19-10-2020 الساعة 2 صباحاً بتوقيت عدن
سوث24| حسام ردمان
يتركّز النقاش حول كيفية دخول السفير الإيراني الجديد إلى صنعاء؟ ويُطرح هذا التساؤل بصيغة استنكارية لإدانة التحالف العربي والشرعية. إنّ طريقة وصول حسن ايرلو الى اليمن ليست المعضلة، فالرجل لم يعرف له أي تاريخ ديبلوماسي ولم تُنشر صورته حتى في وسائل الاعلام، ولا يشترط صحة الأخبار التي تفيد بدخوله عبر رحلة طيران من عُمان.
بحسب المعلومات الأولية والمؤكدة، فإن ايرلو يُعتبر أحد أهم قيادات الحرس الثوري، وبالتالي فإن بمقدوره التسلل إلى اليمن خفية كحال عشرات الخبراء الإيرانيين واللبنانيين. والجدير بالمناقشة هو توقيت القرار ودلالة أن تُجاهر إيران بوجودها العسكري في اليمن بل وتمنحه غطاءً سياسياً.
وبوسعنا إضافة عامل جديد لتفسير الانفتاح الحوثي على غريفيث، وسر التزامهم بتقديم عربون صداقة مُغري للأمم المتحدة يخفف استباقيا من الإدانة الدولية التي قد يواجهها. وبحكم الضرورة سيواصل غريفيث (ومن ورائه البريطانيين والأوربيين) التعامل مع الحوثي لاستكمال المرحلة الثانية من عملية تبادل الأسرى، لأنّها رأس المال الساسي الوحيد لاستدامة الوساطة الاممية.
"الجدير بالمناقشة هو توقيت القرار ودلالة أن تُجاهر إيران بوجودها العسكري في اليمن بل وتمنحه غطاءً سياسياً."
لكنّ الأهم هو ما تُمثّله هذه الخطوة من تغيّر جوهري في المقاربة الإيرانية للصراع اليمني؛ فخلال الأعوام الثلاثة الأولى للحرب، فضّلت إيران أن تعزز من سردية الاستقلال الذاتي الحوثي وأن تقدم نفسها كحليف سياسي يساند جماعة محلية مظلومة، وذلك تجاوبا مع نمط الحرب الاستنزافية في اليمن ومع مقتضيات الاتفاق النووي.
حينها كان الملف اليمني بيد جواد ظريف وما يُعرف (بتيار المعتدلين)، لذا فقد طغى أسلوبهم ورؤيتهم على إدارة الأزمة. لكن مع الوقت، وبحكم تبدّل موازين القوى في الداخل الإيراني لمصلحة صقور الحرس الثوري، فقد طغت مقاربة جديدة ترى أنّ من الأجدى الاستثمار أكثر في عسكرة الصراع بدلاً عن التسوية.
وفي العامين ٢٠١٨-٢٠١٩، أخذت طهران توطّد من علاقتها الرسمية مع الحوثيين، وعيّنت لهم سفيراً معترفاً به في إيران، وكثفّت من تواجد ضباط الحرس الثوري (بعد أن أسدت سابقا مهام نقل الخبرات التقنية والتدريبية إلى حزب الله)، وكثّفت من عمليات التهريب المنظم لتعزيز القدرات التسليحية للمليشيات الحوثية من خلال الصواريخ الحرارية وتطوير صواريخ سكود والسلاح غير التقليدية مثل الطيران المسيّر؛ هذه السياسة مثلت التجاوب الإيراني مع الديناميكيات الإقليمية التصعيدية بعد إلغاء الاتفاق النووي وتصفير الصادرات النفطية وتصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية.
ارتكزت هذه السياسة على تحويل اليمن، من مجرد منطقة نفوذ جيوسياسي، إلى منصة عسكرية متقدّمة لاستهداف المصالح الغربية والخليجية. وهو ما بلغ ذروته باستهداف ممرات الملاحة في البحر الأحمر ومصادر الطاقة في السعودية.
واليوم فإن تعيين ايرلو سيؤرّخ لمنعطف ثالث في السياسية الايرانية تجاه اليمن؛ مرحلة يَصعبُ استكشاف ملامحها الاستراتيجية حتى تنتهي حالة "عدم اليقين" وتظهر نتائج الانتخابات الأمريكية.
لكنّ طهران تتحضر لخيارين على الأرجح؛ فهي من جهة تعزّز نفوذها العسكري المباشر في اليمن بما يعني مزيداً من التهديدات للجوار الاقليمي في حال قرر ترامب أو التحالف العربي استئناف سياسة الضغط الأقصى. ومن جهة أخرى تقوم بشرعنة وجودها الميداني ومنحه صفةً رسميةً كي تحسّن موقعها التفاوضي في حال قررت الإدارة الديمقراطية استئناف مسار التسويات الاقليمية وتفعيل الاتفاق النووي.
ومع وجود ايرلو في صنعاء سوف تزداد قدرات الحوثيين وخبراتهم، وفي نفس الوقت سوف يزداد ارتباطهم العضوي بطهران ويتلاشى ما تبقّى لهم من هامش استقلالية - روّج الخبراء الغربيون إلى أنّه يجب استثماره لأنّه - قد يدفعهم إلى الانخراط في تسوية سياسية تعزّز من نفوذهم المحلي وتحسّن علاقتهم الثنائية مع الرياض.