13-01-2021 at 10 PM Aden Time
سوث24| قسم التحليلات
أكد خبراء وسياسيون من جنوب اليمن، بأنّ مشروع التصالح والتسامح الوطني الذي دُشن في العام 2006، لا يخصّ وحسب ذكرى أحداث يناير86، بين الطبقة السياسية الحاكمة حينها، وإنما يشمل مختلف الصراعات الماضية، وشددوا على ضرورة أن يتحول إلى منهجية مؤسسية تمنع من تكرار الأخطاء السياسية، ورأوا أنّ البديل عن هذا المشروع هو تحوّل الجنوب لـ "فريسة للأطماع الخارجية".
ويحتفل أهالي جنوب اليمن، اليوم الأربعاء، بالذكرى الـ 15 لإعلان التصالح والتسامح، الذي تم تدشينه في جمعية ردفان الخيرية في عدن، عاصمة جنوب اليمن يوم 13 يناير 2006. يتم الاحتفال بهذه الذكرى سنوياً بمشاركة جماهيرية كبيرة، وفعاليات شعبية وثقافية وسياسية متنوّعة.
جمعية ردفان الخيرية، التي تأسس فيها المشروع في 2006، تعرّضت للإغلاق لمدة 14 عاما. (أرشيف)
الدوافع
قبل إعلان التصالح والتسامح، عصفت بدولة اليمن الجنوبي منذ قبل إنشائها في نوفمبر 1967 جولات من الصراعات السياسية بخلفية مناطقية، تخللتها مواجهات عسكرية محدودة وأعمال انتقام، لكنها تُوّجت بالصراع القاسي بين أجنحة النظام الاشتراكي- الذي حكم الدولة - في يناير/كانون الأول الدامية عام 1986، الذي استمر لثلاثة أيام متتالية، سقط خلاله آلاف الضحايا من المدنيين والنخبة الحاكمة.
يقول مدير مكتب المجلس الانتقالي الجنوبي في أوروبا، وأحد المساهمين في تأسيس مشروع التصالح والتسامح، أحمد عمر بن فريد لـ سوث24 "قبل أن تتحرك المسيرة الوطنية الجنوبية كانت هناك نوع من الجروح التي كانت لا تزال موجودة نتيجة الأحداث السابقة، ومن المهم جداً الإشارة هنا، إلى أنّ مشروع التصالح والتسامح لا يخص 13 يناير فحسب، لكنه في الحقيقة يختص بكل الصراعات التي مرت على الجنوب حتى بمرحلة قبل الاستقلال".
لا يتردد بن فريد، الذي أظهر أسِفه لتلك الصراعات، من تشخيص حقيقتها العصبوية، "حتى وإن بدت تحمل طابعاً سياسياً وربما أيدولوجي إلى حدٍ ما لكنّها في عمقها وحقيقتها أخذت نوع من التعصب المناطقي والقبلي وتركت جراحاً عميقة جداً في اللحمة الوطنية الجنوبية".
قبل انطلاق حركة الاحتجاجات الجنوبية "الحراك الجنوبي" في العام 2007، كان على القيادات العسكرية والسياسية الجنوبية التي كانت تستعد لإطلاق "هذه الحركة" ضد النظام الشمالي الذي يتحكم ببلدهم، وضع قواعد متينة لإنجاح مساعيها لاحقاً.
يقول السياسي والقانوني الجنوبي يحيى غالب الشعيبي، كان "للتصالح والتسامح الجنوبي دور فعّال في تأسيس وانطلاق الحراك الجنوبي وكان الأرضية الصلبة - ولا يزال - التي يسير عليه قطار الثورة الجنوبية".
ويضيف الشعيبي، لـ "سوث24"، وهو أحد المساهمين في تأسيس هذا المشروع، لقد "كان التصالح والتسامح الحلقة المفقودة في مسار وانطلاق عجلة الثورة وشكّل عامل ثقة وركن زاوية" لها".
مثلّت الأحداث العسكرية التي شهدها اليمن الجنوبي في السابق، بمثابة "ضربة قاصمة" لتماسك ومصير البلد، حيث ساهمت في دفع قادة النظام نحو وحدة "غير محسوبة"، سهلّت للنظام اليمني في صنعاء، اجتياح الدولة التقدّمية الفريدة في جنوب الجزيرة العربية بالقوة العسكرية في عام 1994، مستغلاً الخلاف الذي كان حديثاً بين نخبها السياسية آنذاك، وطرد حكّامها إلى المنفى، ومضى بتفكيك مؤسسات الدولة والسيطرة عليها بشكلٍ كامل.
لهذه الأسباب، و"أمام حدث كبير جداً عاشه الجنوب بعد حرب 94 الظالمة، وبداية تشكّل حركة وطنية"، يقول بن فريد، في حديث صوتي مع سوث24 "كان من الضروري جداً أن نؤسس لأن تكون هذه الحركة قويّة، ولا يمكن أن تكون قوية إلا إذا توحدّنا وطوينا صفحة الماضي ورمينا كل الجراحات وراء ظهورنا"، ويشدد "هذا كان هدفنا الحقيقي".
