صورة سابقة للفرقاطة الألمانية (HESSEN) التي أعلنت ألمانيا إرسالها إلى البحر الأحمر ضمن العملية الأوروبية - الدفاع الألمانية
08-03-2024 الساعة 5 مساءً بتوقيت عدن
"إضعاف الحوثيين في سياق الحرب الأهلية هو السبيل الوحيد لمنعهم من التعزيز المتزايد لوضعهم كصناع قرار في اليمن وإظهار المزيد من القوة خارج الدولة بما في ذلك المجال البحري".
مركز سوث24 | د. مارتا فورلان
منذ بداية الحرب بين حماس وإسرائيل في أكتوبر الماضي، يسعى الحوثيون جاهدين إلى تقديم أنفسهم باعتبارهم المدافعين الرئيسيين عن القضية الفلسطينية. والحوثيون هم جماعة شيعية زيدية مسلحة تسيطر على صنعاء وشمال اليمن منذ سبتمبر 2014 وتنتمي لـ "محور المقاومة" الإيراني.
في البداية، شنّ الحوثيون سلسلة من الهجمات ضد إسرائيل باستخدام الصواريخ والطائرات المسيرة استهدفت مدينة إيلات الإسرائيلية التي يطل ميناؤها على البحر الأحمر. وعلاوة على ذلك، أسقط الحوثيون طائرة مسيرة أمريكية طراز "إم كيو-9" في البحر الأحمر. وبعد أن تم اعتراض هذه الهجمات في الحال، أعاد الحوثيون بؤرة اهتمامهم صوب سفن البضائع التي تعبر البحر الأحمر، مما يشكل تهديدا على حركة الشحن البحري في أحد أكثر الممرات المائية في العالم ازدحامًا.
في رد فعل على التهديد الأمني الذي يشكله الحوثيون، أرسلت الولايات المتحدة سفنًا حربية إضافية إلى المنطقة سعت إلى توسيع نطاق فرقة العمل المشتركة 153. وأُطلقت هذه الجهود الجديدة تحت مسمى "عملية حارس الازدهار". ومع ذلك، بعد وقت قصير من انطلاقها، أصبح واضحًا أن فرق العمل المشتركة سوف تعتمد بشكل رئيسي على جهود الولايات المتحدة مع مشاركة محدودة لبعض البلدان الغربية حليفة واشنطن بالإضافة إلى سيشل والبحرين (الأخيرة: مقر الأسطول الخامس الأمريكي).
بداخل الاتحاد الأوروبي، كان هناك اختلاف للرأي بين الأعضاء بدى بشكل واضح. في الوقت نفسه اختارت بعض دول التكتل المساهمة في العملية التي تقودها الولايات المتحدة بدافع دعمها لضرورة ارتباط أكبر من الاتحاد الأوروبي في المنطقة لحماية أمن ومصالح القارة العجوز، بالمقابل امتنعت بلدان أخرى عن دعم "حارس الازدهار" خوفا من مساهمة الاتحاد في تصعيد الصراع في الشرق الأوسط. على سبيل المثال، قالت بريطانيا إنها سوف تساهم في "حارس الازدهار" بالمدمرة "إتش إم إس دياموند"، بينما قالت هولندا والنرويج إنهما سوف ترسلان مجموعة من الضباط. وعلى النقيض، قالت إسبانيا إنها "لن تشارك بشكل منفرد في عملية البحر الأحمر". وأرسلت إيطاليا فرقاطة بحرية من أجل "حماية مصالحها القومية"، ولكن ليس كجزء من العملية.
"عملية أسبيديس" تدخل المشهد
ومع ذلك، في منعطف جديد للأحداث، أطلق الاتحاد الأوروبي مهمة بحرية في البحر الأحمر. يوم الإثنين 19 فبراير. قامت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، بالإعلان عن قرار نشر قوة بحرية تحت مسمى "العملية أسبيديس". وقالت: "تسعى أوروبا للتيقن من حرية الملاحة في البحر الأحمر، والعمل مع شركائنا الدوليين. وبعيدا عن الاستجابة للأزمة، إنها خطوة للمضي قدما في وجود أوروبي أقوى في البحر لحماية مصالحنا الأوروبية".
من جانبه، تحدث كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بشكل مشابه عن العملية البحرية الجديدة، قائلًا: "الاتحاد الأوروبي يستجيب بسرعة لضرورة استعادة الأمن البحري وحرية الملاحة في هذا الممر البحري الإستراتيجي للغاية. سوف تلعب العملية دورا رئيسيا في صون المصالح التجارية والأمنية من أجل الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي الأكبر".
حتى الآن، قالت فرنسا وألمانيا وإيطاليا واليونان وبلجيكا إنها تخطط للمساهمة بسفن في العملية "أسبيديس". سوف تكون اليونان بشكل خاص مسؤولة عن قيادة العملية كما ستستضيف مدينة لاريسا اليونانية مركز القيادة العملياتية لـ "أسبيديس".
