عسكرة الذكاء الاصطناعي: تنافس عالمي أم تعاون إقليمي

صورة تعبيرية تم تصميمها بواسطة الذكاء الاصطناعي (مركز سوث24)

عسكرة الذكاء الاصطناعي: تنافس عالمي أم تعاون إقليمي

التحليلات

السبت, 04-05-2024 الساعة 02:37 مساءً بتوقيت عدن

نانسي طلال 

يتزايد حجم الاهتمام العالمي بالتفوق النوعي في مجال الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات، وفي المجال العسكري بشكل خاص، والشرق الأوسط ليس استثناء عن ذلك.  ففي 19 مارس 2024، أعلنت المملكة العربية السعودية عزمها إنشاء صندوق بقيمة (40 مليار دولار) للاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي بالتعاون مع شركات أمريكية ورؤوس أموال خاصة وعامة، مما يجعل المملكة أكبر مستثمر في العالم في الذكاء الاصطناعي[1]. وفي غضون أقل من أسبوع، أعلنت إيران أيضاً أنها تُخطط للاستثمار بكثافة في الذكاء الاصطناعي لتحسين قدراتها العسكرية، وأن تلك الخطوة قد تُحسن تنمية الاقتصاد الإيراني بنسبة (8%)[2]. أيضا اتفقت مصر وإيطاليا على إنشاء مركز للذكاء الاصطناعي في القاهرة، بهدف دفع التنمية والاستخدام الذكاء الاصطناعي في جميع أنحاء أفريقيا وتعزيز التعاون بين المؤسسات البحثية والشركات بين البلدين[3].

ورغم هذا التنافس المتسارع، إلا أنّه على الصعيد العالمي تدور معركة بين أطراف تتطلع لتعزيز نفوذها وتأمل في الوصول لتطورات حيوية في الذكاء الاصطناعي، وبين أطراف أُخرى لديها تخوفات من وحشية التكنولوجيا واستخدامه لأغراض تدميرية.

يرصد هذا التحليل، التعامل الدولي والإقليمي مع الذكاء الصناعي وإلى أي مدى دعمت تلك التُكنولوجيا مجال الأسلحة والصناعات العسكرية بشكل عام. 

الذكاء الاصطناعي بين العسكرة والقوننة 

تدور معركة دولية لتطويع الذكاء الاصطناعي عسكرياً، وفي الصدارة الصين والولايات المتحدة. ومن وجهة نظر التكنولوجيا، تفوقت الصين على الولايات المُتحدة، خاصة فيما يتعلق بالتطبيقات العسكرية، رغم امتلاك الأخيرة الأسطول الأكبر من المُعدات العسكرية على مستوى العالم إلا أن أغلب البيانات المُكتسبة لذلك الأسطول تُهمل أو تبقى غير قابلة للتداول أو التطوير من قِبل المُختصين الذين يعتبرون التفوق بمجال الذكاء الاصطناعي الدفاعي مُرتبط بهيمنة البيانات.[4] وقد صدر مؤخراً تقريراً أمنياً عن مركز أبحاث الأمن القومي الأمريكي، يُحذر الاستخبارات الأمريكية بشأن ضرورة مواكبة تطورات الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات لحيوية تأثيرها في إدارة الهيمنة والنفوذ[5]. كما أنّ للصين خطوات حثيثة في ذلك الصدد قد تضمن تفوقها على واشنطن في المُستقبل القريب، حيث أطلقت بيكين مشروع "الدماغ الصيني لقيادة العالم" منذ العام 2016، ومشاريع أُخرى مثل "عقل المدينة" لإدارة المُدن الضخمة.[6] ويخدم الصين أيضاً انقسامات الرأي بين الولايات المُتحدة وبين الاتحاد الأوروبي الذي يصيغ القوانين لفرض حظر على الأشكال الأكثر عدوانية من التكنولوجيا وقواعد صارمة على تصميم المنتجات القائمة على الذكاء الاصطناعي[7]. وفي سياق هذه المنافسة، ذهبت إدارة بايدن لتشجيع مجموعات التكنولوجيا الأمريكية على البحث عن شراكات في مجال الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط، وفي الإمارات تحديداً، سعياً – على الأرجح- إلى إقامة تحالف من شأنه أن يمنحها ميزة على الصين في تطوير التكنولوجيا الثورية. إذ أعلنت مؤخراً شركة مايكروسوفت عن استثمار بقيمة (1.5 مليار) دولار في مجموعG42، وهي مجموعة للذكاء الاصطناعي مقرها أبو ظبي ويرأسها الشيخ طحنون بن زايد، والذي يشرف أيضًا على أكبر صندوق للثروة السيادية في أبو ظبي.[8]


