ICJ-CIJ/ Frank van Beek محكمة العدل الدولية في لاهاي، هولندا.
01-06-2024 الساعة 1 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | د. إيمان زهران
خطوات قانونية متباينة تستهدف على إثرها "المحكمة الدولية" إعادة ترميم هشاشة المجتمع الدولي في تقييمه للصراعات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، وفي مقدمتها "القضية الفلسطينية". وعلى إثر ذلك، توالت القرارات الصادرة عن كل من "محكمة العدل الدولية" و "المحكمة الجنائية الدولية"، لصالح الشعب الفلسطيني ونبذ التحركات الميدانية لجيش الاحتلال والتنديد بالسياسات المارقة لإسرائيل. لتُصبح الرهانات الحالية قائمة على حجم الانعكاسات القائمة لمثل تلك القرارات على المشهد الفلسطيني وسُبل إدارة الدفة نحو انتزاع/ وإنفاذ قرار أممي بوقف فوري لإطلاق النار والاستدارة نحو التفاوض السياسي للتوصل إلى حل عادل وشامل لتلك القضية، والنقطة الأخرى ما يتعلق بالارتدادات المُحتملة على مُستقبل الإقليم في ظل تنامي حدة الصراعات القائمة بالدول المأزومة سياسياً وأمنياً، خاصة في كلٍ من سوريا، لبنان، اليمن، وكذلك العراق. وذلك على النحو المبين بالنقاط التالية:
أولا - اختصاصات "المحكمة الدولية":
فرضت همجية التحركات الميدانية لجيش الاحتلال الإسرائيلي مقابل جمود العملية السياسية، اللجوء بشكل واضح لآلية القانون الدولي والنظر للموقف العام للمحكمة الدولية، لتظهر لنا إشكالية أي من الاثنين (محكمة العدل الدولية – أم – المحكمة الجنائية الدولية) أكثر تأثيراً في المشهد الفلسطيني، وذلك بالنظر إلى ما يلي:
- محكمة العدل الدولية: تُعرف محكمة العدل الدولية على نطاق واسع باسم "المحكمة العالمية"، وهي واحدة من الأجهزة الرئيسية الستة للأمم المتحدة، التي تشمل الجمعية العامة، ومجلس الأمن، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومجلس الوصاية، والأمانة العامة. كما أنَها الجهة الوحيدة من الأجهزة الستة التي لا يوجد مقرها في نيويورك [1]. ولا يُعد عملها مثل "محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوربي" فلا يمكن للمحاكم الوطنية أن تلجأ إليها، ولكن دول فقط. أمّا النقطة الأخرى، فتتعلق بنوعية القضايا حيث تنصرف للفصل في القضايا الخلافية كالنزاعات القانونية بين الدول أو الإجراءات الاستشارية كطلبات الحصول على فتاوى بشأن المسائل القانونية المحالة إليها من أجهزة الأمم المتحدة وبعض الوكالات المتخصصة [2]، وهو ما يتسق مع حالة الدعوى المرفوعة من دولة جنوب إفريقيا ضد الانتهاكات الإسرائيلية ذات طابع "الإبادة الجماعية" بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وما لحق بذلك من قرار العدل الدولية من إصدار تدابير مؤقتة في يناير الماضي، وتدابير إضافية في مايو 2024.
- المحكمة الجنائية الدولية: تُعد بدورها مؤسسة مستقلة حديثة النشأة تأسست بموجب نظام روما الأساسي عام 1998 بمعزل عن نظام الأمم المتحدة. ورغم أن المحكمة الجنائية الدولية تتطلع إلى اكتساب ولاية عالمية، إلا أنّ الدول الأعضاء ذات الثقل في الأمم المتحدة ليست عضوة فيها. حيث إن القوى العظمى المتمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين والهند وإيران وإسرائيل لم تصادق على نظام روما الأساسي [3]. بالمقابل، فقد نص نظام روما الأساسي بالمادة 12 على جواز ملاحقة عناصر دولة غير طرف إذا اشتُبه في ارتكابها جرائم على أرض دولة طرف، أو دولة قبلت في حينه ممارسة المحكمة ولايتها القضائية. فالجنائية الدولية تُرفع فيها قضايا ضد أفراد بتهمة ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية. فعلى سبيل المثال: أصدرت الجنائية الدولية أوامر قبض لنتنياهو وجالانت من الناحية الإسرائيلية، والسنوار وضيف وهنية من الناحية الفلسطينية بدعوى ارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وذلك بموجب المادة (54) من البروتوكول الأول لاتفاقيات جنيف [4] عام 1977، والمادة 7 (2) (ب) والمادة 6 (ج) من نظام روما الأساسي [5] بشأن جريمة الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة خلال العملية الإسرائيلية السيوف الحديدية.
الجدير بالذكر، أنه ثمّة اختلاف نوعي بين جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وهو الخلط الذي يُعد جوهر الاختصاص لكلٍ من العدل الدولية والجنائية الدولية، حيث [6]:
• يتطلب أن تحدث جرائم الحرب أثناء النزاع المسلح فقط سواء كان دولياً أم غير دولي، في حين أن الجرائم ضد الإنسانية قد يتم ارتكابها في حالات السلم أو النزاع المسلح أو حتى حالات العنف التي لم ترتق لدرجة النزاع المسلح.
• يشترط في الجرائم ضد الإنسانية، أن ترتكب على نطاق واسع موجه ضد أي مجموعة من السكان المدنيين، بخلاف جرائم الحرب التي قد تكون في إطار أفعال فردية ومعزولة.
• جرائم الحرب يمكن أن ترتكب ضد المقاتلين وغير المقاتلين بمن فيهم المدنيون، في حين أن الجرائم ضد الإنسانية تتطلب أن يكون الهجوم موجهاً حصراً ضد السكان المدنيين.
ثانياً - حدود المكاسب الفلسطينية:
تنصرف أكثر المكاسب القائمة والمُحتملة للمسألة الفلسطينية على حالة "البروبوجندا" التي دفعت بإعادة التعريف بأبعاد ومحددات القضية، وما يلحق بذلك من عدد من الانعكاسات الإيجابية المُحتملة التي قد تُشكل في مُجملها حدود المكاسب الفلسطينية، وذلك على النحو التالي:
- توافق دولي حول أهمية أنسنة الصراع: إذ رسخت مُجمل القرارات الصادرة عن المحكمة الدولية، والحيثيات والمضامين التي تم ذكرها في كلٍ من "العدل الدولية + الجنائية الدولية" على حالة إجماع دولي حول مدى بشاعة انتهاكات جيش الاحتلال الإسرائيلي لكافة القوانين والمعاهدات والمواثيق الدولية التي تراعي الشق الإنساني في الصراع المسلح.
- إعادة تعبئة الرأي العام الغربي: تنامت بالفترة الأخيرة حركات مجتمعية/ وطلابية بكافة الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية؛ منددة بالممارسات الإسرائيلية في غزة وحالة الدمار في رفح الفلسطينية، فضلاً عن توجيه رسائل قوية لحكوماتهم تؤكد رفضهم التام لتأييد دولهم السياسي والمادي لإسرائيل. فعلى سبيل المثال: تنامت حركة الاحتجاجات الطلابية في العديد من دول العالم، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وكولومبيا وبريطانيا والسويد وفرنسا وغيرها للتنديد بسياسات إسرائيل [7]، وكذلك مظاهرات مجتمعية رافضة لسياسات الحكومات الداعمة لإسرائيل والتأكيد على دعمهم للشعب الفلسطيني. [8]
- فرض قضايا "وقف تمويل السلاح": أفضت قرارات المحكمة الدولية إلى مزيد من العُزلة السياسية على إسرائيل بين حلفاءها، ومن ثم محدودية تحركاتها في الحصول على الأسلحة، فعلى سبيل المثال: في إطار القرارات الدولية الصادرة عن العدل الدولية والجنائية الدولية، فقد دعت دول أوروبية إلى وقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل خاصة مع تفاقم الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، وعلى رأسهم بلجيكا، وكذلك في فرنسا فقد وجه 115 برلمانياً رسالة إلى الرئيس إيمانويل ماكرون، طالبوه فيها بوقف جميع مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل. وفي ألمانيا، أعلن عدد من المحامين رفع دعوى عاجلة ضد الحكومة الألمانية لإلزامها بوقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل [9].
- الاعتراف بأحقية قيام دولة فلسطينية: بالتزامن مع القرارات الصادرة عن المحكمة الدولية، وكإحدى أوراق الضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب الدموية في غزة، فقد تنامت التحركات الأوروبية نحو الاعتراف بدولة فلسطين مثل النرويج وإيرلندا وإسبانيا، كخطوة تحمل عدداً من الدلالات الرمزية والأخلاقية، أبرزها: الضغط لتسريع جهود التوصل لوقف إطلاق النار في غزة، وكذلك المساهمة في خلق وبناء مساحات لاختراق السياسيات الأوروبية الداعمة في أغلبها للموقف المضاد للفلسطينيين، وكذلك بما يعزز من فرص حصولها على عضوية كاملة في الأمم المتحدة. فضلاً عن الدلالة الرمزية حول أن أرض فلسطين هي أرض دولة تحت الاحتلال، مما يلغي أي قيمة لإجراءات فرض الأمر الواقع التي تقوم بها إسرائيل سواء ما يتعلق بضم القدس أو عمليات التهويد والاستيطان أو القرار الأخير الصادر عن سلطة الاحتلال بإلغاء قانون فك الارتباط شمالي الضفة الغربية والتمدد في السياسات الاستيطانية.
- استعادة الزخم الدولي حول أولوية "الأونروا": فقد لحق بقرار محكمة العدل الدولية الأخير في 24 مايو الماضي، إعلان دولتين أوروبيتين (إيطاليا وبريطانيا) استئنافهما رسمياً تمويل وكالة الأونروا في 25 مايو الماضي، فضلاً عن إعلان دول أخرى استئنافها للتمويل بعد تقرير اللجنة المستقلة المعنية بالتحقيق في مسألة حيادية الأونروا، ومنها ألمانيا والسويد وكندا واليابان والنمسا، وذلك كخطوة نحو إعادة تقييم الدور الإغاثي الحيوي للأونروا بعيداً عن الادعاءات الإسرائيلية والاتهامات التضليلية الموجهة إليها.
بالمقابل، على الرغم من أن المكاسب الفلسطينية تُبنى على افتراضات تحليلية نتيجة لصدى القرارات الصادرة عن المحكمة الدولية، إلا أنّ الواقع السياسي والميداني فرض تمادي فداحة التحركات العسكرية الإسرائيلية دون النظر للسياقات القانونية الدولية. فعلى سبيل المثال: بعد إصدار محكمة العدل الدولية قراراها بتدابير إضافية/ وطارئة خاصة بالأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بإحراق مخيمات النازحين في رفح الفلسطينية غير عابئة بالقرارات الأممية وقواعد القانون الدولي، ومعاهدات جنيف، واتفاقية منع الإبادة الجماعية.
ثالثا – مستقبل أزمات الإقليم:
في أعقاب حالة الزخم للقرارات المتتالية الصادرة عن المحكمة الدولية فيما يتعلق بالمسألة الفلسطينية، تنامت العديد من التساؤلات حول مدى إمكانية الاستعانة بمحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية لإدارة وحلحلة الصراعات المتأزمة بالإقليم العربي.
وبالنظر لسياق الأزمات في كل من سوريا، والعراق، ولبنان، واليمن، وليبيا، والسودان، نجد أنها تُشكل جُملة من التهديدات المباشرة لاستقرار المنطقة بأسرها. خاصة وأن الاضطرابات في هذه الدول ليست مجرد "صراعات محلية"، بل تُمثل في جوهرها نتاجاً للتنافس الحضاري والثقافي الذي تفاقم نتيجة لعمق التدخلات الخارجية، والأجندات والمصالح الجيوسياسية للقوى الكبرى بالمنطقة على نحو ما قد يفضي لمزيداً من العراقيل على فرضية الأدوار المُحتملة للـ "المحكمة الدولية" في مستقبل حلحلة أزمات الإقليم، وذلك بالنظر إلى:
- تعقيدات أزمات الإقليم: تُبنى هذه الفرضية على عدد من المحددات، أبرزها، أولاً: أن الشرق الأوسط يخلو من "منظومة إقليمية فاعلة"، لديها القدرة الواضحة على الإدارة الناجعة لمسارات الصراع المعقدة والمتشابكة، ثانياً: تراجع الأدوار الفعالة لعدد من الدول ذات الثقل بإقليم الشرق الأوسط نتيجة لاختلالات نوعية داخلية إما أمنية أو اقتصادية أو سياسية، بالإضافة إلى إعادة ترتيب الداخل في مرحلة ما بعد ثورات الربيع العربي مثل مصر والعراق وسوريا، أو تشتت دول أخرى ما بين حروب بالوكالة أو سياسات خارجية غير مستقرة كالسعودية والإمارات وقطر، ثالثاً: اتساع مساحات التداخل والانخراط من جانب الفواعل من دون الدول، مثل حالة الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان وحركة حماس في غزة على نحو قد أفضى لتحركات البعض لتقاسم "معايير السيادة" مع الدول الوطنية، ورابعاً: تتمثل في تنامي خرائط الصراع بالإقليم وذلك استناداً إلى عدد من المحددات تتباين ما بين الاستبدادية، والطائفية، والمذهبية، والجهوية، والاحتراب الأهلي، وغياب السلم المجتمعي، والتكالب على السلطة، وانهيار مؤسسات الدولة الوطنية، والحروب بالوكالة بين القوى الإقليمية على أراضي الدول المأزومة سياسياً وأمنياً مثل حالة: العراق واليمن وليبيا.
- رهانات المحكمة الدولية: يُبنى ذلك على كون القرارات المؤقتة والتدابير الإضافية للعدل الدولية لا تحمل صفة الإلزامية، حيث تتوقف تنفيذ التدابير المؤقتة على إرادة الدول بشكل أساسي، ومن ثم، فيتطلب الأمر توافق الطرفين على الالتزام بها، وهو ما لا يحدث سواء فيما يتعلق بالملف الفلسطيني أو ملف أزمات الإقليم ككل، كما أنّ الحكم النهائي الذي ستصدره محكمة العدل الدولية سيستغرق وقتاً طويلاً قد يمتد لسنوات، أو أن يتم اللجوء إلى مجلس الأمن على تبني قرارات المحكمة وإصدار قراراً بإلزام الطرف المعني بها، لا سيما إذا كان هو الطرف المعتدي أو المتهم بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية. ويتم ذلك عبر ثلاث مسارات [10]:
1. المسار الأول: أن تخطر المحكمة الأمين العام للأمم المتحدة بالتدابير المؤقتة التي أقرتها "بشكل عاجل" ليحيله بدوره إلى مجلس الأمن وفقاً للفقرة الثانية من المادة 41 من النظام الأساسي للمحكمة، لوضع مجلس الأمن أمام مسئولياته الإنسانية والسياسية، فيصبح مسئولاً عن تنفيذ صحيح لحكم القانون الدولي أو التقصير فيه.
بالمقابل، فرضت الخبرة التاريخية محدودية ذلك المسار بالنظر إلى سياقات القضايا الصراعية التي تمّ تناولها، فعلى سبيل المثال: تبنى مجلس الأمن في قضية الروهينجا قراره ضد ميانمار؛ بإنهاء جميع أشكال العنف وضبط النفس ووقف التصعيد في ديسمبر 2022، أي بعد نحو عامين من إقرار التدابير المؤقتة من المحكمة، مع الأخذ في الاعتبار أن روسيا والصين امتنعتا عن التصويت ولم تستخدما حق النقض "الفيتو". وفيما يتعلق بالقضية الأوكرانية، فقد فشل المجلس في تبني أي قرار ينفذ التدابير المؤقتة الداعية لوقف الصراع، منذ مارس 2022 وحتى الآن نظراً لوضع موسكو كونها تمتلك حق النقض بمجلس الأمن.
2. المسار الثاني: يُبنى على فرضية التوسع في تفسير الفقرة الثانية من المادة 94 من ميثاق الأمم المتحدة والتي تنص على أنه "إذا امتنع أحد المتقاضين في قضية ما عن القيام بما يفرضه عليه حكم تصدره المحكمة، فاللطرف الآخر أن يلجأ إلى مجلس الأمن، ولهذا المجلس، إذا رأى ضرورة لذلك أن يقدم توصياته أو يصدر قراراً بالتدابير التي يجب اتخاذها لتنفيذ هذا الحكم". [11]
وفى ذلك السياق، هناك تياران لإدارة ذلك المسار، الأول: ينصرف إلى توسيع تفسير القاعدة الفقهيه للفقرة الثانية المشار إليها، واعتبار التدابير المؤقتة نوعاً من الأحكام. ومن ثم، فتجاهلها أو مخالفتها يستدعي اللجوء إلى مجلس الأمن، فضلاً عن إسناد "قاعدة اتساع التفسير" إلى الفصلين السادس والسابع من ميثاق الأمم المتحدة، حيث يمنحان المجلس سلطة حل المنازعات سلمياً واتخاذ الأعمال المناسبة لوقف العدوان وتهديد السلم والإخلال به. والثاني: يرى أنه يجب الأخذ في الاعتبار اختلاف الطبيعة القانونية بين التدابير والحكم من حيث النهائية والدوام.
3. المسار الثالث: يتوقف بصورة مباشرة على ما يُعرف بـ "المبادرة السياسية لمجلس الأمن"، وذلك عبر الإعلان عن تبني قرارات بفرض التدابير المؤقتة والالتزام بها، وهو ما لم يحدث إلا في قضيتين. الأولى: قرار مجلس الأمن رقم 461 الصادر في 31 ديسمبر 1979، بإلزام إيران بالإفراج الفوري عن الرهائن المحتجزين بالسفارة الأمريكية في طهران، استشهاداً بالتدابير المؤقتة التي أقرتها محكمة العدل الدولية في هذه القضية، بينما الثانية: قرار مجلس الأمن رقم 819 الصادر في 16 أبريل 1993 بتأكيد سيادة البوسنة واستقلالها وإدانة انتهاكات الصرب، والذي تضمن إشارة صريحة إلى التدابير المؤقتة التي أقرتها المحكمة في هذه القضية.
نخلص من ذلك، أنّه على الرغم من محدودية الرهانات المتباينة لقرارات المحكمة الدولية في وقف الصراع نظراً لعدم وجود آلية تنفيذية واضحة وقاطعة، إلا إنّ تلك القرارات "التدابير المؤقتة"، تحمل في مضمونها دلالات سياسية ومعنوية على عدد من الأصعدة، أبرزها، أولاً: إذ تقوض قرارات المحكمة الدولية لمكانة إسرائيل العالمية، خاصة مع ربطها بأعمال الإبادة الجماعية، وهو ما انعكس بصورة واضحة على حركات الاحتجاج الدولي المطالبة بوقف إطلاق النار. ثانياً: ازدواجية المعايير الأمريكية؛ ففي الوقت الذي تنفي واشنطن الاتهامات عن إسرائيل وترفض قرارات المحكمة الدولية، تطرح بالمقابل نفس الاتهامات ضد الصين وروسيا وإيران. وثالثاً: تقويض النموذج الأمني الأوروبي نتيجة للانقسام حول دور القانون الدولي والمؤسسات الدولية في مجال حفظ الأمن والسلام.
المُحصّلة النهائية، على الرغم من السياقات السياسية والإعلامية السيكولوجية المُصاحبة للقرارات الصادرة عن المحكمة الدولية لكونها ساهمت بشكل كبير في الترويج لـ "رمزية القضية" في جميع أنحاء العالم، خاصة الجنوب العالمي ودول الغرب، باعتبارها تجسيدًا للتمرد ضد الازدواجية الغربية ونظام ما بعد الاستعمار، على نحو ما قد دفع بإعادة النظر حول رهانات تشكيل نظام عالمي جديد يستند بصورة رئيسية على قواعد القانون الدولي. إلا أنّه بالمقابل، لازال هناك محدودية في حجم التأثير المباشر للمحكمة الدولية على إحداث اختراق لعملية الجمود السياسي / أو إنهاء الصراع القائم سواء على المستوى الفلسطيني أو على المشهد الإقليمي ككل، وذلك بالنظر لعمق المحددات السالف ذكرها. ليبقى الرهان الحالي حول عدد من المحددات، أبرزها: مدى فاعلية قوى الإقليم حول وحدة الهدف والقرار، وكذلك مدى إلزامية التطبيق للقرارات الصادرة عن هياكل ومؤسسات القانون الدولي على نحو ما قد يدفع بمزيد من الأصوات المطالبة بإعادة تشكيل النظام العالمي - وفقاً للتغيّرات الصراعية الأخيرة- استناداً لشرعية القواعد المنظمة للعقد الاجتماعي الدولي.
قبل 3 أشهر