تحليل: لماذا اتهم الإخوان «مؤسسة جيمستاون» بالتحريض على إبادة الشرعية

تحليل: لماذا اتهم الإخوان «مؤسسة جيمستاون» بالتحريض على إبادة الشرعية

التقارير الخاصة

الأربعاء, 30-09-2020 الساعة 09:41 مساءً بتوقيت عدن

سوث24| بدر محمد 

منذ  خمسة أيام نشرت مؤسسة جيمستاون الأمريكية للدراسات والبحوث، تقريراً صحفياً عن التداعيات الأخيرة للحرب اليمنية، ركّز على تضييق الحوثيين والحكومة اليمنية "التي تسيطر عليها جماعة الإخوان"، لزاوية حربهما في مأرب على نحو مضطرد يهدد شرعية الأخيرة. الأمر الذي حفّز موقع "الصحوة نت" التابع لجماعة الإخوان المسلمين للرد بتقرير آخر، نشره بالإنجليزية، واتهم المؤسسة الأمريكية بالتآمر على الحكومة والتحريض على إبادة شرعيتها.

تقرير المؤسسة الأمريكية، المنشور، يوم 25 سبتمبر، بعنوان "هجوم الحوثيين في مأرب يمثل تهديدا مزدوجا للحكومة اليمنية"، اتهم القوات الحكومية بأنّها "إلى حدٍ كبير قوة قتالية غير متماسكة ومجمّعة معاً من مناطق ومحافظات مختلفة ولها دوافع سياسية متباينة، مما يعيق قدرة الحكومة على إملاء الأولويات الاستراتيجية والعملية."

"ورأى تقرير جيمستاون، بأنّ التحدي الرئيسي الذي قد يعزز قدرة الحوثيين في مأرب هو تردد الحكومة في إعادة نشر القوات المتواجدة في شبوة وحضرموت" معتبراً أن بقاءها في الجنوب يهدد بسقوط المدينة.

مرات قليلة التي أُثيرت فيها حفيظة الآلة الإعلامية لجماعة الإخوان ودفعتها للرد، ليس من بينها التقارير الصحفية التي تحدّثت عن العلاقة بين الجماعة وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، ولا الأخرى عن العلاقة السرية بين الجماعة والحوثيين برعاية تركية إيرانية وتصريحات الجانب الحوثي السابقة، التي تعززها، عن سريان هدنة غير معلنة بينهما في مأرب. بخلاف منشورات السخرية السياسية الصادرة عن أمين عام الجماعة محمد اليدومي من حساباته الشخصية، من هكذا تقارير وتصريحات رآها، لا ترتقي لمستوى الرد الرسمي أو استنفار الآلة الإعلامية.

ثمّةً اتهام سابق لجماعة الإخوان اليمنية (حزب الاصلاح) بالضلوع في عملية اغتيال المصور الصحفي العالمي نبيل القعيطي، صدر عن منظمة صحفيون بلا حدود وخص الجماعة بالذكر بتموضعها الملتبس هكذا (الحكومة اليمنية التي يسيطر عليها حزب الإصلاح). لذا عندما خصّت مؤسسة جيمستاون الحكومة اليمنية بالذكر وأشارت إلى تآكل شرعيتها استنفر موقع "الصحوة نت" الموقع الرسمي الناطق باسم حزب التجمع اليمني للإصلاح، من موقع الشعور اللاإرادي، بالرد باسم الحكومة وشرعيتها، وإخوانها أيضا.

الجدير بالذكر أنّ رد الجماعة على "جيمستاون" يُشبه الرد على "صحفيون بلا حدود" من حيث استحضار الهاجس التوقعي لغرض المؤسستين المدنيتين: التحريض على إبادة الحكومة الشرعية لـ "جيمستاون" والتحريض على إبادة جماعة الإخوان لـ "صحفيون بلا حدود". مازالت مرافعة الجماعة الدفاعية لم تبارح التموضع الملتبس المذكور آنفا.

حيث اعتبر تقرير الصحوة نت "أن جانباً من جوانب المؤامرة ضد الشرعية اليمنية يتضّح في التحيز المستمر ليس فقط لردود فعل الأمم المتحدة ولكن أيضاً للتقارير الإخبارية اليومية والأبحاث الدورية التي تنشرها وسائل الإعلام الغربية المختلفة والمؤسسات البحثية حول اليمن، ومؤسسة جيمس تاون أحدها".

بشكل غير مباشر، ذات مرة احتفت المواقع الإعلامية لحزب الاصلاح، بمقالة للخبير الامريكي ريغوري جونسون، حاولت الدفاع عن الحزب وفك الالتباس حول علاقته بتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، تحت مبرر التظليل الاماراتي لواشنطن. لمرة واحدة وحيدة، قامت بذلك، ثم كفّت عن الاحتفاء بمقالة الخبير الأمريكي ولم تكلّف نفسها فيما بعد عناء الرد الرسمي أو الطرق أكثر على هذا الموضوع. ربما بخلفيتها الإعلامية الخبيرة أدركت أنّ هذا قد يستحضر عنصر الإثارة والأخذ والرد في موضوع لا تود إثارته مطلقاً. لذات السبب، ربما، تتحاشى جماعة الإخوان الرد عن علاقتها الملتبسة مع الحوثيين.

"تكفّل إعلام الإخوان الرد على تقرير المؤسسة الأمريكية عوضاً عن الحكومة اليمنية، التي يسيطرون عليها" 

الملاحظ في تقرير جيمستاون الأخير، اعتماده الضمني لقاعدة لعبة الحرب في مأرب التي أرستها جميع الأطراف. لم يُشر التقرير إلى حضور أي بعد عقائدي طائفي هناك واقتصر على محاولة تجميع شتات البُعد السياسي والإلمام به في سياق ظروف المجتمع المحلي في مأرب ومراوحته بين الوقوف إلى جانب الحكومة والوقوف إلى جانب الحوثيين.

هذه القاعدة للقتال والحرب، يرى مراقبون أنّها بسبب ما تمثّله مأرب للذهنية اليمنية والإقليمية والدولية، من كونها المحافظة الأم للجماعات والتنظيمات الإرهابية. وبالتالي فالحكومة اليمنية مرغمة هنا على تحاشي إثارة البعد العقائدي في خطابها السياسي. بالنسبة لجماعة الإخوان هذه فسحة جيدة للتنصل من خطابها العقائدي في مأرب لصالح تمدد الجماعة الحوثية التي تقوم على كُنّة الخطاب الطائفي وإن كانت قد تحاشته عملاً بالقاعدة الجديدة للعبة الحرب في مأرب. هذه القاعدة صحية إلى حد ما للجماعة الحوثية ولتماسك المجتمع شمالاً.

في سياق متصل بهذا، تجنّب الرئيس هادي مؤخراً في خطابه الموجه لمأرب ومقاومتها المحلية، هو أيضاً، الإشارة إلى البعد الطائفي للحوثيين الذي طالما أشار له في خطابات سابقة. وهذا يعود بالذاكرة لأول خطاب ألقاه الرئيس هادي من عدن، بثته قناة بلقيس الممولة من قطر، عقب هروبه من صنعاء في العام 2015. كان ُمدبجاً بالعبارات الطائفية ضد الحوثيين، ووصفهم بـ "الرافضة الإثناعشرية". وإلى قبيل لحظة مقتل الرئيس صالح وبعدها، ظلّ هادي يؤكد على البعد الطائفي للجماعة الحوثية.

ما الذي حدث وماذا استجد، لماذا لا يقوى هادي وعناصر حكومته على استحثاث الخطاب الطائفي في مأرب، وعوضاً عنه لجأوا إلى استحثاث الخطاب السياسي الوطني؟ 

يبدو أنّ للأمر علاقة بمأرب، فهي بوصفها معقل الجماعات والتنظيمات الإرهابية، بحسب تقرير فريق الخبراء الدوليين التابع لمجلس الأمن الدولي الصادر في ديسمبر 2019، إذن هي تحت المجهر الدولي. لكن هل مأرب الجغرافيا هي مأرب الديموغرافيا التي تتحرك عسكرياً باتجاه الجنوب؟

لماذا يُستحضر الآن الخطاب السياسي الوطني في دفاع مأرب عن نفسها أمام جماعة طائفية كالحوثيين، بينما يُستحضر الخطاب العقائدي في هجوم مأرب على الجنوب والقوات الجنوبية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، والأخير كيان سياسي لا طائفي، والخلاف معه سياسي وحسب؟

لم يدّخر تقرير موقع الإخوان في اليمن "الصحوة نت" جهداً، في إلقاء اللائمة بالأخير على الإمارات والمجلس الانتقالي الجنوبي، في تحاشي يائس، للاتهامات التي أوردتها مؤسسة جيمساتاون. النعرات الانفصالية والحزام الأمني (القوات الجنوبية)، متلازمة إعلامية لا يمكن أن يخلو خطاب الإخوان المسلمين يوماً منها. 

- بدر قاسم محمد: باحث في مركز سوث24 للأخبار والدراسات، مختص بالشؤون السياسية اليمنية، كاتب في عدة صحف محلية 
- مركز سوث24 للأخبار والدراسات 

حزب الإصلاح جيمس تاون الحوثيون مأرب الشرعية المجلس الانتقالي