعاقة الذهنية"، كأول جمعية خيرية غير ربحية تعمل على رعاية وتأهيل الأطفال ذوي الإعاقات الذهنية بجميع الدرجات على مستوى المحافظة. لاحقاً في عام 2014، تغيّر المُسمّى إلى "جمعية حضرموت للتوحد".

وفي 2017، تغير الاسم إلى "مؤسسة حضرموت للتوحد"، وفقا لمدير المؤسسة باصمد. مضيفًا: "دعمتنا آنذاك بعض منظمات المجتمع المدني. خلال العامين 2017 و2018، قمنا بتنفيذ دورات تخصصية عديدة لتأهيل كوادر مراكز التوحد في حضرموت على أيدي خبراء متخصصين من مصر والأردن، استقدمتهم المؤسسة".

ولفت باصمد إلى أنّه "بعد سلسلة من التدريب المكثّف والعميق، أصبح لدى مؤسسة حضرموت كادر متخصص يتمتع بكفاءة عالية على مستوى اليمن جله من النساء". وأردف: "رغم وجود 138 موظفا لدى المؤسسة، لازالت المؤسسة بحاجة إلى المزيد لتقديم الأفضل".


جانب من الدورة التدريبية التي نفذتها مؤسسة حضرموت للتوحد لجمعيات ومراكز التوحد بساحل ووادي حضرموت بالمكلا، 13 مايو 2018 (لمركز سوث24 بواسطة إعلام المؤسسة) 
 

ويشير باصمد إلى صعوبة وتعقيد وإجهاد العملية التي يضطلع بها كادر المؤسسة مع الأطفال المصابين بالتوحد. مضيفًا: "هناك صعوبة في التعامل مع الأطفال رغم وضع من 7-12 طفلًا فقط في الفصل الواحد". "هذا العدد وإن بدى قليلاً، إلا أنّه في الواقع يتطلّب اهتماماً بالغاً ووجود مجموعة من المعلمات مع الأطفال وذلك لكثرة حركتهم وضرورة ضبط الفصل".

إلى جانب الفصول العادية، أشار باصمد إلى أنّه لديهم قسم لتعديل السلوك، وآخر لتطوير مهارات التخاطب، ويتم يومياً إدخال 200 طفل بشكل فردي في كل هذه الأقسام على حدة لمدة نصف ساعة، و20 دقيقة أخرى في قسم التكامل الحسي".

مضيفا: "هذا يُفسر عدد الكادر الكبير لدينا. إنّ عملنا يتركز بدرجة أساسية على العمل الفردي. يتم تقييم كل طفل على حده من قِبل كوادر متخصصة بالمؤسسة. بناءً على كل حالة يتم وضع خطة خاصة بها".


معلمة ترصد طريقة تناول طفلة مصابة بالتوحد للطعام بمؤسسة حضرموت للتوحد، 14 سبتمبر 2023 (لمركز سوث24 بواسطة إعلام المؤسسة) 

نقص الوظائف والتمويل 

لا تتلقى مؤسسة حضرموت للتوحد أي دعم حكومي على الإطلاق، وتعتمد على دعم محدود من السلطة المحلية في حضرموت بالإضافة إلى الجهود الخيرية كما يؤكد رئيس المؤسسة عبد الله باصمد. ولفت باصمد إلى إن السلطة المحلية ترفض منح 76 معلمة وموظفا في المؤسسة وظائف تعاقدية أسوة بنحو 62 من رفاقهم.

وقال باصمد إن السلطة المحلية تُعزي موقفها إلى ما تعتبره عددًا كبيرًا من الموظفين لدى المؤسسة. مضيفًا: "مدينة كالمكلا، لا يُمكن مُقارنتها بأي منطقة أحرى في حضرموت، ومن البديهي أن يكون عدد الكادر كبيراً بما يتناسب مع عدد مرتادي المؤسسة".


موفد مركز سوث24 الصحفي عبد الله الشادلي مع مدير مؤسسة حضرموت للتوحد عبد الله باصمد، 15 أكتوبر 2023  

وأشار باصمد إلى أن "جميع مراكز ذوي الاحتياجات الخاصة في الساحل والوادي بحضرموت حصلت على تعاقدات تحت سقف التربية بنسبة 100%، إلا مؤسسة حضرموت، رغم أنَّها تُعتبر بالنسبة لمراكز التوحد الأخرى الأم الحاضنة".

وأردف: "توقف عمل المؤسسة يعتبر كارثة إنسانية واجتماعية. على السلطات المحلية أن تتحمل مسؤوليتها تجاه هؤلاء الأطفال وتتدخل لحل هذه المشكلة. المؤسسة تقوم بما عجزت عنه السلطة والدولة. أنا كرئيس مؤسسة، اتخذت قراري بعد طول انتظار. سيتم إشعار السلطة بأنّ المؤسسة ستعمل بحسب الإمكانات المتاحة، وسيتم ترحيل أكثر 130 طفل".

معاناة الأطفال والأهالي 

تُعدُّ مشكلة التوحد واحدة من التحديات الكبيرة التي تواجهها المجتمعات في العصر الحديث، حيث يعاني حوالي طفل واحد من بين كل 100 من التوحد حول العالم.

طبقاً لرئيس مؤسسة حضرموت للتوحد "شهدت حالات التوحد تفاقمًا خلال العشر سنوات الأخيرة". ورغم عدم وجود سبب علمي وراء ذلك، تشير بعض النظريات التي تحاول تفسير هذا المرض إلى أنّ من بين تلك الأسباب "تعسُّر الولادة"، في حين يجادل البعض أنّ زواج الأقارب، واللقاحات يمكن أن تكون لها علاقة بهذا المرض.

بطبيعة الحال، تختلف قدرات واحتياجات الأشخاص المصابين بالتوحد ويتمكن بعضهم من الحياة بشكل مستقل، في حين يحتاج آخرون إلى رعاية مستمرة، مع ذلك، يُمكن أن تُحدث التدخلات النفسية والاجتماعية التي يتلقاها الأطفال في المراكز المتخصصة فارقاً كبيراً، وفق ما قاله أولياء أمور أطفال بمؤسسة حضرموت للتوحد لمركز "سوث24".


فتيات مصابات بالتوحد يلعبن في فناء مؤسسة حضرموت للتوحد، 14 سبتمبر 2023 (لمركز سوث24 بواسطة إعلام المؤسسة) 

التوحد المشار إليه أيضاً باسم اضطرابات طيف التوحد هو مجموعة من الاعتلالات المتنوعة المرتبطة بتطور الدماغ. ويتناول هذا المصطلح الشامل حالات من قبيل مرض التوحد واضطرابات التفكك في مرحلة الطفولة ومتلازمة "أسبرغر". ويمكن اكتشاف مؤشرات التوحد في الطفولة المبكرة، ولكن التشخيص يستغرق وقتًا طويلاً. 

هذه الاحتياجات الخاصة تجعل من معاناة الأطفال المصابين بمرض التوحد مضاعفة مقارنة مع غيرهم من الأطفال، وهو ما يضاعف من الحاجة لمؤسسات متخصصة مثل مؤسسة حضرموت للتوحد. 

وتبلغ الرسوم الشهرية للطفل المصاب بالتوحد في مؤسسة حضرموت نحو 50 ألف ريال شهريًا، وهو مبلغ كبير بالنسبة للكثير من الأسر والأهالي، خصوصًا أولئك ممن لديهم أكثر من طفل مصاب بهذا المرض. ووفقا لمدير المؤسسة، لا يدفع سوى 10 أطفال هذه الرسوم فقط فيما تعفي المؤسسة العشرات الآخرين نظرا لظروف أسرهم المادية. 

ندى زيد، أم لطفلة مصابة بالتوحد قدمت من محافظة أبين إلى حضرموت قبل ستة أشهر، تحدّثت عن معاناة ابنتها البالغة سبعة أعوام مع مرض التوحد. قالت ندى لمركز "سوث24": "من الصعب حقاً النفاذ إلى المدارس، بخاصة الحكومية. لا حظَّ لابنتي في التعليم، بسبب هذا المرض. من ناحية أخرى، ظروفنا المادية أيضاً لا تساعدنا حتَّى وإن أردنا ذلك".

وفقا لباصمد، فإن السن المثالي لقبول أطفال التوحد في المؤسسات والمراكز المتخصصة يبدأ من الثالثة. مضيفًا: "يعتبر هذا العمر الأفضل لبدء التدخل المبكر حتى حوالي العاشرة. لدينا حتَّى الآن 77 طفلاً استطاعوا الالتحاق بالمدارس، وأغلبهم حصلوا على مراكز أولى في تحصيلهم العلمي".

وفي 9 سبتمبر 2021، احتفت مؤسسة حضرموت للتوحد، بتخرج 26 من منتسبيها من الطلاب، 18 منهم تم إلحاقهم بالمدارس الأهلية، و8 آخرين تعدّوا مرحلة الطفولة وتم إلحاقهم بالعمل المهني.


حفل تخريج عدد من الطلاب من مؤسسة حضرموت للتوحد (لمركز سوث24 بواسطة إعلام المؤسسة) 

وأضاف باصمد: "رغم قيامنا بإعطاء خطابات لبعض المدارس لقبول هؤلاء الأطفال، يقابلون مع الأسف الشديد بالرفض أحياناً، وترفض الإدارات التعاون معهم ولو بشكل إنساني. في الواقع، هؤلاء الأطفال فقط يتسمون بزيادة النشاط وفرط الحركة".


أطفال مصابون بالتوحد يلعبون في فناء مؤسسة حضرموت للتوحد، 14 سبتمبر 2023 (لمركز سوث24 بواسطة إعلام المؤسسة) 

وفي حديث لمركز "سوث24"، أبدت أسمهان المهري، وأحمد السقطري، وهما أولياء أمور أطفال بمؤسسة حضرموت للتوحد، قدموا من المهرة وسقطرى، مخاوفهما جرّاء ما قد تواجهه المؤسسة خلال الفترة القادمة".

قال أحمد السقطري: "أتمنى عدم ترك هذه الفئة تواجه عبئاً يفوق طاقتنا جميعاً. أتيتُ من محافظة سقطرى خصيصاً إلى هذه المؤسسة. لقد تحسّن ولدي كثيراً منذ التحاقه، وتحملنا أعباء كثيرة منذ أن قدمنا إلى المكلا". وأضافت أسمهان المهري: "المعلمات يقمن بدور كبير يفوق دورنا كأمهات لأطفالنا. أين سيذهب هؤلاء الأطفال لو أقفلت المؤسسة أبوابها؟".

وتجدر الإشارة إلى أن حالة الاضراب عن التعليم تم إقرارها منذ أسابيع في مؤسسة حضرموت للتوحد حتى الاستجابة للمطالب، وهو ما يعني بقاء 200 طفل وطفلة مصابين بالتوحد خارج أسوار المؤسسة. 


صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات


جنوب اليمنحضرموتمؤسسة حضرموت للتوحدأطفال التوحدالتوحد