الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستقبل نظيره الصومالي في قصر الاتحادية بالقاهرة (الرئاسة المصرية)
24-09-2024 الساعة 10 صباحاً بتوقيت عدن
"رغم التنسيق المصري الصومالي الرسمي، تتمتع إثيوبيا بعلاقات قوية مع جهات فاعلة محلية في الصومال، ما ينذر بخطر نشوب صراع مسلح."
مركز سوث24 | نانسي زيدان
أشعل الاتفاق العسكري المبرم بين مصر والصومال في 14 أغسطس 2024، خلال زيارة قام بها الرئيس الصومالي إلى القاهرة، فتيل التوترات الإقليمية في القرن الإفريقي. جاء هذا الاتفاق كرد فعل على الخطوة الاستفزازية التي اتخذتها إثيوبيا في بداية العام نفسه، والتي تمثلت في توقيع اتفاقية مع إقليم أرض الصومال الانفصالي، تمنح بموجبها إثيوبيا حق استئجار شريط ساحلي بطول 20 كيلومتراً (12 ميلاً) لمدة 50 عاماً لإقامة قاعدة بحرية. هذه التطورات زادت من حدة التنافس الإقليمي على النفوذ في المنطقة، وأثارت مخاوف بشأن الأمن البحري والاستقرار في القرن الإفريقي.
وقد أطلقت إثيوبيا عدداً من البيانات الرسمية المعبرة عن تخوفاتها مع وصول طائرتين عسكريتين مصريتين من طراز سي-130 إلى العاصمة الصومالية مقديشو، بالإضافة إلى التخطيط لنشر عشرة آلاف جندي مصري في الصومال. اللافت أن وصول الدعم العسكري المصري تم في 28 أغسطس، تزامناً مع إعلان إثيوبيا في 25 أغسطس عن اكتمال الأعمال الخرسانية بسد النهضة[1][2]. هذا الوضع أدى إلى تبادل المواجهات الدبلوماسية بين الدول الثلاث، ممثلة في بيانات صادرة عن وزارات الخارجية وشكوى مصرية رسمية لمجلس الأمن الدولي، والمتوقع أن تتصاعد لتشمل مناورات عسكرية.
تستعرض هذه الورقة التحليلية حيثيات المشهد في إقليم القرن الإفريقي عبر المحاور التالية:
اتفاقية الدفاع المشترك المصرية الصومالية
تجمع مصر والصومال عدة أطر إقليمية للتعاون العسكري، بما في ذلك ميثاق جامعة الدول العربية[3]، والتنسيق العسكري بين الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة فيما يتعلق ببعثات حفظ السلام. بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال (AMISOM)، التي بدأت في عام 2022 بأكثر من 20,000 جندي، شهدت تخفيضاً تدريجياً منذ عام 2023 إلى 12,626 فرداً نظامياً سيبقون في البلاد حتى اكتمال البعثة في نهاية عام 2024. بالإضافة إلى مجموعة عمليات (AUSSOM) التي ما زالت قيد الإنشاء[4]. ومع ذلك، زيارة الرئيس الصومالي إلى القاهرة أسفرت عن اتفاقية ثنائية بين الدولتين، مدعومة بتنفيذ سريع، والمتمثل في الشحنات العسكرية والقوات المصرية[5].
تزامن ذلك مع وصول شحنة عسكرية كبيرة قيمتها 16 مليون دولار من إيطاليا إلى الحكومة الصومالية، مكونة من أربع مروحيات من طراز بيل 412 إي بي إكس[6]. يرى بعض المحللين أن هذه الصفقة تمت بوساطة مصرية. يُذكر أن الحكومة الصومالية الحالية تسعى لتعزيز علاقاتها بمصر منذ توليها السلطة في عام 2022. كما سبق الاتفاق العسكري تقارب وتفاهمات سياسية واقتصادية ودبلوماسية تعود إلى تاريخ استقلال الصومال في عام 1960. بالإضافة إلى ذلك، افتتحت مصر رسمياً سفارة جديدة لها في مقديشو في النصف الأول من أغسطس 2024[7].
على نحو آخر، أثار الوجود العسكري المصري في الصومال قلقاً لدى إثيوبيا. وأصدرت وزارة الخارجية الإثيوبية بياناً في 28 أغسطس، حذرت فيه مصر والمجتمع الدولي ضمناً من التدخل العسكري المصري في مهمة الاتحاد الإفريقي في الصومال، مشيرة إلى أن هذه التحركات قد تشكل تهديداً لأمنها القومي[8]. كما أرسلت إثيوبيا تعزيزات عسكرية إلى إقليم أوغادين بالإضافة إلى معدات إضافية للمنطقة الشرقية للبلاد المحاذية للحدود الصومالية، تحت ذريعة المشاركة في احتفالات القيادة الشرقية للجيش الإثيوبي[9].
العلاقة الإثيوبية - المصرية
بدأ توتر العلاقات بين مصر وإثيوبيا مع بدء تشييد سد النهضة في عام 2011، حين كانت مصر تمر بأحداث الربيع العربي. أكدت القاهرة حينها أن المشروع يشكل تهديداً مباشراً لأمنها المائي. وقد تفهمت مصر، رغم كثافتها السكانية التي تزيد عن 110 ملايين نسمة وعدد كبير من اللاجئين، طموحات إثيوبيا التنموية، إلا أن ذلك لم يمنعها من العمل بجدية منذ عام 2014 على مشروع تحلية المياه الذي يتطلب استثمارات مليارية، بهدف توفير حصتها الثابتة من مياه النيل، والتي تقدر بـ 55.5 مليار متر مكعب سنوياً[10].
انضمت مصر لإعلان المبادئ حول السد مع السودان وإثيوبيا في 23 مارس 2015، وخاضت جولات تفاوض عديدة مع إثيوبيا على مدار أكثر من عشر سنوات، لكن إثيوبيا مضت في بناء وملء السد بشكل أحادي دون الاتفاق مع دول المصب[11]. ترى إثيوبيا أن مشروع السد، الذي بلغت تكلفته 4.5 مليار دولار، رمزاً لطموحاتها الإقليمية وتروّج بأن السد سيضاعف إنتاج الكهرباء، لكن إنتاج الكهرباء حتى الآن لا يتجاوز 17% من إجمالي احتياجات البلاد[12][13].
علاوة على ذلك، تصاعدت التوترات مع تطلع إثيوبيا للوجود على باب المندب، بوابة البحر الأحمر وقناة السويس المصرية، التي انخفضت إيراداتها بالفعل، بنسبة (64.3%) إلى نحو (337.8 مليون) دولار، مقارنة بنحو (648 مليون) دولار سجلت في مايو 2023، جراء هجمات مليشيا الحوثيين اليمنية في البحر الأحمر[14]. هذه التحركات تمثل تهديداً للأمن القومي المصري، خاصة مع توقيع إثيوبيا اتفاقيات مع أرض الصومال الانفصالية، مما يعارض السيادة الصومالية.
طموحات إثيوبيا البحرية
فقدت إثيوبيا الوصول إلى موانئ إريتريا المجاورة خلال حربها مع الأخيرة في الفترة ما بين 1998 و2000، وباتت دولة حبيسة بعد استقلال إريتريا في عام 1993 (1991 بحكم الأمر الواقع)، ما أدى إلى القضاء على البحرية الإثيوبية التي كانت متمركزة في ميناء عصب الإريتري. هذا دفع إثيوبيا لتحويل تجارتها عبر موانئ جيبوتي[15]. ومع ذلك، لم تتوقف مساعي إثيوبيا للاحتفاظ بميناء بربرة الصومالي، حيث عززت تعاونها مع فصائل محلية انفصالية في أرض الصومال، بعكس رغبة الحكومة الصومالية الفيدرالية.
كذلك شهد عام 2018 توقيع اتفاقية ثلاثية شملت إثيوبيا، أرض الصومال، ودولة الإمارات، التي نفذت من خلالها شركة موانئ دبي العالمية تطورات كبيرة في ميناء بربرة بقيمة تقدر بـ 442 مليون دولار. ورغم ذلك، ظل هذا التعاون مغطى بغلاف تجاري إقليمي[16]. لذا فإنّ التطلع الإثيوبي لاستئجار 20 كيلومتراً لمدة 50 عاماً سيمكنها من تطوير منشأة بحرية قد تكون عسكرية، ما يعزز نفوذها على الديناميكيات الأمنية والاقتصادية في القرن الإفريقي ومنطقة البحر الأحمر الأوسع.
BBC
على نحو آخر، عبّرت جيبوتي المجاورة عن قلقها من تفاقم التوترات في محيطها الإقليمي، ما قد يضر باقتصادها المعتمد على الموانئ. في محاولة لتهدئة الوضع، صرح وزير خارجية جيبوتي لهيئة الإذاعة البريطانية بأن بلاده مستعدة لتقديم 100% من الوصول إلى أحد موانئها لإثيوبيا. وأشار إلى أن ميناء تاجورة، على بعد 100 كيلومتر من الحدود الإثيوبية، سيكون الموقع المناسب. هذا الموقف يمثل تغييراً في النبرة، حيث كانت جيبوتي مترددة في السابق في منح إثيوبيا وصولاً غير مقيد إلى البحر الأحمر[17]. ورغم هذا العرض، لم تعلن إثيوبيا موقفها النهائي تجاهه، ولكنها استمرت في تصعيد موقفها مع أرض الصومال.
هل سيتحول صراع النفوذ إلى حرب؟
يتشكل المشهد الحالي من عدة خيوط متشابكة. فرغم التنسيق المصري الصومالي الرسمي، تتمتع إثيوبيا بعلاقات قوية مع جهات فاعلة محلية في الصومال، ما ينذر بخطر نشوب صراع مسلح بالوكالة بين الحكومة الصومالية والإدارات الصومالية الإقليمية الموالية لإثيوبيا. يجدر بالذكر أن العديد من القادة السياسيين في ولايتي جوبالاند وجنوب غرب الصومال تحدثوا ضد خطط الحكومة الصومالية لطرد القوات الإثيوبية. من ناحية أخرى، أشارت إثيوبيا إلى أن قواتها ستظل في الصومال بعد عام 2024[18].
ومع ذلك، تعاني إثيوبيا من مشاكل داخلية كبيرة. فقد شهدت الحدود الشمالية للبلاد توتراً متزايداً مع انسحاب قواتها من تلك المنطقة وتوجيهها إلى الحدود الجنوبية مع الصومال. هذا التوتر أدى إلى سيطرة ميليشيا "فانو" على بعض المناطق، وتصاعد الاشتباكات مع قوات الدفاع الوطني الإثيوبية على بعد حوالي 35 كيلومتراً من الحدود السودانية[19].
في السياق ذاته، توسطت تركيا في محادثات بين إثيوبيا والصومال في أنقرة خلال شهري يوليو وأغسطس دون التوصل لتفاهم مشترك، كما إنّ الجولة الثالثة من المفاوضات، التي كان من المقرر عقدها، في 17 سبتمبر الماضي، فشلت أيضا. ولكن، يُرجح أن التقارب المتنامي بين تركيا ومصر له انعكاسات على التوتر الإثيوبي، والذي ظهر في تضارب تصريحات القادة الإثيوبيين[20]، حيث وصفوا مصر بـ "العدو التاريخي"[21]. وجاء ذلك بعد زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى تركيا ولقائه بالرئيس رجب طيب أردوغان في 5 سبتمبر، حيث تم توقيع 17 اتفاقية ثنائية، وتم النقاش حول الحفاظ على وحدة وسلامة أراضي الصومال[22]. كما وقعت مذكرة تفاهم بين أنقرة ومقديشو في 22 فبراير، تنص على أن القوات المسلحة التركية ستكون شريكة في الأمن البحري وإنفاذ القانون في الصومال خلال السنوات العشر المقبلة. بناءً على هذه المذكرة، ستعيد تركيا بناء وتجهيز وتدريب البحرية الصومالية، مع تلقي 30% من عائدات المنطقة الاقتصادية الخالصة للصومال[23].
تواجه إثيوبيا إجماعاً إقليمياً ودولياً على ضرورة الحفاظ على وحدة أراضي الصومال، ما يحرمها من أي غطاء قانوني لموقفها. ومع ذلك، لم يمنع هذا إثيوبيا من متابعة مساعيها لعقد صفقات عسكرية وتعزيز تعاونها الثنائي مع دول مثل المغرب مؤخراً[24][25]. ولكن حتى هذا التعاون لا يعني بالضرورة اصطفاف المغرب مع إثيوبيا في ملف الصومال[26].
حركة الشباب الصومالية والحوثيون – المهددات من غير الدول
لطالما كانت منطقة القرن الإفريقي هدفاً للعديد من التهديدات، خاصة تلك الموجهة لحركة الملاحة والتجارة في ممر باب المندب والبحر الأحمر. فقد شكّلت القرصنة انطلاقاً من الأراضي الصومالية تهديداً حيوياً لفترة طويلة. وعلى مدار العام الماضي، مثّل الحوثيون في اليمن تهديداً كبيراً لحركة التجارة والشحن. وقد أشارت تقارير إلى أن الحوثيين، وهم جماعة شيعية مدعومة من إيران، تتفاوض لتزويد حركة الشباب الصومالية، وهي جماعة سنية متطرفة متحالفة مع تنظيم القاعدة، بالأسلحة بهدف توسيع سيطرتها على حركة الشحن. ورغم أن حركة الشباب تعتمد على الأسلحة التقليدية، مثل البنادق والعبوات الناسفة، فإن الحوثيين قد يقدمون لهم طائرات بدون طيار وتكنولوجيا صاروخية متقدمة[27].
يُذكر أن المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود ذكرت في تقرير لها عام 2020، أن بعض الأسلحة التي حصلت عليها حركة الشباب من اليمن كانت موجهة في الأصل للحوثيين من إيران، وتم تحويلها إلى حركة الشباب عبر شبكة تجارة غير مشروعة بين اليمن والصومال[28].
ورغم الجهود الدولية لمحاصرة إرهاب حركة الشباب، فإنها ما زالت تشكل تهديداً مستمراً لدول الجوار الصومالي، بما في ذلك إثيوبيا وأوغندا وكينيا. وتُعتبر إثيوبيا عدواً تاريخياً للمسلمين الصوماليين وفقاً لسردية حركة الشباب، التي تروج لخطاب يصور إثيوبيا كمحتل مسيحي يسعى لاستعباد الصوماليين والسيطرة على موانئهم البحرية[29].
وفي الختام، يَظهر أن الاتفاق العسكري المصري الصومالي قد يشعل فتيل العديد من الصراعات الإقليمية. وعلى ضوء وصول خمسة آلاف جندي مصري إلى الصومال، تجد إثيوبيا نفسها مضطرة لإعادة توزيع قواتها وعتادها العسكري، ما يزيد من الأعباء المالية ويهدد بخسائر فعلية على جبهتها الشمالية. بالإضافة إلى ذلك، تشير التحليلات إلى أن هناك تخوفاً إثيوبياً من محاولات صومالية لاستعادة إقليم أوغادين من إثيوبيا.
ووفقاً لموقع "Caasimada" الصومالي، رفض الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إجراء محادثات مع آبي أحمد بوساطة قادة جيبوتي وموريتانيا والاتحاد الإفريقي خلال وجودهم في بكين للمشاركة في القمة الصينية الإفريقية[30]. وكذلك رفضت الصومال المشاركة في المفاوضات الأخيرة التي تتوسط فيها تركيا، مما يبقي احتمال نشوب مواجهات عسكرية قائماً، وإن كان محدوداً. على المدى البعيد، قد تصب هذه التوترات في مصلحة مصر على صعيد النفوذ الإقليمي.
زميلة غير مقيمة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات، باحثة في العلوم السياسية والتحليل الإعلامي.