سبوتنيك: سيرجي جونيف
21-05-2024 الساعة 8 مساءً بتوقيت عدن
"استكشاف إحياء شراكة العهد السوفيتي مع جنوب اليمن بمثابة الخيار الحقيقي الوحيد أمام روسيا لإيجاد بديل لقاعدتها البحرية المحتملة في السودان بدون المخاطرة بإقحام نفسها في نزاعات إقليمية مثل الصراع الإثيوبي-الإريتري.."
سوث24 | أندرو كوريبكو
قام وفد يمني رفيع المستوى بزيارة موسكو لمناقشة عودة الاستثمارات الروسية لبلدهم. وعبر موقعها الرسمي، ذكرت وزارة الخارجية وشؤون المغتربين أن "هذه المشروعات تشمل المحطة الكهروحرارية بالحسوة، وميناء الاصطياد السمكي بالحديدة، بالإضافة لعدد من الفرص الاستثمارية في مجالات النفط والطاقة والثروة السمكية". من جانبه، تحدث نائب وزير النفط سيرجي موتشالنيكوف عن اهتمام بلاده بهذا الشأن. بيد أن الأمر ربما يستغرق بعض الوقت قبل حدوثه.
تظل الحرب القائمة مع ميليشا الحوثيين العائق الأكبر أمام الاستثمارات الأجنبية في جنوب اليمن. واتخذت الحرب بعدا جديدا منذ يناير الماضي بعد أن بدأت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة شن ضربات ضد الحوثيين ردا على هجماتهم على سفن مدنية.
وما تزال التوترات تحت السيطرة في الوقت الراهن إذ أن الحوثيين لم يدمروا بعد أي سفن حربية، كما أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تستهدف الأسلحة والمرافق الحوثية فحسب. وعلاوة على ذلك، لم تستأنف المملكة السعودية عملياتها العسكرية ضد ميليشيا الحوثيين.
وبالرغم من ذلك، توقفت حركة الشحن بشكل كبير عبر منطقة خليج عدن والبحر الأحمر نتيجة لتكاليف التأمين الباهظة المرتبطة بمخاطر أمنية واضحة. وأدى ذلك إلى إعاقة الاستثمار الأجنبي في المنطقة في الوقت الراهن. علاوة على ذلك، فإن السيناريو الأسوأ والاحتمال الدائم بإمكانية استئناف الصراع اليمني المدني والدولي المتصل بكامل عنفوانه بالرغم من الهدوء المستمر في وتيرة العنف يقوض الاستثمارات الأجنبية في اليمن بشكل خاص.
ولذلك، فإن وجود وسيط محايد أمر مطلوب حقًا للتأكد من استمرار احترام وقف إطلاق النار الذي بدأ في الخريف الماضي بالرغم من حالة عدم اليقين الجديدة التي سببها حصار الحوثيين لمنطقة خليج عدن والبحر الأحمر وما أعقبه من حملة قصف أمريكية-بريطانية. وهنا يكمن الدور الذي تستطيع روسيا الاضطلاع به. إن هذا ليس مجرد تمني ولكنه مبني على نهج موسكو المتوازن تجاه الصراعات الأخرى أمثال الإسرائيلي-الفلسطيني والسوري-التركي وكذلك التنافس السعودي-الإيراني والصيني-الهندي وغيرها.
بالرغم من إدانة سفير روسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا لهجمات الحوثيين ضد سفن مدنية، لا تعتقد حكومته أن حملة القصف الأمريكية-البريطانية رد ملائم لهذه الاستفزازات حيث قامت أيضا بإدانتها بشكل مستمر. وتملك روسيا كذلك علاقات ممتازة مع إيران، الحاكم الفعلي للحوثيين في شمال اليمن. كما ترتبط موسكو بعلاقات متينة مع الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، الشريك المقرب من السعودية والإمارات. ولذلك، فإن المسرح مهيأ لروسيا للعب دور الوسيط.
إن مغازلة عودة الاستثمارات الروسية إلى اليمن ربما يكون متعمدا من الوفد الزائر حتى يضحى وسيلة لتشجيع الكرملين على استكشاف هذه الفرصة الدبلوماسية بشكل أكثر جدية. إن نجاح موسكو في ذلك بمثابة حافز لتأمين ذات الاستثمارات وخلق بيئة لتوسيعها. ومع ذلك، فإن التحدي يكمن في أن الدبلوماسية الروسية بلغت أقصى حدودها بالتعامل مع عواقب الأزمة الأوكرانية وأزمات أخرى مثل الحرب الإسرائيلية-الفلسطينية.
كغيرها من البلدان، تمتلك روسيا عددا محدودا من الدبلوماسيين، يتعامل العديد منهم بالفعل مع القضيتين السالف ذكرهما، بالإضافة إلى إدارة المنافسات المذكورة آنفا، وعدم الاستقرار السياسي مؤخرًا في جنوب القوقاز على حدودها، والإعداد لقمة البريكس. ترى موسكو أن الصراع اليمني ما يزال مستقرًا إلى حد كبير حتى الآن بالرغم من مخاطر تصعيد الصراع بين الحوثيين والتحالف الأمريكي البريطاني. ولذلك، لا يبدو أن روسيا تضع حل الصراع كأولوية بالنسبة لها.
وقد تتغير هذه الحسابات بالرغم من ذلك اعتمادا على نتائج المحادثات الروسية اليمنية الأخيرة والمبنية بشكل هام على الرحلة الافتتاحية لرئيس الوزراء ووزير الخارجية اليمني السابق أحمد عوض بن مبارك إلى موسكو في فبراير الماضي في أولى زيارته منذ توليه رئاسة الحكومة. بن مبارك يمثل مجلس القيادة الرئاسي الذي يشارك فيه المجلس الانتقالي الجنوبي بشكل بارز. ولذلك، كان هذا برهان قوي حول نية اليمن توسيع روابطها مع روسيا على نحو شامل.
بحلول الصيف، سيحدث هذا الأمر إذا اعتبر صناع القرار البارزين في روسيا أن المشروعات المقترحة جذابة بشكل كاف لتبرير تخصيص مصادر دبلوماسية لاستكشاف جهود وساطة تقودها موسكو، بعضها على حساب ملفات أخرى مثل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. سوف تتزايد احتمالات حدوث هذا بشكل كبير إذا عُرض على موسكو إمكانية إنشاء قاعدة بحرية أو على الأقل قاعدة لوجستية في جنوب اليمن كجزء من اتفاق شراكة إستراتيجية أكبر.
وخططت روسيا بشأن افتتاح مثل هذه القاعدة في السودان بعد التوصل لاتفاق حول ذلك عام 2020. بيد أن الاضطرابات السياسية التي اجتاحت الدولة المضيفة منذ ذلك الحين أجلت التنفيذ. الأسوأ من ذلك، قالت صحيفة وول ستريت جورنال في مارس إن السودان يمد أوكرانيا سرًا بالأسلحة ويدفع حتى لمقاتليها لمحاربة المتمردين المدعومين من "فاجنر" وفقا لمزاعم الخرطوم. ويقلل ذلك بشكل أكبر من احتمالية إنشاء قاعدة بحرية روسية قريبا في السودان. في الواقع، ربما لن يتم إنشاء مثل هذه القاعدة أبدا بعد كل هذا.
يأتي هذا السيناريو الذي تتزايد حقيقته بالإضافة إلى التدريبات البحرية المشتركة الأولى على الإطلاق بين روسيا وإريتريا (جارة اليمن) في وقت سابق هذا الربيع، والذي فسره البعض بكونه إشارة من موسكو مفادها أنها تكتشف منشأة بديلة في هذا البلد الإفريقي. وبالرغم من أنه لا يمكن استبعاد حدوث ذلك، لكنه يرتبط بمخاطر تفاقم المعضلة الأمنية الإثيوبية الإريترية إذا روجت أسمرة لمثل هذا الاتفاق بشكل كاذب على أنه يتضمن التزامات دفاع مشترك. وقد يؤدي هذا إلى خسارة روسيا الدعم العام في إثيوبيا، شريكها الإفريقي الأقدم.
وفي ذات الأثناء، لا تبدو جيبوتي مهتمة باستضافة قاعدة أخرى حيث تمتلك العديد من القواعد على أراضيها. وعلاوة على ذلك، لا تزال روسيا ترفض الاعتراف بصوماليلاند، كما أبرمت تركيا مؤخرا اتفاق أمن بحري لمدة 10 أعوام مع الصومال. استكشاف إحياء شراكة العهد السوفيتي مع جنوب اليمن بمثابة الخيار الحقيقي الوحيد أمام روسيا لإيجاد بديل لقاعدتها البحرية المحتملة في السودان بدون المخاطرة بإقحام نفسها في نزاعات إقليمية مثل الصراع الإثيوبي-الإريتري وما يرتبط بذلك من ردود فعل سلبية للقوة الناعمة.
إذا كانت فرص الاستثمارات الروسية في اليمن مقترنة بالدعوة لتأسيس قاعدة بحرية أو على الأقل منشأة لوجستية مقابل التوسط لحل للصراع في هذا البلد والذي يتضمن مسألة المستقبل السياسي لجنوب اليمن، من المحتمل جدا أن تتجاوب موسكو مع عدن في هذا الشأن. لقد تم المضي قدما بالفعل في النصف الأول لهذا الاقتراح من خلال الزيارة الأخيرة للوفد اليمني إلى موسكو. بيد أنه ليس واضحا بعد إذا ما كان النصف الثاني من الاقتراح سوف يشهد تقدمًا بالرغم من أنه ينبغي أخذه في الاعتبار بشكل جاد.
يتعين على المجلس الانتقالي الجنوبي أن يضع في ذهنه أن المصادر الدبلوماسية لروسيا محدودة وبلغت أقصى حدودها تقريبا. ولذلك، فإن حافزًا إضافيا ربما يكون مطلوبا لإقناع روسيا لتخصيص بعض من نفس المصادر لاستكشاف جهود وساطة تقودها موسكو لحل النزاع اليمني. إن عرض إقامة قاعدة بحرية أو منشأة لوجستية ربما يكون هو المطلوب في هذا الشأن، مما سوف يمكن موسكو من تحقيق أهدافها الإستراتيجية في منطقة خليج عدن والبحر الأحمر إذا تعثر الاتفاق مع السودان.
ولهذا السبب، من المستحسن أن يناقش المجلس الانتقالي الجنوبي هذا الاقتراح مع الأطراف المعنية في مجلس القيادة الرئاسي، حيث سيستفيد الجميع من توسيع روسيا بصمتها الاقتصادية في اليمن والتوسط من أجل حل الصراع في هذا البلد، لا سيما مسألة المستقبل السياسي لجنوب اليمن. لا يوجد طرف قادر على فعل هذا أفضل من روسيا التي تمتلك علاقات ممتازة مع كافة الأطراف المتحاربة وأبرز شركائهم الأجانب.