فعاليات رياضية جنوبية في الذكرى الـ 13 للتصالح والتسامح، نظمها المجلس الانتقالي الجنوبي في أبين. (رسمي)
محطة فخر وتحدّي
يتفاخر الجنوبيون بترسيخ مشروع التصالح والتسامح، كدليل قل نظيره يعكس مستوى الوعي الوطني والأخلاقي الذي جسّدوه، بعد تجاوز الماضي الأليم، والتأكيد على الاستفادة منه وترسيخ قيمه الوطنية، كما يقولون.
أقيمت الفعاليات الثقافية والفنية والرياضية والأدبية منذ ذلك التاريخ، وتسابقت المدن على تبني الاحتفال السنوي بهذه المناسبة.
أقسم الجنوبيون في العام 2007 بحرمة دم الجنوبي على الجنوبي، رغم ما تعرّضت له هذه الجهود من حرب ممنهجة من قبل النخبة الحاكمة في صنعاء. لأعوام كثيرة لاحقة، خلّد الجنوبيون هذه الذكرى، رغم التحديّات.
يقول بن فريد "عقب اجتماعنا بجمعية ردفان في 2006، قامت السلطة بتشميع الجمعية، وحدث هناك هجوم إعلامي رسمي ضد مشروع التصالح والتسامح، وهي ظاهرة غريبة جداً لكنّهم فعلوا ذلك لأنهم يدُركون أنّ هذا المشروع خطير في بعده الوطني وما يمثله من أرضية لانطلاق تهديد لأهدافهم ومطامعهم".
الرئيس اليمني هادي بعد عودته إلى عدن لأول مرة منذ تحريرها من الحوثيين، وبجواره يظهر قيادات المقاومة الجنوبية بينهم الزبيدي وشلال شائع في ميناء عدن، 04 يناير 2016 (الصورة: الأناضول)
نقطة تحوّل تاريخية
في عام 2015 سقط نظام صنعاء التقليدي في معظم مدن جنوب اليمن عقب تحريره من قبل المقاومة الجنوبية، بدعم من تحالف عربي بقيادة السعودية والإمارات، من الغزو الموسّع لمقاتلي الحوثي وحلفائهم من المؤتمر الشعبي العام الذي كان يقوده حينها الرئيس السابق علي صالح.
تشتتت قوات الجيش التقليدية للنظام اليمني، التي كانت تُحكم سيطرتها على البلاد، وتشكّلت قوات بديلة من الجنوبيين، بدعم الإمارات العربية المتحدة سيطرت على معظم الأراضي الجنوبية.
رأى يحيى غالب الشعيبي بأنّ "فترة 2015 كانت عامل النصر الجنوبي للمقاومة الجنوبية في عدن وأرجاء الجنوب وكان النصر بسبب التصالح والتسامح والثقة المتبادلة بين رجال السلاح والتصالح والتسامح البوابة التي تم منها دخول الرئيس هادي"، عقب هروبه من صنعاء.
عيّن الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، قيادات جنوبية تدعو لاستقلال جنوب اليمن في مناصب رسمية في الدولة. مثّل ذلك نقطة تحوّل تاريخية في مسار الأحداث السياسية والاجتماعية في الجنوب، وعززت مشروع التصالح والتسامح بشكل أوسع، وفقا للكثير.
انتكاسة؟
لكنّ مع توسّع نفوذ الحوثيين في جغرافيا شمال اليمن، وسيطرتهم على معظم أراضيه، وتزامنا مع اتفاق الحديدة، وتعيين جنرال حرب 94 المقرّب من الإسلاميين، علي محسن الأحمر، نائبا لرئيس الجمهورية، تحوّلت أنظار الحكومة التي كانت تقيم في الرياض إلى الجنوب، بعد تأزّم علاقتها مع دولة الإمارات العربية المتحدة، بسبب إقالة قيادات جنوبية من الحكومة.
اندلعت الحرب بين المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي تأسس في 2017، وبين الحكومة الشرعية السابقة، التي سيطرت جماعة الإخوان المسلمين على قرارها - بعد متوالية من الأحداث السياسية والعسكرية في عدن والمحافظات الجنوبية المجاورة، بين عامي 2018 – 2020، شارك فيها جنوبيون من الطرفين.
ربط بن فريد تلك الأحداث بدرجة أساسية بـ "الحرب المستمرة منذ اليوم الذي شمّعوا فيه جمعية ردفان حتى ما بعد انهيار دولة الاحتلال وعملية الفتن التي زرعوها بعد ذلك والأموال التي ضخوها لإحداث الفتنة وإحياءها".
لذا يقول المسؤول البارز في الانتقالي الجنوبي: "في ظل الظروف المعيشية الصعبة، في ظل انعدام الدولة، وفي ظل انعدام الحرية في التنقل ومع وجود السلاح والمال والمشاريع طبعاً - التي للأسف الشديد تبنتها قلة من النخب - ألبسوا هذا الصراع- إلى حد ما- بعُد مناطقي، وكان له تأثير لكنه ليس بالخطير".
ويشدد بن فريد، الذي يقيم حالياً في ألمانيا، "أعتقد أنّ مشروع التصالح والتسامح أكبر بكثير من هذا الشرخ الذي حصل مؤخراً وقادر على تجاوزه بكل تأكيد".
يتفق معه بذلك المحامي الشعيبي، ويشدد "رغم الأحداث الداخلية المؤسفة إلا أنّ التسامح كان نهجاً سياسياً صادقاً للقيادة السياسية انعكس بقرارات الرئيس عيدروس الزبيدي في العفو العام وصيانة دماء الجنوبيين". "وهذا شكّل عامل ثقة كبيرة للناس".
ويضيف الشعيبي "في حرب شقرة لاحظنا روح التسامح والإخاء بمن تم أسرهم او استسلموا، لقد تم صيانة وحفظ كرامتهم وإطلاق سراحهم من الطرفين".
كذلك يرى الباحث في الشؤون السياسية اليمنية بدر قاسم محمد: "رغم ايماني بتظافر جهود القوى المتربصة بالجنوب لإحداث ضرر بوحدة الصف الجنوبي إلا أنّه مقارنة بالهالة الإعلامية حوله لا يعد ضرراً بالغ".
ويضيف محمد في حديث لـ سوث24 "هو ضرر عرضي وطفيف بإمكان الجنوبيين تجاوزه والبناء على التصالح والتسامح مرة أخرى وأقوى من ذي قبل"، "هم جديرون بالحرب مع أعداء الجنوب وجديرون بالسلام فيما بينهم." في إشارة للجنوبيين.
أهالي من جنوب اليمن، يحتفلون بذكرى التصالح والتسامح، في خور مكسر بعدن، 13 يناير 2015. ( المصدر: شبوة الحدث)
الأخطار والمصير
وعلى الرغم من طي صفحة المعارك الأخيرة في محافظة أبين وشبوة، بعد تنفيذ اتفاق الرياض الموقّع بين الطرفين في نوفمبر 2019، وتشكيل حكومة المناصفة الجديدة بين الشمال والجنوب، في ديسمبر 2020، وعودة الجميع إلى عدن، إلا أنّ البعض لا يزال يعبّر عن مخاوف حقيقية قد تواجه هذا المشروع.
لا يتفاءل القيادي في الحراك الجنوبي، وأحد المساهمين في تأسيس مشروع التصالح والتسامح، العميد علي السعدي، كثيراً بالخطوات الذي حققها مشروع التصالح والتسامح.
وعوضاً عن ذلك، قال السعدي، في تغريدة نشرها على صفحته الشخصية، وبعث بها كرد على أسئلة "سوث24": "أثبتت الشعارات فشلها على الواقع، والاعتراف الواضح الصريح بالمناطقية بدلاً عن إنكارها، وتسخيرها للمحبة والوئام مع بقية المناطق، هو الأفضل".
في حين رأى بن فريد أنّ ترسيخه يتم "بفهم الهدف الرئيسي للمشروع، لأنّ وجود هذا المشروع بكل أبعاده الأخلاقية والبعد الوطني والبعد السياسي، الهدف الرئيسي منه إيجاد أرضية صلبة لمشروع الاستقلال".
ويضيف القيادي في الانتقالي الجنوبي "طالما هذا المفهوم راسخ في أذهان العامة من الشعب، أنا أعتقد بأنّه لن يكون هناك أي تهديد".
لكنّ "الخطر الرئيسي الذي يجب أن يفهمه من يفرّط ومن يتلاعب أو يتساهل مع مفهوم التصالح والتسامح هو: ما هو البديل؟" يتساءل بن فريد، ويجيب: "البديل صراعات، وانقسامات. البديل هو ضعف ودمار للجنوب وبالتالي يُصبح فريسة سهلة للأطماع الخارجية وهو ما تريده الأطراف الشمالية لتشرعن مرة أخرى للاحتلال".
ولتطوير هذا المشروع الوطني مستقبلاً، يرى الشعيبي استمرار ذلك "بالسلوك اليومي من خلال تكريس ثقافته ومنهجته مؤسسيا، ليكون بمثابة واقي من تكرار أخطاء السياسة وكوارثها، وتنمية جيل جديد بفكر تسامحي من خلال" إدراج ذلك "بالمنهج الدراسي".
ويتطلب ذلك وفقاً للباحث السياسي بدر محمد "روحاً توافقية على المصلحة العليا للجنوب في هذا الظرف السياسي والعسكري الهام والخطير". ويشدد على ضرورة "الاتفاق على كل ما من شأنه تعزيز روح الشراكة والاتحاد"، حيث يرى أنّ "مشروع الدولة الجنوبية هو مشروع دولة اتحادية".
وعلى الرغم من أنّ مشروع التصالح والتسامح، استطاع إلى حدٍ ما من ترسيخ قيم الاختلاف السياسي وحرية التعبير. إلّا أنه ينبغي على القوى الوطنية أنّ تعزز بصورة أعمق من نهج الحوار واتخاذه ركيزة أساسية لتجاوز كل الخلافات.
رئيس مركز سوث24 للأخبار والدراسات
محرر وصحفي في مركز سوث24 للأخبار والدراسات
Previous article
9 Days ago