رسم توضيحي لأكثر الدول إنفاقا في المجال العسكري لعام 2023 (المصدر: statista.com

يتباين الأمر إذا قارنا بين أعلى الدول إنفاقاً على التسلح وبين أعلى الدول إنفاقاً على الذكاء الاصطناعي، إذ إنّ الدول الأكثر قدرة على عسكرة الذكاء الاصطناعي سيمكنّها ذلك من التفوق العسكري وثمّ الجيوسياسي على الدول ذات التسلح التقليدي. تظل الولايات المتحدة والصين أكبر دولتين متفوقتين في كلا التصنيفين عالمياً[9]، بينما يختلف الأمر لدول مثل روسيا والهند والسعودية عند تقييم قدراتها في الذكاء الاصطناعي. ففي الشرق الأوسط على سبيل المثال جاءت إسرائيل في المركز الأول بحسب المؤشر العالمي للذكاء الاصطناعي لعام 2023 الذي يصدره موقع "تورتواز ميديا" بينما حلت الإمارات الأولى عربيا في المركز 28 والسعودية في المركز 31.


 الإصدار الرابع من مؤشر الذكاء الاصطناعي العالمي، الذي نشره موقع (tortoisemedia) في 28 يونيو 2023.  

لكن الأمر يختلف كُليةً على مستوى الذكاء الاصطناعي الذي لعب دورا حيوياً مؤخراً في تحويل نتائج الحروب إيجاباً وسلباً لصالح بعض الدول.

إيجاباً: من خلال التفوق النسبي لأسلحة الذكاء الاصطناعي تمكّنت أوكرانيا من تحدي خصم صعب مثل روسيا يمتلك أعداد مُتفوقة من الجنود والأسلحة، إلا أنّ أوكرانيا قدمت نموذج دفاعي نوعي من خلال طائرات الدرون والاستهداف المبني على الذكاء التصويري فائق الدقة وصواريخ جافلن.[10]

سلباً: أفادت تقارير نشرتهما مجلة +972، وهي وسيلة إخبارية إسرائيلية يسارية أن قوات الدفاع الإسرائيلية طورت أدوات ذكاء اصطناعي تعرف باسم "الإنجيل" و"لافندر"، لتحديد النشطاء المشتبه بهم من حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني، وأنه خلال الأسابيع الأولى من الحرب، اعتمد الجيش بشكل شبه كامل على لافندر، الذي سجل ما يصل إلى (37000 فلسطيني) كمسلحين مشتبه بهم – ومنازلهم – لشن غارات جوية محتملة. وأتم الجيش الإسرائيلي ضربات عسكرية جوية لدرجة أنهم تعاملوا بشكل أساسي مع مخرجات آلة الذكاء الاصطناعي “كما لو كان قرارًا بشريًا”.[11] ليتم قصف الأهداف أثناء وجودهم في منازلهم -عادة في الليل أثناء وجود أسرهم بأكملها -وليس أثناء النشاط العسكري.  بالإضافة لنظام يسمى "أين أبي؟" تم استخدامه خصيصًا لتتبع الأفراد المستهدفين وتفجيرهم داخل مساكن عائلاتهم. بل وتعمّد الجيش استخدام الصواريخ غير الموجهة فقط، والمعروفة باسم القنابل "الغبية" (على عكس القنابل الدقيقة "الذكية") التي تسبب أضرارًا جانبية أكثر من القنابل الموجهة، لتوفير أسلحة أكثر تكلفة. والنتيجة، كما شهدت المصادر، هي أن آلاف الفلسطينيين – معظمهم من النساء والأطفال أو الأشخاص الذين لم يشاركوا في القتال – تم القضاء عليهم بسبب الذكاء الاصطناعي وقرارات البرامج.[12]


مصالح تكنولوجية وتوازنات جيوسياسية 

في فبراير 2024، صرحت شركة مايكروسوفت أن خصوم الولايات المتحدة، وخاصة إيران وكوريا الشمالية وبدرجة أقل روسيا والصين، بدأوا في استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي (AI) لشن أو تنظيم عمليات إلكترونية هجومية. وقالت شركة التكنولوجيا العملاقة إنها اكتشفت وعطلت، بالتعاون مع شريكها التجاري OpenAI، التهديدات التي حاولت استغلال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي طورتها[13].  وتزامن ذلك مع الهجمات على البرج 22 في الأردن، التي أسفرت عن مقتل ثلاثة جنود احتياطيين أمريكيين في أول هجوم جوي مميت ضد القوات البرية الأمريكية منذ أكثر من 70 عامًا. ذلك أكد للأمريكان ضرورة تجديد قدرات قواتهم المضادة للطائرات بدون طيار مع توسع إيران والصين على وجه الخصوص في جيوشهم الجوية بدون طيار.[14] بالإضافة لعمليات مُتعددة من القرصنة الإيرانية على وزارة الدفاع الإسرائيلية وعدد من المسؤولين بدءً من الموساد وصولاً لمُجندين في الجيش الإسرائيلي[15]. 

إنّ ثروة البيانات وتطوير نماذج الذكاء الاصطناعي تحمل إمكانات هائلة لتعزيز قرارات القوات المسلحة. تأتي الهند كواحدة من أهم الأمثلة على اتخاذ خطوات نوعية في ذلك الصدد، حيث خصصت وزارة الدفاع ميزانية سنوية قدرها (12 مليون دولار أمريكي) للسنوات الخمس المقبلة لمشروع الذكاء الاصطناعي الدفاعي.  مثال على ذلك إنشاء مركبة برية غير مأهولة بنظام مستقل تعاوني (ECARS)، وهي عبارة عن منصة معيارية متعددة الاستخدامات مدعومة بالذكاء الاصطناعي للحركة عبر التضاريس، تتيح وحدات التصور والملاحة الخاصة بها التحكم الكامل بدون طيار، مما يعزز القدرات التشغيلية ويضمن في النهاية سلامة القوات. كما أنه يتم العمل على تطوير نهج استراتيجي معروف باسم A2AD (منع الوصول/رفض المنطقة)، يعتمد ذلك نظاماً بمزيج متطور من التقنيات والمناورات التكتيكية لتقييد وصول الخصم إلى مناطق محددة، مما يشكل تحديات كبيرة لفعاليته العملياتية داخل مناطق محددة.[16] تتوافق تلك المشروعات مع التطلع الأمريكي حيث تعمل الولايات المُتحدة على فكرة تطوير قوات من الروبوتات لتتلقى الضربة الأولى في الحرب الأمريكية القادمة، وتقوم بالوظائف القذرة والمملة والخطيرة التي أودت بحياة المئات -على الأرجح الآلاف -من أكثر من 7000 من أفراد الخدمة الأمريكية الذين توفي [AQ3] [fa4] خلال عقدين من الحروب في الشرق الأوسط.[17]


من المتوقع أن يصل حجم استثمار الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري حتى عام 2028 إلى ما يقرب من 39 مليار دولار أمريكي. المصدر: marketsandmarkets.com  

في المحصلة، إنّ للسيطرة على التكنولوجيات الناشئة تأثيرها الجيوسياسي، الذي يزيد تشابك المصالح الاستراتيجية بكافة محاورها ويبقى للتفوق العسكري هيبته في صياغة موازين القوة. إذ تروّج الولايات المُتحدة لطائرة (F-16) ذاتية الطيران، وحديث روسي عن روبوتات عسكرية قادرة على المناورة، ومُسيّرات مُسلحة بحجم الذباب (Nano drones) لتنفيذ اغتيالات دقيقة[18]. كل ذلك وربما ما خفي أيضا، يشير إلى تصاعد الاهتمام العالمي بعسكرة الذكاء الاصطناعي، ولكن تظل مدى تداعيات هذا التطور مرهونا برشادة البشر في استخدامه والقوانين الحاكمة والمنظمة له.


نانسي طلال زيدان
زميلة غير مقيمة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات، باحثة في العلوم السياسية والتحليل الإعلامي

المراجع: 
[1] Maureen Farrell and Rob Copeland, Saudi Arabia Plans $40 Billion Push Into Artificial Intelligence, March 19, 2024, https://rb.gy/1nylm4

 [1] كيف تريد إيران الاستفادة من الذكاء الاصطناعي؟،23مارس 2024، كيف تريد إيران الاستفادة من الذكاء الاصطناعي؟ (alhurra.com)

[7] Inside the global battle for AI,03/26/2024, Inside the global battle for AI - POLITICO

[9] TRENDS IN WORLD MILITARY EXPENDITURE 2023, SIPRI Fact Sheet April 2024, p1.

[10] Alexander Wang, ibid.


الذكاء الاصطناعي السعودية الذكاء الاصطناعي الإمارات الذكاء الاصطناعي حروب الذكاء الاصطناعي التكنلوجيا الحروب العسكرية الإنفاق العسكري الشرق الأوسط