من المقرر أن تقوم العملية، التي توازن بين المقاربات المختلفة لدول أوروبا المذكورة آنفًا، بإرسال بوارج أوروبية وأنظمة إنذار مبكر محمولة جوًا إلى البحر الأحمر وخليج عدن والمياه المحيطة [آخرها إعلان هولندا بإرسال بارجة حربية وفقا لرويترز]. التفويض المرتبط بمهمة الاتحاد الأوروبي يستهدف حماية السفن التجارية واعتراض الهجمات وليس المشاركة في الضربات ضد الحوثيين على البر. في أواخر فبراير، قامت الفرقاطة البحرية الألمانية "هاسن" بإسقاط طائرتين مسيرتين أطلقهما الحوثيون.
على هذا النحو، يختلف نهج الاتحاد الأوروبي بشكل جوهري عن نظيره الأمريكي-البريطاني الذي شهد تنفيذ الدولتين ضربات جوية ضد أهداف حوثية داخل اليمن بما في ذلك مستودعات أسلحة ومواقع إطلاق ومرافق إنتاج. ومع ذلك، سوف تكون "أسبيديس" بمثابة تكملة لعملية "حارس الازدهار" حيث تضيف إليها طبقة أخرى من الدفاع في مواجهة التهديد الحوثي.
الموقف الدفاعي الأوروبي بالمقارنة
التفسير الجيد لتبني المهمة الأوروبية موقفًا دفاعيًا بشكل أكبر لا يقتصر فحسب على الحاجة إلى موازنة التفضيلات المختلفة للدول الأوروبية ولكن أيضا يتضمن التأثير المحدود الذي حققته الضربات الأمريكية البريطانية. في حقيقة الأمر، فإنّ الهجمات التي استهدفت إضعاف القدرات العسكرية للحوثيين أدت في الواقع إلى تغذية سرد الجماعة المدعومة من إيران.
استفاد الحوثيون من التعاطف مع القضية الفلسطينية والعداء تجاه التدخل الأجنبي المنتشر في أنحاء اليمن في استغلال هذه الهجمات لتشتيت الانتباه بعيدا عن الوضع الكارثي في مناطق سيطرتهم (من يجرؤ على الشكوى من ارتفاع أسعار الغذاء والوقود وعدم دفع الرواتب العامة وانتشار البطالة في وقت تقف فيه الجماعة بجانب القضية الفلسطينية النبيلة)، والحصول على الدعم بين الشعب اليمني (بما في ذلك جنوب اليمن حيث تسيطر الحكومة) وتجنيد مجموعة جديدة من المتعاطفين والمؤيدين والمقاتلين.
بكلمات أخرى، في الوقت الذي تشن فيه واشنطن ولندن ضربات ضد الحوثيين، تتعهد قيادات الجماعة (لا سيما العناصر الأكثر تطرفًا) بمزيد من الجرأة. بالنسبة لجماعة نجت وازدهرت على مدار 8 سنوات من القصف السعودي، والتي تبدو قياداتها أكثر ارتياحًا في الإبحار في الحرب وليس السلام (المواجهة العسكرية الأولى للحوثيين ضد الحكومة اليمنية تعود إلى عام 2004)، لا تعني جولة المواجهة الأمريكية البريطانية شيئا بالنسبة لهم أكثر من كونها سببًا للفخر. لا يشعر الحوثيون بالفزع من الرد إذ أنهم وسعوا نطاق هجماتهم في خليج عدن منذ انطلاق العملية المذكورة.
بالإضافة إلى ذلك، لا يبدو أنّ الهجمات الأمريكية البريطانية ألحقت الضرر بالقدرات الحوثية. في الواقع، يشتهر الحوثيون بإخفاء أسلحتهم المتوسطة والثقيلة في معسكرات جبلية وأنفاق بعيدا عن متناول الضربات الجوية. وعلاوة على ذلك تقوم الجماعة بتشغيل معسكرات وقواعد لا مركزية مما يقلل التأثير الذي قد يحدثه الهجوم على أحد المرافق.
الطريق إلى أسبيديس
إن أسباب الانتشار البحري للاتحاد الأوروبي يمكن فهمها بنفس القدر المرتبط بتفضيل التكتل تبني موقفًا دفاعيًا. 12% من التجارة العالمية و30% من حركة الحاويات الدولية تمر عبر البحر الأحمر. ومع ذلك، فإنّ السبب الأكثر أهمية يتمثل في أن طرق البحر الأحمر تستأثر بـ 40% من التجارة بين آسيا وأوروبا. فيما يتعلق بالتجارة بين الصين والاتحاد الأوروبي، تصل النسبة التي تمر بالبحر الأحمر إلى 90%.
وبينما أجبرت الهجمات الحوثية البحرية العديد من شركات الشحن على تغيير مسار سفنها نحو طريق رأس الرجاء الصالح (الذي يعني وقتًا أطول وتكلفة أكثر)، تواجه الدول الأوروبية خطر التأثيرات السلبية لذلك. إذا استمرت ديناميكيات التجارة بشكلها الراهن في أعقاب الهجمات الحوثية، ربما تواجه أوروبا وشعبها تكلفة أكبر للطاقة وتعطيلا للشحنات وزيادة في معدل التضخم.
أشار المفوض الأوروبي للتجارة فالديس دومبروفسكيس إلى أنه بالرغم من الاحتواء الحالي لتأثيرات هذه الاضطرابات، ثمة خطر يتعلق بالاقتصاد الأوروبي الذي يحتاج إلى مراقبة عن كثب.
جاء إطلاق مهمة الاتحاد الأوروبي في الوقت الذي شنّ فيه الحوثيون هجوما صاروخيًا ضد السفينة البريطانية "روبيمار" التي ترفع علم بليز أثناء عبورها البحر الأحمر. وأدى هذا إلى أضرار بالغة لحقت بالسفينة التي غرقت في نهاية المطاف بعد أن تم تركها أيامًا قليلة. ولأن السفينة كانت تنقل أكثر من 41000 طن من الأسمدة وسربت النفط على مدار أيام، أثار مصيرها القلق من حدوث كارثة بيئية في البحر الأحمر وشعابه المرجانية التي ربما تكون الضحية الأحدث لتهور وعنف الحوثيين.
ولأن روبيمار هي السفينة الأولى التي تغرق في موجة الهجمات الحوثية البحرية، يمكن للمرء أن يتخيل التأثير الذي سوف يحدثه ذلك من خلال قرارات شركات الشحن تغيير مسار سفنها.
بالرغم من ذلك، وبعيدا عن كونها قضية اقتصادية بحتة، تهدد الهجمات الحوثية أيضا الأمن والاستقرار في منطقة تمثل مدخلا لأوروبا. إذ لاحظ بوريل أن "اضطرابات حرية الملاحة ترتبط بعواقب تتجاوز الخسائر الاقتصادية. إنها ليست مجرد مسألة أيام أو أكثر أو بعض الدولارات أو أكثر لكنها تتعلق بالسلام والاستقرار".
في النهاية، وعلى نحو أبعد من السعي للاستجابة إلى الأزمة الاقتصادية والأمنية الراهنة التي خلقتها هجمات الحوثيين، تستهدف عملية الاتحاد الأوروبي أيضا تعزيز الإستراتيجية البحرية للتكتل التي يمثل لها البحر الأحمر والمحيط الهندي الأكبر أولوية. في الحقيقة، صنّف الاتحاد الأوروبي المحيط الهندي الشمالي الغربي كمنطقة اهتمام بحرية عام 2022، تمتد من مضيق هرمز إلى المنطقة الاستوائية الجنوبية ومن شمال البحر الأحمر نحو منتصف المحيط الهندي.
أبعد من أن تكون حقيقة جديدة، أطلق الاتحاد الأوروبي في عام 2008 العملية "أتلانتا" لمكافحة القرصنة (التي كانت آنذاك شأنا حصريا للقراصنة) ومحاربة تهريب المخدرات والأسلحة وحماية الشحن. وفي عام 2020، عملت 8 دول أوروبية، تحت قيادة فرنسا في سياق بعثة المراقبة البحرية "أجينور"، على التيقن من العبور الآمن لمضيق هرمز المهم. وهكذا، فإنّ العملية أسبيديس هي فقط أحدث سلسلة للجهود الأوروبية البحرية الأكبر في المنطقة.
الحضور البحري للاتحاد الأوروبي واليمن
بينما تدخل العملية أسبيديس ساحة البحر الأحمر، أثيرت بعض الأسئلة حول ماهية مساهماتها وتداعياتها. وبالرغم من أن الزمن فحسب من يستطيع الإجابة على هذه التساؤلات، ثمة حاجة ماسة للتعاون الوطيد بين المبادرات الجديدة التي تحدث في البحر الأحمر. سوف يؤدي ذلك إلى تعظيم الجهود القائمة وخلق تآزر بناء بين الاستجابات المختلفة.
في نفس الوقت، تحتاج هذه الاستجابات أن تأخذ في اعتبارها الحقيقة السياسية الأكبر لليمن وملف السلام. لا ينبغي قراءة هجمات الحوثيين البحرية بشكل منعزل بل ينبغي ربطها بهدف الجماعة تأكيد سيطرتها على اليمن. في الحقيقة، بينما يصر الحوثيون على أن هجماتهم رد فعل على الصراع بين حماس وإسرائيل، فإنّ أي شخص على دراية بالجماعة يعرف أنّ أفعالهم تتعلق باليمن وليس غزة.
لذلك، يجب على الجهود البحرية القائمة أن تقترن بدعم الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا وخفر السواحل اليمني. ووفقا لخبراء بارزين، فإنّ "إضعاف الحوثيين في سياق الحرب الأهلية هو السبيل الوحيد لمنعهم من التعزيز المتزايد لوضعهم كصناع قرار في اليمن وإظهار المزيد من القوة خارج الدولة بما في ذلك المجال البحري".