30-08-2020 الساعة 1 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| يعقوب السفياني
بعد تعليق المجلس الانتقالي مشاركته في مشاورات تنفيذ اتفاق الرياض، تهدّد الاتفاق أزمة معقدّة من غياب الثقة، وسط مخاوف المجلس من أن يُصبح بين كماشتي خصمين تدعمهم قطر وتركيا وإيران، وغضب الخدمات من الداخل.
في 26 من الشهر الجاري أغسطس/آب، أعلنَ المجلسُ الانتقاليُ الجنوبيُ تعليقَ مشاركَته في مشاوراتِ تنفيذ اتفاق الرياض [1]. قرارُ الانتقالي الجنوبي أتى بعد أسبوعٍ ساخنٍ من المواجهاتِ الداميةِ بينَ قوات المجلس وقوات الحكومة اليمنية في محافظةِ أبين، والأخيرة متهمةٌ بخرقها المستمر والمتكرر لوقف إطلاق النار، وهجومُها المتكرر على مواقعِ القواتِ الجنوبيةِ التابعةُ للانتقالي في أبين. البيانُ الذي أعلنَ فيه الانتقالي تعليقَ مشاركته، تضمّنَ أسباباً عديدةً، أهمها -وفقاً للانتقالي- استمرارُ التصعيد العسكري للقوات المحسوبة على الجانب الحكومي في أبين، وعدمُ التزام هذه القوات بوقف إطلاق النار بين الطرفين.
تحدّثَ الانتقالي في بيانه عن أكثر من 350 خرقاً موثّقاً لوقفِ إطلاقِ النار نفّذته القوات الحكومية، أسفرت هذه الخروقات عن سقوط أكثر من 75 مقاتلاً بين شهيد وجريح، منذُ اعلان هذا الاتفاق في 22 يونيو/حزيران من هذا العام، بحسب بيان الانتقالي الجنوبي.
وأوضحَ المجلس بقية الأسباب التي دفعته لخطوته هذه، تضمّنت استمرار عملية التحشيد العسكري باتجاه مناطق الجنوب، ومشاركة عناصر من تنظيمي القاعدة وداعش في التحشيد ضمن صفوف القوات الحكومية.
"إهمالُ اسر الشهداء والجرحى وانقطاعُ المرتبات والمعاشات الشهرية، استمرارُ الانتهاكات بحق المدنيين في مناطق سيطرة الحكومة، انهيارُ الخدمات العامة في محافظات الجنوب والعملة الوطنية، غلاءُ الاسعارِ وعدمُ وضع الحلول لكلِ هذهِ المشاكل"، أسبابُ أخرى تحدّثَ عنها الانتقالي الجنوبي في بيان تعليق مشاركته.
ولم تُعلّق حكومة هادي أو الرياض على قرار المجلس بشكلٍ رسمي. لكنّ قناة العربية السعودية كانت قد أجرت لقاءاً مع أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غويتريش أعرب فيه، عن تأييده الشديد لاتفاق الرياض، قائلا: "نراهن عليه لحل أزمة اليمن"، مشدداً على أن السلام هو الطريق الوحيد لحل الأزمة وإنهاء الصراع في اليمن.
الاتفاق يترنّح
في 29 يونيو/حزيران، أعلنَ سفيرُ السعوديةِ لدى اليمن، محمد آل جابر، عن آليةٍ لتسريع اتفاق الرياض بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية، وهو ما أعقبهُ جولاتٌ مكثفةٌ من المفاوضاتِ بينَ الطرفين، نتجَ عنها تعيينُ محافظاً جديداً لعدن، القيادي البارز في الانتقالي أحمد لملس، ومدير أمن جديد لعدن، اللواء محمد الحامدي. وكانَ من المفترضِ أن يُستكملُ الشقُ السياسيُ من اتفاقِ الرياض بتشكيلِ حكومة كفاءاتٍ جديدة، قبل أنْ تتعثرَ آليةُ تسريعِ اتفاقِ الرياض مع التصعيدِ العسكري المتزايد في أبين، وانهيارُ الوضعِ الخدماتي والاقتصادي في محافظاتِ الجنوب.
التصعيدُ العسكري في أبين تزامنَ مع سقوطِ محافظةِ تعز اليمنية بيدِ الجماعات المسلحة التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، وكانَ اللواء 35 مدرع، في منطقةِ التربة في تعز، آخر القلاع المناهضة لسيطرة الإخوان على المحافظةِ، قبل أن يسقط الأخيرُ بعد مواجهات عنيفة مع قوات الحشد الشعبي التابعة للجماعة [2]. وإضافة إلى أحداث تعز، شهدت محافظة مأرب -معقل الحكومة اليمنية - تقدّماً مستمراً لقواتِ الجماعة الحوثية وحلفائها. في 28 من الشهر الجاري، استهدفَ الحوثيون معسكراً تابعاً للحكومةِ في مأرب، أسفرَ عن مقتلِ العشراتِ من الجنود، بينهم شباب من محافظاتٍ جنوبيةٍ مجاورة.
"السعوديةُ التي تحاولُ إمساكَ العصاء من الوسط، تُظهرُ نوعاً من الانحيازِ غيرِ المبرر لجانب حكومة هادي"
اُعتُبرتْ سيطرة الإخوان على تعز، وتقدّمُ الحوثيين في مأرب، ضمنَ التطبيق العملي لأجندةِ المحور الثلاثي (قطر - إيران - تركيا)، وهو ما يضعُ جنوب اليمن بين كماشتي هذين المشروعين، في ظلّ استمرار التحشيد العسكري الحكومي باتجاه أبين، ودفع الحكومة بوحدات عسكرية متعددة كان من المفترض - بحسب محللين ومراقبين - أن تُساندَ القبائل في محافظة مأرب للتصدي للزحف الحوثي.
وبحسب تصريحات ناطق القوات الجنوبية في أبين، محمد النقيب [3]، استقدمت القوات الحكومية عشرات العناصر من تنظيمي داعش والقاعدة إلى أبين، بالتزامن مع قصف مدفعي عنيف نفذته هذه القوات على مواقع القوات الجنوبية التابعة للانتقالي في جبهتي "الطرية والقطاع الساحلي" بالمحافظة. خروقاتُ الجانبِ الحكومي استمرت طيلة الايام القليلة المنصرمة دون موقف واضح من السعودية، الراعي الدولي لاتفاق الرياض، وهو ما نتجَ عنه قرارُ الانتقالي الجنوبي تعليقَ مشاركته في مشاورات تنفيذ اتفاق الرياض.
ماذا بعد التعليق؟
اُعتُبر قرار الانتقالي الجنوبي بتعليق مشاركته في مشاورات تنفيذ اتفاق الرياض، بمثابة جرس إنذار بفشل هذا الاتفاق، وإجهاض الحل السياسي لأزمة جنوب اليمن بين المجلس والحكومة، المندلعة منذ أغسطس/آب من العام 2019.
في حوار ساخن مع وكالة "سبوتنيك" الروسية [4]، قال رئيسُ الجمعية العمومية وعضو هيئة رئاسة الانتقالي، اللواء أحمد سعيد بن بريك: "نحن نواجه يومياً وأمام مرأى ومسمع فريق مراقبة وقف إطلاق النار، المشكّل من قبل السعودية، ما يزيد عن خمس خروقات يومية تؤدي إلى مقتل وإصابة كثير من عناصرنا في مسرح العمليات في شبوة وأبين". بن بريك أضاف قائلاً:" وجدنا أنه لا توجد أي ضغوط على الطرف الآخر ولا وقف لتلك الأعمال".
وتحدثَ أحمد سعيد بن بريك عن حرب تقودها دول ضد الجنوبيين: " لدينا مأساةٌ وحربٌ تقودها تركيا وقطر على شعب الجنوب من خلال دعمهم المفرط لمرتزقة الجنوب وتجار الحروب من أجل استمرار القتال".
وتعليقا على مصير الإدارة الذاتية للجنوب، التي كان الانتقالي الجنوبي قد أعلن تراجعه عنها في مطلع أغسطس/آب، ضمن سعيه لإنجاح اتفاق الرياض، لوّحَ بن بريك بتصعيدٍ أكبر من الإدارة الذاتية، "جمّدنا الإدارةَ الذاتية تلبيةً لرغبةِ الأشقاء من أجل إعطاء الإخوان المسلمين ماء الحياة، الآن سننتقلُ إلى موقفٍ أصعب وأعمق من الإدارة الذاتية، لا تستبعد أنَّ نشكلَ حكومةَ تسيير أعمال من طرف واحد من المجلس الانتقالي وشرفاء الجنوب".
بن بريك: "لا تستبعد أنَّ نشكلَ حكومةَ تسيير أعمال من طرف واحد من المجلس الانتقالي وشرفاء الجنوب".
في المقابل، غرّدَ نائبُ رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، هاني بن بريك [5]، قائلاً:" المجلس الانتقالي لم يقطع المفاوضات ولم نغادر الرياض، يحدونا الأمل وتصحبنا الثقة أننا لن نغادر إلا وآلية تسريع اتفاق الرياض قد فُعّلت بما يخدم الجميع". هاني بن بريك أكد في تغريدته على عمقِ العلاقة مع السعودية معتبرها "ممهورةٌ بالدماءِ الزكيةِ، ولا يمكن أن تأتي لحظة يكون لنا فيها خيار بعيداً عن السعودية فشراكتنا مصيرية أبدية".
هل يفشلُ الحل السياسي؟
أكدّ الانتقالي الجنوبي أنّ التعليق سيستمر حتى إزالة وحلّ كافة الأسباب التي دفعته لخطوته هذه، ومن ضمنها إلزام الجانب الحكومي بوقف إطلاق النار، ووقف تدفّق العناصر الإرهابية المنتمية للقاعدة وداعش إلى صفوف القوات الحكومية، بالإضافة إلى حلّ مشكلة المتقاعدين العسكريين والأمنيين من الجنوبيين الذين لا يزالوا يعتصمون منذُ أكثر من شهرٍ أمام مقر التحالف العربي في البريقة بعدن.
ورغم أنَّ بعض بنود الشق السياسي قد نُفّذت، ومنها تعيين محافظ جديد لعدن، والأخير وصل إلى المحافظة في 27 أغسطس/آب الجاري، إلا أنَّ احتمالات الفشل تبقى قوية وحاضرة، خصوصاً مع حالة التصعيد العسكرية المتزايدة في أبين. فقد دفعَ المجلسُ الانتقالي الجنوبي بوحداتٍ عسكريةٍ إلى جبهاتِ القتالِ، مقابل تحشيد عسكري حكومي في شبوة ومأرب.
إنَّ صعوبةَ تنفيذ الشق السياسي من اتفاق الرياض تكشف عن نوع من الاستحالة لتنفيذ الشق العسكري منه، الذي يتضمّن انسحاباً متبادلاً للقوات والعودة لنقاط التمركز بعيداً عن المدن، وهو أمرٌ قد يكون مستحيلاً نظراً لأزمة انعدام الثقة الشديدة بين الطرفين.
يبقى نجاح اتفاق الرياض مرهوناً بجديةِ وحزم الموقف السعودي المتذبذب، وسعي المملكة لحلّ الأزمة عبر تطبيق وقف إطلاق النار ومراقبة الخروقات. السعوديةُ التي تحاولُ إمساكَ العصاء من الوسط، تُظهرُ نوعاً من الانحيازِ غيرِ المبرر لجانب حكومة هادي، والأخيرُ غادرَ في رحلةٍ علاجيةٍ إلى الولاياتِ المتحدةِ الأمريكية، وهو ما عرقلَ آليةَ تسريعِ الاتفاق.
السعوديةُ بوصفها راعي الاتفاق، بإمكانها العمل على تقريبِ وجهات نظر الطرفين، وتعزيز الثقة بينهما عبر تنفيذ الالتزامات المناطة بها. معالجةُ الوضع الإنساني الوخيم والحاد في مناطق الجنوب، والتصدي للتوغلات التركية الإيرانية، ووقف انتشار عناصر التنظيمات المتطرّفة، التي تتم عبر أدواتٍ محليةٍ ينتسبُ بعضها لحكومة هادي، هي مفاتيحُ الحلِّ الرئيسيةِ للأزمة، كما يقولُ كثيرون.
- يعقوب السفياني: صحفي ومحرر في مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة: محتجين عسكريين أمام بوابة مقر التحالف العربي بمديرية البريقة بعدن، بعد أن أغلقوا طريقا يؤدي للمقر، الأحد، 30 أغسطس (نشطاء)
مراجع:
[1]. البيان على موقع المجلس الرسمي stcaden.com
[2]. الإخوان المسلمون.. جمر فوق رماد تعز اليمنية south24.net
[3]. تصريح النقيب على تويتر twitter.com
[4]. حوار أحمد بن بريك مع وكالة سبوتنيك arabic.sputniknews.com
[5]. تغريدة هاني بن بريك في تويتر twitter.com
قبل 3 أشهر