التقارير الخاصة

ما بعد النظام العالمي الجديد.. هل ستنتهي النظم الإسلامية وتسود الاشتراكية؟

09-04-2020 الساعة 8 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24| يوسف نبيل فوزي


»إن مصدر التقدم هو إيصال الفكر، والشر هو كل ما يمنع إيصاله، والجيد هو كل ما يفضّله ويكثر منه». هكذا مجّد بلانكي في زمنه الصحافة المطبوعة كتكنولوجيا ثوريةْ.

مدخل أولي

يقول لازاريف في كتابه "الخطوة الأولى في المستقبل" المشهود له بالعبقرية الجارفة وحسن التحليل "أذكر عندما كنت صغيرا جدا، إنني سمعت أحاديث أن الصينيين يريدون أن يكونوا أول من يبدأ الحرب النووية، لأنه حسب القوانين العالمية يجب أن تسود الاشتراكية لا محالة ولا طائل من إطالة عملية انهيار الرأسمالية. في الحرب النووية ستنتصر الاشتراكية حتما وكلما كان ذلك أسرع كان أفضل".


وقال المفكر الراحل سمير أمين "النظام الاشتراكي هو الذي سيسود العالم بعد انهيار الرأسمالية".


يقول سام ويب رئيس الحزب الشيوعي الأمريكي "إن المهمة الآنية هي التغلب على اليمين المتطرف في الولايات المتحدة من خلال المساهمة في تحالف أوسع من التنظيمات ذات التوجه اليساري التي تعارض التمييز الاقتصادي وتدافع عن حقوق الأقليات" وأكد "إن وجود مجتمع اشتراكي هو الهدف في المستقبل المنظور بينما أن إقامة نظام شيوعي على الأرجح على المدى الأبعد".


وقال تروتسكي سابقا "المجتمع الرأسمالي سيتقيأ همجيته التي لم تهضم" واعتبر ماركس أن قيام حكومة ديمقراطية في مجتمع رأسمالي هو أمر مستحيل.


النظام العالمي الجديد

بدأت الدعاية الأميركية بالترويج لهذا المفهوم، حيث ظهر لأول مرة عند إعلان الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الأول من على منصة قاعة اجتماع الهيئة التشريعية لمجلس النواب الأمريكي في 17 يناير 1991 بداية النظام العالمي الجديد New World ويلاحظ استخدام كلمة Order ولم يستخدم كلمة System مثلاً، وذلك لأن في كلمة Order من القسر والتوجيه والأمر. سوف أتناول هذا الموضوع من خلال التبصر في عدة موضوعات حتى أصل إلى جوهر مضمون "ما بعد النظام العالمي الجديد".


طبيعة الثورة

الحقائق التاريخية كثيرة ومتعددة وصادقة، ولا يمكن الهروب من سيرورة حتمية تطور التاريخ. ومن المعلوم لكل الثوريين بأن الثورات لا تبدأ من تحت، إنها تبدأ بالانشقاق داخل الطبقة الحاكمة (وأبلغ دليل على ذلك "الانتفاضة السودانية 2018" فحين انشق رئيس جهاز الأمن والمخابرات صلاح قوش حينها نجحت الانتفاضة بإدخال المتظاهرين إلى القيادة العامة) وما يحدث الآن في كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هو انشقاق في الطبقة الحاكمة، أي أن العالم حاليا في حالة تمهد لقيام ثورة عالمية على النظام العالمي. ما يثبت جرأة تلك التحليلات، هو الصراع الحزبي "العلني" بين أكبر حزبين في تاريخ الولايات المتحدة (الديمقراطيين والجمهوريين) وانشقاق بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بحيث كانت تمثل 15% من ثقل الاتحاد الأوروبي الاقتصادي.


ما يحدث الآن في كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هو انشقاق في الطبقة الحاكمة، أي أن العالم حاليا في حالة تمهد لقيام ثورة عالمية على النظام العالمي

فالشقاق والخلاف بين الحزبين ليس هو الأمر الجلل الوحيد في الولايات المتحدة لكن صعود اليساري الاشتراكي ساندرز في سلم انتخابات الحزب الديمقراطي هو أمر مفاجئ للجميع، وقد وكان يحسب تمردا وخيانة وطنية في فترة أمريكية سابقة عرفت بملاحقة الشيوعيين عبر جوزيف مكارثي.


ما بعد العولمة الليبرالية

إن منظري وفلاسفة علماء الاجتماع السياسي وضعوا الليبرالية في منتصف و أواخر القرن العشرين على مرحلتين، لبرلة اجتماعية في الستينيات والسبعينيات، ولبرلة اقتصادية في الثمانينيات والتسعينيات. وكان من الضروري على الليبرالية الاجتماعية (المستوحاة من اليسار) أن تقضي وتدمر التضامن الاجتماعي كي تمكّن بجانبها اللبرلة الإقتصادية (المستوحاة من اليمين). وهنا تكمن أزمة الليبرالية، وهي افتقارها لممثل واحد، وهذا ما سيدفع العالم بعد أزمة فيروس كورونا إلى التحول إلى شكل سياسي عالمي جديد وهو الاشتراكية. أي الإرادة الجمعية التي سميت ب "الشعبوية"، بينما الإرادة الفردية "الليبرالية" فشلت في تحقيق التضامن، وقد شاهد الجميع تخلي الاتحاد الأوروبي عن أحد أعضائه "ايطاليا"، حتى عُدَّ شقاق جديد داخل الاتحاد، بعد انشقاق انجلترا. 


ترك إيطاليا تحارب وحدها ضد فيروس كورونا أظهر أن الليبرالية ليست سوى تعريف آخر للبراغماتية. وهذا ما ولّد موجة غضب واسعة لدى الطليان بإنزال علم الاتحاد الأوروبي بل وإحراقه ورفع أعلام كل من الصين وروسيا الذين أمدوا ايطاليا بالمستلزمات الصحية المنقوصة لديهم، وكما قال الرئيس الأمريكي الأسبق كينيدي "لا تحدث الأشياء من تلقاء نفسها بل يتم إحداثها" فترك الاتحاد الأوروبي لأحد أعضائه لم تكن صدفة أبدا.


ترك إيطاليا تحارب وحدها ضد فيروس كورونا أظهر أن الليبرالية ليست سوى تعريف آخر للبراغماتية.

والسؤال يتجدد: إذا كانت الليبرالية -كما هو حالها الآن- شر ولعنة، إذن من أين أتت؟ وإذا كانت لا تخدم إلا مصالح القلة الحاكمة من الأوليغارشية، فلماذا دعمها وأيدها كل العالم؟ الجواب يكمن في أصول نشأة الليبرالية، فالليبرالية لم تنشأ وتزهر وتنمو إلا بعد جحيم وويلات الحروب القومية التي دمرت أوروبا خلال الحروب العالمية، فالخوف من الحروب القومية والرغبة المصاحبة في الحد من رغبة "العظماء" في المجد وطموحات البشر هي ما دفعت الليبرالية لتسيّد المد السياسي الغربي منذ الستينيات طيلة ستة عقود كاملة. 


وإذا صح وصف الليبرالية بأنها تمثل الوسط وعلى يمينها المحافظة ثم القومية ثم الفاشستية، وعلى يسارها كلا من الاشتراكية والشيوعية والفوضوية، فإن سيرورة التاريخ الحتمية -حسب وصف ماركس- ذاهبة في طريقها بخط مستقيم من أقصى اليمين إلى اقصى اليسار. وبما أن العالم الغربي هو سيد العالم السياسي بل وراسم ملامحه عبر الحروب والثورات والنهضات كذلك، فإن الخط السياسي المستقيم ممتد من أقصى اليمين -التي تحققت فيها كل من الفاشستية والقومية النازية- مرورا بوضعنا الحالي الليبرالي ممتد نحو الاشتراكية. وهذا يدل بصورة لا تدع مجالا للشك بأن الشعبويات القومية الناشئة -مرة أخرى- في عموم أوروبا سوف تتحد كلها في أمة موحدة. والسؤال الذي بلا إجابة هو لماذا يتهرب فقهاء السياسة وعلمائها من مصطلح الاشتراكية ويطلقون مصطلح شعبوية بديلا؟ فالاشتراكية هي النتيجة المنطقية لليبرالية. الإجابة تكمن في أن الليبراليين وفقهاء السياسة يتهربون من مصطلح الاشتراكية خوفا من التقليد اليساري الذي يؤيد حق إنشاء إمبراطورية باعتبارها النموذج الأصلح الذي يمكنه تجاوز القومية الضيقة "الراديكالية".


السؤال الذي بلا إجابة هو لماذا يتهرب فقهاء السياسة وعلمائها من مصطلح الاشتراكية ويطلقون مصطلح شعبوية بديلا؟

ظن الكثيرون بأن النظام الاشتراكي هو نموذج فاشل -نظرا للتجربة السوفيتية-، لكن النظام الاشتراكي لم يطبق في العالم أصلا ولا تعتبر التجربة الصينية الحالية نموذج اشتراكي بمعنى الكلمة، لكنه نظام رأسمالي بغلاف اشتركي. لقد قال ماركس بأن التحول نحو الاشتراكية هو تحول حتمي تاريخي "طبيعي"، فحين تعجز الرأسمالية من تلقاء نفسها، سوف تقوم بتدمير نفسها - كما هو حال عالمنا اليوم- حينها سيترتب على البشرية الانتقال نحو الاشتراكية رغما على الرأسمالية، أي أن النموذج الماركسي لم يفترض اقرار ثورة حتمية في منتصف طريق الرأسمالية، وهذا ما شوه الطرح الماركسي حين تسلم لينين زمام الثورة البلشفية. فقد كان لينين إراديا ثوريا مؤمنا بقوة الإرادة البشرية الثورية حتى حاول تطبيق الاشتراكية رغما عن أنف الرأسمالية (وهي في كامل شبابها ووعيها وحيويتها). ولم يعتقد لينين أن الرأسمالية من تلقاء نفسها ستدمر، على أن يأتي بعد حين دور قوة البروليتاريا في أحداث "الثورة العالمية" مرغمين على ذلك. فقد خرّب لينين المفهوم الماركسي من أجل مفهومه الحزبي الضيق ليقود ثوريين محترفين (كما خرّب قوى الحرية والتغيير السودانية مفهوم ومضمون بالثورة حين تحالفوا مع العسكر). وأبسط دليل على سيرورة ماركس التاريخية الحتمية حين قال "يا عمال العالم اتحدوا" ولم يقل يا عمال روسيا القيصرية اتحدوا، وهذا الاتحاد العمالي سوف يتحقق في جميع أنحاء العالم إثر واحدة من تقليعات العولمة وإبداعات الثورة الرقمية لاحقا.


أشار فريد دالماير في Review of Politics أن موقف كتاب "سياسة الفضيلة ما بعد الليبرالية" إذ إنه باختصار يتهم "الليبرالية" الحديثة بـ "تذرية" المجتمع إلى جانب تدخلات تسلطيّة عليا. فكما كتب ميلبانك وبابست: «إن انتصار الليبراليّة الحالي يؤدي أكثر فأكثر إلى "حرب الجميع ضد الجميع"». وهذا ما عناه ماركس بالضبط.


فالليبراليّة تؤدي إلى الشيء نفسه الذي وعدت منذ البداية بالخلاص منه، أي الحرب الأهلية الشاملة، بل وتجلب كذلك ما لم يكن موجوداً من قبل -لكنها تدّعي أنه كان موجودا بالفعل-؛ أي الفرد المنعزل المجرد عن كل الارتباطات والواجبات الاجتماعيّة. وبالتالي، تقوم الليبراليّة ببناء وتقوية ما تدّعي أنها تستند إليه، وما تهرب منه.


مراحل الرأسمالية - السيرورة الحتمية

1/ الرأسمالية التجارية "الميركانتيلية" نسبة لي أنطوان دي مونكرتيان أول من أدخل مصطلح سياسي على الاقتصاد في كتابه "الاقتصاد السياسي" عام 1615. امتدت هذه المرحلة من منتصف القرن السابع عشر حتى النصف الثاني من القرن الثامن عشر التي ظهرت فيها الدول القومية خلال أزمة تفكك الإقطاع.


2/ الرأسمالية الصناعية التي بدأت مع ظهور الآلة البخارية التي اخترعها جيمس وات سنة 1770 م والمغزل الآلي سنة 1785 م مما أدى إلى قيام الثورة الصناعية في إنجلترا خاصة وفي أوروبا عامة إبان القرن التاسع عشر. وتحققت خلال الفترة الممتدة بين النصف الثاني من القرن الثامن عشر وحتى سبعينيات القرن التاسع عشر نتيجة تلك الاختراعات التقنية التي زادت من انتاجية العمل بدخول الآلة ميدان الإنتاج.


3/ الرأسمالية ما بعد الصناعية وهي المرحلة التي أدت إلى تطوير قوى الإنتاج استنادا على العلم والتقنية فيما صار يعرف باسم "الثورة الصناعية" أي الثورة العلمية والتقنية في خدمة المشروعات.


رغم نهضة الغرب خلال سنوات ما بعد الحرب الثانية، إلا ان المصالح الاقتصادية لرأس المال (السوق) روّضت التنظيم السياسي للناس (الدولة) ولا تزال هذه المعضلة قائمة.

4/ الرأسمالية المالية بدأت هذه المرحلة مع دخول الرأسمالية مرحلة الاحتكار في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ومازالت حتى الآن، منهية بذلك عصر رأسمالية المنافسة التي أدت إلى بروز قوة رأس المال المالي للمنظمات الدولية (البنك الدولي) التي تسيطر على البنوك والشركات باستعمال القروض البنكية.


وفي الطرح الماركسي يُنظر إلى الرأسمالية المالية باعتبارها الثمرة الجدلية للرأسمالية الصناعية وجزءا من العملية التي تنتهي بها الرأسمالية "كاملة" من التاريخ.


فعند هذه المرحلة تحتدم مشكلة فائض رأس المال داخل البلاد الرأسمالية الصناعية، وتنشأ الحاجة الموضوعية لتصديره. والفائض هنا نسبي وليس مطلقاً، بمعنى أنه لا يعني بأي حال من الأحوال، أن هذه البلاد أصبحت تعج بوفرة كبيرة من رؤوس الأموال، ومن ثم لا تحتاج لاستثمارها بالداخل في الصناعة والزراعة والخدمات، وإنما الفائض يعني هنا، أنه إذا استثمر في الداخل، فإنه سيؤدي إلى تدهور معدل الربح. وهنا يسعى الرأسماليون للبحث عن مجالات "خارجية" للاستثمار يكون فيها متوسط معدل الربح أعلى من نظيره في الداخل. وهذا ما يقوم البنك وصندوق النقد الدوليين بتنفيذه بالحرف.


العولمة

ولدت الليبرالية في القرن السابع عشر وتحقق في القرن التاسع عشر ومازالت حتى الآن، بينما ولدت الاشتراكية في القرن الثامن عشر وستتحقق في القرن الحادي والعشرين.


الغرض من العولمة هو القضاء على القومية الضيقة وكما ذكرت في مقالة سابقة بأن الأمم تتطور لا تتخلف فمن المستبعد جدليا تحول العالم نحو القومية مرة أخرى خصوصا بعد تجربة العولمة التي فتحت أبواب وشبابيك الدول وحدودها بعضا على بعض.


من المستبعد جدليا تحول العالم نحو القومية مرة أخرى خصوصا بعد تجربة العولمة التي فتحت أبواب وشبابيك الدول وحدودها بعضا على بعض.

صعود الصين.. إلى أين؟

هناك تماثلا بين سماح بريطانيا العظمى -حينها- بصعود ألمانيا التوسعية في بدايات القرن العشرين وما تفعله الولايات المتحدة مع الصين حاليا. التاريخ يسير بصورة دائرية، فحين سمحت بريطانيا العظمى بصعود نجم ألمانيا في الثلاثينات من القرن الماضي، لم يكن سهوا ولا لهوا، كذلك ما تفعله الولايات المتحدة الآن مع الصين فهي تدفعها نحو حرب نووية في بحر الصين من أجل استعادة تايوان، حينها ستشتعل نيران حرب لم تكن في الحسبان سوف تُضعف كثيرا من تقدم ونفوذ الصين. بينما الليبراليون يرفضون هذا الطرح بحجة أن من شأن دمج الصين في النظام الدولي بعد إدخالها في اتفاقية التجارة العالمية أن تقوي الاتجاهات الليبرالية لدى الصين وتشجعها على التحول والاندماج "السلمي" في النظام في ظل وجود الولايات المتحدة، لكن الحقيقة تكمن في أن الصين نجحت في بناء اقتصاد سيصبح أكبر بشكل مستدام من الاقتصاد الأمريكي من دون أن تصبح الصين ليبرالية، وهذا ما يدفع الساسة الأمريكيين إلى إتهام الصين بأنها تستغل النظام الدولي ومؤسساته لمصالحها من دون أن تلتزم بقيمة وشروطه، وهذا ما قد ورد نصا على لسان ترامب في العديد من خطاباته في سلسلة الدعاية إلى الحمائية الأمريكية. فإن اشتراكية الصين هي اشتراكية مشوهة لن يُسمح لها بالتمادي كثيرا بينما الاشتراكية النموذجية هي الاشتراكية الديمقراطية التي من المحتمل أن تتشكل في الاتحاد الأوروبي.


ما تفعله الولايات المتحدة الآن مع الصين فهي تدفعها نحو حرب نووية في بحر الصين من أجل استعادة تايوان، حينها ستشتعل نيران حرب لم تكن في الحسبان


مشكلة رأس المال

يمكن التعبير بسهولة عن مشكلة الرأسماليين: إذا لم تستهلك أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، لن يكون في إمكان الصين أن تنتج. وإذا لم تنتج الصين بنفس الوتيرة كما كانت من قبل، فإن بلدانا مثل البرازيل والأرجنتين واستراليا ودول عديدة لا يمكنها أن تستمر في تصدير موادها الخام. والعالم بأسره مترابط بشكل لا انفصام له. أزمة اليورو ستؤثر على الاقتصاد الأمريكي، والذي هو في حالة هشة للغاية، وما سيحدث في الولايات المتحدة سيكون له تأثير حاسم على الاقتصاد العالمي بأسره. وبالتالي فإن العولمة تعبر عن نفسها بكونها أزمة عالمية للرأسمالية. وما العولمة إلا صورة من صور الاشتراكية.


في كتاب "عالم ماركسي ماذا تتوقعون من الرأسمالية؟" يشير روبن فارجيز "تتزايد في أمريكا وأوروبا اللامساواة وتتراجع الأجور وتنضخم أرباح الشركات وتضمر الطبقات وتجوّف الديمقراطية التي يجري استبدالها بحكم التكنوقراط لنخب معولمة، فرغم نهضة الغرب خلال سنوات ما بعد الحرب الثانية، إلا ان المصالح الاقتصادية لرأس المال (السوق) روّضت التنظيم السياسي للناس (الدولة) ولا تزال هذه المعضلة قائمة.


إن الأفكار السياسية لا تنشأ من فراغ ولا تسقط من السماء مع المطر كما يقول ماركس، انما تكونها الظروف السياسية النابعة من مرارات اقتصادية أرهقت البيئة الاجتماعية


الخلاصة

ان تحول العالم نحو الاشتراكية تمهيدا للشيوعية هو مشروع عالمي، ولكي يتم التمهيد لهذا المشروع الأممي لابد من صياغة أي سيناريو ثقافي تمهيدا للتمثيل السياسي. هذه الصياغة الثقافية تُعنى بفك ارتباط الثقافة الدينية من جميع الشعوب (وهذا ما أقرته الحرب العالمية الثانية في أوروبا، وما أقرته "الثورة" السودانية وما سيتقرر بسقوط النظام الإسلامي في إيران لاحقا) وما حدث في السودان (إنهيار النظام الإسلامي "الشكلي" - عمر البشير) لم يكن إلا بداية نهاية النظم الإسلامية التي تتبنى المنهج الثيولوجي في الحكم، أي فك ارتباط الثقافة العربية المشرقية المرتبطة بالإسلام من أجل تأسيس جبهة أممية يلتف حولها العالم أجمع. تماما كما حدث في معاهدة وستفاليا 1648 التي أنهت الحروب الدينية بين الكاثوليكية والبروتستانتية (هل هذا يُنبئ بأن هناك حرب إقليمية ستدور بين السنة والشيعة في الشرق الأوسط!!؟) وأقامت نظام دولي جديد -حينها- مبني على تعدد القومية واستقلالها معطيٍ مبدأ سيادة الدولة، حينها كانت الفكرة القومية هي الظاهرة السياسية في النظام الدولي. 


ما حدث في السودان لم يكن إلا بداية نهاية النظم الإسلامية التي تتبنى المنهج الثيولوجي في الحكم، أي فك ارتباط الثقافة العربية المشرقية المرتبطة بالإسلام.


وبعد صلح وستفاليا بثلاثمائة عام ظهرت الحروب الأيديولوجية كظاهرة فكرية تعبر عن تقدم السجال التاريخي بين الحضارات كأحد أهم الظواهر الاقتصادية في المجتمع الدولي بين المعسكر الشرقي الاشتراكي والمعسكر الغربي الرأسمالي حتى أتت العولمة في القرن العشرين موقفه هذا السجال عبر نشأة الشركات متعددة الجنسيات (التي تسيطر على اقتصاد العالم الآن) معبرة بكل وضوح عن تآكل مبدأ سيادة الدول تحت وطأة تشابك الاقتصاد الدولي التي جعلت سيطرة الدولة على قوميتها أمر غير واقعي وهذه يوضح جليا بأن العولمة ما هي إلا ظاهرة اشتراكية وحدت جميع القوميات.


 يوضح هذا التحليل بأن ملامح "ما بعد النظام العالمي الجديد" أو النظام الدولي القادم مُسيّر نحو التكتلات بحيث لم تعد الدولة مرتكزا أساسيا في رسم تصورات المستقبل مهما كان حجم هذه الدولة على المستوى السياسي أو العسكري أو الاقتصادي او السكاني. ومن هذا المنطلق فإن أنظمة الدول المستقلة الساعية للريادة لن تجد لها مكانا بارزا إلا من خلال تكتلات كبرى، بدت أولى ملامحها المجموعة الأوروبية التي تشكل أقوى قوة اقتصادية إلا أن هذه التكتلات تمتد إلى أفق بعيد أرحب وأشمل للتحول نحو كتل سياسية كبرى. ولعل نموذج الوحدة الأوروبية يعبر عن مظاهر الاشتراكية وأن العصر القادم هو عصر التكتلات والمجموعات السياسية الكبرى.



يوسف نبيل فوزي:  كاتب سياسي إجتماعي من السودان، مهتم بتطوير الإنسان والبحث في العادات السياسية


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا