التحليلات

حرب غزة: هل عمَّقت تقارب الإصلاح والحوثيين أم أظهرته؟

وفد من الحوثيين وحزب الإصلاح يزور مقر حركة حماس في صنعاء (إعلام الحوثيين)

30-12-2023 الساعة 1 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

"يذهب البعض إلى أن الحرب في غزة كانت مجرد نقطة لقاء مشتركة بين حزب الإصلاح والحوثيين، وأن التقارب يرتبط فقط بهذه القضية، لكنَّ تاريخ الطرفين لا يدعم هذا الاعتقاد.."



سوث24 | إبراهيم علي*


رغم أن الحديث عن وجود تقارب بين حزب الإصلاح اليمني، (إخوان اليمن) ومليشيا الحوثيين ليس جديدا، إلا أنَّ دخول الأخيرة على خط الحرب في غزة من خلال عمليات استهداف السفن في البحر الأحمر وباب المندب، وأيضا إطلاق صواريخ باتجاه جنوب إسرائيل، خلق أرضية خصبة للحديث عن هذا التقارب ومن زاوية مختلفة، خصوصا بعد مجاهرة أصوات بارزة في الحزب بالتأييد لعمليات الجماعة، بل واتهام من يعترض عليها من قبل البعض بـ "التصهين". رغم أن المعترضين يقولون إنهم ينطلقون من مبدأ الحرص على تجنيب اليمن تبعات مثل هذه الهجمات التي تتم داخل أهم ممر مائي اقتصادي لصالح مشاريع وأهداف خارجية.


ومع أن حزب الإصلاح لم يصدر حتى اللحظة بيانا رسميا حول هجمات الحوثيين - الذي وإن صدر فسيراعي على الأرجح وضع قادته في المملكة العربية السعودية كالعادة، إلا أن ما تم رصده منذ أول عملية للحوثيين، من لقاءات، وتصريحات، ونشاط إعلامي ودعائي، يفصح عن تبلور موقف أكثر وضوحا في قضية التقارب الحوثي ـ الإصلاحي.


تصريحات


بمجرد أن أعلن الحوثيون عن هجمات بصواريخ وطائرات مسيرة ضد إسرائيل، سارع القيادي في حزب الإصلاح، الشيخ مبخوت بن عبود الشريف إلى تأييدها. ومثله فعل البرلماني والقيادي البارز في الحزب محمد الحزمي، لتتوالى بعد ذلك المواقف المؤيدة والمشيدة. [1] 


ومع أن "الشريف" كتب ما يشبه التراجع، بعدما تعرض لهجوم شرس وواسع على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنه ربط تراجعه بتأثير وعدم تأثير الهجمات الحوثية. وهنا قال الشريف إنه أشاد بالحوثيين، وتمنى استمرار عملياتهم، لكنه بعد تتبع وجد أن الصواريخ سقطت في البحر، ولم يكن لها أثر على إسرائيل. [2]


وأضاف الشريف في التوضيح: "أجد نفسي مضطرًا لحذف تغريدتي السابقة، فإن عدتم ومحور المقاومة ـ كما يحلو لكم أن تسموه ـ إلى ضرب الكيان الصهيوني بصدق وإخلاص واستمرارية، فسوف أعيد تغريدتي لكم ولكل من حتى رمى بحجر على إسرائيل".  


كان هذا في البداية، قبل أن يستولي الحوثيون على سفينة إسرائيلية، ويقصفون أخريات بزعم ارتباطهن بإسرائيل، ويمنعون مرور السفن المتجهة إلى ميناء إيلات الإسرائيلي من المرور عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ويصبح تأثيرهم واضحا على الملاحة العالمية والإسرائيلية على وجه التحديد.


من المهم الإشارة هنا إلى أن الشريف هو عضو مجلس الشورى، ورئيس المكتب التنفيذي للتجمع اليمني للإصلاح في محافظة مأرب، وليس مجرد قيادي من المستويات الدنيا حتى يقال إن تصريحاته عبارة عن رأي شخصي.


