تصميم مركز سوث24
18-01-2024 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن
"بناء على التقارب السابق بين إيران وذراعها في اليمن، من جهة، والقاعدة من جهة أخرى، الذي كان مرتكزا في الأساس على ما يشبه تقاطع المصالح، يمكن الخلوص إلى أنّ حرب غزة ستؤسس لتقارب مبني على المبادئ".
مركز سوث24 | إبراهيم علي*
قبل أيام، أعلن تنظيم "الدولة الإسلامية" مسؤوليته عن الهجمات الدموية في مدينة كرمان الإيرانية، والتي أسفرت عن مقتل وإصابة ما يزيد على 300 شخص من زوار ضريح قائد الحرس الثوي السابق "قاسم سليماني"، في ذكرى مقتله بغارة أمريكية بالعراق.
وبالرغم من أنّ تنظيم "الدولة" يحمل نفس أيدلوجيا تنظيم "القاعدة" الجهادية، إلا أنّ الموقف يختلف عندما يتعلق الأمر بإيران والشيعة عمومًا. على سبيل المثال، ترفض "قاعدة اليمن" هذا النوع من العمليات ضد المحسوبين على الشيعة.
كانت هناك عملية منفردة لتنظيم القاعدة ضد متظاهرين حوثيين في العاصمة صنعاء عام 2014، إلا أن خلافه مع تنظيم داعش بعد ذلك دفعه إلى انتهاج سياسة عملياتية تبدو أقل تطرفًا، بغرض خلق انطباق عن وجود اختلاف بينه وبين تنظيم الدولة، أو لإبراز حجم المسافة بينهما.
قبل الخلاف، كان فرع القاعدة اليمني يحرص على محاكاة عمليات تنظيم الدولة، بما فيها تلك الأكثر تطرفًا. وقد أقدم، ولأول مرة، على ذبح عدد من الجنود في "حوطة الحبيب زين" بوادي حضرموت عام 2014 بينما كان داعش ينفذ عمليات كهذه بشكل شبه يومي في العراق. حتى عمليات الاقتحام للمعسكرات والمناطق العسكرية في اليمن حاكت عمليات العراق حد التطابق. حرصت قاعدة اليمن على محاكاة سلسلة عمليات "هدم الأسوار" بشكل حرفي قبل العام 2015.
لكنَّ اللافت هو أنّ فرع القاعدة في اليمن لم يتوقف وحسب عن تنفيذ عمليات في مناطق الحوثيين تحاكي عمليات داعش، إنما توقف عن النشاط بشكل شبه كلي داخل تلك المناطق. حتى المناوشات التي كانت تدور بين الطرفين في محافظة البيضاء (وسط اليمن) بعد العام 2015، انتهت تماما في العام 2021، إثر انسحاب التنظيم من آخر معاقله بالمحافظة. بخلاف محافظات الجنوب، لم يعد تنظيم القاعدة إلى محافظة البيضاء أو إلى معاقل نائية فيها لتنفيذ عمليات خاطفة ضد الحوثيين، رغم قدرته على ذلك.
ومع أنّ التنظيم تلقى ضربات موجعة من القوات الجنوبية في محافظة أبين، وتم تضييق الخناق عليه كما لم يحدث من قبل، إلا أنه حرص على البقاء، وابتكار أساليب جديدة للحفاظ على موطئ قدم في بعض جبالها الوعرة.
يُثير هذا الموقف لفرع القاعدة اليمني من جماعة الحوثي، أو سياسته تجاهها، الكثير من التساؤلات، خصوصا وأن خطاباته السابقة ضد الحوثيين اتسمت بالتطرف، وأيضا بعض عملياته، كتلك التي نفذها ضد منتسبين إلى أسر "هاشمية" في منطقة ريام التابعة لبلدة رداع بمحافظة البيضاء بين العامين 2013-2014.
"كلمة السر"
في هذا السياق، يمكن الإشارة إلى إيران كـ"كلمة سر" وراء هذه السياسة، ابتداء من العام 2014، حيث بدأ الأمر بإطلاق جماعة الحوثي عددا من أعضاء وقيادة تنظيم القاعدة، مقابل إفراج التنظيم عن المحلق الثقافي الإيراني في سفارة إيران بصنعاء، والذي كان مختطفا لدى التنظيم. أفرجت إيران من جانبها عن القيادي المصري البارز في القاعدة "أحمد سيف العدل" ضمن الصفقة ذاتها.
انعكست هذه الصفقة بشكل إيجابي على الوضع الأمني في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. ويبدو أن هذا من ضمن أهداف إيران من وراء تواصلها مع قاعدة اليمن. إلى جانب أن نشاط التنظيم توقف في مناطق سيطرة الجماعة، استمر الطرفان في إبرام صفقات تبادل المختطفين والمعتقلين في سجونهما طوال الأعوام الماضية.
لا شك أن قاعدة اليمن مدينة لإيران بالإفراج عن معظم معتقليها في السجون الحوثية ممن تم القبض عليهم خلال فترة حكم نظامي صالح وهادي، ومنهم قيادات كبيرة. في العام 2021، قدّمت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليات تقريرا لمجلس الأمن الدولي تضمن الإشارة إلى 250 من سجناء القاعدة الذين أفرج عنهم الحوثيون.
وإلى جانب التجاوب مع توجيهات إيران، تعاملت جماعة الحوثي مع سجناء القاعدة خارج التزامات الحرب الدولية على الإرهاب، بسبب مشاركة أمريكا لوجستيا في الحرب التي شنتها السعودية على الجماعة ابتداء من 26 مارس 2015. لا يتعلق الأمر هنا بالإفراج عن السجناء فقط، وإنما أيضا بطريقة معاملتهم، حيث حظي معتقلو التنظيم بمعاملة أفضل على مستوى الطعام وغرف الاعتقال وغير ذلك.
بعد حرب غزة
إضافة إلى موقف فرع القاعدة المعتدل من جماعة الحوثي، ودخول إيران على خط تقريب وجهات النظر بين الطرفين، برزت حرب غزة الأخيرة، كعامل جديد في سياق ترسيخ وتعميق هذا التقارب. كما أن تنظيم القاعدة في اليمن لا تختلف مواقفه كثيرا عن حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي بدا تأييده واضحا للعمليات الحوثية في البحر الأحمر.
من المهم الإشارة إلى أن الفرع اليمني للقاعدة كان قد تقارب أيضا، وبشكل كبير، مع الإصلاح خلال السنوات الماضية. إضافة إلى أنّ هذا التقارب كان من آثار حرص القاعدة على الابتعاد عن نهج تنظيم الدولة، وأيضًا من آثار الالتقاء عند نقطة الحرب ضد دولة الإمارات والقوات الجنوبية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي كعدوين مشتركين، لدورهما في ملف مكافحة الإرهاب. ولا يمكن إغفال دور إيران في هذا الجانب.
بالعودة إلى عامل حرب غزة، من المهم الإشارة إلى تفاعل فرع تنظيم القاعدة اليمني الكبير معها، حيث أصدر هذا الفرع بيانا عقب عملية السابع من أكتوبر ضد إسرائيل، أشاد فيه بحركة حماس وكتائب القسام دون الإشارة إلى الدعم الإيراني وعلاقة الحركة بإيران. على خلاف تنظيم الدولة الذي اعتبر علاقة حماس بإيران نقطة خلاف رئيسية، كما ورد في الكلمة الصوتية الأخيرة للناطق الإعلامي باسم داعش.
بناء على التقارب السابق بين إيران وذراعها في اليمن، من جهة، والقاعدة من جهة أخرى، الذي كان مرتكزا في الأساس على ما يشبه تقاطع المصالح، يمكن الخلوص إلى أنّ حرب غزة ستؤسس لتقارب مبني على المبادئ. ويمكن القول إنه لو كان لدى قاعدة اليمن ناشطون إعلاميون وصحافيون على مواقع التواصل، لرأينا نفس المواقف المندفعة للناشطين من أنصار حزب الإصلاح تجاه عمليات الحوثي، وهذا ناتج طبيعي للموقف من حركة حماس والذي ينسحب بدوره على الداعمين لها من المحسوبين على إيران في مرحلة تعرض الحركة لتهديد وجودي.
ومما لا شك فيه أنّ الهجمات التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ضد أهداف حوثية في 12 يناير الماضي، قد تعزز أهداف الطرفين (الحوثيون والقاعدة) وتدفع نحو مزيد من التنسيق والتعاون بين الجماعتين.
سيف العدل
تشير بعضُ المعلومات إلى أنّ القيادي المصري في تنظيم القاعدة "أحمد سيف العدل" لعب دورا محوريا في تقريب وجهات النظر بين إيران والتنظيم، لإيمانه بأنّ الحرب على الغرب وأذرعه في المنطقة تستدعي تحالفا استراتيجيا مع طهران.
وفي حال صَحّت هذه المعلومات، يمكن القول إنّ حرب غزة، ودور إيران المباشر فيها ومن خلال أذرعها في المنطقة، ستُعمِّق هذا الإيمان لدى سيف العدل، وستعزز وجهة نظره أيضا لدى تنظيم القاعدة المهيأ أصلا لذلك.
هذا التقارب سيتجلى بوضوح أكبر لدى الفرع اليمني لتنظيم القاعدة، كونه الفرع الأقوى حاليا، وصاحب الفضل في الإفراج عن أحمد سيف العدل، إضافة إلى أنه يتواجد في بلد يتواجد فيه أيضا واحدٌ من أذرع إيران القوية (جماعة الحوثيين).
التصنيف الأخير
أعادت الولايات المتحدة، الأربعاء، تصنيف جماعة الحوثيين كـ "جماعة إرهابية عالمية" بشكل خاص. وبالرغم من أن التصنيف الأمريكي مرتبط باستمرار عمليات الحوثيين ضد السفن التجارية في البحر الأحمر، إلا أن من شأنه أن يعزز من تقريب وجهات النظر بين الجماعة وتنظيم القاعدة في اليمن. بالنسبة إلى التنظيم، سيبدو التصنيف بمثابة إثبات عملي على وجود عداء حقيقي بين الحوثيين وأمريكا، وسيضعف وجهة نظر المشككين به. هذا التصنيف الذي قدَّم أمريكا كعدو مشترك للقاعدة والحوثيين في اليمن، من شأنه أيضا أن يطوِّر العلاقة بين الطرفين من مجرد تقارب إلى تنسيق عملياتي. لدى القاعدة تجربة طويلة في الحرب مع أمريكا، وقد يستثمر الحوثي ذلك بتوفير إمكانيات وتقديم دعم.