13-06-2020 الساعة 8 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| وهيب الحاجب
تغيّرٌ كبيرٌ على خارطة السيطرة العسكرية في الساحل الشرقي، الممتد من أبين حتى المهرة، أفرز معه تغييراً واضحا في طبيعة التحالفات السياسية المحلية؛ دفع بالتالي إلى بروز مواقفَ إقليميةٍ في مقدمتها مصر التي من المرجح أن تتدخلَ عسكريا في معارك شقرة وشبوة لإعادة ضبط ميزان القوى الذي أنهكته السعودية وفقدت السيطرة عليه.
طبيعة الصراع
في أغسطس من العام الماضي تحالف الجيش اليمني مع جماعات قبلية مسلحة من مأرب والجوف وعناصر إرهابية تعسكر في البيضاء، وأخرى تعمل من داخل الجيش، وثالثة خاملة كخلايا نائمة في شبوة وأبين، إضافة حزب الإصلاح اليمني وعلاقته بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، فشكّلت مليشياتٍ مهجنةً متعددة الولاءات تمكنتْ من اجتياح شبوة وأبين ووصلت إلى حدود عدن قبل أن تتراجعَ أمام ضربات القوات المسلحة الجنوبية وتعسكر في منطقة الشيخ سالم بمدخل مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين. بقيتْ مليشيات الشرعية اليمنية مسيطرةً من بوابة زنجبار حتى شبوة وشرقا إلى مأرب وحضرموت. ولم تكن السيطرة إلا نتيجة للفراغ الذي تركته القوات الإماراتية التي بمغادرتها بدأت القوى اليمنية بالتآمر لتدمير قوات النخبة والحزام الأمني.
في 5 نوفمبر من العام ذاته وقّعت قيادة الانتقالي الجنوبي والشرعية اليمنية اتفاق الرياض الذي نصّ في الجانب العسكري على مغادرة مليشيات الشرعية اليمنية وعودتها إلى مأرب والجوف، غير أن نشوة النصر جعلت أعين المليشيات محدقةً نحو العاصمة عدن، وفق مخطط يقوده وزير الداخلية، أحمد الميسري، ووزير النقل المقال، صالح الجبواني، وبدعم تركي قطري بتنسيق مع نائب الرئيس على محسن الأحمر، ممثلا لمشروع الإخوان، ووزير الدفاع محمد علي المقدشي ممثلا للجيش.
مناطق السيطرة
حاولت مليشيات الشرعية اليمنية التقدم من الشيخ سالم إلى زنجبار، فكان الرد سريعاً من قوات الحزام الأمني والتدخل السريع التي تصدّت للهجوم وتمكنت من السيطرة على الشيخ سالم ودحر الشرعية إلى مناطق غرب وادي سلا وقرن الكلاسي.
جعلت المليشيات من الوادي والقرن منطلقا لأكثر من 22 هجمةً على القوات الجنوبية في الشيخ سالم، ومع كل هجمة تخسر المليشيات عددا من مناطق سيطرتها بفعل الهجوم المضاد الذي تشنه القوات الجنوبية التي اقتصرت في بداية المعركة على الحزام الأمني والتدخل السريع وكتائب إمداد من قوات الدعم والإسناد.
طبيعة المعركة ودخول أطراف إقليمية في مقدمتها تركيا وتفهم خطورة التغول الإخواني ونشاط الجماعات الإرهابية دفع المجلس الانتقالي الجنوبي إلى التعزيز بقوات أكثر نظامية بدأت باللواء الثالث دعم وإسناد بعد سحبه من الساحل الغربي، وكتائب من اللواء الأول وكتائب أخرى من ألوية العاصفة والمقاومة في عدن، تطور الأمر في الأسبوع الأخير إلى الزج باللواء العاشر صاعقة المتمركز في الصبيحة بمحافظة لحج، واللواء الرابع عمالقة ولواء مقاومة من الضالع وآخر من يافع إضافة إلى وحدات من أمن لحج.
تحالفات قبلية في أبين وشبوة تغيّر ميزان القوى وتضيق الخناق على الشرعية في شقرة
رغم التعزيزات الجنوبية التي وصلت إلى ما بعد الشيخ سالم إلا أنها بقيت في موقع الدفاع واكتفت بالتصدي لهجمات المليشيات، في تكتيك يبدو أنه استنزاف وشل لقدرات العدو، لاسيما أن خسائر المليشيات كانت تتزايد عند كل هجوم. ووفقا لمصادر عسكرية جنوبية رفيعة، فإنه لا قرار اتُّخذ حتى أمس الأول لتنفيذ أي عملية هجوم، وأن هناك هجمات نفذت في إطار الدفاع عند تقدم المليشيات إلى مواقع تشكّل تهديدا لمناطق سيطرة القوات الجنوبية.
شراسةُ المقاومة والصمود الجنوبي أجبر المليشيات اليمنية نهاية الشهر الماضي على تحويل قرن الكلاسي ووادي سلا من مركز انطلاق للهجوم على الشيخ سالم إلى خطوط دفاع عن واديي مريب وثعلان، وهما آخر خط دفاع على ضواحي مدينة شقرة، فما بعدهما سوى بضعة كيلو مترات من الصحراء المكشوفة.
خلال الثلاثة الأيام الماضية سيطرت القوات المسلحة الجنوبية على وادي سلا وتمركزت على مرتفع مكّنها من السيطرة النارية التامة على الوادي وعلى قرن الكلاسي المقابل، ونقلت المعركة شرقا إلى وادي مريب، لتبقى المليشيات مشتتة في وادي ثعلان الذي يعد آخر حصون الشرعية اليمنية وخطوط دفاعاتها على مركز مدينة شقرة الساحلية.
تضييق الخناق
معاركُ شقرة رافقها نشاط عسكري للمقاومة الجنوبية ورجال القبائل في المحفد ومودية ولودر التي شهدت نحو 15 كمينا استهدفت تعزيزات قادمة من مأرب وشبوة ودمرت خلالها أكثر من 10 دبابات و7 مدرعات و23 طقما، إضافة إلى مقتل 8 عسكريين وآخرين من المسلحين القبليين والعناصر المتطرفة، وهي عمليات تشير جميعُها إلى تطورٍ واضح لمواقف تلك المناطق من مليشيات الإصلاح في شقرة ومشروعها الساعي إلى إسقاط العاصمة عدن، إضافة إلى انكشاف مخطط استقدام مرتزقة أتراك للقتال في أبين.. رافق نشاط المقاومة في أبين تحرك مدني وقبلي في شبوة لرفض القمع والقتل والإرهاب الذي تمارسه القوات الخاصة ومليشيات مأرب المسيطرة على المحافظة، تطور هذا النشاط أمس الأول في جردان إلى مقاومة مسلحة تمكنت من الاستيلاء على طقم عسكري وقتل ضابط، ثأراً لمدني قتلته المليشيات اليمنية في تظاهرة سلمية؛ ما يعني أن التطورات الأخيرة في شبوة والمحفد ومودية تشير إلى تغيير في ميزان القوى والتحالفات المحلية سيرا نحو تعزير الموقف الجمعي الجنوبي ورفض كل أشكال الغزو والاحتلال والوقوف ضد تحويل أبين وشبوة إلى ساحة نفوذ تركي قطري مغلف بمليشيات يمنية وأدوات محلية ومرتزقة.
تحرك شبوة والمحفد ومودية سيزيد من تضييق الخناق على المليشيات المرابطة في شقرة، خاصة إن حظيت هذه التحركات بدعم ومساندة من المجلس الانتقالي لتنظيمها عسكريا وتوجيهها نحو تعزز الموقف الجنوبي الرافض للتواجد العسكري الشمالي على امتداد الساحل الجنوبي كله.
مصر والدور التركي
عندما تسلمت الإمارات الملف العسكري في عدن تمكّنت القوات الجنوبية التي دربتها ودعمتها أبوظبي من السيطرة التامة على سواحل بحر العرب وتأمين الساحل الشرقي من أبين حتى المهرة وبسطت الأحزمة والنخب سيطرتها حتى وادي حضرموت، وتجاوزت الجنوب إلى تقدّم صفوف المعارك في الساحل الغربي فوصلت إلى ضواحي الحديدة وأوشكت على تحرير المدينة غير أن اتفاق استكهولم قوض العملية العسكرية وأجبر القوات على الانسحاب.
تسلم السعودية الملف العسكري في الجنوب نقل الصراع من الساحل الغربي المحتل إلى الساحل الشرقي المحرر، وعمل على تقوية تيارات الإسلام السياسي داخل الشرعية اليمنية في تكتيك ومغامرة من المملكة لإبعاد المعركة من حدودها والتعايش مع جماعة الحوثي كأمر واقع، غير أن هذا التكتيك مكّن جماعة الإخوان المسلمين في اليمن من الاستقواء بقطر والاستعانة بأحلام الإمبراطورية العثمانية الساعية للعودة إلى المنطقة العربية عبر التسلل إلى مناطق الصراع كما هو حاصل في ليبيا وسوريا.
تسلم السعودية الملف العسكري في الجنوب نقل الصراع من الساحل الغربي المحتل إلى الساحل الشرقي المحرر، وعمل على تقوية تيارات الإسلام السياسي داخل الشرعية اليمنية
أصبح واقعا أن لتركيا وقطر دورا بارزا في معارك شقرة، وهو هدف إستراتيجي لتحويل الساحل الشرقي وباب المندب إلى منطقة نفوذ تركي تصبح معه الملاحة الدولية في البحرين العربي والأحمر خاضعةً لرحمة جماعات الإسلام السياسي التي تمولها أنقرة وتنفذ هي أجندات تركية بحتة؛ ما يعني بالتالي أن مغامرة السعودية أوصلت المنطقة إلى ورطة وجعلت مصر على شفا جرف هار من التوغل التركي الذي بات خطرا حقيقا يهدد مصالح القاهرة من باب المندب حتى سيناء.
خلاصة
وصول النفوذ التركي إلى مناطقَ إستراتيجيةٍ في سواحل بحر العرب والتمدد إلى باب المندب وغربا في سواحل البحر الأحمر، لا يعني في المحصلة إلا أنه نتيجة لسببين:
الأول: خطأ كارثي وقعت به السعودية عندما حاولت تأمين حدودها بنقل المعركة إلى الجنوب قبل أن ترتّبَ وضعا سياسيا يجتث حلفاء تركيا وقطر وأدواتهما من الجنوب.
الثاني: فشل سعودي في إدارة الملف العسكري وحسم الصراع في اليمن مع استحياء من الاعتراف بالفشل، فأرادت المملكة بالتالي الدفع بمصر إلى الواجهة للتدخل عسكريا في إطار التحالف العربي وتسليمها الملف في الجنوب لإعادة بناء ما حققته الإمارات، مع احتمال مغادرة السعودية المشهد كليا وتسليم مصر والإمارات قيادة التحالف بإستراتيجيات جديدة قد تتغير معها ملامح الخارطة السياسية لليمن.
- وهيب الحاجب: سكرتير تحرير صحيفة "الأيام" عدن