كما تجدر الإشارة هنا إلى أن التصريحات سالفة الذكر ليست حالات فردية، كونها صادرة من قيادات لها وزنها داخل الحزب، وكون المواقف المماثلة، ومن قيادات أكبر، مستمرة في الظهور. فعلى سبيل المثال، كتب أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء، وعضو مجلس النواب، القيادي في حزب الإصلاح منصور الزنداني، مقالين عن الموقف اليمني من حرب غزة، ظهر فيهما التأييد لعمليات جماعة الحوثي بوضوح أكثر.


وكتأكيد على وجود تقارب، تحت مسمى محاربة "عدو مشترك"، قال الزنداني: "نعم نحن في اليمن مع غزة ومع المقاومة ومع كل فلسطين قلبا واحدا وصوتا واحدا وموقفا واحدا، فهي في اليمن توحدنا، وعلى كل صهيوني ومن يدعمهم أن يعلموا أن اليمن إذا قالت فعلت، وقولها حق، وفعلها حق، وحينها ليس لنا خيار آخر الا النصر، أما بني صهيون ومن يدعمهم فلن يكون لهم الا الهزيمة والذل والعار".


وأضاف الزنداني: "شعبنا واحد، وجيشنا واحد، وصفنا واحد، في هذه القضية، ولا مكان حينها للفرقة والشتات. هذه هي يمننا من الحديدة إلى المهرة ومن عدن إلى صعدة". [3] مع العلم أن هذه المقتطفات من مقال الزنداني الأول جاءت تفاعلا مع عمليات مليشيا الحوثيين في البحر الأحمر.


لا بد من الإشارة إلى أن وسائل إعلام مليشيا الحوثيين احتفت بمقال الزنداني، وقامت بإعادة نشره، وعلى رأس هذه الوسائل "26 سبتمبر" التابعة للتوجيه المعنوي، بل إن نائب مدير دائرة التوجيه المعنوي، العميد عبدالله بن عامر، أعاد نشره على حسابه في موقع "إكس". [4]


لقاءات


إلى جانب التصريحات، كشفت بعض اللقاءات، بين قيادات في حزب الإصلاح وأخرى من جماعة الحوثيين، عن مستوى متقدم من التقارب بين الطرفين.


فبعد أسبوع واحد من عملية "طوفان الأقصى" نشر عضو ما يسمى بالمكتب السياسي لجماعة الحوثيين، علي القحوم، صورة تجمعه مع عضو مجلس النواب عن حزب الإصلاح، د. منصور عزيز الزنداني، والدكتور فتحي العزب، والأخير هو مرشح سابق لرئاسة الجمهورية - 2006 - وعضو الأمانة العامة للإصلاح.


القيادي القحوم كشف بوضوح عن هدف اللقاء. فقد أكد أن اللقاء بالزنداني والعزب "يهدف لتعزيز الجبهة الداخلية، ومواجهة التحديات، وما أسماه الحصار، والحفاظ على سيادة واستقلال ووحدة اليمن والثوابت والمكتسبات الوطنية". [5]


وتعليقا على الزيارة من محسوبين على الإصلاح، قال مرسل الجزيرة في عمان، الإصلاحي سمير النمري، إنها "خطوة في الطريق الصحيح وينبغي أن يكون هناك تقارب أشمل للطرفين تمكن من حل قضايا اجتماعية هامة كفتح الطرقات بين المدن وتسهيل تنقل المواطنين". [6]


‏تفاعل رسمي


في سياق الحديث عن المواقف الرسمية لحزب الإصلاح من أحداث غزة بشكل عام، من المهم الإشارة إلى توقيع رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح، محمد اليدومي، يوم الـ 26 من ديسمبر الجاري، على مبادرة عربية، دعت قادة فصائل العمل الوطني وعموم الشعب الفلسطيني، إلى التقاط الفرصة التاريخية التي وفرتها عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر، والتلاقي حول استراتيجية وطنية جديدة ترقى إلى مستوى "الكارثة والبطولة" في قطاع غزة.


المبادرة التي وقع عليها رئيس الهيئة العليا للإصلاح، ضمن أكثر من 100 شخصية عربية وإسلامية، "دعت القادة الفلسطينيين للعمل صفاً واحداً في مواجهة ما يُحاك من خطط ومؤامرات، تهدف إلى تحويل النصر إلى هزيمة، والفرصة إلى تهديد، ودائماً من أجل إلحاق (نكبة جديدة) بالشعب الفلسطيني، وتهجيره عن أرضه ووطنه".

ويعتبر توقيع اليدومي على المبادرة أول تفاعل رسمي معلن من قبل حزب الإصلاح مع ما يحدث في غزة. مع العلم أن المبادرة تنسجم مع الدعوات التي أطلقت من داخل حزب الإصلاح للتقارب مع جماعة الحوثي وغيرها، لكنها ركزت على أطراف الداخل الفلسطيني بشكل رئيسي.



حماس ترحب


رغم أن حزب الإصلاح قد ينفي وجود تقارب، ويعتبر ما حدث تصرفا فرديًا، إلا أن حركة حماس، وعبر ممثلها في صنعاء، اعتبرت الزيارة المشتركة تعبيرا عن وحدة الصف. ولا شك أن هذا التعبير الذي استخدم مفردة "الوحدة" يتجاوز التقارب إلى ما هو أبعد.


تفصيلا، قال ممثل حركة حماس في صنعاء، معاذ أبو شمالة، إن زيارة الوفد الحوثي ـ الإصلاحي يمثل تطلعات الأمة بالوحدة والسير نحو هدفها الأساسي ومؤازرتها في معركتها الراهنة.


وبتعبير أوضح، أكد أبو شمالة، أن صورة الوحدة في الوفد المشترك (الحوثي ـ الإصلاحي) "ترفع معنويات شعبنا الفلسطيني وعزيمته في المعركة ضد العدو الصهيوني، ويوجب على جميع أبناء الأمة التوحد من أجل قضاياها المركزية".


ولا شك أن ما قاله ممثل حماس في اليمن يعتبر حديثا واضحا ومباشرا عن التقارب بل والتحالف بين حزب الإصلاح وجماعة الحوثيين. [7] 


جبهة الإعلام


ربما تجلى التقارب بين الإصلاح والحوثيين في هذا الجانب بصورة أكثر وضوحا، لارتباط كثير من المحسوبين على الحزب بقطر وعمان. لعبت قناة "الجزيرة" القطرية دورا كبيرا في الدعاية لهجمات الحوثيين على إسرائيل وفي البحر الأحمر، كما لعبت عمان دورا مماثلا، حيث أشاد مفتي السلطنة بهجمات الحوثيين كثيرا. لهذا كان المرتبطون بهما من الإعلاميين اليمنيين المنتمين لحزب الإصلاح أكثر اندفاعا. على سبيل المثال، حوَّل القيادي الإصلاحي مختار الرحبي قناة "المهرية، التي يديرها، إلى منصة للدعاية الحوثية المتعلقة بالعمليات ضد إسرائيل.


الجدير بالذكر أن هذه القناة كانت قد كرَّست جهدها لمهاجمة التحالف العربي في اليمن خلال الأعوام الماضية، بل إنها أُطلقت لهذا الهدف ابتداء. على غرار الرحبي، جاء النشاط الدعائي لإعلاميين آخرين في الحزب، مثل سمير النمري، مراسل قناة "الجزيرة" من سلطنة عمان، إضافة إلى رئيس تحرير موقع "هنا عدن" أنيس منصور، وعبدالله دوبلة مقدم برامج سياسية على قناة "يمن شباب" الإصلاحية، وآخرين. يمكن القول إن هؤلاء، ومن خلال نشاطهم الإعلامي، يحملون رسائل غير مباشرة من الحزب إلى الجماعة التي بنت على نشاطهم دعوتها لتقارب يتجاوز ما قيل إنه خلاف سابق.


ففي السابع من نوفمبر المنصرم دعا عضو المكتب السياسي في جماعة الحوثيين محمد البخيتي جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، وتحديدا حزب الإصلاح، إلى “وحدة الصف وإنهاء الصراع بينهما”.


البخيتي أكد أن "الدافع ليس تحقيق مكاسب سياسية من خلال طرح مطالب تعجيزية، بل يعود إلى تكالب الباطل في العالم على غزة، بهدف إبادة أهلها وكسر إرادة مقاومتها”. ودعا إلى “تأمين ظهر محور المقاومة في اليمن وسوريا والعراق من خلال التنسيق لتهدئة الأوضاع الداخلية، بهدف تحقيق الاستقرار والتقارب والإعداد للتحرك المشترك في حال اتساع رقعة المعركة، وتشجيع تركيا على اتخاذ مواقف أقرب إلى محور المقاومة منها لأميركا وحلف الناتو". على حد وصفه. [8]


كما قدَّم القيادي محمد البخيتي الشكر إلى حركة حماس لدورها في توحيد الشعب اليمني، وذلك في إشارة إلى التحالف مع حزب الإصلاح على الأرجح. وبصورة مباشرة، دعا البخيتي إخوان اليمن إلى فتح صفحة جديدة وطي صفحة الماضي وتوحيد الصف لمواجهة العدوان الإسرائيلي والغرب بقيادة اميركا ضد غزة وفلسطين.


واللافت هو أن حزب الإصلاح لم يكشف عن موقفه الرسمي في بيان كما كان يفعل في السابق، رغم أن نشاط المحسوبين عليه يلصق به تهمة التحالف مع الحوثيين. فعلى سبيل المثال، اضطر حزب الإصلاح للتبرؤ من توكل كرمان في بيان رسمي بعد مهاجمتها للسعودية والإمارات، بل إنَّه فعل ذلك مع إعلاميين مغمورين أمثال رداد السلامي، للسبب ذاته. [9]


قبل حرب غزة


يذهب البعض إلى أن الحرب في غزة كانت مجرد نقطة لقاء مشتركة بين حزب الإصلاح والحوثيين، وأن التقارب يرتبط فقط بهذه القضية، خصوصا وأن كيانات أخرى غير الحزب اتخذت موقفا مماثلا، لكنَّ تاريخ الطرفين لا يدعم هذا الاعتقاد.


على سبيل المثال، سارعت قيادات من حزب الإصلاح إلى زيارة محافظة صعدة للقاء زعيم جماعة الحوثيين بعد سيطرة الأخيرة على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات الشمالية أواخر العام 2014. حينها قالت صحيفة "الصحوة نت" التابعة للحزب، إن الهدف من لقاء قيادات الحزب بـ "السيد" هو طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة. يشير الحديث عن "فتح صفحة جديدة" إلى أن الأمر تجاوز "التقارب" إلى "التحالف". كما أن استخدام مفردة "السيد" بدلا عن "زعيم المتمردين" له دلالته الخاصة. [10] 


حينها قال موقع "الصحوة نت"، إن اللقاء هدف إلى "طي صفحة الماضي والتوجه نحو بناء الثقة والتعاون في بناء الدولة وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة". وبحسب الموقع فإن "الجميع أبدوا رغبتهم في التعاون والتعايش عملا بمبادئ الإسلام الحنيف التي تدعو إلى الأخوة والمحبة والسلام، واستشعاراً للمسؤولية الوطنية والأخلاقية والمخاطر المحدقة التي تحيط باليمن". [11]


من المهم الإشارة إلى أنه وعقب سيطرة الحوثيين على صنعاء في 21 سبتمبر 2014، بذل حزب الإصلاح، محاولات بهدف التقرّب من جماعة الحوثيين.  وفق مركز "كارنجي"، بلغ مسار التقارب ذروته في اللقاء الذي جمع في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2014، بين وفد رفيع ضم رئيس الدائرة السياسية لحزب الإصلاح سعيد شمسان ورئيس كتلته البرلمانية زيد الشامي، بقادة جماعة الحوثيين بمن فيهم زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي. [12]


ولا شك أن تحالف الطرفين كان سيتعمق لو لم تعلن المملكة العربية السعودية عن عملية عسكرية في اليمن عام 2015. تعامل الحزب ببرجماتية مع عملية "عاصفة الحزم"، وحاول لاحقا أن يعوض من خلالها ما خسره في ما أُطلق عليه "الربيع العربي".


ومع أن حزب الإصلاح أعلن عن تأييده لعملية عاصفة الحزم، إلا أن تواصله مع جماعة الحوثيين لم ينقطع، ولو باسم قيادات وسطية، وفق تعبير صحيفة "الأخبار" اللبنانية المقربة من حزب الله. بعد ثلاث سنين من إطلاق عملية "عاصفة الحزم"، أكدت الصحيفة أن "المؤشرات تتزايد، يوماً بعد يوم، على تقارب بين "الإصلاح" و"جماعة الحوثيين"، مرجعة ذلك إلى ظهور جناح في الأول مناهض لـ "التحالف" وداعٍ إلى التصالح مع "الحوثيين".


الصحيفة أضافت أنه وعلى رغم الممانعة التي لا يزال يبديها الجناح الآخر، إلا أنّ مصادر "إخوانية" تؤكد لـ"الأخبار" أنه يبارك ضمناً تحركات القيادات الوسطية، فيما تتلقى جماعة الحوثيين بالترحاب دعوات المصالحة، مبدية استعدادها لتقديم الضمانات اللازمة. على حد وصفها.


وتبعا للصحيفة فإن هذا الغزل السياسي بين حزب «الإصلاح» و«جماعة الحوثيين» أعقبته تسريبات عن لقاء احتضنته الدوحة أواخر كانون الأول/ ديسمبر 2018، جمع الناطق الرسمي لجماعة الحوثيين محمد عبد السلام، والقيادية في الإصلاح توكل كرمان، وهو ما نفته كرمان مُوارَبة على الأرجح. [13]


دور إيران


لفهم الأمر أكثر، من المهم الإشارة إلى أن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" تنتمي إلى التنظيم الدولي للإخوان المسلمين الذي ينتمي إليه حزب الإصلاح في اليمن، ولهذا مثَّل وقوف الحوثيين إلى جانبها في الحرب الأخيرة حدثًا مهما في التقارب، أو في إظهار التقارب بين الحزب وجماعة الحوثيين. مع أنَّ وقوف جماعة الحوثيين جاء بإيعاز من إيران التي تقدم الدعم للحركة منذ عقود، وهو أمر لا ينكره الطرفان بل ويتفاخران به. بمعنى أن إيران هي ـ من قبل وبعد ـ مهندسة التقارب بين أذرعها في المنطقة وبين المحسوبين على تنظيم الإخوان.


يمكن أن ينسحب هذا الأمر على تنظيم القاعدة أيضا، وإن بنسبة أقل، على اعتبار أن الأخير لديه علاقة وطيدة مع تنظيمات الإخوان المسلمين، وقد ظهر ذلك جليا خلال حرب اليمن الأخيرة، إذ شارك في جبهات حزب الإصلاح شمالا وجنوبا، وفق ما أكده قادة بارزون في التنظيم أخيرًا. في العام 2016، أكد القيادي في القاعدة، جلال بلعيدي المرقشي أنهم شاركوا في 11 جبهة قتال ضد الحوثيين. بعد هذا التصريح بعام، أكد أبو هريرة الصنعاني (زعيم التنظيم في اليمن حينها) أنهم شاركوا في جبهات القتال إلى جانب الإخوان المسلمين والسلفيين. [14]


يمكن الإشارة هنا إلى أن تواصلا بين قاعدة اليمن والحوثيين حدث طوال السنوات الماضية وأسفر عن خروج قيادات بارزة من سجون صنعاء، وأيضا الإفراج عن الملحق الثقافي في سفارة إيران لدى صنعاء "أحمد نكبخت" المختطف لدى التنظيم.


أصوات أخرى


في مقابل الأصوات الإصلاحية التي تجرأت وأشادت بعمليات الحوثيين، ظهرت أصوات أخرى برأي مختلف. على سبيل المثال، انتقد الباحث الإصلاحي عصام القيسي، التفاعل على هذا النحو مع عمليات الحوثيين.


وكتب القيسي، عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "إكس": "شباب كنا نظنهم من الراسخين في الفهم والانتماء الجمهوري، ومن أصحاب الحس النبيل الذي لا يقبل مشاريع الكهنوت والدجل والغيبوبة. وفجأة وجدناهم في صف الحوثي بزعم أنه يقاتل الصهاينة!. بل ويتهمون من يعارضهم بالصهينة!. يا لها من أيام.. لولا أمانة الكلمة لغادرنا هذا الفضاء التافه بهدوء". [15]


لكنَّ أصوات أصحاب هذا الرأي، هي من التي ليست لها تأثير ولا مكانة داخل الحزب.


انقسام


بالنظر إلى التصريحات المتداولة منذ بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، قد يبدو حزب الإصلاح منقسما على نفسه في قضية جماعة الحوثيين، لكن ربط كل تصريح بعامل المكان، وحسابات الأمن الشخصي، يشير إلى أن هناك موقفا واحدا بأشكال عديدة. على سبيل المثال، نجد أن المحسوبين على الحزب المتواجدين في دول مثل قطر وتركيا وعمان، يجاهرون بالتأييد للحوثيين، على خلاف المحسوبين على الحزب المتواجدين في دول أخرى. لكن لماذا كان موقف القسم الأول هو التعبير الحقيقي عن موقف الحزب الذي يفترض أن يكون رسميًا؟. ببساطة، لأن لدى هؤلاء حرية اتخاذ موقف آخر، في حين أظهر القسم الثاني موقف "الضرورة" لا أكثر.


لا يختلف الأمر هنا عن موقف حزب الإصلاح من دول التحالف العربي، لكنه يبدو أكثر وضوحا في القضية المرتبطة بحرب غزة، لوجود مساحة أكبر للتبرير وتمرير الموقف تحت غطاء قضايا جامعة كالقضية الفلسطينية.


رفع الحرج


على مستوى البيانات، لم يصدر حزب الإصلاح أي بيان رسمي عن هجمات الحوثيين في البحر الأحمر وباب المندب، لكنه، وبعد أكثر من شهر على بدء الهجمات، نشر تقريرا صحافيا حولها، استعان فيه بتصريحات لمحللين من خارج دائرته الحزبية، كـ عبدالناصر المودع. [16]


وبطبيعة الحال، فإن التقرير الذي نشر على صفحة الموقع الرسمي للحزب "الإصلاح نت"، لا يعكس موقفا رسميا، لكنه جاء ـ على ما يبدو ـ لرفع الحرج، فعلى رغم أنَّ الإصلاح يتعامل ببرجماتية مفرطة، إلا أنه لن يصدر بيانا رسميا ضد حقيقة موقفه يثير استياء حماس وإيران، خصوصا في هذا التوقيت.


والمهم في هذا الأمر هو أن البيانات التي يصدرها الحزب حول قضايا حساسة، لا تعكس حقيقة موقفه غالبا، كمباركته للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فوزه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.


وهو أمر يدركه المحسوبون على جماعة الإخوان داخل اليمن وخارجها. فعلى سبيل المثال، علق محمد الأمين الشنقيطي، أستاذ الشؤون الدولية بجامعة قطر، على تهنئة الحزب للرئيس السيسي بالقول: "بينما يسعى الحوثي لبناء الشرعية لانقلابه داخل اليمن، والقبول خارج اليمن، بوقفته الشجاعة مع غزة، يهنئ رئيس حزب الإصلاح السيسي - الذي يحاصر غزة - بفوزه في المهزلة الانتخابية!".


وأضاف الشنقيطي، عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "إكس": "لن أناقش نسبة الصدق والنفاق في الموقفين، لكني أجد فيهما فرقا واضحا بين الدهاء السياسي والدروشة السياسية". [17]


إقرار وتحفُّظ


حاول كاتب التحليل التواصل مع قيادات في حزب الإصلاح للاستيضاح حول التقارب مع الحوثيين، لكن معظمها رفض التصريح، بينما وافق قيادي من مستوى متوسط على الحديث شريطة عدم ذكر اسمه، حيث أدلى بتصريح مقتضب ومتحفظ لمركز سوث24، جاء فيه: "نحن كيمنيين نلتقي في موقف واحد من العدو الصهيوني في فلسطين، ونقول إنه يجب أن نضع الخلافات جانباً لأننا بحاجة لذلك قبل كل شيء كيمنيين، وهذا ليس من اليوم بل على الدوام".


وأضاف: "وبشأن الحديث عن تقارب، لا أستطيع أن أصف ما يجري أنه تقارب، ولكن هناك إشارات إيجابية، والحقيقة أن قيادات في أنصار الله تتواصل ونحن من جانبنا أيضاً لا نضع أي عراقيل، ولكن النوايا أو الدعوات من هنا أو هناك لا تكفي". [18] 


وختم حديثه بالقول: "نريد أن تكون هناك خطوات ثقة بين كل اليمنيين وفي الإطار الرسمي الملزم للجميع".


خلاصة


لا يمكن القول إن التقارب بين الحوثيين وحزب الإصلاح في اليمن، وصل إلى مرحلة متقدمة بسبب الأحداث والتطورات الأخيرة في غزة، إذ لا يمكن لحدث، أيًا كان حجمه، أن يخلق تقاربا سريعا على هذا النحو بين طرفين يزعمان أنهما يحاربان بعضهما.  لكن يمكن القول إنَّ التقارب الذي كان يتوارى خلف معارك وهمية بين الطرفين في اليمن طوال الأعوام الماضية، ظهر إلى العلن بصورة أكثر وضوحًا، وإنَّ أحداث غزة لم تكن دافعا للتقارب بقدر ما كانت غطاءً جديدًا أو مبررًا له، على اعتبار أن هناك رأيا شعبيا سائدا يربطه بها.


إلى جانب ذلك، كان التواصل المباشر بين المملكة العربية السعودية وجماعة الحوثي قد رفع الحرج عن قيادات حزب الإصلاح وأخرج تواصلهم مع القيادات الحوثية إلى العلن، لكن حرب غزة الأخيرة أظهرته بشكل أكبر. لقد كشفت الأحداث السياسية والعسكرية العديدة في المنطقة وجود اتفاق على نطاق واسع بين الرؤية الحوثية والإخوانية، وأنهما كذلك تتطابقان في كثير من القضايا والمواقف.


توصيات


- إن ما تم ويتم رصده في هذا الجانب يدفع إلى إعادة القراءة وبصورة مختلفة للمعركة التي تزعمها حزب الإصلاح من طرف "الشرعية" ضد جماعة الحوثيين في أكثر من جبهة خلال السنوات الماضية، خصوصا وأن المواجهات أفضت إلى نتائج كارثية من قبيل سقوط محافظات ومدن في يد الحوثيين.


- يمكن إرجاع الإخفاق في كثير من الجبهات ضد الحوثيين خلال الأعوام الماضية، إلى أن حزب الإصلاح كان جزءا رئيسيا من المعركة.


- لا بد من إعادة النظر في وجود محسوبين على الإصلاح ضمن تشكيلات مسلحة في محافظات الجنوب، وعلى الأطراف الخارجية التي تتولى ذلك أن تدرك مدى خطورته.


- لا بد من إعادة النظر في وجود قوات تابعة لحزب الإصلاح منضوية تحت لواء الجيش التابع الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا.


- الحديث عن خطر وجود حزب الإصلاح كقوة مسيطرة في وادي حضرموت لم يكن ترفا، بل كان نابعا من مخاوف حقيقية وإدراك لمثل هذه التحالفات.


- لا بد من فتح ملف المناطق اليمنية التي مازالت خاضعة لسيطرة حزب الإصلاح، في مأرب والجوف وتعز ووادي حضرموت وغيرها، إذ من غير المستبعد أن ينتظرها مصير مشابه، خصوصا في ظل التحشيدات الحوثية الأخيرة.




*إبراهيم علي
خبير متخصص في شؤون الجماعات المسلّحة، طلب عدم الكشف عن هويته، لأسباب شخصية


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا