التقارير الخاصة

وقفُ تصديرِ نفط حضرموت.. ورقةُ ضغط أم إستراتيجيةُ تحرر

26-09-2020 الساعة 3 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24| يعقوب السفياني


أخيراً، تجرّأت السلطات المحلية بمحافظة حضرموت الغنية بالنفط، إلى الشرق من عدن، واستخدمت ورقة النفط الاستراتيجية، في وجه حكومة هادي، المقيمة في الرياض، بعد اتهام الأخيرة بـ "التجاهل" تجاه سكّان المحافظة، والتسبب في انهيار الخدمات الأساسية فيها، الأمر الذي أخرج الحكومة اليمنية عن صمتها.

أعلن محافظ محافظة حضرموت وقائد المنطقة العسكرية الثانية اللواء فرج البحسني، الثلاثاء الماضي، 22 سبتمبر 2020، "توقيف تصدير النفط من حقول وميناء تصدير النفط (الضبة) في حضرموت اعتباراً من 1 أكتوبر 2020". 


وجاء هذا القرار عقب احتجاجات شعبية ساخنة شهدتها مناطق عدة في محافظة حضرموت طيلة الأسابيع الماضية، نددت بتردي الوضع الخدمي هناك.


وإلى جانب ما تواجهه الحكومة اليمنية الهشة الآن من استياء رسمي وشعبي واسع في حضرموت، لا تزال تخوض صراعاً سياسياً وعسكرياً إلى الغرب في عدن مع المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي سبق وأعلن عن خطوات تصعيدية هناك على ذمة مشكلات مماثلة تُتهم حكومة هادي بالتسبب بها، في وقت تصطدم فيه جهود المملكة العربية السعودية، قائدة التحالف في اليمن، نحو تحقيق آلية تنفيذ اتفاق الرياض، بتعقيدات واسعة.


البحسني انتقد تنّكر السلطات اليمنية لدورهم في المحافظة "لقد كان أملنا كبيراً في تقديرِ جهودنا التي بذلناها ومواقفنا الوطنية تجاه هذا الوطن والمواطنين وجهاً لوجه مع تنظيم القاعدة الإرهابي".

"حضرموت هي المحافظة الوحيدة التي تنتج خامَ النفط، وحققت ما لم تحققه أيّ محافظة أخرى"، ورغم ذلك يضيف اللواء البحسني: "تعاني من نقصٍ كبيرٍ في الكهرباء، الأمرُ الذي أدى إلى احتقانِ الشارع الحضرمي، وعجزت السلطة المحلية عن الإجابة حول تساؤلات الشارع بعدم إيفاء الحكومة بالتزاماتها". 


ووضع البحسني ست مطالب للحكومة اليمنية لتنفيذها: (صرف مرتبات القوات والأجهزة العسكرية والأمنية بصورة عاجلة، الالتزام بشراء الوقود لمحطات توليد الكهرباء في محافظة حضرموت، التزام الحكومة بسداد قيمة الطاقة المشتراة، التزام الحكومة بتوفير قطع الغيار والزيوت لصيانة محطات الكهرباء التابعة للدولة، إلزام الحكومة بإنشاء محطة الكهرباء 100 ميجا التي وجه بها رئيس الجمهورية وبصورة عاجلة، التزام الحكومة بتحويل نسبة المحافظة من مبيعات النفط في وقتها المحدد دون أي انتقاص).


قرارُ البحسني لم يعد خياراً


واتهمت مصادر سياسية بارزة الحكومة اليمنية بالتنصل عن واجباتها وممارسة أعمال فساد كبيرة، مشيرة إلى أنّ قرار إيقاف تصدير النفط، أملته "حالة الانهيار المريع للخدمات السياسية" في حضرموت.


واعتبر السياسيُ الجنوبيُ البارز وعضو هيئة رئاسة الانتقالي الجنوبي، علي الكثيري، لـ "سوث24" قرار البحسني بإيقاف تصدير النفط بأنه "قراراً أملتْهُ حالةُ الانهيارِ المريعِ للخدمات الأساسية وتنصّلُ الحكومةِ اليمنيةِ عن القيام بواجباتها في وقف ذلك الانهيار وتوفير مستلزمات سريان انتاج الطاقة في مديريات ساحل حضرموت تحديداً".


وقال الكثيري:" لقد وصلت حالةُ انهيارِ الخدماتِ في ساحلِ حضرموتَ وفي محافظات الجنوب الأخرى إلى مستوياتٍ لم يعد السكوت عنها إلا ضرباً من ضروب الخذلان".

وسبق وأعلن محافظ حضرموت، في سبتمبر/إيلول 2019، وقف تصدير النفط من المحافظة بسبب ما قال انه تقصير وتنصل من الواجب تمارسه الحكومة اليمنية تجاه حضرموت، لكنّ القرار أُلغيَ في وقتٍ لاحقٍ بعد استجابة جزئية لمطالب مشابهة.


ولمّح، الكثيري، وهو أيضا عضو وفد المجلس الانتقالي الجنوبي المتواجد في الرياض لـ "سوث24" باستيلاء الحكومة اليمنية على عائدات ملايين براميل النفط الخام، "وذهاب عائدات هذه الثروة إلى مصارف يشوبها الفساد والإفساد"، لذلك وبحسب الكثيري "أصبحَ من الضرورات اتخاذ خطوة ايقاف تصدير النفط التي هدّدَ بها اللواء البحسني، وهي خطوةٌ جاءت متأخرة ولكنّها لا تزال ورقة صالحة للضغط على حكومة تصريف الأعمال".


واعتبر المسؤول في المجلس الانتقالي الجنوبي أنّ "تفاقم الأزمات وحرب الخدمات التي شنّتها بعض الأطراف في الحكومة اليمنية ضد أبناء الجنوب"، تأتي "في سياق حزمة أفعالٍ تنهمك فيها تلك الأطراف للهروب من استحقاقات تنفيذ اتفاق الرياض، وهي أفعالٌ إنْ استمرت ستدفع بالأوضاع في محافظات الجنوب للخروج عن السيطرة".


الخروج عن الصمت


لم تتأخر الحكومة اليمنية بالرد، كعادتها، فبعد يوم واحد من تهديدات محافظ حضرموت بإيقاف تصدير النفط، ألقت الحكومة اليمنية بالمسؤولية على عاتق محافظ حضرموت نفسه.


وقال بيان حكومي، نشرته وكالة سبأ الرسمية، الخميس "أنَّ إجمالي الانفاق الحكومي المركزي المحوّل لمحافظة حضرموت خلال العام 2019 والربع الأول من العام 2020، بلغَ 150 مليار ريال يمني."


وفي حين أكد مصدر مسؤول "التزام الحكومة اليمنية الكامل تجاه مواطني حضرموت وكافة المناطق المحررة"، أعرب "عن استغرابه من استخدام هذه الورقة في رمي الاتهامات والتنصل من المسؤولية "، بحسب الوكالة الرسمية.


وزعم المصدر المسؤول أنّ "الحكومةُ قامت بموجبِ توجيهات فخامة الرئيس عبدربه منصور رئيس الجمهورية، بتنفيذ المحطة الغازية في وادي حضرموت بقدرة 75 ميجاوات، والعمل جار حالياً عبر شركةِ بترومسيلة وضمن توجيهات فخامة الرئيس بإعداد التصورات اللازمة لإنشاء محطة بقدرة 100 ميجاوات في ساحل حضرموت."


ماذا لو اُوقفَ التصدير؟


تصدر حضرموت أكثر من 80% من صادرات النفط اليمني، وخلال العام المنصرم 2019، شكلت صادرات النفط المستخرج من حضرموت ما نسبته 35% من إجمالي الإيرادات العامة لليمن. وفي حال تم ايقاف تصدير النفط، ستفقد اليمن أهم مصادر العملة الصعبة، وهو ما قد يتسبب بهبوط غير مسبوقٍ للعملة الوطنية، ما ينذر بانهيارٍ كاملٍ للاقتصاد اليمني الذي يعاني من أزمةٍ حقيقيةٍ في الوقتِ الراهن.


وبلغت قيمة العملة المحلية مستويات قياسية متدنية، في وقت لا تزال البلد تشهد أزمة إنسانية واقتصادية واسعة، تهدد حياة الملايين من الأشخاص، وتنذر بكارثة إنسانية و "مجاعة" بحسب تقرير أخير لمنظمة الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة.


حربٌ غير معلنة


في 14 من يونيو/حزيران من العام الجاري، أعلنَ المتحدثُ الرسميُ للمنطقة العسكرية الثانية، هشام الجابري، عن محاولة إغتيال فاشلة استهدفت موكب محافظ حضرموت، وتمت عبر عبوة ناسفة شديدة الانفجار زُرعت على الطريق الرئيسية المؤدية لقيادة المنطقة العسكرية الثانية بالمكلا.


محاولةُ اغتيالِ البحسني جاءتْ بعد أسابيعٍ قليلة من القرارات التي أصدرها وزير الداخلية اليمني، أحمد الميسري، قضت بإقالةِ شخصياتٍ أمنية في حضرموت موالية للبحسني، واستبدالها بشخصياتٍ أخرى مقربة من جماعة الإخوان المسلمين، التي ينتشر أفراد ألويتها في وادي حضرموت.


 "يتخوّف مراقبون من استمرار سيطرة جماعات موالية للحكومة على مناطق الإنتاج النفطي، لها صلات بتنظيمات إسلامية متطرّفة"


وكانَ الميسري قد أصدرَ قراراً قضى بإقالةِ مدير أمن ساحل حضرموت، منير التميمي، واستبداله بآخر موال للإخوان المسلمين. وفي 24 من سبتمبر/ أيلول الجاري، تعرّضَ مدير أمن المكلا السابق، العقيد جمال بن عون، إلى إصابةٍ برصاصِ مسلحين مجهولين ما لبث أن توفي على إثرها.


وفي حين يمثّل نفط جنوب اليمن، على ما يبدو، ورقة الصراع القادمة مع الحكومة اليمنية، خصوصاً في المناطق الشرقية من شبوة وحضرموت، يتخوّف مراقبون من استمرار سيطرة جماعات موالية للحكومة على مناطق الإنتاج النفطي، لها صلات بتنظيمات إسلامية متطرّفة، ما يجعل تحييد قدرات هذا الجماعات المسلّحة على الموارد النفطية، استراتيجية تحرر، قد تُعزز من المطالب المحلية لسكان جنوب اليمن، باستقلال بلدهم، بدلاً عن استخدامها كأوراق ضغط موسمية.


يعقوب السفياني: صحفي ومحرر في مركز سوث24 للأخبار والدراسات


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا