التقارير الخاصة

هل ستجمد توترات البحر الأحمر صفقة السعودية والحوثيين؟

المدمرة الأمريكية يو إس إس كارني تتصدى لصواريخ ومسيرات حوثية في البحر الأحمر، 19 أكتوبر 2023 (البحرية الأمريكية/ وكالة الصحافة الفرنسية)

25-12-2023 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24| عبد الله الشادلي


بعد أشهر طويلة من المحادثات والمفاوضات الثنائية بين الحوثيين والسعودية بوساطة من عُمان، أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ في 23 ديسمبر الجاري رسميًا عن خارطة الطريق التي تبنتها السعودية ودفعتها قبل أسابيع إلى غروندبرغ لوضع اللمسات الأممية عليها.


وقال غروندبرغ في بيان إن الأطراف توصلت للالتزام بمجموعة من التدابير تشمل تنفيذ وقف إطلاق نار يشمل عموم اليمن، وإجراءات لتحسين الظروف المعيشية في البلاد، والانخراط في استعدادات لاستئناف عملية سياسية جامعة تحت رعاية الأمم المتحدة.


وأضاف البيان: "عبر غروندبرغ عن تقديره العميق للأدوار الفاعلة التي لعبتها المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان في دعم الطرفين للوصول إلى هذه النقطة، وحث جميع الأطراف على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس في هذا الوقت الحرج لإتاحة بيئة مواتية للحوار وتسهيل نجاح إتمام اتفاق بشأن خارطة الطريق". 


جاء هذا الإعلان في خضم أزمة متفاقمة تسبب فيها الحوثيون في البحر الأحمر ومضيق باب المندب بعد سلسلة هجمات غير مسبوقة استهدفت سفن تجارية وناقلات خلال الشهر الماضي بدعوى أنها ترتبط بإسرائيل. هذا التصعيد قوبل بتشكيل تحالف دولي لحماية الملاحة الدولية بقيادة الولايات المتحدة، تم الإعلان عنه قبل أيام. وقبل هذا التحالف، كانت البحرية الأمريكية والفرنسية قد تصدت فعلا لعدد من صواريخ ومسيرات الحوثيين.


ونتيجة لهذه التطورات في البحر، طفت على السطح أسئلة ملحة حول مدى تأثير هذه الأحداث على مساعي إنجاز اتفاق جديد في اليمن على أنقاض الهدنة السابقة في البلاد التي انتهت رسميًا دون تجديد في أكتوبر 2022. وما إذا كانت السعودية المتعطشة للخروج من أزمة اليمن سوف تستطيع إمساك العصا من الوسط والحفاظ على التهدئة والتنسيق مع الحوثيين، في ظل التوجه الأمريكي لمنع هجمات الجماعة البحرية، واحتمالات تفاقم الوضع.


وكإشارة لرغبة السعودية الملحة في تجنب أي تصعيد قد يفسد صفقتها مع الحوثيين، لم تنضم المملكة – رسميا على الأقل – إلى التحالف الأخير المعلن بقيادة السعودية. كما لم تفعل الإمارات، شريك الرياض في التحالف العربي. وللسبب ذاته، تجنبت الولايات المتحدة تسديد أي هجمات ضد الحوثيين ردا على هجماتهم البحرية خشية تعطيل هدنتهم مع السعودية، كما قال مسؤولون أمريكيون لصحيفة نيويورك تايمز.


ومع ذلك، يبدو أن التوتر في البحر الأحمر قد أثر فعلا بشكل سلبي على الجهود السياسية الأخيرة بشأن اليمن؛ فبيان غروندبرغ الأخير يبدو كإعلان عن اتفاق سياسي مع وقف التنفيذ حتى انتهاء التوترات البحرية. قبل هذه التوترات، كانت المؤشرات تشي بأن اتفاق من هذا النوع سيتم التوصل إليه قبل نهاية 2023. 


علاوة على ذلك، من المحتمل أن يؤدي تصعيد الحوثيين إلى تعقيدات أمام المساعي السعودية ليس خارجيا فقط، بل داخليا أيضًا. ففي 21 ديسمبر الجاري، حذر المجلس الانتقالي الجنوبي من أن "التصعيد الحوثي في البحر الأحمر وباب المندب يهدد جهود إحلال السلام والأمن الاقتصادي والقومي للجنوب". وأضاف البيان: "أي حديث عن حلول بمعزلٍ عما يجري من تصعيد يفرغ جوهر السلام من مضمونه".


فرملة الجهود؟ 


يؤكد المسؤول الدبلوماسي في المجلس الانتقالي الجنوبي عادل الشبحي أنه "لا يُمكن إبعاد العملية السياسية والجهود الدبلوماسية عمَّا يحصل من تطورات في البحر الأحمر". وأضاف لمركز سوث24: "الحوثيون طرف في العملية السياسية، وطرف في أحداث البحر الأحمر، والولايات المتحدة دولة متواجدة بالملف اليمني ولها نفوذها وتأثيرها المعروف". 


ويعتقد الشبحي أنه "بأي حال من الأحوال، سيكون هناك تأثير. وبغض النظر عن حجمه، فإنّه سيؤثر على الجهود السياسية التي تسير اليوم بوتيرة أقل مما كانت عليه قبل هذه الأحداث في البحر الأحمر".  


وبشأن موقع المجلس الانتقالي الجنوبي من هذه التطورات، قال الشبحي إنه من غير الممكن تجاوزهم في بناء وصياغة وإنجاح عملية السلام، أو التطورات البحرية الراهنة على حد سواء. مضيفًا: "الجزء الأكبر والمهم من حديث الوسطاء والمبعوث الأممي والمجتمع الدولي فيما يخص عملية السلام وكذلك التطورات والأحداث كان مع قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي، لتأثيرهم وفاعليتهم السياسية والعسكرية".


واليوم الاثنين، رفض المجلس الانتقالي الترحيب بالإعلان الصادر عن غروندبرغ بشأن خارطة الطريق.


وقال بيان المجلس: "تابعنا البيان الصادر عن المبعوث الدولي بشأن خارطة الطريق، وإذ نرحب بأي جهود سلام بعد أن يتم استكمال المشاورات مع جميع الأطراف الفاعلة لضمان تحقيق عملية سياسية شاملة وناجحة، نؤكد على ضرورة وجود عملية سياسية لحل قضية شعب الجنوب من خلال تضمين القضية في المسار التفاوضي التي سترعاه الأمم المتحدة".


كما اجتمع عيدروس الزبيدي بهيئة التشاور والمصالحة المساندة لمجلس القيادة الرئاسي لمناقشة الوفد التفاوضي المشترك للمجلس الرئاسي الذي لم ير النور حتى الآن. 


بالمقابل، يقلل الخبير السياسي اليمني عبد العزيز العقاب من تأثير التطورات في البحر الأحمر على جهود تحقيق السلام في اليمن. ويستبعد العقاب أن تلجأ الولايات المتحدة للتصعيد وتعطيل هذه الجهود، أو القضاء عليها عبر إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية من قبل واشنطن.


وقال لمركز سوث24: "هذا الأمر يتعارض مع ما هو موجود على الواقع من مندوب أمريكي معني بالحوار باليمن، وأيضا مبعوث أممي يقوم باللقاء بالأطراف جميعاً، وبعثة أوروبية وعملية حوار قائمة". ويضع العقاب هجمات الحوثيين في الإطار الرسمي الذي تعلنه الجماعة "منع السفن التي تأتي من وإلى إسرائيل". مضيفًا: "الأمر كان يتطلّب معالجة، وليس توسيع الصراع وخلق تداعيات جديدة". 


ويعتقد العقاب أن تحقيق اتفاق سلام في اليمن هو "الضمانة الأكيدة لحماية أمن المنطقة". مضيفًا: "الاتفاق يتعلق باليمن والأطراف اليمنية والمملكة العربية السعودية التي هي الآن لن تشارك وليست طرفاً في التطورات البحرية الجارية، وبالتالي فإنَّه من صالح المنطقة التوقيع على الاتفاق وتجاوز أي ضغوطات جارية".


ويتفق الباحث السياسي العماني سالم الجهوري في أن التطورات في البحر الأحمر لن تؤثر على خطط الرياض وصنعاء لتحقيق اتفاق سلام في اليمن. مضيفًا: "لا يُمكن للمملكة العربية السعودية أو أي دولة في دول مجلس التعاون أن يكون لها موقف مضاد لتحركات صنعاء الأخيرة لعدة اعتبارات، من بينها أن هذه التحركات تستهدف إسرائيل وحدها"، حدَّ تعبيره. 


وأضاف لمركز سوث24: "نتفق أو نختلف مع الحوثيين، الحوار هو الحل. لقد أثبتت سلطنة عمان ذلك وفتحت خط تواصل بين صنعاء والرياض خلال الفترة الماضية. السعودية ترى أنّ التهدئة في المنطقة هي من الأولويات، وترى أنَّ بقاء العلاقات مع الحوثيين سوف يؤدي إلى دفع الجميع إلى طاولة الحوار".


الرهان على السعودية 


في الإعلان الأخير لغروندبرغ، تمت الإشارة إلى السعودية بوضوح كوسيط إقليمي إلى جانب سلطنة عمان، وليس كطرف في الحرب والأزمة، وهو الأمر الذي لطالما سعت له المملكة منذ سنوات، ورفضه الحوثيون مرارا وتكرارا في بياناتهم وتصريحاتهم. وبهذا، يكون دور الوسيط لا الطرف، المقابل الذي أرادته المملكة من الحوثيين، ربما، مقابل الصفقة المخطط لها مع ضمان موافقة الأطراف في المعسكر المناهض للجماعة.


مُتعلق: السعودية والأزمة في اليمن: وسيط أم طرف؟


ومن بين الأطراف داخل اليمن، كانت وزارة الخارجية في الحكومة اليمنية قد رحبت وحدها بإعلان غروندبرغ أمس الأحد بشأن خارطة الطريق. 


ومع ذلك، قد يكون هناك انقسام داخل الحوثيين أنفسهم بشأن هذه الصفقة، فالقيادي الحوثي البارز علي ناصر قرشة، القريب من عبد الملك الحوثي، أظهر انزعاجًا كبيرًا من بيان غروندبرغ الأخير، وهاجم الوفد السياسي الحوثي الذي ذهب إلى السعودية. 


وكتب على حائطه في فيسبوك: "هذا البيان مهين جدًا ومخالف لما تم الاتفاق عليه، وللأسف غض الطرف عن حقوق أربعين مليون نسمة وتعويضهم وإعمار اليمن، وحول الطرف إلى وسيط. لقد نجح السفير آل جابر [سفير السعودية في اليمن] في إقناع فلان وفلان في الوفد المفاوض..".


ويكشف ما كتبه القيادي الحوثي عن مخاطر أيضًا حتى على مستوى جماعة الحوثيين تهدد الاتفاق الذي يطلق عليه الآن "خارطة طريق"، وهي أيضًا تصريحات تعزز الطرح عن وجود صراع أجنحة متطرفة وبراغماتية بين الحوثيين، أفشل العديد من الحوارات والنقاشات خلال الأعوام السابقة للوصول لحل سياسي في اليمن. 


وفي تصعيدهم الأخير في البحر الأحمر، يبدو أن الحوثيين راهنوا على السعودية في كبح جماح الرد الأمريكي، والحفاظ على المسار نحو الاتفاق السياسي مقابل الخروج الآمن للرياض من أزمة اليمن. وفي هذا الاتجاه، يرى الباحث العماني الجهوري أن "السعودية تريد الحفاظ على تقاربها الأخير مع إيران ونتائج محادثاتها ومفاوضاتها مع الحوثيين، وعدم التضحية بها في مغامرة أمريكية غير محسوبة المخاطر"، حدَّ وصفه.


وتجدر الإشارة بالفعل إلى أن الحوثيين كانوا قد حذروا أمس السبت من تحول البحر الأحمر إلى "ساحة حرب مشتعلة"، بعد أن فتحت بارجة أمريكية النار على طائرة استطلاع تابعة لهم الجمعة، بحسب المتحدث الرسمي محمد عبدالسلام. "على الدول المشاطئة للبحر الأحمر أن تدرك حقيقة المخاطر التي تهدد أمنها القومي"، أضاف البيان. 


ويرى الخبير السياسي المقيم في صنعاء رشيد الحداد أن الولايات المتحدة تمارس ضغوطا على السعودية في الوقت الراهن متعلقة بهجمات الحوثيين في البحر الأحمر. مضيفًا لمركز سوث24: "السعودية أبدت حرصها على عدم إقحام مسار السلام بالتوتر والتصعيد الذي يجري في البحر الأحمر وباب المندب بين قوات صنعاء والتحالف العسكري الجديد الذي تقوده أمريكا".


وأردف: "خلافا للتوقعات، جنبت الرياض نفسها الخوض في أي صراع جديد مع صنعاء. هناك ضغوط أمريكية على السعودية بشأن السلام ولاتزال تحركات مبعوث وسفير واشنطن تمضي في اتجاه معاكس وتعمل على إعاقة مسار السلام"، حد زعمه.


لكن الحداد لا يقلل من خطورة التوترات البحرية على المساعي السياسية لإنجاز اتفاق باليمن. مضيفًا: "التفاوض مع السعودية لايزال مستمرّاً عبر قنوات مباشرة وعبر الوسطاء. لكن في حال تصاعدت الأوضاع في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، أو قامت واشنطن بضرب اليمن، سوف ينعكس ذلك بشكل سلبي وقد يعود مسار السلام إلى النقطة صفر".


وحتى الآن، يبدو أنه من الصعب الجزم بمدى تأثير التوتر في البحر الأحمر بالمساعي السعودية لإنجاز الاتفاق مع الحوثيين، خصوصًا مع استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة وصعوبة تراجع الحوثيين عن هجماتهم الحالية تجنبا لإثارة خيبة أمل اتباعهم وأنصارهم كما يرى محللون. علاوة على الالتزام الأمريكي بحماية إسرائيل، وحماية المصالح الأمريكية في هذه المنطقة الهامة. 




صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا