التقارير الخاصة

لقاءات الرياض: بوابة سلام أم تصعيد قادم؟

رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي يجتمع بالقائم الأعمال الروسي لدى اليمن يفغيني كودروف، في الرياض - 21 نوفمبر 2024 (رسمي)

08-12-2024 الساعة 12 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

سوث24 | عبد الله الشادلي


شهدت العاصمة السعودية الرياض خلال الأسابيع الأخيرة سلسلة من اللقاءات السياسية المكثفة متعلقة بالشأن اليمني، جمعت مسؤولين من مجلس القيادة الرئاسي وسفراء عدد من الدول، وأخرى بين مسؤولين سعوديين وأمريكيين. أثارت هذه اللقاءات تساؤلات بشأن طبيعة الجهود والتحركات الدولية الراهنة بشأن اليمن، لا سيما في ظل التطورات الإقليمية المتسارعة وتأثيراتها التي بدأت منذ الوهلة الأولى على الأزمة اليمنية. حيث تجمّدت خارطة الطريق السعودية الأممية بشأن اليمن التي تم الإعلان عنها في ديسمبر 2023، نتيجة انخراط الحوثيين في تصعيد عسكري ضد الملاحة الدولية.


عملية سياسية؟


في 26 نوفمبر، ذكرت صحيفة الشرق الأوسط السعودية أن لقاءات عقدت بين مسؤولين يمنيين وأمريكيين وسعوديين، "ركزت على الجهود الإقليمية والدولية لخفض التصعيد، ودعم الاقتصاد اليمني، وإطلاق عملية سياسية شاملة برعاية الأمم المتحدة".


وأشارت الصحيفة إلى اللقاء الذي جمع رئيس مجلس القيادة اليمني رشاد العليمي، ونائبه عثمان مجلي، مع المبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ، وسفير واشنطن لدى اليمن ستيفن فاجن. وقالت إن ليندركينغ "أحاط القيادة اليمنية بآخر الجهود الدبلوماسية المبذولة لخفض التصعيد، والتهيئة لإطلاق عملية سياسية شاملة تحت إشراف الأمم المتحدة".


لكن السفير الأمريكي إلى اليمن فاجن لم يشر في تصريحه للصحيفة نفسها إلى أي عملية سياسية. وقال إن اللقاء مع العليمي "تمحور حول الاقتصاد والحد من التصعيد الحوثي". وأضاف: «أجرينا حواراً مثمراً حول الجهود المهمة لدعم اقتصاد اليمن، والحد من التصعيد الحوثي، في الوقت الذي تواصل فيه الجماعة الإرهابية تعريض السلام والأمن الإقليميَّين للخطر».


ونقلت الشرق الأوسط عن السفير السعودي إلى اليمن محمد آل جابر أنه ناقش خلال "لقاء مثمر مع ليندركينغ وفاجن مستجدات وتطورات الوضع في اليمن والبحر الأحمر، والجهود المشتركة في دعم الحكومة اليمنية والشعب اليمني، في ظل الظروف الاقتصادية والإنسانية الراهنة، وسبل دعم جهود مبعوث الأمم المتحدة للحفاظ على التهدئة، والتوصُّل إلى حل سياسي شامل في اليمن».


وخلال عدة إحاطات أمام مجلس الأمن الدولي، كان المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ قد أشار إلى مخاطر عودة الحرب في البلاد والمخاوف من انهيار كلي لحالة التهدئة وخفض التصعيد المستمرة حتى بعد انتهاء الهدنة الإنسانية في اليمن رسميًا في أكتوبر 2022 دون تجديد. واعترف غروندبرغ بأن مهمته في الوساطة قد أصبحت أكثر تعقيدًا بسبب الأزمة الإقليمية الناتجة عن الحرب في غزة وامتداداتها.


من الناحية الفنية، تبدو الظروف غير مواتية لتحقيق تقدم في المسار السياسي للأزمة اليمنية، في ظل تعقيدات إقليمية ودولية متزايدة خلال العام الأخير، نتيجة انخراط الحوثيين في أنشطة (محور المقاومة) بقيادة إيران ضد إسرائيل والملاحة الدولية والقوات الأمريكية. بناءً على ذلك، لا يمكن استبعاد ارتباط الأنشطة السياسية الجارية في الرياض بأهداف وترتيبات أخرى تتجاوز الإطار اليمني المباشر.


وتعد اللقاءات التي عقدها رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي عيدروس الزبيدي في الرياض مؤشرًا مهمًا بشأن الاتجاه الدولي الأخير حول اليمن. من بينها، اللقاءات التي عقدها الزبيدي في 20 و21 نوفمبر مع سفراء، إسبانيا، روسيا، فرنسا، وأستراليا. 


وقال الزبيدي في حسابه على منصة إكس: "وتمحورت لقاءاتنا حول التصعيد الحوثي المتواصل في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، وأبعاده وتداعياته محليًا، وإقليميًا ودوليًا، وما يجب فعله إزاء هذا التصعيد الإرهابي غير المسبوق". "أكدت في لقاءاتي بالسادة السفراء أن مواجهة جماعات الإرهاب والتطرف لا يكون إلا من خلال تبني موقف حازم وحاسم، وفق استراتيجية ردع شاملة".


وفي 24 نوفمبر، قال الزبيدي إنه ناقش مع رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في اليمن غابرييل مونيرا فينيالس، وسفيري مملكة هولندا جانيت سيبين، وألمانيا الاتحادية هوبيرت ييغير، جهود إعادة الاستقرار إلى المنطقة، والأهمية التي تمثلها حرية الملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.


كما التقى في 16 نوفمبر نائب وزير خارجية روسيا، ومبعوث بوتين الخاص للشرق الأوسط وأفريقيا، ميخائيل بوغدانوف. وقال إنهم ناقشوا: "التحديات الناتجة عن تصعيد الحوثيين في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، وما تسببه هجماتهم على خطوط الملاحة من أخطار على الأمن الغذائي في البلاد".


وفي 18 نوفمبر، التقى قائد القوات المشتركة للتحالف بقيادة السعودية، فهد السلمان، المعين مؤخرًا في أغسطس 2024، الزبيدي ضمن لقاءات شملت أعضاء آخرين من المجلس الرئاسي اليمني.


وقال الزبيدي إن الاجتماع "ناقش آخر المستجدات العسكرية والأمنية في بلادنا، وسبل تعزيز الجهود المشتركة لمواجهة التحديات التي تهدد أمن واستقرار المنطقة بشكل عام".


وقد تزامنت هذه اللقاءات مع تحذيرات الحوثيين من عودة الحرب في اليمن بدفع من الولايات المتحدة، وتحشيد عسكري نفذته المليشيا المدعومة من إيران في محافظة الحديدة على الساحل الغربي لليمن. 


وربط محللون هذه المؤشرات التي رشحت باحتمال عودة الحرب في اليمن بشكل فعلي، سواءً كرغبة داخلية نظرًا للأفق المسدود للسلام والوضع الاقتصادي المأساوي في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، أو كرغبة دولية تتسق مع الضربات التي يتعرض ولها وكلاء وحلفاء إيران في المنطقة مثل حزب الله اللبناني ونظام بشار الأسد.


وفي 13 نوفمبر، اجتمع المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، في الرياض مع ‎السفير السعودي لدى اليمن، وقائد القوات المشتركة للتحالف، وجهات دولية، بمن فيهم سفراء الدول الخمس دائمة العضوية لدى مجلس الأمن. وقال مكتبه في بيان إن "المناقشات ركزت على ضرورة خفض التصعيد والالتزام الموحد بتعزيز عملية سلام جامعة بقيادة اليمنيين".


رسم ملامح القادم


يرى الباحث في مركز صنعاء للدراسات، حسام ردمان، أن "الساحة اليمنية والإقليمية والدولية تشهد حالة من عدم اليقين، وهذا يدفع القوى الإقليمية والدولية الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة والسعودية والإمارات، إلى عقد سلسلة من المباحثات واللقاءات بهدف رسم ملامح المرحلة المقبلة في اليمن".


وأضاف لمركز سوث24: "تدور هذه النقاشات حول ثلاثة محاور رئيسية، وهي؛ العودة إلى المسار السياسي: وهو الخيار الذي تفضله الرياض، حيث ترى أن استئناف تنفيذ خارطة الطريق هو الحل الأمثل لإنهاء الأزمة؛ إدارة الصراع: وهو الخيار الذي تتبناه واشنطن، حيث تهدف إلى تحقيق نوع من الاستقرار في اليمن دون الدخول في حرب شاملة؛ الحسم العسكري: وهو الخيار الذي تفضله أبوظبي وحلفاؤها، حيث يرون أن الحل العسكري هو السبيل الوحيد للقضاء على الحوثيين".


وأردف: "مع ذلك، فإن واشنطن لن تكون مستعجلة في العودة إلى المسار السياسي، خشية أن يكون ذلك مكافأة لإيران والحوثيين. كما أن الرياض لن تتبنى هذا الخيار إلا إذا شعرت بأن الإدارة الأمريكية الجديدة تسعى إلى تحميلها مسؤولية فشل الحرب في اليمن".


ومن وجهة نظره، يرى السياسي اليمني خالد بقلان أن "الجهود السياسية في الرياض تهدف بشكل أساسي إلى كسب الوقت وإطالة أمد الأزمة اليمنية". وأضاف لمركز سوث24: "تأتي هذه المحادثات في ظل تزايد التوترات الإقليمية وتصاعد هجمات الحوثيين، التي أضعفت الثقة في إمكانية التوصل إلى حل سياسي".


ويعتقد بقلان أن هناك رغبة لدى بعض الأطراف الإقليمية في استغلال الأزمة اليمنية لتحقيق مكاسب سياسية خاصة بها. مضيفًا: "مثل هذه العوامل تعقد عملية التفاوض وتؤخر الوصول إلى حل دائم".


المحلل السياسي المقيم في صنعاء، رشيد الحداد، يرى أن التحركات في الرياض يتصدرها "المجلس الانتقالي، الذي يسعى لإعادة توجيه الأمور في عدن". وقال لمركز سوث24: "السعودية لم تستجب لمطالب حكومة بن مبارك في عدن، التي تسعى لإنقاذ الوضع الاقتصادي المتدهور في محافظات الجنوب". مضيفاً: "يعاني الاقتصاد من عجز كبير، وتناقص الاحتياطات النقدية، مما يزيد من الضغوط الدولية على الحكومة".


ويعتقد رشيد الحداد أنّ أي دعم اقتصادي من المجتمع الدولي سيكون مشروطًا بتنفيذ خطوات معينة تتعلق بعملية السلام، وقال: "من المهم أن تُوقع الأطراف المعنية على الاتفاقيات السابقة، والتي تم التوافق عليها العام الماضي". وأضاف: "بالرغم من عدم وجود تواصل رسمي بين الرياض وصنعاء حول هذه القضايا، إلا أن السعودية أبدت التزامًا أكبر باتفاقيات سابقة، خاصة في ظل التوترات الإقليمية"


وزعم الحداد أن "السعودية أيضًا طرحت مبادرة لإعادة إنتاج النفط مقابل صرف رواتب موظفي الدولة، مما يعكس احتمالية إيجابية تتوقف على نوايا الرياض. وهذا يشي بأن هناك رغبة من السعودية لإبرام صفقة كبيرة مع صنعاء".


ويتوافق حديث الحداد بشأن المجلس الانتقالي ظاهريًا مع تصريحات نائب وزير خارجية الحوثيين حسين العزي على منصة إكس في 24 نوفمبر حيث قال: " قطعت صنعاء والرياض شوطاً مهماً على طريق السلام، وتظهران تصميماً تضامنياً مشتركاً على إنجاز هذه الغاية النبيلة لذلك لن تسمحا لأي طرف فرعي داخل التحالف بمواصلة عرقلة هذا المسار".


وفي 28 نوفمبر، اتهم زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي الولايات المتحدة بمنع اتفاق بين جماعته والسعودية. وقال خلال خطاب مصور: "الأمريكي يضغط على المستوى السياسي بشكل مستمر، وقد منع الاتفاق على وقف العدوان مع الطرف السعودي".


وقد جاءت هذه الاتهامات بعد زيارة أجراها المبعوث الأمريكي إلى اليمن ليندركينغ إلى مسقط وعمّان والرياض، خلال 24 و25 نوفمبر.


واليوم 8 ديسمبر، قال المبعوث الأممي لليمن هانس غروندبرغ لوكالة فرانس برس: "لا يمكن للأطراف المتحاربة والشعب اليمني انتظار خارطة طريق للسلام إلى ما لا نهاية قبل أن ينزلق البلد مجددًا إلى الحرب".


"لا يمكننا المضي قدمًا بخارطة الطريق في الوقت الحالي لأنني لا أعتقد أن تنفيذها سيكون ممكنًا"، قال غروندبرغ. وأوضح أن "اليمن أصبح جزءًا لا يتجزأ من الاضطرابات الإقليمية نتيجة الهجمات في البحر الأحمر، مشيرًا إلى أن استمرار التصعيد سيعقد الجهود المبذولة لتحقيق السلام".


وبين إرادة الشعوب وضرورات السياسة، يقف اليمن اليوم على حافة خيارات صعبة كما يبدو للمراقب، حيث تترقب المنطقة مشهدًا جديدًا في ظل تحولات إقليمية كبرى. التحركات السياسية في الرياض يبدو كأنها انعكاس لتنافس خفي بين قوى تسعى لتشكيل المستقبل وفق أجنداتها، بينما تقف أزمة اليمن كاختبار حقيقي لقدرة العالم على إعادة بناء ما تهدمه الحروب. فهل ستشد اليمن ميلاد توافق جديد أم سيبقى رهين معادلات لا تعرف سوى لغة القوة؟


ويمكن القول إن لقاءات الرياض  اختبار متكرر لقدرة الأطراف على الصمود أمام رياح التغيير الإقليمي، بينما يستمر التصعيد على الأرض كأنما يحكم على أي تسوية بالفشل المبكر. ومع تعدد التحالفات وتضارب المصالح، يصبح الزمن عاملاً حاسمًا: هل سيعمل لصالح الحل السياسي أم أنه سيغدو سيفًا مسلطًا يطيل أمد الصراع؟ وفي هذا الصخب الجيوسياسي، قد يكون الحل موجودًا لكن مفاتيحه متناثرة بين أطراف تتقن لعبة الانتظار أكثر من فن التنازل.


صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا